الانتهاكات “الإسرائيلية” للأقصى والمواقف المخجلة للقادة العرب
الدكتور أنيس الخصاونة ——
بون شاسع يفصل بين المواقف الشعبية ومواقف الحكام العرب إزاء ما يجري في الأقصى من انتهاكات صارخة وهجمة شرسة من المتطرفين اليهود المدعومين بحماية حكومية .اليهود يريدون أن يفرضوا أمرا واقعا يتعلق باقتسام المسجد بينهم وبين العرب تماما مثلما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل قبل عقد ونيف من الزمان. وفي الوقت الذي لم يعد أمرا خفيا أن يقوم اليهود بهذه الحملات شبه اليومية لفرض سيطرتهم على الأقصى فإن مواقف القيادات العربية تكاد تكون مخجلة ويندى لها جبين كل من بقي لدية كرامة ومروءة وغيرة على دينه وكرامة شعبه.
تصريحات نظرية وكلمات منتقاة وخطوط حمر يشير لها وزراء الخارجية، وصراخ وعويل مصطنع في الهيئات الدولية، ورفض واستنكار لاقتحامات اليهود للمسجد واليهود ماضون في مخططاتهم وهم يعلنون على الملأ أن هذا المسجد أو على الأقل موقعه هو مقدس بالنسبة لهم وأنهم سيقيمون الهيكل مكانه. يا ترى ماذا فعل ملك المغرب للقدس والأقصى وهو رئيس لجنة القدس؟ وماذا فعلت القيادات الخليجية للتأثير على ما يجري من أحداث جسام في أولى القبلتين؟ وهل ينتظر من عبدالفتاح السيسي أن يحرر القدس والأقصى؟
مواقف الشعوب العربية واضحة وقلوب المسلمين والمسيحيين تنفطر على ما يجري في القدس ولكنهم لا يملكون دبابات ولا طائرات ولا أسلحة تمكنهم من فعل شيء لا بل فإنه فليس بمقدور مواطن اجتياز الحدود الأردنية نحو الضفة بسبب الحراسة الأردنية! الوفود الإسرائيلية تمرح وتسرح في الأردن بحراسة دوريات أمنية وحماية الشرطة الأردنية لهم في حلهم وترحالهم ونومهم.
الحكام العرب وهم يتفننون في إطلاق التصريحات بشأن ما يحدث من انتهاكات للأقصى فهم بالتأكيد يوجهونها لمواطنيهم وللرأي العام المحلي ولا يستهدفون التأثير على المواقف والانتهاكات الإسرائيلية. ينتاب المواطنين ألما شديدا وإحساسا بالاستهتار والإستغباء وهم يسمعون تصريحات نارية تعبر عن السخط لما يجري في القدس؟ أهلا بالسخط والخطوط الحمر؟ وأهلا بالوعيد بإمكانية أن تتأثر العلاقات مع إسرائيل إذا تكررت مثل هذه الانتهاكات؟ من يشتري مثل هكذا تصريحات؟ وهل يأخذ اليهود هذه التصريحات على محمل الجد؟ أعتقد أن ما يقوله ويعلنه القادة العرب بتواصلهم السري مع إسرائيل هو عكس ما يعلنونه لشعوبهم وإسرائيل تعلم ذلك وسبق لها أن تعاملت مع هؤلاء القادة الذين يظهرون مواقف مزدوجة ومتضاربة مع وجدان جماهيرهم واتجاهات مواطنيهم نحو مقدساتهم.
القادة العرب منافقين ولا تشكل القدس أبرز أولوياتهم وهم بتصريحاتهم وخطوطهم الحمراء يهدفون إلى إقناع شعوبهم بأننا نفعل ما بوسعنا في الوقت الذي لا يفعلون شيئا لحماية الأقصى والمقدسات. قادة الأمة ليسوا أهلا للاستغاثة والاستنجاد بهم فهم جزء من المشكلة وليس لديهم حلولا ولا إرادة ولا نية خالصة لديهم لخدمة مقدسات الأمة وأقصاها وقبة صخرها .قادة الأمة طواغيت مشغولين بتعزيز أنظمتهم الفاسدة ومحاربة حركات التحرر في شتى بقاع العالم العربي.معظم قيادات الأمة تشجب إسرائيل في العلن ومن على منابر التلفزة وتمالئها وتتحالف معها بالسر. المواطنون العرب من مراكش إلى جدة ومن نجدٍ إلى يَمنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ يعرفون أن مصيبتهم في قادتهم وأنظمتهم الفاسدة وسيأتي اليوم الذي تقتنع الشعوب العربية أن معركة تحرير الأقصى والمقدسات تبدأ بتحرير الأمة من كثير من كياناتها وأنظمتها الفاسدة وأن تنظيف وشطف الأدراج يبدأ من الأعلى لا من الأسفل.
سيسجل التاريخ العربي بأحرف سوداء تخاذل هؤلاء الحكام وسيسجل التاريخ أيضا أن الأقصى والقدس لم ولن يكونا إلا إسلامية عربية وهذا ما لا نعرف كيف ومتى وأين سيتم ذلك ولكن نحن موقنين “بوعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون”. الأقصى لن يفعل له الرؤساء والأمراء شيئا ولن يحميه الملوك ولكنه محمي من قبل ملك الملوك بإذن الله…
كاتب أردني
المصدر : رأي اليوم