ارتفاع أسعار الغذاء يدفع العالم العربي إلى الانهيار
السياسية:
تعاني العديد من الدول في العالم العربي وتحديداً في شمال إفريقيا من ارتفاع جنوني لأسعار الغذاء والمعيشة الذي يفرض ضغوطاً متزايدة على الحكومات، مما يهدد بانفجار الاضطرابات في هذه الدول، ودفع المنطقة برمتها نحو الانهيار.
وفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن مستوردي الغذاء والطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هم الأكثر عرضة للصدمات التي تتعرض لها أسواق السلع الأساسية وسلاسل التوريد نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية. وهذا في البلدان التي ساعد فيها ارتفاع تكاليف المعيشة في اندلاع انتفاضات الربيع العربي قبل ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمان.
وارتفعت تكاليف الأغذية العالمية بأكثر من 50% من منتصف عام 2020 إلى مستوى قياسي هذا العام وتحاول الأُسر في جميع أنحاء العالم التعامل مع الضغوط على ميزانياتها. وفي شمال إفريقيا، التحدي أكثر حدة بسبب إرث سوء الإدارة الاقتصادية والجفاف والاضطرابات الاجتماعية التي تجبر الحكومات على السعي للحفاظ على الموقف السياسي الحساس في وقت غير مستقر.
وسلط تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية الضوء على الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها كل من مصر والمغرب وتونس مؤخراً، مضيفاً أن هذه الدول التي يعيش فيها عدد كبير من سكان المناطق الحضرية ويفتقرون إلى الثروة النفطية، تكافح لمواصلة دعم المواد الغذائية والوقود علها تساعد في كبح السخط الشعبي.
* “إلى متى سنتحمّل؟!”
وفي الوقت الذي يحتفل فيه العالم الإسلامي بشهر رمضان، وعلى عكس موائد الإفطار الوفيرة المعتادة، فإنَّ الشهر الكريم بالنسبة للكثيرين في مصر وأقرانهم في جميع أنحاء شمال إفريقيا هذا العام هو مواجهة مع واقع اقتصادي مؤلم، بحسب بلومبرغ.
يقول أحمد مصطفى، سائق يبلغ من العمر 35 عاماً وأب لثلاثة أطفال في القاهرة، لوكالة بلومبرغ: “إلى متى سنتحمل؟”. وقال إنه اضطر بالفعل إلى بيع بعض الأجهزة حتى يستطيع إطعام عائلته وتغطية نفقات أخرى. وأضاف: “يُطلب منا باستمرار خفض الاستهلاك، لكن لم يتبقَّ الكثير لخفضه”.
وتكافح الحكومات في مصر والمغرب وتونس، التي تضم عدداً كبيراً من سكان الحضر وتفتقر إلى الثروة النفطية، لمواصلة دعم المواد الغذائية والوقود التي تساعد في كبح السخط.
وحذّر برنامج الغذاء العالمي من أنَّ قدرة الناس على الصمود وصلت لمرحلة “حرجة”، بينما تحركت الإمارات العربية المتحدة لمساعدة حليفتها مصر، أكبر مشترٍ للقمح في العالم، لتعزيز أمنها الغذائي ودرء عدم الاستقرار المحتمل. وتسعى مصر أيضاً للحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي.
* “تسونامي” ارتفاع الأسعار في مصر
قبل أسابيع قليلة، سارع المسؤولون المصريون إلى الافتخار بحقيقة أنَّ اقتصاد الدولة العربية الأكثر اكتظاظاً بالسكان قد نجا من الوباء وحقق نمواً قوياً. كان التضخم أيضاً تحت السيطرة.
لكن تغير ذلك بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022. فقد سحب المستثمرون مليارات الدولارات من سوق الديون في البلاد وانخفضت العملة بنسبة 15%. وحظرت مصر صادرات المواد الغذائية الرئيسية بما في ذلك الدقيق والعدس والقمح.
وقالت الحكومة إنَّ العملية العسكرية أدت إلى ارتفاع أسعار دقيق القمح بنسبة 19% والزيوت النباتية بنسبة 10%، بحلول أوائل مارس/آذار. وهذا في بلد يبلغ متوسط دخل الأسرة فيه نحو 5000 جنيه مصري (272 دولاراً) شهرياً -التي يُنفَق نحو 31% منها على القوت، وفقاً لوكالة الإحصاء التي تديرها الدولة.
قال هلال الدندراوي، موظف حكومي متقاعد في مدينة أسوان الجنوبية، إنه يستعد الآن لارتفاع أسعار الوقود وتسونامي من الزيادات الأخرى. وأضاف: “نعيش في أزمة أسعار في السلع والخدمات والكهرباء والمياه والغاز”.
هناك وضع أسوأ في تونس، الدولة التي ولّدت ثورات الربيع العربي، والتي تغرق في الاضطرابات السياسية منذ ذلك الحين. وتضخّم الاقتصاد المتعثر نتيجة الأزمات الداخلية بين المسؤولين الآن بسبب “كوفيد-19” والعملية الروسية في أوكرانيا.
وحذّر البنك المركزي من ضرورة اتخاذ تدابير قوية لإصلاح الاقتصاد، لكن هذه الجهود تعرقلت مراراً وتكراراً من الاتحاد التونسي العام للشغل القوي. وتتجه تونس أيضاً إلى صندوق النقد الدولي وسط تحذيرات من مخاطر التخلف عن سداد ديونها.
وتقول بلومبرغ إن المعضلة التي يواجهها أحمد مسعود، وهو تاجر يبلغ من العمر 40 عاماً في المدينة القديمة بالعاصمة تونس، تجعل تلك القضايا الأوسع نطاقاً موضع تركيز أكثر حدة. واشتكى من أنَّ ندرة السياح، التي بدأت بسبب الوباء، تفاقمت الآن بسبب الصراع في أوكرانيا.
وبالكاد أثرت المساعدة الحكومية لتعويض التراجع في الأعمال، ويستطيع بصعوبة تغطية فواتير الخدمات. وهز مسعود كتفيه باستسلام، وقال: “أعتقد أنني سأغلق متجري وأبحث عن وظيفة أخرى”.
وفي المغرب المجاور، ليست الأوضاع أفضل. في حين أنَّ المغرب تمكن من تجنب الاضطرابات السياسية للربيع العربي في عام 2011، لكنه لم يسلم منها على الصعيد الاقتصادي. من المتوقع أن ينخفض النمو إلى 0.7% هذا العام، أي لنحو عُشر مستواه في عام 2021. ويتوقع البنك المركزي، في الوقت نفسه، أن يصل التضخم إلى 4.7%، وهو معدل متواضع نسبياً مقارنة بأجزاء من أوروبا، على الرغم من أنه لا يزال الأعلى منذ أزمة 2008 المالية.
وقال والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، إنَّ إدارة “الصدمة الخارجية” للعملية العسكرية الروسية قد تجبر المغرب على السعي للحصول على خط سيولة احترازي من صندوق النقد الدولي. وأضاف أنَّ المغرب يواجه “وضعاً غير مسبوق”؛ إذ تهدد العملية العسكرية في أوكرانيا بتأجيج الغضب العام بشأن الأسعار ودفع احتياجات التمويل الحكومية إلى مستويات قياسية.
يرى تاجر الحبوب محمد بالأمين، الذي كان متجره في سوق الرحبة بالعاصمة الرباط يتعامل عادة مع المتسوقين في الأيام التي تسبق رمضان، التأثير بوضوح. وقال، وهو يشير إلى الشارع الفارغ بحسرة: “عادةً لم تكن لتتمكن حتى من العثور على مكان لركن سيارتك”.
*هل تندلع موجة جديدة من الاحتجاجات في الشرق الأوسط؟
قبل نحو 11 عاماً، عندما اندلعت احتجاجات الربيع العربي، كان الغذاء ورغيف الخبز هو الصاعق الذي فجرها وأدى في النهاية لإسقاط أنظمة كان يعتقد أنها لا تتزحزح، ويقول تقرير لشبكة Deutsche Welle الألمانية، إن الخبز يعتبر غذاء أساسياً في الشرق الأوسط، يؤكل مع معظم الوجبات. ويذهب الباحثون إلى أن الخبز والحبوب، مع بعض التفاوت بين بلد وآخر، يكوِّنان ما يصل إلى نصف متوسط النظام الغذائي المحلي هناك، في حين يصل إلى الربع من متوسط النظام الغذائي للأوروبيين.
وفي هذه البلدان، يعد توفير الخبز ميسور التكلفة للجماهير العاملة “عقداً اجتماعياً”، لذلك فإن كثيراً من دول الشرق الأوسط تدعم توفير الخبز للأسر ذات الدخل المنخفض. وفي الماضي، حفَّز ارتفاع أسعار الخبز تغييرات سياسية في المنطقة.
مصر، على سبيل المثال، تملك تاريخاً ممتداً من الاحتجاجات و”أعمال الشغب المرتبطة بالخبز”، ففي عام 1977، أقرت الحكومة إصلاحات اقتصادية شهدت تخفيض الدعم الحكومي وارتفاع أسعار المواد الغذائية، فاشتعلت مظاهرات عنيفة في جميع أنحاء البلاد أسفرت عن 70 حالة وفاة على الأقل. وفي عام 2011، كان شعار “عيش، حرية، عدالة اجتماعية” أحد أبرز الشعارات الشعبية في المظاهرات التي أزاحت نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك خلال الربيع العربي.
وجد الباحثون الذين استكشفوا الأسباب التي أدت إلى اندلاع احتجاجات الانتفاضة العربية في عام 2011، أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانعدام الأمن الغذائي، غالباً بسبب تغير المناخ، كانا سببين بارزين، إضافة إلى السخط العام لدى الجمهور على زعماء بلاده المستبدين.
واستمرت الظاهرة بعد سنوات من ذلك، فقد أسقطت احتجاجات واسعة النطاق الرئيسَ السوداني عمر البشير في عام 2019 بعد أن اشتعلت سخطاً على تضاعف أسعار الخبز 3 مرات، كما نجحت احتجاجات الغلاء بإزاحة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة من الحكم في العام ذاته.
وفي تقرير نشره “معهد الشرق الأوسط” الأمريكي في فبراير/شباط 2022، خلص المحللون إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب أزمة أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى تجدد الاحتجاجات وانعدام الاستقرار في عدة بلدان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على غرار ما حدث قبل 11 عاماً.
* المصدر: وسائل اعلامية