السياسية:

بعد أربعة أيام من الترقب الذي ساد في معظم جنوب آسيا، نجا دستور باكستان يوم الجمعة.

وجّهت المحكمة العليا في باكستان ضربة قوية إلى رئيس الوزراء عمران خان يوم الجمعة حين حكمت بالإجماع بأنه تصرف على نحو غير دستوري حين حل البرلمان قبل تصويت على الثقة، الأسبوع الماضي، كان متوقعاً أن يخسرها. وأمرت المحكمة بإجراء التصويت في 9 أبريل (نيسان).

كانت خطوة خان المفاجئة بحل البرلمان بمثابة اعتداء مروع على الديمقراطية في باكستان، وأكدت المحكمة العليا من جديد أنها الوصي الشرعي على الدستور. وقال رئيس المحكمة العليا عمر عطا بانديال، إن خان انتهك القانون وأشار إلى أن “البرلمانات لا يمكن حلها حين يكون تصويت بحجب الثقة عن رئيس الوزراء مُجدول في أعمالها”.

وبعد صدور الحكم، غرد خان قائلاً: “لطالما دافعت عن باكستان، وسأواصل دائماً الدفاع عنها حتى الكرّة الأخيرة”. وأضاف أنه دعا إلى اجتماع لمجلس وزرائه.

ولقد نجح حكم المحكمة في انتشال البلاد من كارثة وشيكة، كان رئيس الوزراء راغباً في المجازفة بها على الرغم من الخيارات الأخرى المتاحة أمامه. كان بوسعه أن يقبل بكياسة نتائج التصويت بحجب الثقة وأن يوجه طاقته نحو الاستعداد للانتخابات. كان ذلك ليجلب له مزيداً من الاحترام حتى من منتقديه، وسيظهره سياسياً ناضجاً ومسؤولاً.

ليس عمران خان على الإطلاق شخصاً يقبل الخسارة، وكانت غطرسته وتكبّره من الأمور التي دفعت البلاد إلى أزمة دستورية وعاثت فساداً في اقتصاد يعاني بالفعل. فخلال حالة عدم اليقين السياسي التي سادت في الأيام الأربعة السابقة سجلت قيمة الروبية هبوطاً إضافياً، وبرزت مخاوف في شأن كفاية احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي.

ومن خلال إعلان خان عن “مؤامرة أجنبية” ضده، وضع العلاقات الخارجية الباكستانية على المحك، على الرغم من أنه لم يقدم أو يشارك أي أدلة لمزاعمه. فالمشاعر المعادية لأميركا تسهل إثارتها في باكستان لأسباب تاريخية.

وكانت طريقة عمله مستقاة مباشرة من قواعد اللعب الخاصة بدونالد ترمب. فعلى غرار ترمب، الذي أدى رفضه الاعتراف بالهزيمة إلى مهاجمة أنصاره لمبنى الكابيتول، هدد خان أيضاً بجعل أنصاره يخرجون إلى الشوارع إذا صوتت المعارضة لحجب الثقة.

ومثل ترمب، يتسبب عمران خان بانقسام عميق في البلاد. ففي أعين مؤيديه المتشددين، هو لا يخطئ. في اليوم الذي قوضت فيه حكومة باكستان الدستور والديمقراطية، شوهد مؤيدوه يحتفلون ويهزأون بالمعارضة. وشوهد أعضاء من حزبه وهم يشنقون دُمى تمثل أعضاءً في المعارضة.

وهذا كله مزعج أكثر، إذ يبدر عن شخص وعد بتخليص البلاد من العلل التي يُديمها الآن.

إن تبجيل شخصية عمران خان، والذي يعود إلى مكانته كنجم من نجوم الكريكت، مسؤولة إلى حد كبير عن شعبيته. فقد لاقت وعوده بتخليص البلاد من الفساد وتحسين الاقتصاد وحياة الأشخاص العاديين رواجاً لدى العديد من الناس. والواقع أن شعاره الانتخابي حول توليد “تسونامي التغيير” لم يترجم للواقع تقريباً خلال وجوده في السلطة لثلاث سنوات ونصف السنة.

وإذا خسر خان التصويت على الثقة الآن، سترشح المعارضة شخصية من صفوفها إلى رئاسة الوزراء تتولى المنصب حتى أغسطس (آب) 2023، عندما يحين موعد الانتخابات العامة.

يستحق قرار المحكمة العليا الثناء العميق، وهو يبعث برسالة واضحة في شأن استقلالها، فضلاً عن الحاجة إلى حماية دستور باكستان.

والوقت وحده كفيل بأن يُنبئنا بما إذا كانت الدروس المستفادة قد استخلصت. وعلى الرغم من أن خان قال إنه سيقاتل حتى “الكرّة الأخيرة”، سيكون من الأفضل له أن يتمسك بالقواعد وألا يقدم لنا ما نستطيع أن نطلق عليه رمية مفاجئة كما فعل قبل أسبوعين. فذلك سيكون من الأفضل لباكستان، وقد يضعه في موقع أفضل خلال الانتخابات المقبلة.

* بقلم: ساديا همايون ـ كاتبة تعمل لحسابها الخاص وتتخذ من لندن مقراً

*المصدر: “اندبندنت” عربية ـ المادة الصحفية تعبر عن راي الكاتب