شارل أبي نادر*

سريعًا وبشكل مفاجئ وربما صاعق لعبد ربه منصور هادي، ولأعضاء المجلس الرئاسي الذي حظي بِهِبَة نزلت عليه من السماء، تضمنت صلاحيات الرئيس اليمني المخلوع، جاءت القرارات السعودية التي ظهَّرها هادي عبر ما يسمى بالاعلان الرئاسي بنقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وتكليفه باستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية، وتفويضه تفويضاً لا رجعة فيه بكامل صلاحيات الرئيس وفق الدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.

بمعزل عن موقف حكومة صنعاء وأنصار الله، والذي لخَّصه رئيس وفد صنعاء المفاوض محمد عبد السلام بأنَّ “حاضر ومستقبل اليمن يتقرَّر داخل بلادنا”، وبأنَّ “أيَّ نشاطٍ خارجَ حدودِ اليمن هو عبارةٌ عن مسرحياتٍ هزليةٍ وألعاب ترفيهيةٍ تمارسها دول العدوان”، وبأنَّ “طريق السلام يكون بوقف العدوان، ورفع الحصار، وخروج القوات الأجنبية من البلاد”، وبمعزل ايضًا عن مصير هذا الاعلان “الرئاسي اليمني” والذي هو عمليًا غطاء بائس لقرار “أميري سعودي” بامتياز، أمام الرفض الواضح من حكومة صنعاء باعتباره غير ذي قيمة من كافة النواحي القانونية والواقعية والسياسية وحتى العسكرية والميدانية، فإن العديد من الملاحظات والتساؤلات التي تحيط بهذا الموضوع، يجب التوقف عندها والتطرق اليها بطريقة موضوعية وهي:

اليوم، وبكل بساطة، تحاول السعودية نفض يديها من عدوان ظالم على اليمن ناهز الثماني سنوات من القتل والدمار والحصار، وجاءت لتقول، ومن موقع خادعٍ كأنها الراعية الوفية الصادقة لكافة المكونات اليمنية، إنها على نفس المسافة من كل مكون منهم، وإن الحرب في اليمن هي حرب داخلية أهلية، واليوم بهذا الإعلان الرئاسي الذي ترعاه وتسمح للمسؤولين اليمنيين بإطلاقه من عاصمتها، تخلق الفرصة لإنهاء هذه الحرب الأهلية ولعودة كل الأطياف اليمنية للحوار والتلاقي على مصلحة وأمن اليمن.

نعم، هكذا وبكل “وقاحة”، تسحب الرياض نفسها من مسؤولية ثماني سنوات من القهر ومن الحصار الذي عاناه اليمنيون وبكافة مكوناتهم ومناطقهم وتوجهاتهم، لتضع الحرب فقط في خانة التقاتل الداخلي، وكأن قاذفاتها ومسيراتها وصواريخها، والتي كانت طوال هذه الفترة الصعبة تدك منشآت اليمن ومدارسه وطرقاته وبنيته التحتية، كانت تأتمر بأمر فصائل ومجوعات يمنية داخلية تتقاتل فيما بينها، وهي (الرياض)، بما تملك من قدرات وأسلحة فتاكة، كانت تلبي طلبات هذه الفصائل، فقط من باب العلاقة الأخوية مع هذه الفصائل اليمنية، وليس لسبب آخر مرتبط بأجندة خارجية (اميركية واسرائيلية) بهدف السيطرة الكاملة على اليمن: قراراً وجغرافية وثرواتٍ وموقعاً.

في الواقع، لا بد أولا من الاشارة الى هزالة ولا دستورية هذا الاعلان الرئاسي، حيث إنه تخطى كل اعتبارات روحية القوانين والدساتير والتي تبدأ من وجوب اتخاذ القرارات السيادية والتشريعية من عاصمة الدولة ومن مؤسساتها الدستورية، وبمعزل عن أنه في الشكل وفي المضمون، اعلان خالٍ من كافة مواصفات التعديلات الدستورية، حيث جاء من ضمن بنوده: “يُلغي هذا الإعلان ما يتعارض مع أحكامه من نصوص الدستور والقوانين”، ضارباً عرض الحائط بكل الأسس التي بنيت عليها القوانين والدساتير عبر التاريخ، والتي تفترض تصديق وموافقة ممثلي الشعب على أي تعديل دستوري يغيّر من هيكلية وتنظيم الدولة التشريعي والقانوني والتنفيذي، ليأتي اعلان من رئيس، أساسًا منتهية صلاحياته وسلطته ومشكوك بشرعيته، وبقرار أشبه بقرار ملكي ومن خارج البلاد، بوضع الدستور والقوانين الوطنية جانبًا والقفز فوقها بكل بساطة واستهزاء.

طبعًا، الموضوع يتجاوز البعد اليمني الداخلي، وما يمثله أو تمثله المكونات التي تمت تسمية أركانها ضمن المجلس الرئاسي، ومن الواضح أن للموضوع بعدًا خارجيًا، اقليميًا ودوليًا، فرض هذا الاعلان اليوم، فكيف يمكن فهم هذا الموقف الذي خرج من الرياض؟ هل هو صحوة ضمير بعد ثماني سنوات من الحرب على اليمن واليوم اكتشفت السعودية فداحة الظلم الذي لحق بابناء اليمن وبهيكليته كدولة مستقلة، من المفترض ان يكون لها سيادتها وقدسية أمنها ومصالحها القومية والوطنية؟ طبعًا هذه الصحوة مستبعدة وبقوة، لأنها أخذت وقتها الطويل ولم تأتِ.

هل الأمر يعبّر عن اعتراف أو استسلام بفشل حرب الرياض على اليمن؟ وهل رأت الرياض بهذا الاعلان ومندرجاته، مخرجًا من المستنقع اليمني الذي أصبحت عاجزة عن متابعة الانخراط به؟ ممكن جدًا أن يكون الأمر كذلك، ولكن يبقى الاخراج هزيلًا، لأن الرياض من المفترض أن تكون وبعد هذه الحرب الطويلة على اليمن قد فهمت وخبِرت قدرات اليمنيين وانصار الله خاصة، في تقدير المواقف وتحليلها وتبيان صحة وحقيقة وأبعاد أو أهداف أي طرح تُقدِم عليه السعودية فيما خص الأزمة اليمنية.

هل هو مخرج لفشل السعودية في مواجهة القدرات اليمنية النوعية والاستراتيجية من صواريخ ومسيرات فعالة، خاصة أن مروحة المحاولات التقنية والعسكرية السعودية الذاتية أو الخارجية الأميركية وغيرها، في مواجهة ومنع هذه القدرات من استهداف المنشآت والمواقع الحيوية السعودية، قد أثبتت عجزها بشكل كامل؟
أيضًا يحمل هذا الأمر امكانية كبيرة لأن يكون صحيحًا.

هل هذا الاعلان الرئاسي المفاجىء جاء بطلب أميركي مباشر وعلى وجه السرعة، بعد أن بدأت القدرات اليمنية تهدد وبجدية واضحة، مسارات ومنابع النفط السعودي بشكل خاص والخليجي بشكل عام، داخل المملكة أو المنتقلة عبر البحر الأحمر وباب المندب، والتي أصبحت ضرورة عالمية استراتيجية لتعويض الحاجة العالمية للنفط والطاقة التي خلقتها العملية الروسية في أوكرانيا وتداعياتها؟

كل تلك الأسباب يمكن أن تكون منتجة للاعلان الرئاسي، ولكن في الواقع، سيكون هذا الاعلان أشبه بفقاعة دون أي معنى قانوني أو سياسي أو عملي على الأرض وفي الميدان، والبديل له هو آلية تفاوض حقيقة تكون في دولة محايدة وخارج أي دولة من دول العدوان، مع ضرورة أن يأخذ بعين الاعتبار هذا البديل، موقف حكومة صنعاء وأنصار الله بشكل واضح، ويكون مبنيًا على أسس واقعية، تأخذ بعين الاعتبار موقع وقدرة ومكانة الفريق الأقوى الذي صمد ودافع وقاتل وانتصر على مروحة واسعة من الدول القادرة في الاقليم وفي العالم.

* المصدر :موقع العهد الإخباري