السياسية:

يخيّم على أجواء الأزمة السياسية في السودان ما يبدو أنه صدام بين المكون العسكري في الحكم الانتقالي وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال “يونتاميس”، وهو ما يثير تساؤلات بشأن مصير المبادرة الأممية لمعالجة تلك الأزمة.

هذه المبادرة، وفق مراقبين، أثارت لدى المكون العسكري مخاوف مبطنة من أنها تسعى إلى تفكيك السلطة التي حازها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في العام 2021.

وأعلن البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين.

وأطلقت هذه الإجراءات موجة احتجاجات مستمرة تطالب بالحكم المدني، وتعتبر تلك الإجراءات انقلاباً عسكرياً على المرحلة الانتقالية، بينما يقول البرهان إن إجراءاته تستهدف “تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، والتعهد بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.

ويعيش السودان، منذ 21 أغسطس/آب 2019، مرحلة انتقالية تستمر 53 شهراً وتنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويُفترض أن يتقاسم السلطة خلال تلك المرحلة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة، وقعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020.

وبين 8 يناير/كانون الثاني و10 فبراير/شباط الماضيين، أجرت البعثة الأممية مشاورات أولية مع أطراف الأزمة السودانية، لبحث سبل الخروج من الأزمة الراهنة.

وأعلنت “يونتاميس” في 7 مارس الماضي، تأسيس آلية تنسيق مع الاتحاد الإفريقي لـ”توحيد جهودهما”، ضمن المساعي الدولية لحل أزمة السودان.

وبحسب كاتب صحفي سوداني، في حديث للأناضول، توجد دوافع عديدة خلف الصدام الراهن بين المكون العسكري والبعثة الأممية، أبرزه أن مشاورات البعثة مع قوى سياسية خلصت إلى ضرورة إبعاد الجيش عن السياسة.

فيما ذهب محلل سياسي إلى أن المكون العسكري لا يهتم بردود الأفعال داخل السودان، وإنما بالخارج، وسيمضي في طريق السلطة (عبر الانتخابات) مع مكون مدني يتشكل لهذا الغرض.

* تهديد بالطرد

وهدد البرهان في الأول من أبريل/نيسان الجاري، رئيس البعثة الأممية فولكر بيرتس، بـ”الطرد خارج البلاد، بسبب التدخل السافر بالشأن السوداني”.

ودعا البرهان، خلال حفل تخرج عسكري بالعاصمة الخرطوم، بيرتس إلى “الكف عن التمادي في تجاوز تفويضه”.

وفي يونيو/حزيران 2020، أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بإنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة الانتقال في السودان “يونتاميس”، استجابة لطلب حكومة الخرطوم آنذاك.

ودعا البرهان “الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي إلى تسهيل الحوار بين السودانيين، وتجنب تجاوز تفويضهم والتدخل في شؤون البلاد”.

وبعد يومين، اجتمع البرهان مع بيرتس، الأحد، في لقاء “تناول الإحاطة التي قدمها رئيس البعثة الأممية إلى مجلس الأمن بشأن الأوضاع في السودان”.

وانتقد بيرتس، خلال جلسة للمجلس حول السودان في 28 مارس/آذار الماضي، “عدم وجود اتفاق سياسي للعودة إلى مسار انتقالي مقبول في السودان”.

وأضاف أن هذا الوضع “أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والأمنية في البلاد”.

وحذَّر من أن “الوقت ليس في صالح السودان”، و”إذا لم يتم تصحيح المسار الحالي ستتجه البلاد نحو وضع اقتصادي وأمني ومعاناة إنسانية حادة”.

* اتهام بالوصاية

وفي 31 مارس/آذار الماضي، كتب رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة (رسمية)، العقيد ركن إبراهيم الحوري، مقالاً بعنوان “الانحياز المفضوح”.

وقال الحوري في مقاله إن “إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في السودان أصبح مطلب الكثيرين”، معللاً ذلك بأنها “لم تلتزم بمبدأ الحياد، بل الانحياز المفضوح لجهات بعينها (لم يحددها)”.

كما اتهم البعثة بـ”غياب الشفافية في جمع وعرض المعلومات وتحليلها، واستخلاص النتائج منها، في تقاريرها التي قدمت معلومات مغلوطة”.

ودعا إلى “إعادة ضبط عملها (البعثة الأممية) في الإطار المنصوص عليه فقط”، معتبراً أن ذلك يأتي “حفظاً لسيادة البلد، وتمريغاً لأنف هذا المتغطرس (يقصد بيرتس)، الذي نصَّب نفسه وصيّاً على البلد ومتحدثاً باسمه”.

* التزام بالتكليف

لكن البعثة الأممية نفت تلك الاتهامات، وقالت عبر صفحتها على “فيسبوك”، نهاية مارس/آذار الماضي: “كل ما يحمله المقال خطأ”.

وشددت على أن “السودان جزء من الأمم المتحدة، التي تمد يد العون للأعضاء فيها، ولا يُسمى ذلك تدخلاً”، ‏وأكدت أن “يونتاميس تعمل وفقاً لتكليفها المنصوص عليه في قرارات مجلس الأمن”.

‏وأشارت البعثة إلى أن “الأمم المتحدة غير محايدة بخصوص الالتزام بحماية حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية”.

* إبعاد الجيش

وقال الكاتب الصحفي أشرف عبد العزيز للأناضول، إن “هنالك دوافع عديدة جعلت المكون العسكري يتجه نحو طرد البعثة الأممية من السودان”.

وتابع عبد العزيز، رئيس تحرير صحيفة “الجريدة” السودانية (خاصة)، أن “البعثة أجرت لقاءات عديدة مع مكونات سياسية ومجتمعية ولجان مقاومة ضمن مبادرتها”.

وتابع أن “البعثة وصلت في تقريرها المنشور في فبراير/شباط الماضي إلى استخلاص آراء بإبعاد الجيش من السياسة”.

وفي 18 يناير/كانون الثاني الماضي، قالت قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقاً)، في بيان، إن المشاورات الأممية تلقت “ضربة قاصمة” (لم توضحها)، ودعت إلى تكوين “آلية دولية” لتطوير “عمليّة سياسية ذات موثوقيّة”.

وأضاف عبد العزيز أن “تقرير يونتاميس، المستخلص من آراء مكونات سياسية، أكد ضرورة وجود جيش قومي، ودمج بقية القوات المسلحة الأخرى في جيش موحد”.

وتابع أن “المكون العسكري غضب أيضاً من تقرير بيرتس أمام مجلس الأمن، حول انتهاكات حقوق الإنسان خلال الاحتجاجات”.

وأبلغ بيرتس أعضاء المجلس (15 دولة) بأنه “منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والاحتجاجات ضد الانقلاب تتواصل، فيما يستمر القمع العنيف من قبل السلطات”.

وأردف: “كما يستمر قتل المتظاهرين أو تعرضهم للإصابات الخطيرة جراء استخدام الذخيرة الحية ضدهم”.

ووفق “لجنة أطباء السودان” (غير رسمية) قُتل أكثر من 90 شخصاً خلال الاحتجاجات، منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقال عبد العزيز إن “هنالك تحالفاً سياسياً يتشكل لدعم المكون العسكري عبر انتخابات قادمة تضمن له الاستمرار في السلطة”.

وأفاد بأن “ضمن هذا التحالف المرتقب أحزاب سياسية كانت حليفة للرئيس المعزول عمر البشير (1989-2019)، بجانب أحزاب أخرى بارزة مثل الحزب الاتحادي الأصل”.

وأردف أن “هذا التحالف يضمن أن يكون للجيش حاضنة سياسية في الانتخابات القادمة”.

* مكون مدني

أما المحلل السياسي مجدي العجب، فقال للأناضول إن “إقدام البرهان والمكون العسكري على إجراءات 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي كان بدافع الطمع في السلطة”.

وتابع: “توجد شواهد ومبررات عديدة للانقلاب ساقها المكون العسكري، وقد تكون ظاهرياً مقبولة، ولكنها الخدعة والمكيدة”.

وأردف أن “المكون العسكري يرغب أن يلوّن تلك الأطماع باللون المدني، ولا يهتم كثيراً بردود الأفعال داخل السودان، لكن يهتم بالخارج”.

وأضاف “العجب” أن “الاهتمام بالخارج جعل ردة فعل المكون العسكري تجاه البعثة الأممية بهذا الشكل”.

وزاد بأن “المكون العسكري سيمضي في الطريق مع مكون مدني يتشكل لذلك الغرض”.

* المصدر: عربي بوست