السياسية:

ينبغى أن نشير إلى ضرورة الحذر فى الإستقراء المستقبلي، بين تمنيات الباحث من جهة، والوقائع والحقائق الصلبة، من جهة أخرى.

جاءت أزمة فيروس كورونا وخريطة العالم الجيو – سياسية والتوازنات الجيو – استراتيجية تعاني تصدعات وتشكلات جديدة وعملية خلق عسيرة لبيئة دولية مختلفة، أبرزها: 

(أ) لدينا أزمة عالمية بسبب انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني (5+1) في أيار/مايو 2018، والذي وُقع في أيار/مايو 2015، بعد معاناة تفاوضية لمدة 10 سنوات، شاركت فيها أهم دول العالم (أعضاء مجلس الأمن الدولي مضافاً إليها ألمانيا).

وقد زاد عليها قيام الطرف الأميركي بفرض عقوبات وحشية قاسية من طرف واحد، مطالباً كل حلفائه الأوروبيين بالسير معه في الطريق نفسه، وهو ما رفضته الدول الغربية، علاوةً على روسيا والصين. وكان أبرز المؤيدين لخطوة ترامب كلّاً من العدو “الإسرائيلي” والسعودية ودولة الإمارات والبحرين.

(ب) أدى خروج الولايات المتحدة من هذه الاتفاقية في العام 2018، ومن قبلها اتفاقية المناخ (باريس 2015)، واتفاقية النافتا للتجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وبعدها “سالت 1″ و”سالت 2″ مع روسيا، الخاصتان بحظر إنتاج ونشر الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى، إلى تضعضع الثقة، ليس بالولايات المتحدة كدولة فحسب، إنما بنظام المعاهدات والاتفاقيات الدولية كله (اتفاقية فيينا في العام 1966) أيضاً، وما سوف يترتب على ذلك من انهيار ما تبقى من منظومة العلاقات الدولية وميثاق الأمم المتحدة، الذي خرق عشرات المرات، وكانت الولايات المتحدة و”إسرائيل” أكثر الأطراف انتهاكاً له، ما شجّع دولاً أقل شأناً على خرق هذا الميثاق.

(ج) جاءت أزمة كورونا الوبائية الجديدة، والكرة الأرضية تشهد اندلاع نيران الحروب والقتل في أكثر من مكان، مثل سوريا (منذ العام 2011) وليبيا (منذ العام 2011)، وفي ظل أزمة الحكم والمشروعية في البحرين (منذ العام 2011)، والعدوان السعودي الإماراتي ضد اليمن (آذار/مارس 2015 حتى اليوم)، والاضطرابات السياسية التي تقترب من الحرب الأهلية في العراق (منذ العام 2003)، والحرب الأهلية الممتدة في جنوب السودان، وأزمة الحكم في شمال السودان منذ العام 2019، وأزمة الحكم والقمع في مصر (2014 حتى اليوم)، وانتشار المجموعات والتنظيمات الإرهابية في المنطقة والعالم، امتداداً من الشرق الأوسط، موطن ما سمي “الصحوة الإسلامية” الوهابية، مروراً بالساحل الغربي الأفريقي، وصولاً إلى أوروبا الغربية، وما ترتب عليها من عمليات قتل وحشية في أكثر من مكان. 

(د) وزاد عليها السلوك السياسي التركي تحت قيادة رجب طيب إردوغان وحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإخوانية، المساند للمجموعات الإرهابية (الإخوان – “القاعدة” – “داعش”)، والمبتزّ لدول أوروبا كلها، باستخدام ورقة مئات آلاف من النازحين والهاربين واللاجئين من لهيب الحروب في بلدانهم في سوريا والعراق وأفغانستان، والتي شاركت في صنعها تركيا، إضافة إلى بعض الدول الغربية ذاتها (فرنسا – بريطانيا – الولايات المتحدة)، ومولتها دويلات عربية خليجية، مثل قطر والسعودية والإمارات وآخرين. 

 (ه) سقط علينا وباء كورونا في ظلِّ صراع مفتعل ومغذّى من جانب أجهزة الاستخبارات الأميركية بصورة علنية ومكشوفة بطريقة لم يسبق لها مثيل، لتغيير أنظمة حكم وطنية ذات نزوع يساري في فنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا والبرازيل والأرجنتين والإكوادور وكوبا وغيرها من الدول، نجحت الولايات المتحدة في بعضها بصيغ مشبوهة، إما باستخدام بعض القضاة (البرازيل والإكوادور)، وإما بتحريض بعض قوى المعارضة على التمرد، ودعوة الجيوش لمساندة التمردات شبه الشعبية (فنزويلا وبوليفيا)، مع فرض عقوبات وحصار اقتصادي وحشي يصل إلى حد المجاعة، ووقف تصدير أو استيراد بعض تلك البلدان لحاجاتها من الخارج، بما في ذلك الأدوية واللقاحات، لنصبح أقرب إلى شريعة الغاب، وإسقاط أي حجية لميثاق الأمم المتحدة. 

 (و) جاءت أزمة كورونا وكانت الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب ومجموعة الصقور ذات الميول الصهيونية اليمينية المتطرفة ذهبت في دعم الاحتلال والممارسات الوحشية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، إلى مدى لم يسبق لإدارة أميركية أو غربية أن ذهبت إليه، إذ اعترفت بالقدس الشرقية المحتلة من العام 1967 جزءاً من “العاصمة الموحدة لإسرائيل”، ونقلت سفارتها إليها، كما أيدتها في ضمّ الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية ومنطقة أغوار نهر الأردن، وكذلك في ضم الجولان السوري المحتل منذ حزيران/يونيو 1967، فخلقت بذلك واقع صراع لن ينتهي أبداً في المنطقة وفي الأراضي الفلسطينية. 

 (ز) جاءت أزمة وباء كورونا، وهناك أزمة حكم حقيقية في الولايات المتحدة ذاتها، بدأت منذ تولي دونالد ترامب الحكم، بشبهات قوية بشأن تدخل روسي إلكتروني لمصلحته، وزادت مفاعيله بسبب نمط الإدارة والغياب الأخلاقي في الإدارة الأميركية، وعدم الاستقرار في شغل وظائف القيادات في تلك الإدارة، وانتشار الاستقالات في الوظائف العليا، وانتشار الفضائح في جنبات البيت الأبيض، وكأن القيادة الروسية رغبت في رد صفعة بوريس يلتسن وعصابته في التسعينيات بصفعة دونالد ترامب وجماعته في العقد الثاني من الألفية الثالثة.

(ل) ومن يرغب في فهم صيرورة المشهد العالمي عشية وباء كورونا وتناقضاته، يلتقط مشهدين في شهر حزيران/يونيو 2018؛ أحدهما في كندا بتاريخ 8 – 10 حزيران/يونيو، في اجتماع مجموعة السبع الصناعية الكبرى (أميركا – بريطانيا – كندا – ألمانيا – إيطاليا – فرنسا – اليابان)، حين تحلق الزعماء حول الرئيس الأميركي الغاضب، ليوقع على البيان الختامي، فيرفض ويغادر من دون توقيع. 

والمشهد الآخر هو اجتماع قمة شنغهاي في الصين في حزيران/يونيو 2018 أيضاً، والتي نجحت في تأكيد صيغة تحالف ثلاثي صيني – روسي – إيراني، وترسيخ تكتل أوراسي يضمّ 11 دولة للعمل والتعاون الاقتصادي والسياسي وهي: الصين – روسيا – الهند – باكستان – كازاخستان – أفغانستان – تركمنستان – بيلاروسيا – تركيا – أوزبكستان – قرغيستان.

(ك) يأتي وباء كورونا وهناك تعثر حقيقي وجوهري في عملية الاتحاد الأوروبي. ولم تكن رغبة البريكست البريطانية التي برزت في العام 2017، واكتملت بالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي في العام 2019، سوى قمة جبل الجليد المعتمل في قطاع ليس بقليل من سكان وقيادات سياسية في أوروبا الشرقية وإيطاليا واليونان، وسوف نرى أن أزمة كورونا العاصفة ستؤدي إلى تسريع عملية الخروج من هذا البناء السياسي والاقتصادي.

جاءت أزمة وباء كورونا في أواخر العام 2019 ومطلع العام 2020، والعالم كله يشهد حالة من العسكرة غير المشهودة والحروب المتنوعة من حيث: 

1- حملة التسابق في شراء السلاح واقتنائه من معظم دول العالم، سواء من أجل التخزين والاحتياط، أو من أجل تعزيز الهيبة والنفوذ السياسي والقوة، أو من أجل إدارة صراعات عسكرية وتهديدات متعددة المستويات في صور شتى من قبيل: 

–       صراعات ضد التنظيمات الإرهابية. 

–       صراعات ضد الجيران. 

–       صراعات داخلية وتأمين استقرار أنظمة حكم قلقة أو غير مستقرة.

وكان كلّ هذا على حساب نفقات التنمية وتحسين مستوى معيشة شعوبهم (السعودية – الإمارات – مصر – قطر – البحرين – العراق – فنزويلا – روسيا – الولايات المتحدة…).

2- جاءت أزمة وباء كورونا والحروب مشتعلة في أكثر بقاع الكرة الأرضية، سواء كصراعات عسكرية بين دول متجاورة، أو بين دول ومجموعات وتنظيمات إرهابية، أو في صورة تحرش دولة عظمى بدول وحكومات معارضة لسياستها العدوانية. 

3- جاءت أزمة كورونا وهناك ملامح تسابق جديد للتسلح بين بعض القوى العظمى (روسيا – الولايات المتحدة – الصين)، وكذا بين دول أقل حجماً (الهند – الباكستان)، أو بين “إسرائيل” ودول ومنظمات محور المقاومة أو بين الولايات المتحدة وإيران، أو بين فنزويلا وكولومبيا.

4- جاءت أزمة فيروس كورونا والعالم يشهد تضعضعاً وتفككاً لبعض التحالفات العسكرية الكبرى (الناتو والدفاع العربي المشترك)، وبروز تحالفات عسكرية جديدة أهمها تحالف دول ومنظمات محور المقاومة العربية، وكذلك التعاون العسكري الروسي – الصيني – الإيراني، والتحالف العسكري والاستراتيجي الروسي – الصيني، أو التحالف الروسي – السوري – الإيراني في المسرح السوري. في المقابل، نشأ تحالف وتعاون استخباري وعسكري بين الرباعي “إسرائيل” – المملكة السعودية – دويلة الإمارات – دويلة البحرين. 

1- جاءت أزمة كورونا في ظل محاولات حثيثة منذ سنوات في دول شتى لخصخصة قطاع الخدمات الصحية والرعاية الصحية والعلاجية، بدءاً من الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب، انتهاء بمصر تحت قيادة الجنرال السيسي، وبداية انسحاب الدولة من أعباء تلك النفقات، سواء في المجال الوقائي أو في المجال العلاجي.

2- جاءت الأزمة ونظم البحوث والابتكار في المنظومات الصحية والدوائية في الدول المتقدمة لم تنجح تماماً في إنجاز حاسم في علاج بعض الأمراض المستعصية على البشرية، مثل السرطان بأنواعه، والإيدز، والفشل الكلوي، والفشل الكبدي، وغيرها من الأمراض.

3- جاءت الأزمة لتكشف ضعف أطر التعاون الصحي الإقليمي والعالمي.

4-وأخيراً، جاءت الأزمة لتكشف ضعف التجهيزات الصحية والعلاجية لمواجهة الوباء في كل دول العالم، المتقدم منها أو المتخلف.

* نتائج الأزمة وتداعياتها

هذه السياقات (Contexts) الأربعة لجائحة كورونا، كما أطلق عليها، ويُضاف إليها بعد جديد هو “الأثر والتداعيات النفسية والاجتماعية الفردية والجماعية” لدى كل الشعوب، ستكون لها ما بعدها. 

وهنا، ينبغي أن نشير إلى ضرورة الحذر في الاستقراء المستقبلي بين تمنيات الباحث من جهة والوقائع والحقائق الصلبة من جهة أخرى، إذ إن أسوأ ما يصاحب القراءة الاستشرافية عادة هو إسقاط الباحث تمنياته على الوقائع والحقائق، فالخيط هنا رفيع بين الوقائع والتمنيات.

وحتى يتبين حجم الخسائر والأبعاد الكارثية لهذه الأزمة، ينبغي أن نبدأ بالخسائر البشرية، وهي الأفدح والصعب: 

(1) على مستوى الخسائر البشرية والصحية

أ-خلال 73 يوماً من الأزمة (19 كانون الأول/ديسمبر – 2 نيسان/أبريل 2020)، سجّلت الإحصاءات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، وكذلك للدول المختلفة، وفاة حوالى 50 ألف شخص، علاوةً على مليون شخص مصاب، كثير منهم في حالة خطرة، معظمهم في الصين والولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا وإيران وفرنسا…

ب-ومع استمرار الأزمة سنتين أخريين، ارتفع عدد المصابين إلى ما يربو على 28 مليون إنسان، سقط منهم موتى ما يربو على 6 ملايين إنسان، من بينهم حوالى 1.5 مليون إنسان في الولايات المتحدة وحدها.

ج-شكل عجز دول العالم أجمع أمام هذا الفيروس هزة نفسية وثقافية للبشر جميعاً، وانقسموا إلى تيارين:

الأول: تيار المؤمنين الذي اعتبرها رسالة وإنذاراً إلهياً للبشرية التي طغى عليها النزوع المادي والتفلت الأخلاقي، أو على الأقل هي رسالة تحدٍ لكلِّ البناء الحضاري المادي للبشرية الراهنة، إذ أدى كائن لا يرى بالعين المجردة إلى توقف مسار الحياة كلها وعجلتها، سواء في العالم المتقدم أو المتخلف. 

الثاني: التيار المادي الذي أصابته حالة من الإحساس بالعجز والخوف والصدمة من عدم قدرة التطورات العلمية والتكنولوجية التي وصلت إليها الحضارة البشرية في مجال الطب والدواء على إنقاذ حياة الملايين، ومن ثم انتابه إحساس بالشك وانعدام الثقة بقدرة مجتمعاته على مد حبل الإنقاذ لمئات الملايين من البشر. ونظنّ أنَّ هذا الإحساس والتناقض سوف يستمر معنا لسنوات طويلة قادمة.

ولا شكَّ أنَّ هذه الأزمة لن تمر من دون أن تترك جراحاً غائرة في النفوس لسنوات طويلة، وتزرع بذور عدم الثقة بين الشعوب الأوروبية وبعضها البعض، وكذا بين الشعوب الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، لسوء تصرفاتها أثناء تلك الأزمة.

 2) على المستوى الاقتصادي

لا شكَّ في أن وباء فيروس كورونا الذي ضرب العالم كله مطلع العام 2020، والذي يُرجح أن يستمرّ معنا لعدة سنوات قادمة بعد أن تكون قد انكسرت حدته، سيترك آثاراً مزعجة على الاقتصاد العالمي، سواء على المستوى الكلي، أو على مستوى اقتصادات الدول فرادى. ومن أهم تلك الآثار والتداعيات:

1-إذا استمرّت الأزمة بالدرجة نفسها حتى منتصف العام 2022، فسينخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحوالى 10% إلى 20%، أي بحوالى 8.5 تريليون إلى 17.0 تريليون دولار، تتمثل بتوقف عجلة الإنتاج والخدمات والتبادل التجاري، وستكون أكثر الدول المتضررة هي الولايات المتحدة والصين وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا. والمدهش أن إيران لن تكون من المتضررين الكبار، بسبب وقوعها تحت سيف المقاطعة والحصار الاقتصادي منذ فترة ليست قصيرة. 

2-ستؤدي الأزمة إلى زيادة أعداد العاطلين من العمل بأكثر من 10% من القوى العاملة في العالم، أي ما يزيد على 150 مليون عامل، وستكون أكثر القطاعات تعطلاً هي قطاعات السياحة والطيران والسفر والمطاعم والخدمات الترفيهية، علاوةً بالطبع على كثير من قطاعات الإنتاج والتجارة والخدمات. 

3-ستؤدي الأزمة إلى زيادة معدلات الفقر والبؤس في كثير من دول العالم، وخصوصاً الدول النامية (ومنها مصر)، لثلاثة أسباب، أولها سياسات الإغلاق والجلوس في البيت والعزل الاجتماعي، وثانيها ضعف – إن لم يكن غياب – سياسات الحماية الاجتماعية الفعالة وإعانات البطالة والبرامج التعويضية الكافية، وثالثها كبر حجم قطاع العمالة غير المنظمة (Informal Sector)، وتدني دور الدولة، وسيطرة القطاع الرأسمالي الخاص الذي يفتقر إلى إرث التعاون والتراحم الاجتماعي. 

4-بهذه الأزمة الجائحة، دخل الاقتصاد العالمي حالة من الركود (Recession) الذي يتزامن فيه انخفاض الطلب مع انخفاض العرض. وقد تحتاج هذه الحالة إلى عامين أو ثلاثة للخروج منها والعودة إلى مستوى التشغيل الذي كان قائماً قبل الأزمة. 

5-ترتب على أزمة كورونا انخفاض التشغيل، وبالتالي انخفاض الطلب على البترول والغاز، وسينعكس هذا الوضع على التنافس غير الإيجابي بين منتجي النفط والغاز، والدخول في حرب أسعار والصراع من أجل الاستحواذ على قطاع أكبر من السوق، وهو ما بدأ فعلياً في حرب الأسعار التي بدأتها السعودية في مواجهة روسيا، تحت وهم خدمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حملته الانتخابية في العام 2020. 

  6-سيؤدي هذا الوضع إلى خسائر فادحة لمنتجي النفط الكبار (روسيا – السعودية)، ولكن آثاره السلبية لن تمتد إلى بقية منتجي النفط في دول الخليج وفنزويلا والمكسيك والعراق ومشيخات الخليج. ويُقدّر حجم هذه الخسائر التي استمرّت لما يقارب عامين كاملين (دون سعر 60 دولار للبرميل) حوالى 600 مليار دولار على الأقل.

7-ستؤدي الأزمة حتماً إلى تدني تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (FID) وغير المباشر على المستوى العالمي لفترة عامين إلى 3 أعوام على الأقل، ما سيؤدي إلى تدني مستوى التشغيل في الدول النامية وانخفاض معدل النمو في الناتج القومي لهذه الدول. 

 8-أدى تمادي السلوك المتغطرس والعدواني للولايات المتحدة في فرض عقوبات على روسيا وفنزويلا والصين وإيران إلى تزايد فرص كسر هذه العقوبات من جانب بعض الدول الأوروبية وغير الأوروبية.

9-رغم الخسائر الاقتصادية الكبيرة لكلٍّ من الصين وروسيا، فإنَّ الأزمة عززت فرصهما لتحسين وضعهما الدولي وصورتهما لدى معظم شعوب العالم وبعض الأنظمة السياسية في أوروبا (إيطاليا – جمهورية الصرب والجبل الأسود)، ومن ثم زيادة فرص تعزيز علاقتهما الاقتصادية وكسر هذا الغرور والغطرسة الأميركية. 

10-المؤكّد أن هذه الأزمة مع السلوك الأميركي السلبي جداً ستعزز وتسرع خلق الكيانات والتكتلات الاقتصادية والسياسية الدولية خارج النفوذ الأميركي (شنغهاي – البريكس – الآسيان – المجموعة الأوراسية)، وتدعم مؤسسات التمويل البديلة (مثل البنك الآسيوي للتنمية الذي أسسته الصين)، وكذلك صناديق التعاون الاقتصادي المشترك، والتخلص بصورة أسرع من هيمنة الدولار على نظام المدفوعات والاحتياطيات الدولية، وربما تفكك صيغة “بريتون وودز” (Britten Woods). 

11-من المرجح أن تضعف روابط وتتباطأ عملية الوحدة الأوروبية. وقد تجري عملية بريكست أخرى من الاتحاد، وخصوصاً من إيطاليا واليونان. 

12-نستطيع القول إنَّ أفول نجم الولايات المتحدة الأميركية وهيمنتها على النظام الاقتصادي الدولي والسياسة الدولية أخذا دفعة جديدة بسبب أزمة كورونا. صحيح أن هذا لا يعني تفكّك الولايات المتحدة وانهيارها في الأجل المنظور (15-20 سنة)، لكن المؤكد أن عملية تواري القوة والنفوذ الأميركي قد تتسارع، بحيث لن ينقضي 25 عاماً من دون أن تصبح الإمبراطورية الأميركية قوة من الماضي أو من الدرجة الثانية، كما هو حال بريطانيا تماماً.

13-أدت الأزمة إلى تدهور اقتصادات كثير من الدول النامية (ومنها مصر)، بصرف النظر عن البيانات المنشورة من الجهات الحكومية على خلاف الحقيقة والواقع، وستحتاج إلى عدة سنوات للعودة إلى وضع ما قبل الأزمة، وهو مستوى لم يكن جيداً على أية حال. 

14-صحيح أنَّ أزمة كورونا طالت الجميع، ولكن أكثر المتضررين منها يتمثل بالفئات الفقيرة وكاسبي الأجور والمرتبات، سواء في الغرب أو بصورة أكبر في الدول النامية التي تشكّل العمالة في القطاع غير الرسمي وعمال اليومية القطاع الأكبر.

15-سيلجأ كثير من الشركات في العالم إلى خفض حجم العمالة أو خفض أجورها.

16-أما القطاعات الاقتصادية الأكثر تضرراً على مستوى اقتصادات العالم أجمع، والتي حققت خسائر ضخمة، فهي قطاعات السياحة، وقطاعات الطيران والنقل، وقطاعات التجارة والمبادلات، وقطاعات المطاعم والترفيه، وقطاعات الإنتاج السلعي والصناعي، وقطاعات البترول والغاز، وأخيراً قطاعات المصارف والبورصات التي أصابتها أقلّ الأضرار.  

(3) على مستوى السياسة والتحالفات الدولية والإقليمية

المؤكد أنّنا، ومنذ الغزو الأميركي – البريطاني للعراق في آذار/مارس 2003 وما جرى بعدها، والعالم يشهد حالة طلق دموي لولادة جديدة في الفضاء السياسي العالمي. وجاءت كارثة وباء كورونا مطلع العام 2020، لتعطي دفعة قوية جديدة لهذه التغييرات المرتقبة، وأبرزها: 

1-أولى هذه الآثار والتداعيات تتمثل بأنَّ الصيغة الراهنة للاتحاد الأوروبي – التي بدأت منذ العام 1958 – لن تصمد كثيراً أمام كل ما جرى من سلوكيات أنانية لدول الاتحاد، فرادى وجماعات. ولدينا هنا احتمالان لا ثالث لهما:

الأول: أن تحصل إصلاحات جوهرية في بنية هذا الاتحاد على كل المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، تحفظ استمرارية هذه العملية التاريخية لفترة من الزمن. 

الثاني: أن تخرج بعض دول الاتحاد من هذه الصّيغة (وهو ما نرجحه)، مثلما سبقتهم المملكة المتحدة، وغالباً ما ستكون إيطاليا واليونان وصربيا، بيد أن هذا الأمر يتوقف على وجود صيغة أو إطار إقليمي آخر يجمع الغاضبين والمتمردين والساخطين من هذا النظام الاتحادي الَّذي ثبت ضعفه إزاء تحديات داخلية كبرى كما كشفته كارثة وباء فيروس كورونا.

2- لدينا احتمال كبير في صياغة نمط جديد لعلاقات تعاونية وتشاركية بين بعض دول الاتحاد – سواء في صيغته المعدلة أو بعد خروج بعض أطرافه – مع كل من الصين وروسيا، وربما إيران، فكاكاً وتفكيكاً لأسر السياسة الأميركية المتغطرسة والعدوانية والأنانية في آن واحد، سواء ضد أوروبا أو غيرها من دول العالم. 

3- كما أشرنا من قبل، ستتعزز وتتسارع صيغ التعاون والتكتلات الإقليمية والدولية التي تقودها كل من الصين وروسيا، وبمشاركة أكثر فاعلية لإيران وبعض دول أميركا اللاتينية، ومنها فنزويلا وكوبا وغيرهما.

4- رغم أن أزمة المشروعية في بعض أنظمة الحكم العربية قائمة قبل أزمة وباء كورونا، فإنَّ الأزمة فاقمت مشكلة المشروعية. وعلى الأرجح أنَّ تغييراً سياسياً سيحدث في 3 دول عربية على الأقل في الأجل القريب هي السعودية والبحرين والعراق.

5- كما أنَّ حدوث تغيير سياسي في الولايات المتحدة، مع وجود أزمة مشروعية أخلاقية وسياسية كشف عنها الفشل في التعامل مع الأزمة، وضعف وقصور النظم الصحية والعلاجية في دول مثل مصر وليبيا والعراق والبحرين والسعودية التي تعتمد على اقتصاد السوق، وتخلّي الدولة عن مسؤوليتها الاجتماعية، من شأنه أن يدفع فرص التغيير إلى الأمام. 

6- لعل صيغة جامعة الدول العربية كإطار إقليمي للعمل العربي المشترك فقدت صلاحيتها تماماً، كما فقدت ثقة الشعوب العربية والمثقفين العرب بضرورة استمرارها، نظراً إلى كونها تحولت إلى عبء على مستقبل الشعوب العربية وحاضرها، علاوة على كونها باتت تشكل أزمة ضمير لكل العرب. 

7- أما منظمة الأمم المتحدة، التي تعاني منذ فترة طويلة مشكلات معقدة تؤثر في درجة فاعليتها في الأزمات الدولية، وفي تحقيق ميثاقها وتنفيذه، فقد تراكم شعور كثير من أعضائها ومن شعوب العالم بالإحباط تجاهها، وكذا في فاعلية بعض وكالاتها المتخصصة (الأونروا – الصحة العالمية – الإغاثة الدولية)، ونرجّح أن تتزايد الضغوط الدولية من أجل إجراء تعديلات جوهرية في آليات عمل تلك المنظمة بعد كارثة وباء كورونا. 

(4) على المستوى العسكري والحروب

1-جاءت أزمة كورونا والعالم يشهد، كما أشرنا سابقاً، حالة من العسكرة وتعدد الصراعات الحربية. ربما تهدأ قليلاً حدة تلك الأعمال الحربية في مناطق النزاعات والحروب، إلى حين الانتهاء من هذه الأزمة العاصفة، وإن كنا نرجح أن تزداد وتيرة هذه الأعمال الحربية وحدّتها بعد الاطمئنان نسبياً إلى اجتياز الأزمة. ولهذا، نرجح أن ترتفع وتيرة الحرب في اليمن والعراق وسوريا وليبيا في الشهور القادمة.

 2-أما الحرب ضد الإرهاب، فهي لن تتوقف، سواء أثناء الأزمة أو بعدها، ما دامت هناك تنظيمات أو مجموعات إرهابية وهابية، أو يهودية تلمودية، أو يمينية متطرفة في أوروبا. 

3-كما أنَّ الصراع الفلسطيني – الصهيوني، والمدعوم على كلا الجانبين، سوف يستمر، وخصوصاً أن المجتمع الصهيوني في فلسطين يتجه باستمرار نحو مزيد من التطرف والعدوانية ضد الفلسطينيين في الداخل، وضد دول وشعوب الجوار العربي.

4- بالنسبة إلى حلف الناتو (NATO)، فإنَّ هذا التحالف العسكري سيستمرّ، بيد أن بعض وظائفه ستتغير بعد أزمة كورونا لعدة أسباب، بعضها يعود إلى تخفيف حدة الأحمال العدائية ضد روسيا والصين، وبعضها الآخر يعود إلى مناخ عدم الثقة بين أعضائها بعد الأداء الأناني والسيئ لبعض أطراف هذا التحالف في مواجهة بعضها البعض، ما سيخفف كثيراً من حدة التوتر الدولي. 

5-ستستمر بؤر التوتر في بعض المناطق (جزيرة منشوريا – الساحل الأفريقي – بحر الصين والمحيط الهادئ شبه جزيرة القرم – فنزويلا)، ربما تهدأ قليلاً، بيد أن الحرب ضد المجموعات الإرهابية ستستمر، وربما تتصاعد إلى حد كبير. 

  6-سيتعزز التحالف والتعاون العسكري الروسي – الصيني، وستلحق به إيران عند مستوى معين، ولن تشهد حالة السباق على التسلح النوعي بين هذه القوى الثلاث من جهة، وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى، ووراءها “إسرائيل”، أي تغيير.

 7-من المرجح أن تشتعل منطقة الشرق الأوسط بالمواجهة الإسرائيلية – الفلسطينية، والإسرائيلية – اللبنانية، والإسرائيلية – السورية، مع دعم وتنسيق واسع بين قوى المقاومة ومحورها في مواجهة العدوانية الإسرائيلية، وسنشهد لأول مرة اصطفافات من نوع جديد في المنطقة العربية. 

بقلم : عبد الخالق فاروق – خبير اقتصادي مصري
* المصدر: الميادين نت – المادة الصحفية تعبر عن رآي الكاتب