السياسية:

في فصل جديد من فصول الأزمة السياسية التي تعيشها تونس، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد، امس الأربعاء 30 مارس، حلّ مجلس النواب، وذلك بعد ثمانية أشهر من تعليق أعماله وتوليه كامل السلطة التنفيذية والتشريعية في تموز/يوليو 2021.

وقال سعيّد في كلمة بثها التلفزيون التونسي الرسمي خلال ترؤسه اجتماعا لمجلس الأمن القومي: “بناء على الفصل 72 من الدستور أعلن اليوم في هذه اللحظة التاريخية عن حل المجلس النيابي حفاظا على الشعب ومؤسسات الدولة”.

وقبل قرار سعيد بساعات، عقد أكثر من 120 نائبا في البرلمان التونسي، من بين 217 نائبا، اجتماعا عبر تقنية الفيديو. وصوت 116 نائبا بنعم وبدون رفض أو تحفظ على مشروع قانون يلغي التدابير الاستثنائية التي اتخذها سعيد.

ويعتبر هذا الاجتماع تحدياّ للرئيس التونسي، الذي جمّد أعمال البرلمان وأقال رئيس الحكومة واحتكر السلطات في بلاده في 25 تمّوز/يوليو الماضي، ومنذ ذلك التاريخ يمارس سلطاته بمراسيم وأوامر رئاسية.

* ماذا يقول الفصل 72 من دستور تونس؟

ينصّ الفصل 72 من دستور 2014 على أن “رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور”. واستناداً إلى هذا النص برَّر سعيد قرار حل البرلمان، بعد أن وصف جلسة الأربعاء بأنها “محاولة انقلابية”.

يقول سعيد، أستاذ القانون الدستوري السابق، إن أفعاله دستورية وضرورية لإنقاذ تونس من سنوات الشلل السياسي والركود الاقتصادي الذي تسببت فيه نخبة فاسدة تخدم مصالحها الخاصة. ويقول إنه سيشكل لجنة لإعادة صياغة دستور سيتم طرحه للاستفتاء، في يوليو/تموز، ثم سيجري انتخابات برلمانية، في ديسمبر/كانون الأول.

لكن الدستور التونسي، الذي يقول سعيد إنه ملتزم بفصوله، ينص على أن البرلمان يجب أن يظل منعقداً خلال أي فترة استثنائية من النوع الذي أعلنه سعيد، الصيف الماضي، وأن حل المجلس يجب أن يؤدي إلى انتخابات جديدة.

أستاذ القانون العام الصغير الزكراوي، أحد المؤيدين لقرارات قيس سعيد، قال لإذاعة شمس التونسية، إن “قرار حل البرلمان لا يمكن تأسيسه على الدستور.. هذا القرار صائب لعدة اعتبارات سياسية واجتماعية، ولكن الدستور لا يُبرره، لأن الفصل 72 من الدستور تم تعليقه ضمن بقية أحكام الدستور، حيث تم الإبقاء فقط على الباب الأول والثاني”.

لكن سعيد لم يكتفِ بقرار حل البرلمان، بل أمر بإجراء تحقيقات بشأن النواب، وقالت وزيرة العدل إنها طلبت من وكيل الدولة بمحكمة الاستئناف فتح تحقيق ضد نواب البرلمان المعلق، بتهمة التآمر على أمن الدولة، وتكوين وفاق إجرامي بعد عقدهم الجلسة.

* ماذا يقول نواب البرلمان التونسي؟

قال نائب رئيس البرلمان طارق الفتيتي إن 116 عضواً صوّتوا ضد “الإجراءات الاستثنائية” التي لجأ إليها سعيد، منذ يوليو/تموز، لإلغاء دستور 2014 الديمقراطي، بحسب رويترز.

بينما قالت يمينة الزغلامي، وهي عضو في البرلمان المجمد من حركة النهضة الإسلامية المعتدلة، “لسنا خائفين من الدفاع عن مؤسسة شرعية”. وأضافت “لم يسحب الناس ثقتهم منا، الرئيس أغلق البرلمان بدبابة”.

* المجلس الأعلى للقضاء في تونس

وبالتالي فإنه من شأن أي تحرك لاعتقال أعضاء البرلمان الذين شاركوا في جلسة الأربعاء أن يمثل تصعيداً كبيراً في المواجهة بين سعيد وخصومه. ويقول خصوم سعيد إنه قام بانقلاب عندما علق عمل البرلمان، الصيف الماضي، ونحّى جانباً معظم دستور 2014، وانتقل إلى حكم البلاد عبر مراسيم.

الخلاصة هنا أن جلسة البرلمان ورد سعيد قد أديا إلى سكب مزيد من الوقود على الأزمة السياسية المشتعلة بالفعل في تونس، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان هذا سيؤدي إلى تغيير فوري في سيطرة سعيد على مقاليد السلطة.

* ردود الأفعال على التطورات الخطيرة

حزب “العمال التونسي”، من جانبه، اعتبر أن حل مجلس نواب الشعب من قبل الرئيس قيس سعيد خطوة ستغرق البلاد في طور جديد من النزاع على السلطة، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

جاء ذلك في بيان للحزب عقب إعلان سعيد حل البرلمان (المجمد)، جاء فيه أن “سعيد أغرق البلاد في المجهول، وعمّق تبعيتها، ودفع بها بخطى أسرع نحو الإفلاس، كما دفع بالشعب نحو مزيد من البؤس منذ إعلانه الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو/تموز الماضي”.

كما انتقد الحزب في بيانه عقد جلسة افتراضية للبرلمان المجمد اليوم، معتبراً أن ذلك بمثابة “دخول في طور جديد من النزاع مع قيس سعيد”. وأضاف أن ما حدث اليوم “مرشح ليكون أخطر من سابقه، وقد يؤدي إلى انقسامات مريعة، وربما إلى احتراب داخلي تغذّيه قوى خارجية تقف وراء مختلف الأطراف المتنازعة منذ مدة غير قصيرة”.

وشدّد الحزب على أن “هذا الصراع لا مصلحة للشعب فيه، لأنه صراع على حساب مصالحه الأساسية، وسيُستعمل فيه حطباً، ويدفع في النهاية الثمن باهظاً”.

وحمّل الحزب “منظومة الحكم بأسرها المسؤولية”، معتبراً أنها “أدارت ظهرها لثورة الشعب ومطالبه الأساسية”.
الثقة المتزايدة للبرلمان وعقد الجلسة يعكس اتساع حجم المعارضة الواسعة لسعيد بينما يحاول إعادة كتابة الدستور والسيطرة على القضاء وفرض قيود جديدة على المجتمع المدني. وحزب النهضة، أكبر حزب في البرلمان، إذ يستحوذ على ربع المقاعد، وزعيمه راشد الغنوشي رئيس البرلمان، من أشد المنتقدين لسعيد.

فرغم أن الأحزاب السياسية منقسمة بشدة على بعضها البعض، يحتشد المزيد منها الآن علانية ضد سعيد، ويطالبه بتبنّي نهج شامل لأي جهود لإعادة هيكلة سياسات البلاد، إذ نبذت تونس الحكم الاستبدادي في ثورة 2011، وتبنت نهجاً ديمقراطياً، لكن نظامها الذي يتقاسم السلطة بين الرئيس والبرلمان لم يجتذب تأييداً شعبياً.

وانتُخب سعيد، الوافد الجديد في المجال السياسي، في عام 2019، في فوز ساحق خلال جولة ثانية أمام قطب إعلامي كان يواجه تهماً بالفساد. وتعهَّد سعيد آنذاك بتطهير الساحة السياسية.

ومع اتجاه الاقتصاد نحو كارثة، وسعي الحكومة إلى إنقاذ دولي، وتلويح الاتحاد العام التونسي للشغل ذي التأثير القوي بإضراب في القطاع العام رفضاً للإصلاحات الاقتصادية، يقول العديد من التونسيين إنهم أصيبوا بخيبة أمل من تركيز الرئيس على التغيير الدستوري وحسب، بحسب رويترز.

* مزيد من الضغوط على اقتصاد تونس؟

عندما اتخذ الرئيس قيس سعيد إجراءاته الاستثنائية، في 25 يوليو/تموز 2021، أيّده قطاع عريض من التونسيين، الذين يدفعون ثمن السجالات السياسية في البلاد ويعانون من التدهور الاقتصادي تحت وطأة تداعيات الجائحة والتأثيرات السلبية للمشهد السياسي المتعثر في تفسيرات كل طرف للدستور.

لكن مع مرور الوقت وعدم اتخاذ الرئيس قرارات فعلية لإنقاذ الاقتصاد وتركيزه، عوضاً عن ملاحقة المعارضين، وتصفية من يراهم خصوماً، وتتويج ذلك بحل المجلس الأعلى للقضاء، بدأ المؤيدون لسعيد ينفضون من حوله واتسعت رقعة المعارضة له، ورفع شعار “الشعب يريد عزل الرئيس” خلال مظاهرات حاشدة، في تذكير بالربيع التونسي، الذي أطاح بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

وازدادت الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد التونسي بتردد المانحين الغربيين الرئيسيين، الذين تعتمد عليهم تونس في دعم الميزانية، في تقديم تلك المساعدات قبل أن يعود الرئيس إلى المسار الديمقراطي والحكم الدستوري الطبيعي.

وفي هذا السياق، كان أكثر من 50 مشرعاً سابقاً وناشطاً حقوقياً أمريكياً قد وجهوا خطاباً مفتوحاً إلى إدارة الرئيس جو بايدن، مناشدين فيها أن تبذل الإدارة مزيداً من الضغوط، وأن تربط بين أي مساعدات لتونس وبين العودة للمسار الديمقراطي، بحسب تقرير لموقع المونيتور الأمريكي.

* تونس شح المواد الغذائية أزمة اقتصادية

“نخشى أن يكون غياب رد فعل قوي من الولايات المتحدة على اعتداءات قيس سعيد المتكررة على الديمقراطية قد شجَّع الرئيس التونسي على التمادي في مساره الهادف إلى تدمير المسار الديمقراطي تماماً”، بحسب ما جاء في الرسالة المفتوحة، التي شارك في التوقيع عليها عدد من سفراء واشنطن السابقين لدى تونس.

الرسالة طالبت الإدارة بالعمل مع الكونغرس لوضع شروط محددة لأي مساعدات تقدمها واشنطن لتونس، تنص على حتمية احترام المسار الديمقراطي.

ولا شك أن قرار قيس سعيد حل البرلمان (المجمد أصلاً) لن يكون إيجابياً لدى الإدارة الأمريكية أو المانحين الغربيين الرئيسيين، ما يعني مزيداً من الضغوط على الاقتصاد التونسي المنهك أصلاً، وهو ما يزيد من حدة الغضب تجاه سعيد، ويُقلص من قدرته على حكم البلاد، فإلى أين تتجه تونس؟

ووجه سعيد انتقادات شديدة إلى الاجتماع الذي عقده النواب عبر تقنية الفيديو، برئاسة طارق الفتيتي نائب رئيس البرلمان، ووصفه بأنه “محاولة فاشلة للانقلاب وتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وسيتم ملاحقتهم (النواب) جزائيا”.

يشار إلى أن رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، الذي يرأس أيضا حزب النهضة ويعد من أشد المعارضين لسعيّد، لم يشارك في الاجتماع الذي تم عبر الفيديو، لكنه سبق أن وصف ما قام به سعيد “بانقلاب على الدستور والثورة”.

وبعد تحدث سعيد عن ملاحقة النواب جزائيا، ذكرت وسائل إعلام محلية أن وزيرة العدل التونسية طلبت من وكيل الدولة بمحكمة الاستئناف فتح تحقيق ضد النواب الذين عقوا الاجتماع “بتهمة التآمر على أمن الدولة وتكوين وفاق إجرامي”.

ويأتي قرار حل البرلمان التونسي في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة وارتفاع مستمر في الأسعار.

ومنذ فترة، تعاني تونس نقصا ملحوظا في سلع ومنتجات غذائية، أبرزها الدقيق والزيوت والأرز والخبز، ما دفع المحال التجارية الكبرى إلى تحديد كميات محددة للمشترين.

وعجزت الحكومات المتعاقبة عن ايجاد حل لمشكلة البطالة التي ارتفعت في عام 2021 لتصل إلى 18.4 في المائة بنهاية عام 2021. وترتفع نسبة البطالة في بعض المناطق في غرب وجنوب تونس لتصل إلى 33%، مع ملاحظة أن نسبة البطالة مرتفعة بشكل خاص بين الشباب.

وكانت تونس طلبت برنامج مساعدات من صندوق النقد الدولي بقيمة 4 مليارات دولار في عام 2021، لكنّ الصندوق اشترط أن يقترن البرنامج بتطبيق “إصلاحات عميقة وهيكلية”.

وأشار الصندوق خصوصاً إلى ارتفاع فاتورة رواتب موظفي القطاع العام، الذين يناهز عددهم 650 ألفا، ودعا إلى إصلاح شامل لنظام الدعم لأسعار المنتجات الأساسية وخاصة الطاقة.

على الجانب الآخر أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، رفضه أي تجميد لرواتب موظفي القطاع العام أو تخفيض عددهم أو تقليص دعم الدولة لأسعار المواد الأساسية.

* المصدر: وكالات