السياسية:

لقي إعلان الحكومة الإثيوبية الهدنة الإنسانية في إقليم تيغراي، الخميس، استحسان عديد من الجهات المحلية والأجنبية كبداية لوضع نهاية للمعاناة التي يشهدها الشمال الإثيوبي نتيجة المواجهات بين القوات الحكومية وجبهة تحرير شعب تيغراي، فهل تنجح الخطوة في الدفع نحو استقرار يقود إلى سلام في المنطقة؟

الإعلان الحكومي يأتي في سياق الخطوات الفعلية، التي بدأتها الحكومة الإثيوبية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي نحو تحقيق الاستقرار، وكانت الأمم المتحدة وأميركا قد حثّتا أطراف الصراع الإثيوبي على الكف عن القتال وتبني توجه السلام. وقال بيان لوزارة الخارجية الأميركية، سبتمبر (أيلول) الماضي، “تدعو الولايات المتحدة الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي إلى وقف الأعمال العدائية الجارية، والدخول في مفاوضات وقف إطلاق النار على الفور، دون شروط مسبقة. ويتعين على المحادثات عن طريق التفاوض أن تؤدي إلى حوار أوسع لإيجاد حل سياسي دائم للصراع”.

وشهدت الفترة الماضية ظروفاً إنسانية بالغة التردي جراء النزاع بين الحكومة والجبهة، وقدّر برنامج الأغذية العالمي أن أكثر من تسعة ملايين شخص في تيغراي وأمهرة وعفر ظلوا يحتاجون إلى مساعدات غذائية إنسانية منذ اندلاع الصراع في شمال إثيوبيا في الرابع من نوفمبر 2020.

وفيما تقول جبهة تحرير شعب تيغراي، إن الحصار الذي فرضته الحكومة الإثيوبية على الإقليم الواقع شمال البلاد، “له آثار مدمرة على السكان المدنيين”، أعلن برنامج الأغذية العالمي أن “استمرار النزاع ووجود قوات الجبهة في عفر، المنطقة التي تمر عبرها القوافل البرية إلى تيغراي حالاً دون تدفق المواد الغذائية والوقود إلى الإقليم منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول).

وكانت الأمم المتحدة قد قالت، في سبتمبر الماضي، “إن حياة ملايين الأشخاص في مناطق الشمال معرضون لخطر المجاعة بسبب عدم وصول إمدادات المساعدات الغذائية”، واتهم مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم، في 17 مارس (آذار) الحالي الحكومة الإثيوبية “بعرقلة نقل الإمدادات الطبية والأدوية إلى تيغراي”. وكرر اتهامه، الثلاثاء الماضي، على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي، لكن الحكومة الإثيوبية رفضت ما سمّته ادعاء مدير المنظمة. وقالت في بيان صدر، الخميس الماضي، عن مكتب الاتصال الحكومي، “إنه لا أساس له من الصحة”.

وأكد مفوض اللجنة الوطنية لإدارة مخاطر الكوارث، متيكو كاسا، في 26 مارس الحالي، التزام الحكومة الإثيوبية تعزيز المساعدات الإنسانية للمحتاجين في إقليم تيغراي. وأشار إلى أنه “منذ يناير 2022، يتم تسيير رحلات جوية إنسانية إلى الإقليم لتوصيل الإمدادات الطبية والأدوية والأغذية للمحتاجين فيه، بعد الاضطرابات التي أحدثتها الجبهة بشأن عملية الإغاثة على النقل البري”. وبحسب المفوض فإن “الظروف المواتية التي سهلت من قبل الحكومة لعبت دوراً مهماً في تحقيق هذه الغاية”.

وكان مجلس الوزراء الإثيوبي أقر إنشاء لجنة (حوار وطني مستقلة)، بهدف خلق وإدارة توافق بين مختلف الفعاليات المجتمعية والسياسية، كاستجابة لدعوة الحوار الشامل الذي وعدت به الحكومة الإثيوبية إبان إجرائها الانتخابات البرلمانية، في يونيو (حزيران) 2021، وصدّق مجلس النواب الإثيوبي (البرلمان)، في ديسمبر الماضي، على تشكيل اللجنة كمؤسسة مستقلة. وأكد رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في يناير (كانون الثاني) الماضي، “إن الطريق نحو المستقبل هو تعزيز الوحدة الوطنية”، وتبع دعوة السلام إطلاق سراح عدد من السياسيين، بمن فيهم بعض زعماء تيغراي.

وفي مارس الحالي، أعلن المؤتمر الأول لحزب الازدهار التزامه الحفاظ على السلام والأمن. وقال رئيس العلاقات العامة والدولية، بقلى هوريسا، إن “السلام والأمن يمثلان الأولوية الرئيسة للحزب”، وبدأ الحزب فعلياً مشاورات عامة لإنزال التوجهات السياسية، التي تم وضعها خلال مؤتمره الأول، إلى قواعده في مختلف المدن والأقاليم، لحشد التوافق والآراء حولها.

* تجاوب وترحيب

ضمن سياق التهدئة والتوجه نحو السلام، جاء إعلان الحكومة الإثيوبية عن هدنة إنسانية مفتوحة سارية المفعول بشكل فوري في إقليم تيغراي، لضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى المحتاجين، في حين قال بيان الجبهة، إنه “بينما تلتزم حكومة تيغراي بإنجاح هذا المسعى، نود ملاحظة أن الربط بين القضايا السياسية والإنسانية أمر غير مقبول، ومع ذلك، فإن شعب وحكومة تيغراي سيبذلون قصارى جهدهم لمنح السلام الفرصة”.

ورحب بقرار الحكومة الإثيوبية كل من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وتركيا، إلى جانب منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيقاد، إلى جانب العديد من الدول والهيئات الدولية والإقليمية. وأعرب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإثيوبية (فانا)، عن أمله في أن يتبع القرار تسهيل وصول إلى المساعدات الإنسانية إلى إقليم تيغراي. وأضاف بلينكن أن “قرار الحكومة خطوة مهمة وحاسمة نحو استئناف واستمرار المساعدات الإنسانية للسكان في الإقليم وجميع المناطق والمجتمعات المحتاجة من إثيوبيا”.

وأشار بلينكن إلى أن “القرار يضمن السلام والازدهار لجميع الإثيوبيين، إضافة إلى كونه مساهماً أساسياً في الحل السياسي في البلاد”. ودعا جميع الأطراف إلى تنفيذ القرار، للتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار. وأكد مجدداً أن الولايات المتحدة ستواصل بذل قصارى جهدها لدعم الشعب الإثيوبي في جهوده لتحقيق سلام واستقرار دائم”.

* السعي نحو حل سياسي

يقول رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية، يس أحمد، إن “إعلان الحكومة الإثيوبية هدنة إنسانية مفتوحة وقبول جبهة تحرير تيغراي إيصال المساعدات الإنسانية إلى الإقليم قد يكون مؤشراً لسعى أطراف الصراع نحو إيجاد حل سياسي للحرب في إثيوبيا، في ظل الترحيب السريع بالهدنة من قبل الأمم المتحدة والاتحادين الأفريقي والأوروبي وأميركا وبريطانيا وتركيا”.

ويضيف أحمد، “بتقديري فإن دوافع الحكومة الإثيوبية للهدنة الإنسانية تكمن في تخفيف معاناة الشعب الإثيوبي الإنسانية في تيغراي والعفر والأمهرا، كذلك لتحقيق أهداف سياسية داخلية وخارجية هي البحث عن سبل السلام، ونزع فتيل الحرب والمواجهات العسكرية، وحماية عملية الحوار الوطني الشامل، الذي أعلنه رئيس الوزراء الإثيوبي لتعزيز الوحدة الوطنية، وحتى تكون سداً منيعاً أمام محاولات الضغوط الخارجية، وبخاصة العقوبات الاقتصادية الأميريكة على بلاده، بينما تكمن دوافع جبهة تحرير تيغراي لقبولها الهدنة في مخاوف قيادتها من تدهور الأوضاع الإنسانية وحالة المجاعة المحتملة التي ربما تقود شعب تيغراي إلى أن يقوم بثورة جياع على الحكومة المحلية للإقليم، إلى جانب الضغوط الخارجية التي تتعرض لها قيادة الجبهة، خصوصاً من قبل المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي”.

بقلم: هاشم علي حامد محمد ـ كاتب وباحث في شؤون القرن الأفريقي
* المصدر: الاندبندنت عربية ـ المادة الصحفية تعبر عن وجهة نظر الكاتب