وسام أبو شمالة *

نفَّذ الفدائي الفلسطيني الشهيد محمد أبو القيعان من قرية الحورة في النقب الفلسطيني المحتل عملية بطولية في مدينة بئر السبع المحتلة، فقتل 4 مستوطنين، وأصاب آخرين بجراح خطرة، بعد أن دهس بسيارته جمعاً من المستوطنين، ثم طعن عدداً منهم. واستمرّت العملية ما يقارب 8 دقائق.

أتت عملية بئر السبع في خضمّ موجة عمليات فدائية فلسطينية منذ بداية العام 2022، وبلغت ذروتها خلال شهر مارس/آذار الجاري، الذي شهد تنفيذ 8 عمليات حتى الآن. ويتوقع أن تتصاعد وتيرة العمليات خلال الأيام القادمة، نتيجة النجاح الذي حققته عملية بئر السبع، ما سيشجّع المقاومين الفلسطينيين على تنفيذ المزيد منها.

من جهة أخرى، إنّ مستوى المواجهة مع العدو سيرتفع خلال شهر رمضان المبارك. وقد وصفت القناة 12 الإسرائيلية العمليات الفدائية بموجة الرعب مع التحريض المتواصل في وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية.

قبل عملية بئر السبع، حذّرت أوساط العدو من تصعيد في العمليات الفلسطينية انطلاقاً من الضفة الغربية والقدس المحتلتين. ويخشى العدو أن تتطور الأحداث إلى مواجهة عسكرية مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، على غرار معركة “سيف القدس” في أيار/مايو 2021. ويبدو أن العدو لم يتوقع تنفيذ عمليات فدائية داخل فلسطين المحتلة عام 1948.

عقب العملية الفدائيَّة، أجرى رئيس وزراء العدو نفتالي بينت مشاورات أمنيّة، واعتبر العدوّ أن تنفيذ عملية بهذا الحجم تغيير في قواعد المواجهة.

وقد دلّت عملية بئر السبع البطولية على تأكيد البعد الاستراتيجي لفلسطينيي الداخل المحتل، وهي امتداد لثورتهم التي تفجّرت في وجه العدو أثناء معركة “سيف القدس” قبل نحو عام.

وكشفت العملية عمق أزمة العدو في حال فقد السيطرة على نحو مليوني فلسطيني، مدفوعين بهويتهم الوطنية، التي بذل قصارى جهده لتذويبها في إطار ما يسمى بمشاريع الأسرلة التي فشلت فشلاً ذريعاً.

وأرسلت العملية الجريئة رسالة مفادها أنّ فلسطينيي الداخل المحتلّ جزء أصيل من الشعب الفلسطيني، وجزء من حالته النضالية والكفاحية ضد عدوهم الأوحد؛ الكيان الإحلالي الاستيطاني “إسرائيل”.

جاءت عملية بئر السبع البطولية التي لن تكون الأخيرة رداً طبيعياً على ممارسات حكومة العدو والمستوطنين العنصرية، وسلب فلسطينيي الداخل المحتل حقوقهم في أرضهم وقراهم، عبر سنّ القوانين والتشريعات التي تهدف إلى تفكيك القرى الفلسطينية في النقب المحتل، بحجة أنها قرى غير معترف بها، ومصادرة الأراضي المقامة عليها لمصلحة مشاريع وهمية لا تهدف إلا إلى قضم الأراضي والممتلكات الفلسطينية، حتى بات الفلسطيني مطارداً ومشتتاً عن أرضه ومسقط رأسه.

تعيد العملية الفدائية طرح الأسئلة الصعبة في أوساط العدو، فكيف يمكن لأجهزته الأمنية منع فلسطيني يتحرك بسهولة في الداخل المحتل قرّر أن ينفّذ عملية، فجيش الاحتلال لا يمكن أن يستنفر في الشوارع، والطائرات لن تقصف “بنك أهدف”! وكيف سيتم التعامل مع الحدث في حال تحوّلت العملية إلى نموذج يحتذى به وتدحرجت إلى موجة من العمليات المشابهة؟

وكيف سيواجه العدوّ المحتوى الإعلامي للشباب الفلسطيني في الداخل المحتل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي عكست توجّهات جيل الشباب الَّذي يرى أن قضيّته على الأرض والهوية وطنيةٌ، وأنَّ صراعه يدور مع محتل سلب أرض أجداده، وليس قضية مطلبية، كما يحاول بعض قادة الأحزاب الفلسطينية تصويره، وأبرزهم منصور عباس، الذي سينبذه فلسطينيو الداخل المحتل، فالهدف الاستراتيجي للشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، وفي مختلف أماكن وجوده، هو كنس الاحتلال واستعادة حقوقه المسلوبة.

ستساهم استفزازات المستوطنين وجرائمهم في تعزيز الروح الوطنية لدى فلسطينيي الداخل المحتل، وخصوصاً بعد المؤشرات التي تدلّ على فقدان المستوطنين ثقتهم بمؤسستهم الأمنية، ومنها تشكيلهم عصابات “بارئيل” للاعتداء على الفلسطينيين، ما سيستجلب مزيداً من العمليات الفدائية الفلسطينية.

تعيد عملية بئر السبع رسم ملامح الصراع مع العدو على الأرض الفلسطينية في المرحلة المقبلة، والتي سيكون أبرز ملامحها ترابط الساحات وتعدّد جبهات المواجهة مع العدو، فلا انفصال بين غزة والقدس والنقب والضفة واللد والرملة والشتات.

* المصدر : الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع