بقلم: جوردان تاما*( صحيفة” واشنطن بوست ” الاميركية، ترجمة: صادق الارحبي- سبأ)

حدث شيء مذهل في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي. ففي تحدٍ لكل من الرئيس ترامب وحكومة المملكة العربية السعودية ، صوّت المجلس بـ 63 مقابل 37 لصالح تقديم قرار ينهي الدعم العسكري الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن. إذا ما وافق الكونجرس على القرار – الذي يعارضه ترامب وما زال يواجه عقبات تشريعية كبرى – فستكون هذه هي المرة الأولى التي ينهي فيها المشرعون رسمياً المشاركة العسكرية الأمريكية منذ إنهاء الحرب الأمريكية في فيتنام. وسوف يشير بقوة إلى أن الكونغرس لم يعد يطيق العمل كالمعتاد مع المملكة السعودية.

كم كان مذهل هذا التصويت الذي أحدث تحول؟

كان تصويت مجلس الشيوخ تغييرا ملحوظا. فقبل ثمانية أشهر فقط ، صوت 44 فقط من أعضاء مجلس الشيوخ للمضي قدماً في نفس القرار لسحب الولايات المتحدة من الحرب التي تشنها السعودية والإمارات العربية المتحدة ضد الحوثيين في اليمن. وقد تم تقديم هذا القرار من قبل السيناتور بيرني ساندرز، ومايك لي وكريس مورفي. وقبل عامين فقط، لم يبديِ سوى القليل في كابيتول هيل أي اهتمام بتورط الولايات المتحدة في اليمن.

علاوة على ذلك، تجنّب الكونغرس بشكل فاضح اتخاذ أي إجراء لتحديث أو إلغاء تفويض استخدام القوة العسكرية الذي تم إقراره بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية – والذي اعتمد عليه الرؤساء منذ ذلك الحين للتدخل عسكرياً في أفغانستان والعراق واليمن وأكثر من ذلك. حاول بعض المشرعين إبطاله؛ وحاول آخرون استبداله. لكن معظم أعضاء الكونغرس فضلوا الابتعاد عن القرارات العسكرية بالكامل، مما سمح للرئيس بأن يتحمل كل الفضل أو اللوم.

إذاً لماذا يتطلع أعضاء مجلس الشيوخ إلى إنهاء المشاركة الأمريكية في حرب اليمن الآن؟

يكمن السر وراء الغضب الذي أعترى أعضاء مجلس الشيوخ في نشوء أمرين رئيسيين:

أولاً، إن أحدث هجوم بقيادة التحالف الذي تقوده السعودية قد أسفر عن قتل مئات المدنيين اليمنيين. في الوقت نفسه، تحولت الأزمة الإنسانية اليمنية – الأسوأ في العالم – من سيئ إلى أسوأ، حيث نزح ملايين الأشخاص، فضلاً عن مواجهة المجاعة والمرض. ولقد كان من الصعب على جماعات حقوق الإنسان ومنظمات الإغاثة والصحفيين تجاهل حجم الكارثة المستمرة.

ثانياً، يشعر أعضاء مجلس الشيوخ بالانزعاج من قتل الحكومة السعودية للكاتب الصحفي المشارك في صحيفة واشنطن بوست، جمال خاشقجي، والذي خلُصت وكالة المخابرات المركزية ( سي.آي.إيه) بأن الأمير محمد بن سلمان هو من أمر بقتله. ويرجع ذلك جزئيا إلى رفض ترامب قبول استنتاج وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه)، حيث يريد العديد من أعضاء الكونغرس أن يرسلوا إلى القادة السعوديين رسالة قوية مفادها أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع سلوكها المتهور وانتهاكها للمعايير الدولية الأساسية. ونتيجة لذلك، فإن أعداداً متزايدة من المشرعين الجمهوريين والديموقراطيين يدعمون الانسحاب من الجهود العسكرية في اليمن أو اتخاذ خطوات لإبعاد الولايات المتحدة عن المملكة العربية السعودية، مثل تقييد مبيعات الأسلحة إلى البلاد أو فرض عقوبات على كبار المسؤولين السعوديين المتورطين في مقتل خاشقجي.

يقودنا هذا الامر للتصويت من أجل فتح نقاش حول قرار ساندرز- لي- ميرفي. وقد انضم أربعة عشر جمهورياً إلى الـ 49 ديمقراطياً ومستقلين لدعمه. الأمر المثير للاهتمام هو أن كبار رعاة القرار لا يأتون من الأجنحة المعتدلة للطرفين بل من اليمين التقدمي واليمين التحرري. وهذا مشابه لتحالف مبني على مبدأ” زواج المصلحة”، الذي يقف وراء الجهود الأخيرة الرامية إلى إحداث تغييرات في العدالة الجنائية. إذ لا ينبثق مبدأ “الحزبين” من المركز السياسي دائماً.

كيف ستكون هذه الخطوة غير مسبوقة في الكونغرس؟

يتطلب الدستور وقرار سلطات الحرب لعام 1973 تفويض من الكونغرس لأي قرارات أمريكية بشأن الذهاب إلى الحرب. لكنه منذ سنوات، قام الرؤساء بنشر الجيش دون موافقة الكونغرس. ومن الأمثلة على ذلك تدخلات الرئيس رونالد ريغان في غرينادا ولبنان، تدخلات الرئيس بيل كلنتون في البوسنة وكوسوفو، تدخل الرئيس باراك أوباما في ليبيا، والدعم العسكري من قبل أوباما وترامب للحرب التي تقودها السعودية في اليمن.

لم يكن الكونغرس متحمسا بالضرورة للعديد من هذه الأعمال العسكرية. لكن “كابيتول هيل” لم يجيز تشريعاً رسمياً لإنهاء تورط الولايات المتحدة في نزاع ما، حيث أجبرت على إنهاء النشاط العسكري الأمريكي في فيتنام وكمبوديا ولاوس في عام 1973. وفي معظم الحالات الأخرى، كان الكونغرس منقسماً للغاية بحيث لم يتخذ أي إجراء حاسم. العديد من المشرعين يُذعنون للرئيس والقادة العسكريين أثناء الحرب؛ وهذه النزعة تجعل من الصعب الفوز بالأغلبية لكي تسجل تأييداً لإنهاء الجهود العسكرية.

ومع ذلك، استخدم الكونغرس أدوات غير التشريع للتأثير على الارتباطات العسكرية الأمريكية، بما في ذلك استخدام سلطته في المال للحد من طموحاته الرئاسية في الخارج. ويميل الرؤساء إلى الانتباه إلى وجهات نظر نخب واشنطن في كثير من الأحيان فيما يتعلق بتعديل القرارات العسكرية بسبب ردود الفعل التي يتوقعونها من الكونغرس. كما ان بيانات الكونغرس وجلسات الاستماع هي من تشكل في بعض الأحيان المواقف العامة، وتضغط على الرؤساء لتغيير المسار.

ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك؟

من غير المحتمل أن يمر قرار ساندرز- لي- مورفي في مجلس الشيوخ ومجلس النواب بشكله الحالي. يزعم وزير الدفاع جيم ماتيس وغيره من كبار المسؤولين في الإدارة أن القرار سيضر بالعلاقات مع شريك أمني مهم. ولا يزال معظم المشرعين الجمهوريين غير راغبين في دعم القرار. وحتى لو وافق مجلس الشيوخ على ذلك، فإن قادة الجمهوريين في مجلس النواب قد تحركوا بالفعل لمنع اتخاذ إجراء بشأن إجراء ذي صلة.

ويعني هذا أن المشرعين سيحتاجون إلى البدء من الصفر في الكونغرس الجديد – حيث من المرجح أن يقدم مجلس النواب الذي يتزعمه الديمقراطيون مثل هذا القرار للتصويت.

وسواء تم تمرير هذا القرار أم لا، فيتعين ملاحظة أعمال الكونغرس الأخرى التي تنتقد السعودية، مثل تخفيض محدود في الدعم الأمريكي للجهود العسكرية في اليمن، أو فرض قيود على مبيعات الأسلحة أو فرض عقوبات جديدة. وقد يدفع المشرعون الناشطون إلى إدراج مثل هذه الأحكام في تشريع بشأن المخصصات المالية الذي يجب على الكونغرس تمريره قريباً لتجنب عدم الاستماع للحكومة.

في هذه الأثناء، فإن مجرد إجراء التصويت يرسل إشارات قوية. أولها، يعلن مجلس الشيوخ بأن الولايات المتحدة تعتبر حقوق الإنسان وسيادة القانون مهمة للغاية. وثانيها، أصبح المشرّعون الأمريكيون أكثر استعدادًا لتأكيد امتيازاتهم الدستورية كفرع حكومي متكافئ.

  • جوردان تاما: هو أستاذ مشارك في كلية الخدمة الدولية في الجامعة الأمريكية ، وهو المحرر المشارك للطبعة السادسة من “المتنافسون من أجل السلطة: العلاقات الرئاسية – الكونغرس”