هل يمكن أن يمنع بايدن الصين من مساعدة روسيا فعلاً؟
السياسية:
توجيه الولايات المتحدة تهديدات مباشرة للصين بشأن أي مساعدة تقدمها بكين لموسكو للتعايش مع العقوبات الغربية يطرح تساؤلات بشأن مدى قدرة إدارة بايدن على ردع بكين فعلاً إذا ما قررت الأخيرة مساعدة موسكو.
ومع دخول الهجوم الروسي على أوكرانيا أسبوعه الثالث، أصبح واضحاً أن الحرب ستكون أطول مما توقع الكرملين، وهو ما يعني أن تداعيات العقوبات قد يكون لها تأثير أقوى مما كان متوقعاً في البداية، وهنا تأتي خشية الولايات المتحدة من أن تتدخل الصين لإنقاذ الاقتصاد الروسي من الانهيار.
تعرضت روسيا لأكبر حملة عقوبات فرضها الغرب منذ بدء الهجوم على أوكرانيا، وطالت العقوبات الثروات الشخصية للرئيس فلاديمير بوتين ودائرته المقربة من رجال الأعمال. وبدأ فرض العقوبات الغربية على روسيا، هذه المرة، منذ أن أعلن فلاديمير بوتين، الأحد 21 فبراير/شباط 2022، الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس الأوكراني، وتصاعدت وتيرة تلك العقوبات وحِدتها وشمولها مع بدء الهجوم، الخميس 24 فبراير/شباط.
ومع تواصُل الهجوم الروسي على أوكرانيا تزايدت بشكل متسارع عزلة روسيا على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والرياضية، وحتى الثقافية والسينمائية، ولا تزال القوات الروسية لم تحقق انتصاراً حاسماً وسريعاً كما كان يأمل الرئيس الروسي.
ما الذي دفع الأمريكيين لتهديد الصين؟
ليس سراً أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة تسير من سيئ إلى أسوأ خلال السنوات الأخيرة، ثم كان ظهور وتفشي فيروس كورونا مطلع العام قبل الماضي وإطلاق الرئيس السابق دونالد ترامب عليه وصف “الفيروس الصيني” وتبادل واشنطن وبكين الاتهامات بشأن منشأ الفيروس وطبيعته، فصلاً آخر في تدهور تلك العلاقات.
ومع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، أصبحت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين أمراً واقعاً بالفعل، وتزامن ذلك مع تقارب متسارع بين بكين وموسكو، لدرجة أن بايدن عندما عقد قمته الأولى مع بوتين في جنيف في يونيو/حزيران 2021 كانت “الصين” الحاضر الغائب في تلك القمة، مع سعي الرئيس الأمريكي لإقناع نظيره الروسي- بشكل غير مباشر- بألا يرفع من درجة تعاونه مع الصين، بحسب ما رشح من تقارير أمريكية وقتها.
لكن كل ذلك يبدو الآن من الماضي، إذ أدى الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى تكريس واقع عالمي جديد يضع موسكو وبكين في جبهة وواشنطن وحلفاءها في جبهة أخرى، وإن كانت الصين لا تزال تمسك العصا من المنتصف كما يقال.
الهجوم الروسي على أوكرانيا بدأ 24 فبراير/شباط، لكن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً الأربعاء 9 مارس/آذار قالت فيه إن الصين كانت على علم مسبق بذلك التحرك الروسي العسكري، بل إن بكين هي من طلبت من موسكو تأجيل بدء الهجوم إلى ما بعد نهاية أولمبياد بكين الشتوية.
كانت الصين قد نظمت الأولمبياد الشتوي في الفترة من 4-20 فبراير/شباط وحضر بوتين حفل الافتتاح جنباً إلى جنب مع نظيره الصيني شي جين بينغ، ووقع الرئيسان عدداً من الاتفاقيات الاقتصادية الضخمة، ستورد بموجبها روسيا إلى موسكو النفط والغاز بمليارات الدولارات على مدى العقد المقبل.
وخلال تلك الفترة، كانت الإدارة الأمريكية تسرب بشكل يومي معلومات استخباراتية تتحدث عن الحشود العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية وتحدد كيف ومتى سيبدأ ما وصفته “بالغزو الروسي”، لدرجة أن بايدن حدد يوم 16 فبراير/شباط الماضي كموعد لبداية “الغزو الروسي لأوكرانيا”.
كيف ردت الصين على الاتهامات الأمريكية؟
والأحد 13 مارس/آذار ذكرت صحيفتا فايننشال تايمز وواشنطن بوست نقلاً عن مسؤولين أمريكيين أن روسيا طلبت من الصين عتاداً عسكرياً منذ بداية ما وصفته واشنطن بالغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط.
وقالت صحيفة واشنطن بوست إن المسؤولين الأمريكيين الذين لم تكشف عن هوياتهم لم يذكروا نوع الأسلحة التي طلبتها روسيا أو كيف كان رد الصين.
وردت السفارة الصينية في الولايات المتحدة بالقول في بيان إن أولوية الصين حالياً هي منع خروج الوضع المتوتر في أوكرانيا عن السيطرة، وقال المتحدث ليو بينجيو في بيان: “الوضع الحالي في أوكرانيا مثير للقلق حقاً”، وأضاف: “الأولوية القصوى الآن هي منع تصعيد الموقف المتوتر أو حتى خروجه عن السيطرة”، بحسب رويترز.
والإثنين رفضت وزارة الخارجية الصينية التقارير الأمريكية، مستخدمة لهجة أكثر حدة، إذ وصفت تلك التقارير بأنها “أخبار كاذبة مصدرها الولايات المتحدة”، وأضافت أن تلك الأكاذيب تأتي في إطار “المؤامرة الأمريكية الهادفة إلى خلق ظروف مواتية للمواجهة مع الصين”.
وقال مسؤولون أمريكيون لرويترز إن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان يعتزم الاجتماع في روما الإثنين مع يانغ جيه تشي أكبر دبلوماسي صيني، وسيؤكد على العقوبات الاقتصادية التي ستواجهها بكين إذا ساعدت روسيا في حربها في أوكرانيا.
وكان سوليفان قد قال إن الصين سوف تعاني “بالقطع من تداعيات” إذا ما ساعدت روسيا دون أن يحدد تفاصيل تلك التداعيات، بحسب ما نقل موقع شبكة FoxNews.
كما قال مسؤول دون الخوض في التفاصيل إن سوليفان سيحذر من العزلة التي قد تواجهها الصين على الصعيد العالمي إذا استمرت في دعم روسيا.
وسيكون هذا أول لقاء معروف لسوليفان مع يانغ منذ الجلسات المغلقة في زوريخ في أكتوبر/تشرين الأول والتي استهدفت تهدئة التوتر بعد أن تبادل الجانبان علناً الانتقادات الحادة في ألاسكا قبل عام.
وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، سعى مسؤولون من الولايات المتحدة ودول أخرى إلى التوضيح للصين بأن وقوفها مع روسيا قد تكون له عواقب على التدفق التجاري وتطوير تكنولوجيات جديدة وقد يعرضها لعقوبات ثانوية.
والأسبوع الماضي، قالت وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو إن الشركات الصينية التي تتحدى القيود الأمريكية على الصادرات لروسيا قد تحرم من المعدات والبرمجيات الأمريكية التي تحتاج إليها لصنع منتجاتها.
هل تدعم الصين روسيا بشكل حقيقي؟
تطرح هذه التجاذبات بين واشنطن وبكين تساؤلات خطيرة بشأن ما قد يمكن أن تؤدي إليه مواصلة هذا التصعيد بين الجانبين، خصوصاً أن الاقتصاد العالمي يعاني بالفعل من التضخم، ليس فقط بسبب العقوبات التي تم فرضها على روسيا بسبب الهجوم على أوكرانيا، ولكن أيضاً بفعل تداعيات جائحة كورونا التي لم يتعافَ منها الاقتصاد العالمي بعد.
فالصين هي أكبر مصدر في العالم وأكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي وأكبر مورد أجنبي للبضائع للولايات المتحدة. ومن شأن أي ضغط على التجارة الصينية أن تكون له تأثيرات اقتصادية غير مباشرة على الولايات المتحدة وحلفائها.
وحتى الآن يمكن القول إن الصين اختارت رسمياً الحياد في الأزمة الروسية الأوكرانية، وإن كانت من الناحية الاستراتيجية تقف في نفس الخندق مع موسكو في مواجهة المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
فبكين لم تنضم إلى القائمة الطويلة من الدول التي أدانت الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، ناهيك عن فرض عقوبات على موسكو، بل ألقت اللوم على الولايات المتحدة في إثارة الأزمة وتصعيدها، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
وفي اليوم الذي بدأ الهجوم العسكري الروسي، في 24 فبراير/شباط الماضي، اتهمت الخارجية الصينية، واشنطن بأنها “أججت التوترات وأشعلت تهديدات الحرب في أوكرانيا”، ورفضت استخدام مصطلح “غزو” لتوصيف الحرب في أوكرانيا.
غير أن الموقف الصيني لم يذهب بعيداً في دعم روسيا، لأنه مكبل بمبدأ “احترام أراضي الدول وسيادتها” بما فيها أوكرانيا، وهو ذات الموقف الذي تبنته بكين عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية.
ناهيك أن الدعم الصيني لروسيا، من شأنه أن يورط الصين في صراع أكبر مع الغرب، في قضية لا تعنيها بشكل مباشر. فالوضع في الأزمة الروسية الأوكرانية متداخل بشكل عميق بالنسبة للصين، بين ما هو استراتيجي وما هو مبدئي، دون نسيان عامل ثالث متعلق بالمصالح الاقتصادية والتجارية المتشابكة مع هذا الطرف آو ذاك.
لذلك فالحياد المحسوب، خيار تراهن عليه الصين، وتجلى ذلك من خلال امتناعها عن التصويت حول إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، سواء في مجلس الأمن الدولي، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فالصين تخشى أن تحول واشنطن الأزمة الروسية الأوكرانية لفرصة تستهدفها رفقة موسكو بشكل متزامن، ما يسمح لها بإسقاط أكبر تهديدين لزعامتها على العالم بضربة واحدة.
وهذا ما عبر عنه المتحدث باسم الخارجية الصينية “تشاو لي جيان” بقوله إن الولايات المتحدة تنتقد الموقف الصيني بشأن أوكرانيا “للبحث عن مجال لمؤامرة القمع المتزامن ضد الصين وروسيا”، بحسب ما نقلته عنه وكالة “تشينخوا”.
تعد الصين بالنسبة لروسيا أكبر شريك اقتصادي، حيث بلغ التبادل التجاري بين البلدين نحو 140 مليار دولار في 2021، ولقاء بوتين بنظيره الصيني شي جين بينغ ببكين في 4 فبراير/شباط، كلل بتوقيع صفقات بقيمة 117 مليار دولار لشراء النفط والغاز.
إذ إن الصين تستورد أمرين أساسيين من روسيا، المحروقات (نفط وغاز) والسلاح، بينما تصدر لها كل شيء تقريباً، وهذا ما يجعل الاقتصادين متكاملين، رغم أن الاقتصاد الصيني أكبر بكثير من نظيره الروسي.
فالناتج الداخلي الإجمالي لروسيا يبلغ نحو 1.5 تريليون دولار، في حين أن الناتج الداخلي الإجمالي للصين يبلغ 18 تريليون دولار. ويمثل الاقتصاد الصيني الضخم المنقذ للاقتصاد الروسي بعد تشديد العقوبات الغربية، خاصة ما يتعلق باستمرار تصدير النفط والغاز إلى السوق الصينية في حال أغلقت الأسواق الأوروبية والغربية أبوابها أمام صادرات الطاقة الروسية.
وكذلك الأمر بالنسبة للواردات الروسية من الدول الغربية، التي يمكن لموسكو استبدالها بأخرى صينية، ما يخفف من وطأة العقوبات، ويمنع الاقتصاد الروسي من الجثو على ركبتيه، خاصة أن الطرفين يتعاملان بالروبل الروسي واليوان الصيني، في إطار اتفاق موقع بين البلدين عقب احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014، ما يسمح لروسيا بالالتفاف حول العقوبات الأمريكية والأوروبية.
ولا تنتظر روسيا من الصين أن تقاتل إلى جانبها في أوكرانيا، لكن أكثر ما تتمناه أن تقف إلى جانبها اقتصادياً، للصمود أطول فترة ممكنة أمام العقوبات الغربية.
بينما لا ترغب الصين أن ينهار الاقتصاد الروسي، لأن ذلك سيدفع واشنطن لتركيز جهودها لإضعاف الاقتصاد الصيني الصاعد بقوة، والذي تجاوز ناتجه الداخلي الخام المعادل للقدرة الشرائية (24.2 تريليون دولار) نظيره الأمريكي (20.8 تريليون دولار).
وتمثل هذه المعطيات مؤشراً على أن مهمة بايدن في ردع الصين عن مساعدة روسيا قد لا تكون ميسورة أو حتى واردة، ليس فقط بسبب الحسابات الجيوسياسية ولكن أيضاً بسبب الحسابات الاقتصادية. فالصين لا تثق بالغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، وبالتالي فإن رضوخ الصين للتهديدات الأمريكية أمر مستبعد، بحسب أغلب المحللين.
* المصدر : عربي بوست