محمد النوباني*

ما من شك بأن رحيل المقاوم والمفكر والمحلل السياسي اللبناني أنيس النقاش مدير مركز “أمان” للبحوث والدراسات الإستراتيجية، في احد مشافي العاصمة السورية دمشق، في الحادي والعشرين من شباط فبراير ٢٠٢١ متأثراً بمضاعفات إصابته بفايروس كورونا كان خسارة كبرى لعائلته الصغيرة وللمقاومة اللبنانية التي كان ينتمي إليها ولعموم قوى محور المقاومة في المنطقة.

ولكن رحيله كان اولاً وقبل كل شيئ خسارة لا تعوض للشعب الفلسطيني الذي فقد برحيله مناضلاً عربياً صلباً ناصر قضيته العادلة وقاتل إلى جانب المقاومة الفلسطينية اثناء وجودها لسنوات طويلة على الارض اللبنانية وكاد ان يدفع حياته عدة مرات من اجلها.

لقد آمن انيس النقاش إبن العائلة العربية اللبنانية العريقة منذ نعومة أظافره بأن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الآولى،ولذلك فقد إنخرط منذ ريعان شبابه في صفوف الثورة الفلسطينية المعاصرة وقاتل معها والى جانبها معظم المعارك المفصلية التي خاضتها ضد القوات الإسرائيلية التي كانت تشن الاعتداءات على الاراضي اللبنانية كما يحلو لها وضد قوات الإنعزاليين اللبنانيين خلال الحرب الاهلية التي إندلعت في لبنان عام ١٩٧٦ من القرن الماضي واستمرت لعدة سنوات.

وسيذكر التاريخ باحرف من نور ونار ان أنيس النقاش كان من المبادرين لإطلاق المقاومة المسلحة ضد القوات الإسرائيلية التي إحتلت جزء من الأراضي اللبنانية عام ١٩٧٨، في إطار ما سمي آنذاك ب “عملية الليطاني” كما أمضى فترة من حياته في احد السجون الفرنسية بسبب ممارسته لشعار “وراء العدو في كل مكان”.

كما كان حاضراً فكرياً وثقافياً ،وربما ميدانيا، في كل المعارك التي خاضتها المقاومة اللبنانية ضد الإحتلال الإسرائيلي بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت صيف عام ١٩٨٢ مروراً بتحرير الجنوب اللبناني عام ٢٠٠٠ ووصولاً إلى حرب العام ٢٠٠٦ بين اسرائيل وحزب الله.

لقد كان انيس النقاش يتخندق على جبهة الصراع الفكري مع اعداء الامة الامة ووظف كل ثقافته ومعارفه الموسوعية في المعركة ولذلك فإنه يعتبر وبحق من المساهمين البارزين في إسقاط كل المشاريع التصفوية التي حاولت امريكا فرضها على المنطقة خدمة لإسرائيل وفي مقدمتها مشروع الشرق الاوسط الجديدالذي ارادت امريكا من خلاله إجتثاث حركات المقاومة من لبنان وعموم المنطقة ولكنها فشلت في ذلك فشلاً ذريعاً.

ولن ننسى ما حيينا ان النقاش كان على الدوام منسجماً مع قناعاته ولم بحد عنها يوماً فوقف ضد الإحتلال الامريكي للعراق عام ٢٠٠٣ وساند بكل قوة المقاومة العراقية التي إنطلقت ضد ذلك الإحتلال كما وقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في كل الحروب التي خاضتها ضد القوات الإسرائيلية ومهد لها الطريق إلى طهران الذين كان مقيماً دائماً فيها.

ومنذ إندلاع الحرب الكونية في سوريا وعلى سوريا منذ العام ٢٠١١ وقف النقاش بكل حزم وصلابة إلى جانب الدولة السورية ولم يتورع حتى في احلك الظروف واقساها ،حينما كانت الجماعات التكفيرية المسلحة تحتل الكثير من احياء دمشق و الغوطتين الشرقية والغربية عن التردد على هذه المدينة البطلة والإقامة فيها غير آبه بكل المخاطر التي كانت تعترضه.

وبنفس القناعة والنفس العروبي عارض النقاش العدوان الاطلسي على ليبيا عام ٢٠١١ واعتبره مؤامرة صهيو-إمبريالية رجعية عربية لنهب وسرقة خيرات هذا البلد العربي الغني وإنخذ نفس الموقف إزاء العدوان الذي شنته السعودية وألإمارات على اليمن منذ العام ٢٠١٥ خدمة لاسرائيل وامريكا ودول الغرب الاستعماري .

كما رفض النقاش وعرى وساهم في إسقاط كل المحاولات المشبوهة التي بذلتها اسرائيل والقوى الإمبريالية بالتعاون مع قوى الرجعية العربية وبعض قوى الإسلام السياسي لتصفية القضية الفلسطينية وحركات المقاومة من خلال مذهبة الصراع في المنطقة وتحويله من صراع ضد إسرائيل إلى صراع سني -شيعي أو عربي- ايراني.

وكان يشدد على الدوام بأن ايران ميتهدفة ومحاصرة عقاباً لها على مساندتها ودعمها للقضية الفلسطينية ولحركات المقاومة في المنطقة.

إن رحيل النقاش هو بألتأكيد خسارة كبرى لشعبه اللبناني ،الذي رآى بأن له الحق كباقي شعوب الأرض بالعيش بكرامة وحرية بعيداً عن نظام المحاصصة الطائفية المتخلف ، ناهيك عن انه خسارة كبيرة للشعوب العربية ألتي رآى هذا النقاش بأن وحدتها هو طريقها للخلاص من حكامها المتخلفين ومن التبعية للغرب وكذلك للثورة الايرانية التي كان النقاش حلقة الوصل بينها وبين الثورة الفلسطينية منذ اليوم الأول لإنتصارها وتمكنها من الإطاحة بنظام الشاه في ١١ شباط عام ١٩٧٩.

وبعيداً عن المبالغات فإن رحيل أنيس النقاش عن الحياة هو خسارة ليس من السهل تعويضها لأنها تأتي في ظل حالة إنحطاط عربي وإسلامي يحتاج الخروج منهما إلى مجهودات فكرية وسياسية وتنظيمية من أناس مخلصين ومبادرين وطليعيين مثل أنيس النقاش وأمثاله..

لقد كان النقاش نموذجاً للمثقف الثوري الذي يؤمن بأن التنظير بعيداً عن الممارسة الثورية هو إنحراف عن خط الثورة وبأن الممارسة الثورية لكي تكون فاعلة بحاجة بحاجة إلى نظرية ثورية كما آمن بأن المثقف الذي يخلده التاربخ هو ألمثقف الثوري الذي يدافع عن الفقراء والمحرومين والكادحين و ليس المثقف الرجعي الذي يوظف ثقافته ومعارفه وفكره الهابط للدفاع عن الحكام الظلمة واعداء الشعوب من إمبرياليين وصهاينة ورجعيين.

في الختام لروح انيس النقاش الرحمة ولذكراه العطرة الخلود، ولأمثاله يجب أن ترفع القبعات وتنحني الهامات ويعلن الحداد.

* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع