السياسية:

في مقابلة مع وسائل الإعلام الروسية في 28 يناير (كانون الثاني) حول الأزمة الأوكرانية، صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، “إذا عاد الأمر للاتحاد الروسي، فلن تكون هناك حرب”. وكذلك، أشار إلى وجود “روح من العقلانية” في الإجابات الرسمية التي قدمتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي قبل أيام قليلة رداً على مطالب روسيا. بالنسبة إلى بعض المعلقين الغربيين، اعتُبرت تعليقات لافروف علامة تبعث على الأمل بأن الكرملين قد حقق أهدافه المتوسطة ومن المحتمل أنه سيغير مساره. ووفقاً لهذا التحليل، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد استدرج الغرب إلى حيث يريده بالضبط، إذ إنه من خلال نقل أكثر من مئة ألف جندي إلى الحدود الأوكرانية وإصدار إنذار نهائي، أجبر الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على الدخول في حوار مع موسكو. طوال الوقت، اعتمدت الحكومة الروسية مجازفة سياسية محسوبة، واتبعت نهجاً ترك الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو أمام خيارات قليلة أخرى غير التفاوض على قدم المساواة.

في منحى مقابل، بدا وقع تصرفات الكرملين مختلف تماماً بالنسبة إلى شطر كبير من الشعب الروسي. في الواقع، وسط قلق شعبي سائد في شأن الاقتصاد وجائحة كورونا والمخاوف المتزايدة من حرب واسعة النطاق، يبدو أن الحكومة الروسية هرعت للدخول بشكل متهور في مواجهة غير ضرورية، وربما طائشة مع الغرب. وفي آذان الروس، فحتى لغة لافروف التصالحية الأخيرة تحمل نبرة مقلقة. واستكمالاً، تابع وزير الخارجية: “لا نريد الحرب، لكننا لن نسمح لأي شخص بأن يدوس على مصالحنا أو يتجاهلها أيضاً”. في الحقيقة، تلك الكلمات مألوفة في روسيا. وأعاد إلى الأذهان كلمات أغنية “إذا حمل الغد حرباً”، وهي أغنية سوفياتية مشهورة من حقبة الحرب العالمية الثانية، “نحن لا نريد الحرب، لكننا سندافع عن أنفسنا/ نحن نعزز دفاعنا بحق/ سنهزم عدونا على أرض معادية/ سافكين دماء قليلة وموجهين ضربة قوية!” وبعد فترة وجيزة هيمنت الأغنية على البلاد، فقام الاتحاد السوفياتي بغزو فنلندا.

وكما كانت الحال مع فنلندا في عام 1939، يستمر الكرملين في القول إنه يريد تجنب الصراع، في المقابل، يبدو أنه يفعل كل ما في وسعه لإشعال فتيل نزاع. وفي سياق متصل، ترددت إشاعات متكررة حول الجهود الروسية الرامية إلى خلق ذريعة للحرب، بما في ذلك إشاعة مقطع الفيديو المزيف حول هجوم شنه الأوكرانيون على السكان المدنيين في دونباس، الذي ظهر في أوائل فبراير (شباط). في الواقع، تشبه تلك التكتيكات ما فعلته القيادة السوفياتية عندما أشعلت الحرب مع فنلندا.

ووسط أسابيع من تحليل تحركات القوات الروسية ودوافع بوتين الواضحة الكامنة وراء الحشد العسكري، كان الاهتمام الذي أولي لما يفكر فيه الروس العاديون في شأن التطورات، ضئيلاً نسبياً. وعلى الرغم من ذلك، يمكن تعلم أمور كثيرة من بيانات الاقتراع الأخيرة. وبحسب عدد من المؤشرات، فإن الروس، بمن فيهم أولئك الذين يدعمون بوتين عموماً، حتى لو بشكل غير مبال ولم يكونوا من غلاة المؤيدين، يُبدون تردداً شديداً في شأن الصراع مع أوكرانيا. ويخشى كثيرون منهم العواقب الاقتصادية الوخيمة، وبالنظر إلى الدور الذي تلعبه أوكرانيا في الثقافة والتاريخ الروسيين، يخاف البعض من أن الحرب قد تصل إلى مستوى “محاربة روسيا لنفسها” (كما قال بوريس غريبينشيكوف، نجم الروك في فترة البيريسترويكا [إعادة الهيكلة، الإصلاح الاقتصادي] عام 1987). بالنسبة إلى بوتين، الذي سيواجه إعادة انتخابه في غضون عامين، تلك المخاوف الداخلية لا يستخف بها. إذا دخلت روسيا في حرب طويلة الأمد في أوكرانيا، فمن المحتمل أن تهدد القاعدة الشعبية العريضة التي اعتمد عليها بوتين لأكثر من 20 عاماً.

* الأزمة الاقتصادية المقبلة

ظاهرياً، يبدو أن عدداً من الروس يدعم موقف الكرملين الحربي تجاه الغرب. في مقابلة مع لافروف، طرحت مارغريتا سيمونيان، رئيسة شبكة “آر تي” الروسية الإخبارية، السؤال الذي كان متابعوها على وسائل التواصل الاجتماعي يسألونه: “متى سنوجه ضربة إلى واشنطن؟” على الرغم من أن آراء سيمونيان المشجعة والمؤيدة للحرب قد أسهمت بشكل كبير في إثارة مثل تلك الأسئلة، يبدو أن موقف الكرملين الأساسي بشأن الدفاع عن نفسه من التعدي الغربي يجد الدعم في كثير من الأحيان. وكما علق أحد المشاركين في إحدى المجموعات التشاورية النموذجية على استطلاع رأي حديث، “ستضطر روسيا إلى الرد… نحن محاصرون من جميع الجهات. إنهم يلسعوننا. ماذا يفترض بنا أن نفعل؟ هل نستسلم؟”.

وهناك سوابق أيضاً لاكتساب سياسات الكرملين الخارجية الحازمة دعماً شعبياً في الداخل. في عام 2014، بعد ضم شبه جزيرة القرم، ارتفعت معدلات التأييد العام لبوتين. بالنسبة إلى كثيرين، تحظى شبه جزيرة القرم بأهمية خاصة. في المقابل، بالنسبة إلى عامة الروس، فهي منطقة تابعة للإمبراطورية الروسية فيها سكان يتكلمون الروسية، ومعقل قاعدة عسكرية [بحرية] حيوية في سيفاستوبول. وهكذا، اعتبر عدد من الروس أن الاستيلاء على القرم بمثابة تعويض بارز على انهيار الإمبراطورية السوفياتية، وتصحيح للظلم التاريخي.

ولكن خلافاً للأزمة الحالية في أوكرانيا، لم يتضمن ضم شبه جزيرة القرم مواجهة بين قوتين مدججتين بالسلاح. في الواقع، استعاد بوتين شبه الجزيرة، كما فعلت كاترين العظمى عام 1783، من دون إطلاق رصاصة واحدة. على النقيض من ذلك، يبدو من شبه المؤكد الآن أن أي حملة لإعادة تأكيد القوة الروسية في أوكرانيا ستكون عنيفة وطويلة الأمد. وفي ما يتعلق بالتحديد بقضية الحرب الفعلية، يبدو أن عدداً كبيراً من الروس يشعر بقلق شديد. في نهاية المطاف، أدت الحرب والمأزق في شرق أوكرانيا بعد حملة القرم في عام 2014 إلى مقتل آلاف الأشخاص، من بينهم عدد غير مؤكد من القوات الروسية والمقاتلين المتطوعين. وبمرور الوقت، نتج من ذلك مفهوم سائد في روسيا بأن شن هجوم في أوكرانيا لن ينجح كما حدث في شبه جزيرة القرم. وفي ذلك الإطار، يدرك الروس أنها ستكون حرباً فعلية تخلف وراءها ضحايا. وفي مواجهة صراع مماثل، هم يُبدون تردداً أكبر بكثير. وفي أبريل (نيسان) 2021، أثناء الحشد الأولي للقوات الروسية على الحدود مع شرق أوكرانيا، انقسم الرأي العام في شأن العمل العسكري الروسي بشكل متساو، إذ قال 43 في المئة من المشاركين في الاستطلاع إن على روسيا التدخل، مقابل نسبة مماثلة رأت وجوب الإحجام عنه [التدخل].

وبطريقة موازية، تبدو مخاوف روسيا في شأن الحرب أكثر وضوحاً في استطلاعات الرأي الأخرى التي أجراها مركز “ليفادا”، وهو عبارة عن منظمة مستقلة تجري الاستطلاعات ومقرها موسكو. في بحث قائم على مجموعات تشاورية نموذجية في ديسمبر (كانون الأول) 2021، وجد المركز أن بعض الروس عبروا عن أنهم متعبين من كونهم في حالة مواجهة مستمرة مع الغرب وأوكرانيا. وكان الموقف المهيمن بين المشاركين، “إنه أمر مخيف، ومزعج، ولا أريد التورط فيه”. في الواقع، وراء هذا القلق العميق، يكمن الشعور السائد بين عدد من الروس بأن روسيا قد تواجه قريباً تكاليف اقتصادية واسعة النطاق من الصراع مع الغرب. وفي استطلاع منفصل في شهر ديسمبر، وجد مركز “ليفادا” أن النسبة المئوية للسكان الذين شعروا أنه من الممكن حدوث “أزمة اقتصادية” في روسيا في العام المقبل، قد زادت بشكل ملحوظ مقارنة مع العام السابق، إذ ارتفعت من أقل من 50 في المئة إلى حوالى 64 في المئة.

وفي ذلك السياق، يبدو أن التشاؤم الاقتصادي المتزايد يرتبط عن كثب بافتراضات حول حرب محتملة. والجدير بالذكر أن نسبة الروس الذين توقعوا حدوث “نزاع مسلح مع دولة مجاورة” في العام المقبل زادت بمقدار مماثل في استطلاع ديسمبر، أي بنسبة 14 في المئة، مرتفعة من أقل من ربع السكان قبل عام إلى أكثر من الثلث. والأهم من ذلك، بالنظر إلى الوضع الحالي في أوكرانيا، زاد عدد الذين توقعوا حرباً مع الولايات المتحدة أو الناتو في العام المقبل بمقدار الضعف تقريباً، من 14 في المئة إلى 25 في المئة من السكان. في الوقت نفسه، يبدو أن هناك مخاوف متزايدة في شأن احتمالات نشوب “حرب عالمية” أوسع. وفي استطلاع آخر أجراه مركز “ليفادا” أخيراً حول مخاوف الروس الأكثر شيوعاً، احتل الخوف من حرب عالمية جديدة المرتبة الثانية، فيما جاء في المرتبة الأولى خوف الناس من إصابة أحبائهم أو أطفالهم بالمرض. وبحسب الاستطلاع، أشارت غالبية واضحة من الروس، 56 في المئة، إلى أنها تخشى اندلاع حرب عالمية جديدة، بينما أعرب 14 في المئة عن قلقهم إلى حد ما حيال ذلك. (وأتت في المرتبة الثالثة “إساءة استخدام السلطة من قبل السلطات”، إذ أشار 53 في المئة من الروس إلى أنهم يخشون ذلك كثيراً، بينما أشار 18 في المئة إلى أنهم يخافون من وقوع ذلك على الأقل في بعض الأحيان).

وحتى في غياب حرب فعلية، فإن توقعات الناتج المحلي الإجمالي والتضخم في روسيا لعام 2022 قاتمة. ففي الأسابيع الأخيرة، أدت المواجهة مع الغرب إلى إضعاف الروبل، الذي ظل مستقراً نسبياً في عام 2021، وألحقت أضراراً بأسواق الأسهم الروسية، ما أثر على الأسواق المالية العالمية. علاوة على ذلك، الأخبار السارة بأن الدخل الحقيقي المتاح في روسيا قد بدأ أخيراً في النمو مرة أخرى بعد سنوات من التراجع، قد خف تأثيرها السار، من منطلق أن هذا الدخل ينمو من نقطة بداية منخفضة وبسبب “الطلب المكبوت” الناجم عن الجائحة. في المقابل، تفاقم شعور المستهلكين التشاؤمي بسبب المخاوف من أن العقوبات الغربية الجديدة قد تترك روسيا من دون عملة قابلة للتداول والتحويل إلى عملة أخرى، أو من دون القدرة على الوصول إلى نظام الدفع الدولي “سويفت” SWIFT.

بشكل عام، لم تلعب العقوبات الغربية دوراً حاسماً في المواقف الروسية تجاه سياسات الكرملين، فقد أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن 46 في المئة فحسب من الروس يعتقدون أن العقوبات ستؤثر على عامة الشعب، بدلاً من تأثيرها على نخبة الكرملين. على الرغم من ذلك، يمكن أن يتغير ذلك بسرعة بمجرد الشعور بوطأة النتائج. في تقرير حديث ذكرته أيضاً الصحافة الروسية، خلص الاقتصاديون من “معهد التمويل الدولي” ومقره واشنطن، إلى أن تعليق الوصول إلى نظام “سويفت” من شأنه أن “يحد إلى حد كبير” قدرة الروس العاديين على إجراء المعاملات المالية الدولية. وقدم أبرز الخبراء الروس في الاقتصاد الكلي تنبؤات تتعلق بهذا الأمر. ففي أواخر يناير، قال إيفسي غورفيتش، رئيس “مجموعة الخبراء الاقتصاديين”، وهي منظمة بحوث اقتصادية مستقلة مقرها موسكو، إنه “في حال توسيع العقوبات، فسوف يتجه الاقتصاد الروسي إلى معدل نمو صفري أو سلبي قليلاً”.

* قصف فورونيج (السلوك المدمر للذات)

بالنسبة إلى عدد من الروس، يُعد الشاغل الأكبر على الإطلاق في شأن الحرب في أوكرانيا هو طبيعة الصراع. في الواقع، خاض الاتحاد السوفياتي حروباً بالوكالة مع الولايات المتحدة في كوريا والشرق الأوسط وفيتنام، لكن تلك المناطق كانت بعيدة وفيها سكان ليس لهم صلة تُذكر بروسيا. خلال تلك الصراعات، كان الروس يميلون إلى دعم الحروب، بيد أن قلة قليلة من غير العسكريين المحترفين عرفت درجة التدخل السوفياتي الحقيقية. وشكل غزو أفغانستان في عام 1979 استثناءً، إذ قوض الاتحاد السوفياتي إلى حد كبير معنوياً ومالياً. إضافة إلى ذلك، تشاركت أفغانستان الحدود مع الاتحاد السوفياتي، كما هو وضع أوكرانيا مع الاتحاد الروسي اليوم، لذا لم يكن من الممكن تجاهل الحرب. وخلال الصراع في أفغانستان، جرت التضحية بأعداد كبيرة من الشباب الروسي، وعاشت عائلات متعددة في خوف دائم من احتمال تجنيد أبنائها في الجيش.

وكما كانت الحال إبان الحرب في أفغانستان، يشعر أشخاص كثيرون بالقلق من أن الحرب في أوكرانيا ستؤدي على الأرجح إلى سفك الدماء، لذا، هم يخافون على أولادهم. فضلاً عن ذلك، تقع أوكرانيا في الجوار مباشرة. وعلى الرغم من أن بعض الروس تربطهم علاقات عائلية مع الأوكرانيين، إلا أنهم لا يشاركون وجهة نظر بوتين بأن الأوكرانيين والروس هم أمة واحدة. وفقاً لاستطلاع حديث مشترك أجراه مركز “ليفادا” ومعهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، فالرأي الأكثر شيوعاً بين الروس، الذين يمثل أكثر من 51 في المئة من السكان، مفاده أن روسيا وأوكرانيا يجب أن تكونا دولتين مستقلتين، ولكن صديقتين “من دون تأشيرات وحدود جمركية”. وتملك النسبة ذاتها من الأوكرانيين تقريباً، 49 في المئة، الرأيَ نفسه. على النقيض من ذلك، يؤيد 16 في المئة من الروس و6 في المئة من الأوكرانيين لا غير فكرة الدولة الموحدة. والجدير بالذكر أن ثلثي الروس الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، وهم يشكلون الفئة التي ستقاتل على الأغلب في حرب بوتين، يتخذون موقفاً إيجابياً تجاه أوكرانيا وقد يكونون رافضين تماماً للقتال.

حتى الآن، يبدو أن سياسات بوتين الخارجية تدعم شعبيته بشكل عام. إلى جانب ضم شبه جزيرة القرم، أيد الروس عموماً جهود الكرملين الرامية إلى دعم المناطق المناصرة للانفصال في شرق أوكرانيا. وأدت كل عملية عسكرية منذ الحرب القصيرة مع جورجيا في أغسطس (آب) 2008، بما في ذلك الحملة الروسية في سوريا، إما إلى رفع شعبية بوتين والكرملين أو الحفاظ على مستوياتها.

غير أن عدداً كبيراً من الروس مدرك أيضاً لنمط آخر تَرافق في كثير من الأحيان مع التدخلات الأجنبية، خلال الحقبة السوفياتية وفي عهد بوتين على حد سواء: غالباً ما تزامنت الأعمال العسكرية الروسية مع تزايد القمع أو الانهيار الاقتصادي في الداخل. حينما دخل الاتحاد السوفياتي إلى تشيكوسلوفاكيا في عام 1968، على سبيل المثال، ساد القمع السياسي داخل روسيا. وزاد الضغط على المنشقين، وتوقفت الإصلاحات الاقتصادية لرئيس الوزراء السوفياتي آنذاك أليكسي كوسيغين. وأسهم الغزو الكارثي لأفغانستان، الذي تسبب في استنزاف هائل للاقتصاد الروسي، في التعجيل بانهيار الاتحاد السوفياتي. في الآونة الأخيرة، أدى ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، على الرغم من شعبيته في حد ذاته، إلى ضغوط حكومية جديدة على المجتمع المدني وحملات قمع صارمة ومتواصلة على المعارضة السياسية.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنه في أعقاب ضم شبه جزيرة القرم بدأ الاقتصاد الروسي في الركود. وفي خضم العقوبات الغربية والتراجع المستمر في أسعار النفط، بدأت المداخيل الحقيقية للروس في الانخفاض خلال فترة دامت سبع سنوات. في اللغة الروسية الحديثة، يُستخدم تعبير لهذا النوع من السلوك المدمر للذات: عبارة “قصف فورونيج” الساخرة. علماً أن “فورونيج” هو اختزال لمدينة نموذجية روسية متوسطة الحجم. وتُعد مواجهة الناتو بحرب تتسبب في مقتل مزيد من الروس وتؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والسياسي للروس العاديين، خير مثال على “قصف فورونيج” bomb Voronezh.

* بوتين وثمن الحرب في الداخل الروسي

حتى الآن، من غير الواضح ما إذا كانت المواقف العامة ستخلف تأثيراً على تصرفات الكرملين في أوكرانيا. في السنوات الأخيرة، بما في ذلك آخر ستة أشهر من عام 2021، ظلت شعبية بوتين مستقرة إلى حد كبير. على الرغم من أن معدلات تأييد بوتين تحمل معنى ضئيلاً بالمقارنة مع تصنيفات القادة الغربيين، نظراً لعدم وجود أي معارضة فعالة في روسيا، لا يزال بوتين يحظى بدعم أكثر من 60 في المئة من السكان. ويبدو أنه مقتنع بأن إعادة أوكرانيا إلى دائرة نفوذ روسيا وتحويلها إلى دولة حيادية عازلة، هو هدف في المتناول، وثانياً، قد يسهم التحرك نحو هذا الهدف في الحفاظ على شعبيته وتعزيزها في الداخل.

وقد نجح حتى الآن، إذ أبقى العالم في حالة من التوتر وعدم اليقين من دون تقويض مستويات دعمه وتأييده في الداخل بشكل كبير. وحالياً لا توجد حركة منظمة في روسيا ضد الحرب. لكن هذا قد يتغير بسرعة في حال نشوب صراع عسكري. في الواقع، هناك شيء واحد يبدو واضحاً: الروس غير مستعدين لتحمل ثمن الحرب. لطالما خشي الكرملين احتمال حدوث “ثورة ملونة” داخل روسيا، على افتراض أنها ستأتي من نقاد النظام الليبراليين. ولكن قد يكون مصدر التهديد الأكبر مواطنون روس عاديون مستاؤون من الوضع الاقتصادي الحالي، بمن فيهم أولئك الذين صوتوا للشيوعيين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في عام 2021. إذا اقتنع عدد كاف من الروس بأن الحرب أو احتمالية نشوب حرب يشكلان تهديداً لسبل عيشهم الاقتصادية، فمن الممكن أن يتراجع دعمهم للنظام.

ليس من المؤكد ما إذا كان هذا الواقع سيترك أثراً على تفكير الكرملين أم لا. وفي ذلك السياق، قد يحسب بوتين جيداً أن فوائد إعادة ترجيح كفة القوة الروسية تفوق أي تكاليف سياسية. ولكن إذا فعل ذلك، فلن يكتفي بدفع الأوكرانيين بعيداً من روسيا فحسب، بل قد يدفع الروس أيضاً بعيداً من الكرملين.

* أندري كوليسنيكوف زميل رفيع الشأن ورئيس برنامج السياسات المحلية والمؤسسات السياسية الروسية في مركز كارنيغي بموسكو.

* المصدر : اندبندنت العربية