السياسية:

جاءت تجارب الصواريخ الفرط صوتية الأخيرة في كوريا الشمالية والصين وروسيا لتسلط الضوء على التحدّي الذي تمثله صناعة دفاعات فعالة ضد هذه الأسلحة المتقدمة، فضلاً عن الصعوبات التي تعانيها الولايات المتحدة في تطوير برنامجها الخاص للصواريخ فرط الصوتية. وإليكم الدليل التالي عن هذا النوع من الصواريخ.

ما هي الصواريخ الفرط صوتية؟

تعرف الأسلحة الفرط صوتية بأنها صواريخ أو مركبات انزلاقية، سرعتها تفوق سرعة الصوت عدة مرات، وكثير من هذه الصواريخ أو المركبات يمكنها حمل رؤوس نووية.

ويعني وصف “فرط صوتي” أن سرعة تلك الصواريخ تساوي خمسة أضعاف سرعة الصوت، أو قرابة الكيلومترين في الثانية. لكن الشائع في المصطلحات العسكرية هو عدم إطلاق وصف الصاروخ فرط الصوتي على أي صاروخ يسافر بسرعةٍ تفوق سرعة الصوت، حيث يقتصر استخدام المصطلح عادةً على الصواريخ التي يمكنها المناورة قبل ضرب هدفها، دون أن تتحرك في مسارٍ بسيطٍ ومباشر.

هناك نوعان أساسيان من الصواريخ فرط الصوتية:

1- الصاروخ الانزلاقي

النوع الأول يتم إطلاقه في مسارٍ باليستي، وباليستي هنا تُشير إلى مسار القوس المنحنية الذي تسلكه القذيفة بعد إطلاقها في الهواء، وفي هذه الحالة تكون قمة القوس عند نقطةٍ شديدة الارتفاع عن الأرض. وحين تبدأ القذيفة هبوطها، تعود مقدمة الصاروخ التي تحمل الرأس الحربي باتجاه الأرض في سرعةٍ تفوق سرعة الصوت، مع القدرة على تغيير مسارها أثناء الرحلة.

ويطلق على مقدمة الصاروخ هذه اسم المركبة الانزلاقية، لأنها لا تمتلك مصدراً خاصاً للطاقة، مثل خزانات وقود الطائرات النفاثة، بل تتحرك أو تنزلق مدفوعةً بقوى الديناميكا الهوائية مثل الرفع ومقاومة المائع. وهناك نوعٌ معدَّل آخر يطلق عليه اسم مركبة إعادة الدخول سهل المناورة، وهو صاروخ يأخذ منعطفاً واحداً فقط قبل الوصول إلى هدفه.

2- الصاروخ الجوّال

أما النوع الثاني من الصواريخ فرط الصوتية، فهو الصاروخ الجوال. ويطير هذا الصاروخ في مسارٍ مسطح مدفوعاً بمصدرٍ للطاقة طوال الرحلة، ولهذا فهو ليس صاروخاً انزلاقياً.

ما مزايا الصواريخ فرط الصوتية مقارنةً بالصواريخ الأخرى؟

يصعب تعقب وتدمير الصواريخ الباليستية فرط الصوتية بسبب قدرتها على المناورة، وبحسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية، تبدأ الصواريخ هبوطها عادةً عند ارتفاعاتٍ أقل من الصواريخ الباليستية الأخرى، مما يسمح لها بالتحليق أسفل المنطقة التي تغطيها أنظمة الرادار البرية والبحرية.

أما بالنسبة للصواريخ الجوالة، فإنّ أكثر أنواعها شيوعاً الآن يسافر بسرعةٍ أقل من سرعة الصوت. إذ إنّ جعل الصاروخ يطير بسرعةٍ أكبر سيمنحك أفضلية مباغتة خصومك، لكنه يتطلب تقنية دفعٍ أكثر تقدماً.

من الصعب على الدفاعات الصاروخية القائمة أن تعترض الصواريخ الباليستية فرط الصوتية، وذلك نتيجة سرعة تلك الصواريخ ومسار طيرانها غير المتوقع. وقد أصدرت الولايات المتحدة عقوداً لثلاث شركات مقاولات دفاعية، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021، من أجل تطوير صواريخ اعتراضية مضادة للصواريخ فرط الصوتية. لكن مسؤولين أمريكيين قالوا إن عملية تطوير هذه القدرة الدفاعية من المرجح أن تستمر إلى منتصف العقد الجاري.

ما الدول التي تمتلك أو تعمل على تطوير صواريخ فرط صوتية؟

تعمل روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية على تطوير نماذج أولية لصواريخ فرط صوتية، كما تبحث فرنسا أيضاً في تطوير قدرات تفوق سرعة الصوت؛ بهدف صنع جيل جديد من أنظمة الردع النووي.

لكن لا يمتلك حالياً أسلحة تشغيلية فرط صوتية سوى دولتين فقط في العالم، هما روسيا والصين. ومع ذلك من المهم أن نتذكر أنَّ مصطلح “تشغيلية” مصطلح لا موضوعي، كما تصف ذلك مجلة National Interest الأمريكية. إذ تمتلك روسيا، ربما أكثر من أية دولة أخرى، “تاريخاً طويلاً من ادعاء قدرات عسكرية” قبل إتقانها حقاً.

لكن المجلة الأمريكية تقول إنَّ نشر هذه الأسلحة المتقدمة يظل يمثل مصدراً مهماً للمكانة الدولية والنفوذ الدبلوماسي. على المسرح العالمي تُترك معظم الدول مضطرة إلى افتراض أنَّ هذه الأنظمة يمكن أن تعمل كما هو معلن عنها، من أجل التخطيط وفقاً لذلك في حالة تشغيلها حسبما قيل.

وأجرت الصين مئات التجارب على الصواريخ الباليستية فرط الصوتية، وضمن ذلك اختباران في صيف 2021، دارت خلالهما الصواريخ حول الكرة الأرضية، وهناك عدة دول أخرى تبحث الأمر كذلك، من ضمنها المملكة المتحدة والهند.

ماذا عن كوريا الشمالية.. هل تمتلك أسلحة فرط صوتية؟

بحسب “وول ستريت جورنال”، هذا أمرٌ محتملٌ للغاية، ويجب أن نتذكر أنَّ وصف “الصاروخ الباليستي فرط الصوتي” في الاصطلاح العسكري يُشير إلى صاروخٍ برأسٍ حربي قادر على المناورة في أثناء تحركه بسرعةٍ فرط صوتية. فبعد أن اختبرت كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً في الـ11 من يناير/كانون الثاني، قال مسؤولون يابانيون إنّ بيانات التعقب أظهرت انعطافات حادة للصاروخ قبل هبوطه في البحر. 

وهو ما يقترح أنه كان صاروخاً باليستياً فرط صوتي بالفعل، وهو الوصف الذي استخدمته وسائل الإعلام في كوريا الشمالية. بينما لم تتضمن التجارب الصاروخية الكورية الشمالية الأخيرة، وضمنها تلك التي أُجريت في الـ30 من يناير/كانون الثاني، أي رؤوس نووية قادرة على المناورة.

هل تستطيع أمريكا اللحاق بركب سباق الأسلحة فرط الصوتية؟

تمتلك الولايات المتحدة عدة برامج لتطوير المركبات الانزلاقية فرط الصوتية، والصواريخ الجوالة فرط الصوتية. لكنها عانت من فشل تجربتين لإطلاق مركبةٍ انزلاقية فرط صوتية في عام 2021. في حين يقول مسؤولون دفاعيون أمريكيون إنّ تطوير صواريخ فرط صوتية أصبح أولويةً في الوقت الحالي.

وصرَّح الجنرال جون هايتن، ثاني أرفع جنرال أمريكي، لشبكة CNN الأمريكية، الشهر الماضي، بأنَّ تجربة الصين فرط الصوتية تُظهِر أنَّ بكين يمكن أن تشن هجوماً مفاجئاً على الولايات المتحدة. لكنَّ كاراكو قال إنَّه في خضم ادعاءات روسيا والصين، فإنَّ الولايات المتحدة “تطور دفاعاتها الجوية؛ من أجل التصدي لهذه الهجمات الجوية الخطيرة”.

وبغض النظر عن مرحلة التطوير التي تمر بها الآن، ستمثل برامج الصواريخ فرط الصوتية الروسية ورقة ضغط في المباحثات حول المعاهدة الجديدة التي تخلف معاهدة “نيو ستارت” النووية التي مُدِّدَت حتى عام 2026. وحتى لو كان الخبراء يعتقدون أنَّ ادعاءات بوتين بشأن قدرات بلاده العسكرية مجرد تبجُّح، فإنَّ السياسيين يأخذون تهديداته على محمل الجد، على الأقل علانيةً في الوقت الذي يكافح فيه القادة من أجل التوصل إلى ما ينبغي عمله حيال التحشيد الروسي بجوار أوكرانيا.

عربي بوست