الإمارات نحو المجهول..هل تتعقل وتنسحب من العدوان على اليمن؟
شارل أبي نادر*
من يتابع مسار الوضع في الامارات منذ ما بعد عملية اعصار اليمن الاولى، مرورا بالثانية وحتى اليوم، يجد ان هناك تغييرا واضحا بدأ يشهده الوضع هناك بشكل عام، وبمعزل عن تصريحات مسؤوليها الذين ما زالوا يعيشون حالة إنكار، تشبه الحالة التي يعيشها المسؤولون السعوديون حول تداعيات حربهم على اليمن، والذين يحاولون التغاضي عن هذه التغيرات، ويتجاهلونها لاسباب تتعلق بمحاولة الحفاظ على مستوى الثقة الدولية، والتي كانت تحضن قطاعاتها المختلفة في الاعمال والسياحة وغيرها، والتي كانت مزدهرة بنسبة غير بسيطة سابقا، فإن الوضع بشكل عام في الامارات نحو التراجع، وهو على الاقل، لم يعد متماسكا بالقدر الذي كان فيه قبل ان يتخذ اليمنيون قرارا حاسما، باجبار ابو ظبي على الانسحاب نهائيا وبشكل واضح وجدي، من العدوان على اليمن.
في الواقع، هناك عدة اسباب ومعطيات تجعل قادة ابو ظبي يسارعون لاتخاذ هذا القرار الحيوي، والذي يمكننا ايضا القول انه اصبح قراراً وجودياً بالنسبة لهم، بالانسحاب من الحرب على اليمن، وهذه الاسباب، بالاضافة للنقطة الاساس المتعلقة باثبات اليمنيين قدرة واضحة والتزاما كاملا بتدفيع الامارات ثمن عدوانهم، يمكن تحديدها بالتالي:
أسباب متعلقة بالموقف الأميركي:
قد يكون تصريح الخارجية الاميريكية، والتي حذرت مؤخرا رعاياها من التوجه الى الامارات، وطلبت في نفس الوقت من المقيمين منهم حاليا فيها، توخي الحذر واتخاذ كامل الاحتياطات ومتابعة التطورات، خير دليل على اعتراف قادة ابو ظبي بان هذا الوضع قد تغير، وبان واشنطن ترى بعينها الاستعلامية المخابراتية، ان التطورات في الامارات تسير نحو التوتر وعدم الامان أكثر واكثر، وانه عليهم التصرف بجدية واتخاذ القرار الانسب لحفظ ما يمكن حفظه من ازدهار وامان وثقة في بلادهم.
وهذا التصريح الاميركي ايضا، يمكن وضعه في خانة اخرى اهم واكثر حساسية من تحذير الرعايا الاميركيين، وهي ان واشنطن غير قادرة او على الارجح انها لا تريد، اتخاذ الاجراءات المناسبة لحماية الاجواء والمنشآت والمواقع الاماراتية الاستراتيجية من الصواريخ والمسيرات اليمنية، وذلك لعدة اسباب، اولها موضوع جرِّها الى صفقات اسلحة دفاع جوي ومتمماتها، بالاضافة الى ان واشنطن تجد في توسيع المواجهة بين اليمنيين وبين الامارات، فرصة مناسبة لإبعاد اي تقارب محتمل بين ابو ظبي وبين طهران، حيث يجد الاميركيون ان إيران حتما ستقف مع المعتدى عليه في هذه الحرب.
أسباب متعلقة بالموقف السعودي:
لا يحتاج المسؤولون في الامارات الى الكثير لفهم حقيقة موقف السعودية من الاشتباك العالي المستوى اخيرا، بين اليمنيين وبين ابو ظبي، فالرياض في ما تعيشه من إخفاق في حربها على اليمن، تريد وبقوة ان تتشارك مع الامارات حتى النهاية في مسار العدوان، وذلك لعدة اسباب:
أولا: من الناحية الميدانية والعسكرية:
كان واضحا ان الميدان داخل اليمن تاثر بنسبة معينة لصالح العدوان، بعد ان زجت الامارات بوحدات من الوية العمالقة في معركة شبوة، حيث تجهيزات وعمليات هذه الوحدات، تديرها وترعاها ابو ظبي بشكل كامل، وحيث ان هذه الوحدات ايضا، كانت ولفترة تجاوزت السنتين تقريبا مرتاحة من المواجهات المباشرة، وتتدرب وتتجهز على الساحل الغربي، في المناطق الممتدة من جنوب الحديدة حتى ميناء المخا، الامر الذي كانت تحتاجه السعودية بقوة، بسبب الانهيارات التي اصابت وحدات مرتزقتها خلال سلسلة من المعارك والمواجهات في محافظات الجوف ومأرب والبيضا، بالاضافة لما تتعرض له تلك الوحدات من ضغوط وخسائر على حدودها الجنوبية مع اليمن، فكانت الحركة الاماراتية عبر الوية العمالقة بمثابة صدمة ايجابية لمعركة السعودية ومرتزقتها، بعد أن انخفضت ضغوط الجيش واللجان اليمنية عن مارب، وبعد ان اضطر هؤلاء ايضا لفصل جهود كبيرة لمعركة مديريات شبوة.
ثانيا: من الناحية السياسية:
لا شك ان الرياض حاليا، وبسبب اخفاقاتها في الحرب على اليمن، تحتاج لاي جرعة دعم او مساندة سياسية من اي جهة اتت، كي تواجه من خلالها الضغوط الدولية التي تتعرض لها، من ناحية مؤسسات الامم المتحدة والتي اصبحت محرجة بنسبة كبيرة من جراء عجزها عن ضبط جرائم العدوان السعودي على اليمن، او من ناحية بعض التحفظات او الاصوات المعارضة لهذه الحرب، والتي تتنامى يوما بعد يوم داخل الولايات المتحدة او بعض الدول الاوروبية، فتجد وقوف الامارات الى جانبها في العدوان حتى النهاية، ضرورة للاستفادة من علاقات ابو ظبي الدولية والاقليمية، فلا تكون وحيدة في جبهة العدوان، والتي اصبحت تترنح وتضعف يوما بعد يوم.
أسباب متعلقة بالتطورات الميدانية:
هناك الكثير من المعطيات الميدانية على الارض، تفيد بان معركة العدوان في مديريات شبوة وعلى مناطق جنوب مارب بدأت تستنفد الزخم الذي انطلقت فيه بداية، بعد ان زجّت ابو ظبي بِألوية العمالقة. وصحيح ان المتحدث العسكري للجيش اليمني لا يتطرق الى اية مواجهة قبل اكتمال مراحلها وانتهائها، ولكن حسب اغلب المعلومات، فان وحدات تلك الالوية، والتي صحيح انها تقدمت في بعض المناطق والمديريات بين عسيلان وبيحان وحريب وعين، ولكن يبدو ان مناورة محاصرتها قد اقتربت من نهايتها، حيث توشك وحدات الجيش واللجان اليمنية وانصار الله، على قطع خطوط امدادها ومحاصرتها في تلك المديريات، بعد ان تنهي بالكامل السيطرة على وادي النحر، الذي يقطع التواصل على طريق عتق ـ عسيلان ـ حريب ـ الجوبة ـ مارب، الامر الذي يحقق فيما لو اكتمل هذا الحصار، مناورة مشابهة لكمين كتاف ـ الجوف – نجران في عملية نصر من الله سابقا، والتي نتج عنها سقوط الالاف من مقاتلي العدوان السعودي بين قتيل ومصاب واسير، والتي شكلت حينها معركة فاصلة في الوسط الشرقي من اليمن لمصلحة الجيش واللجان وانصار الله.
أمام كل هذه المعطيات، من الطبيعي والمنطقي ان تستنتج الامارات ان متابعتها في العدوان على اليمن اصبحت انتحارا بكل ما للكلمة من معنى، فهل تقدم قبل فوات الاوان على إخراج نفسها من هذه الورطة القاتلة؟
ربما في الأيام القادمة نجد جوابا عن هذا السؤال.
* المصدر : موقع العهد الإخباري