صفقة الصواريخ الكورية مع الإمارات، هل هي حيلة أمريكية لإبعاد دول الخليج عن الصين وروسيا؟
السياسية – تحليل:
“أكبر صفقة عسكرية في تاريخ كوريا الجنوبية”، هكذا توصف الصفقة بين الإمارات وكوريا الجنوبية والتي ستورد بموجبها الأخيرة لأبوظبي أنظمة صواريخ أرض جو، وهذه الصفقة العملاقة تخدم في الأغلب ليس فقط الدولتين بل أغراضاً بعيدة المدى للولايات المتحدة ودول الخليج.
وتبيع قيمة الصفقة بين الإمارات وكوريا الجنوبية 3.5 مليار دولار، ووقعها رئيس كوريا الجنوبية مون جاي خلال زيارته للإمارات، مع رئيس وزراء دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
تفاصيل الصفقة بين الإمارات وكوريا الجنوبية
تتضمن بيع صواريخ تشونغونغ 2 أرض-جو متوسطة المدى للدولة الخليجية، حسبما صرح رئيس إدارة برنامج الاستحواذ الدفاعي الكوري الجنوبي كانغ أون هو للصحفيين يوم الأحد في أبوظبي.
كما التزم الجانبان بتوسيع العلاقات بين صناعاتهما الدفاعية، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
في وقت سابق، وقعت شركات الدفاع الكورية الجنوبية المشاركة في إنتاج الصاروخ صفقات مع مجلس توازن الاقتصادي الإماراتي: حيث ستساعد LIG Nex1 في تكامل النظام، وسوف توفر شركة Hanwha Systems راداراً متعدد الوظائف؛ وستقوم شركة Hanwha Defense بتطوير منصة الإطلاق العمودية للصاروخ بالإضافة إلى مركبات إعادة تزويد الذخيرة.
وقالت إدارة برنامج الاستحواذ الدفاعي في كوريا الجنوبية “DAPA” في بيان صحفي: “الإمارات العربية المتحدة هي أول دولة أجنبية تشغل تشونغونغ 2”. “الصفقة هي نتيجة للتعاون الدفاعي الثنائي القائم على الثقة المتبادلة وستكون بمثابة لحظة فاصلة للاتجاه المستقبلي للشراكة الدفاعية الاستراتيجية بين البلدين”.
إلى جانب عقد شراء الصواريخ، وقعت الحكومتان مذكرة تفاهم للتعاون في تقنيات الدفاع، بما في ذلك التطوير المشترك لأنظمة الأسلحة، حسب DAPA.
تم تطوير تشونغونغ 2 أرض-جو المعروف باسم KM-SAM لأول مرة من قبل الوكالة الكورية الجنوبية لتطوير الدفاع بدعم فني من الشركات الروسية.
يعتمد النظام الكوري على تقنية من صاروخ 9M96 المستخدم في أنظمة صواريخ S-350E و S-400 الروسية، وتم إنشاؤه ليحل محل صواريخ Hawk الأمريكية أرض – جو الأقدم التي تم تبنيها في عام 1964.
الصفقة بين الإمارات وكوريا الجنوبية
تتكون البطارية الكاملة من أربع إلى ست قاذفات ناقلة من ثماني خلايا، ورادار ثلاثي الأبعاد متعدد الوظائف، ومركبة قيادة، باستخدام ما يسمى بتكنولوجيا الضرب للقتل، يمكن للصاروخ اعتراض ما يصل إلى ستة صواريخ معادية قادمة على ارتفاعات أقل من 40 كيلومتراً، بمدى كشف يصل إلى 100 كيلومتر.
تتمتع الصواريخ بقدرات حربية مضادة للإلكترونيات لتستمر في العمل، على الرغم من التشويش.
اجتاز النظام اختبار التحقق من المتطلبات التشغيلية للجيش الكوري الجنوبي في عام 2015 وبدأ نشره في أوائل عام 2016.
كوريا الجنوبية تحول لمصدر كبير للسلاح، ولكن بالتنسيق مع واشنطن
بشكل منفصل، حضر الرئيس الكوري حفل K-Pop “البوب الكوري” في دبي بهدف الترويج لعرض مدينة بوسان الكورية الجنوبية لاستضافة معرض إكسبو العالمي في عام 2030.
أظهر الحدثان في بداية جولة القمر التي استمرت أسبوعاً عبر الشرق الأوسط مكانة كوريا الجنوبية كمصدر متزايد للصادرات التكنولوجية والثقافية، حسب وصف وكالة Bloomberg.
كانت كوريا الجنوبية الحليفة للولايات المتحدة من أكبر مصدري الأسلحة في السنوات الماضية، وفقاً لمعهد الأبحاث الكوري لتخطيط وتطوير تكنولوجيا الدفاع.
وأبرمت العام الماضي صفقة بقيمة مليار دولار أسترالي (716 مليون دولار) لبيع مدافع هاوتزر K9 Thunder ذاتية الدفع 155 ملم إلى أستراليا.
والصفقة الأسترالية تأتي في إطار نسج أمريكا لشبكة من التحالفات العسكرية لاحتواء الصين في آسيا والمحيط الهادي.
الصفقة قد يكون هدفها إبعاد الإمارات عن الصين وروسيا
وقد تكون الصفقة بين الإمارات وكوريا الجنوبية تقوم على نفس النهج، فهي ليست موجهة للصين ولكن لإيران التي تتزايد وطأة تهديداتها لدول المنطقة.
كما أنها قد تكون محاولة لتشجيع الإمارات عن الابتعاد عن صادرات الأسلحة الصينية والروسية، حيث تعد أبوظبي من أهم شركاء بكين وموسكو في المنطقة ومن أكبر مستخدمي طائرات الصين المسيرة، وهو الأمر الذي يغضب واشنطن من حليفتها الخليجية.
كما أن الإمارات إحدى الدولة الخليجية القليلة التي تحتفظ بعلاقة وثيقة مع روسيا واشترت أسلحة روسية وكان هناك حديث عن إمكانية شرائها لطائرات سوخوي 35 أو سوخوي 57 الروسيتين، بدلاً من الإف 35 الأمريكية، بل وصل الأمر إلى الحديث عن شراكة محتملة بين أبوظبي وموسكو لتصنيع طائرة شبحية صغيرة.
لماذا يبدو أن هناك تنسيقاً بين كوريا الجنوبية وأمريكا؟
ازداد دور كوريا الجنوبية في السياسة الخارجية الأمريكية مع نموها الاقتصادي والسياسي، كما بدا من دورها في الأزمة الإيرانية بقرارها مؤخراً بمنح تعويضات لإيران بضوء أخضر من أمريكا بهدف إظهار حسن النية لطهران، كما ظهر هذا الدور ضد الصين في صفقة المدافع الأسترالية.
ويبدو لافتاً في حال الصفقة بين الإمارات وكوريا الجنوبية، أن الصواريخ التي هي محور الصفقة مطورة عن منظومات إس 350 وإس 400 الروسية المضادة للطائرات والصواريخ، أي أنها يمكن أن تكون بديلاً لها لحلفاء أمريكا الذين يتطلع الكثير منهم لشراء الصواريخ الروسية مثل السعودية والهند اللتين هددتهما واشنطن بفرض عقوبات مثلما فعلت مع تركيا عندما اشترت نظام صواريخ إس 400 من روسيا.
وتمثل كوريا الجنوبية خياراً جيداً لواشنطن لتزويد حلفائها بالخليج بالسلاح دون خطر توتير المفاوضات النووية مع إيران أو الحرج جراء الاتهامات الموجة لهؤلاء الحلفاء بالتورط في انتهاكات لحقوق الإنسان.
وبسبب العامل الأخير، فإن السعودية ومصر اللتين يزورهما الرئيس الكوري بعد الإمارات، مرشحتان مثاليتان لأن تكونا زبونتين لكوريا الجنوبية بالنظر إلى أن الاتهامات لهما بشأن حقوق الإنسان أكثر وطأة من الإمارات التي انسحبت من اليمن لتجنب هذه الانتقادات، وخاصة أن طبيعة السياسة الداخلية لديها لا يوجد بها سوى معارضة محدودة، مما يقلل التركيز على انتهاكات أبوظبي لحقوق الإنسان.
ولي العهد السعودي لديه اهتمام خاص بالقطاع الدفاعي الكوري
وقبل الصفقة بين الإمارات وكوريا الجنوبية بسنوات، أبدت السعودية اهتماماً كبيراً بقطاع الصناعات العسكرية الكورية، حيث قال مسؤولو دفاع كوريون جنوبيون إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أبدى اهتماماً شديداً ببرامج تطوير الأسلحة في كوريا الجنوبية خلال زيارته للبلاد عام 2019.
إذ زار ولي العهد السعودي، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع آنذاك، وكالة تطوير الدفاع (ADD)، مركز تطوير أنظمة الأسلحة في كوريا الجنوبية، قبل أن يتوجه إلى اليابان لحضور قمة مجموعة العشرين.
وأفادت تقارير في ذلك الوقت أن ولي العهد السعودي قام بجولة في الوكالة وشاهد عرضاً لأنظمة الأسلحة الرئيسية قيد التطوير.
وقال كيم داي يونغ، محلل الأسلحة في معهد الأبحاث الكوري للاستراتيجية الوطنية، لموقع Arab News : “تحرص الرياض على تعزيز نظام دفاعها الجوي للدفاع ضد الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي تشنها ميليشيات الحوثي (في اليمن)”.
كما سبق أن بحثت السعودية وكوريا الجنوبية، التعاون المشترك بينهما في قطاع الطاقة، خاصة فيما يتعلق بالاستخدامات السلمية المتعلقة بالطاقة النووية.
اتفاق سري لحماية الإمارات
ولكن تظل العلاقة بين الإمارات وكوريا الجنوبية ذات طبيعة خاصة، وتحمل أوجهاً سرية، حيث بنت سيول المفاعل النووي الإماراتي، ويعتقد أنها تديره.
وفي مؤشر على قوة العلاقة حتى قبل الصفقة بين الإمارات وكوريا الجنوبية، ذكرت مجلة the Diplomat اليابانية المتخصصة في الشؤون الآسيوية عام 2018 أن هناك اتفاقاً سرياً بين الإمارات وكوريا الجنوبية كشفه تحقيقات النائب العام الكوري.
إذ تضمنت الاتفاقية الخاصة بالمفاعل النووي بنداً مثيراً للجدل من شأنه إلزام كوريا الجنوبية بالتدخل عسكرياً لحماية الإمارات في حالة حدوث أزمة، بالإضافة إلى نشر القوات الخاصة الكورية الجنوبية.
وحسب التقرير فإن وحدة كوماندوز عسكرية كورية موجودة في الإمارات منذ عام 2011 يطلق عليها وحدة “الأخ”، التي يعتقد أنها المكلفة بالأساس بالتدخل وفقاً للاتفاقية مع إمكانية إرسال سيول لتعزيزات أخرى.
وتتواجد الوحدة في سويحان، وهي بلدة صغيرة في أبوظبي، وتعمل تحت شعار: “أفضل محاربي القوات الخاصة في العالم، ينجزون المهام معاً!”.
ومنذ الانتشار الأولي للوحدة في يناير/كانون الثاني 2011، تم إرسال حوالي 1600 جندي كوري جنوبي لتدريب القوات الخاصة الإماراتية وإجراء تدريبات مشتركة والمشاركة في التبادلات مع الجيش الإماراتي.
وحسب المجلة اليابانية، فإنه على ما يبدو، لعب وجود مثل هذه الاتفاقية دوراً أساسياً في نجاح كوريا الجنوبية في الفوز بعملية بناء محطة نووية للإمارات العربية المتحدة في عام 2009.
ما أثار القلق في سيول بند مثير للجدل في الاتفاق العسكري بين جمهورية كوريا والإمارات العربية المتحدة لا يتطلب موافقة من الجمعية الوطنية لكوريا الجنوبية للدخول في أي قتال، إذا كان هناك طلب للمساعدة العسكرية من الإمارات، حسب المجلة اليابانية.
لم يكن مثل هذا المستوى من المشاركة العسكرية موجوداً إلا في ظل التحالف بين الولايات المتحدة وجمهورية كوريا.
وانتقد هذا الاتفاق في سيول، وقيل إن حكومة كوريا الجنوبية السابقة كانت على استعداد لنشر موارد الأمن القومي لدعم صفقة تجارية دون إبلاغ الرأي أو الجمعية الوطنية، بينما تخاطر بالتورط العسكري في منطقة غير آمنة بشكل متزايد.
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من عربي بوست