بقلم: دانيال لاريسون

(صحيفة “كمن دريمز- Common Dreams” الأمريكية- ترجمة: أنيسة معيض, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

تم تحديد السياسة الخارجية لإدارة بايدن في عامها الأول في الغالب من خلال عدم الرغبة في إجراء تغييرات سياسية كبيرة وخوض مخاطر سياسية كبيرة لمتابعة تعهدات حملة الرئيس.

كان الاستثناء المهم، بالطبع ، هو قرار بايدن الحكيم بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان والتي برزت  بشكل أكبر كواحدة من المناسبات القليلة التي خالف فيها الرئيس وجهة النظر السائدة في واشنطن.

ومع ذلك، في كل القضايا الأخرى تقريباً، كانت إدارة بايدن حذرة للغاية ومكتفية بقبول الوضع الراهن، حتى عندما كانت سياسة عهد ترامب التي أدانها الرئيس ومسؤولوه باعتبارها فشلاً واضحاً.

من الرسوم الجمركية إلى عقوبات “الضغط الأقصى” إلى مبيعات الأسلحة للعملاء المتهورين، كان شعار العام الماضي هو الاستمرارية.

كانت هناك زيادة حادة في التأكيد على دعم حقوق الإنسان في خطاب الإدارة منذ ترك ترامب لمنصبه، لكن المرء يبحث عبثاً عن أمثلة على كيفية جعل بايدن, حقوق الإنسان, مركزية في سياسته الخارجية.

كان هذا أكثر ما يمكن ملاحظته في استئناف مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بينما تستمر حربهما على اليمن بلا هوادة.

على الرغم من الاتهامات الموثوقة بأن الحكومتين السعودية والإماراتية استخدمتا أسلحة أمريكية الصنع لارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين، وافقت إدارة بايدن على عقود أسلحة وصيانة جديدة للجيش السعودي وسمحت ببيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار إلى الإمارات بالمضي قدماً.

الآن بعد أن فقدت الإمارات الاهتمام بالبيع لأنها تأتي مع الكثير من القيود الأمنية، فإن قرار السماح بالاستمرار في البيع يبدو أسوأ من ذلك.

لم يتوقع أحد أن يترأس بايدن إصلاحاً جذرياً للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولكن حتى عند قياسه وفقاً لمعيار أكثر تواضعاً، فإن سياسته الخارجية لم تحقق ما توقعه أنصاره بشكل معقول.

فيما يتعلق باليمن، قام الرئيس ببعض التحركات المبكرة المشجعة التي أشارت إلى أن إدارته كانت جادة في تغيير المسار، ولكن مع مرور العام وتفاقم معاناة اليمن، أصبح من الواضح أن التغيير في السياسة الأمريكية كان ضئيلاً.

لقد كان هناك ضغط غير كافٍ على التحالف السعودي لإنهاء الحصار القاتل، والولايات المتحدة تزود الجيش السعودي بمزيد من الصواريخ التي يمكنه استخدامها لفرض هذا الحصار من الجو.

لم يكن من المحتمل أبداً أن يعامل بايدن السعودية على أنها “منبوذة”، لكن المساءلة التي وعد بها بايدن لم تتحقق أبداً.

كان استخدام إدارة ترامب للحرب الاقتصادية لفرض عقوبات على دول بأكملها أحد السياسات التي كانت تصرخ من أجل تغييرات فورية، ولكن هذه أيضاً الأمر لم يقم بايدن بتغييره.

فلا تزال العقوبات الواسعة المفروضة على فنزويلا وإيران وسوريا وكوريا الشمالية سارية، ولم يكن هناك حاجة ملحة لرفع أي منها على الرغم من آثارها الضارة على السكان في خضم الوباء.

كانت المراجعة المطولة لإدارة بايدن لسياسة العقوبات لافتة للنظر لمدى ما أظهرته الإدارة طيلة تسعة أشهر من الجهد.

فبعد استيلاء طالبان على السلطة في وقت سابق من هذا العام، تتعرض أفغانستان الآن للآثار المدمرة لنفس النوع من الحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة على دول أخرى منذ سنوات.

الكابوس الإنساني الذي يتكشف هناك الآن يهدد عشرات الملايين من الأرواح ما لم تتحرك الإدارة بسرعة لإجراء التغييرات اللازمة في سياسات الولايات المتحدة.

لقد كان رفض الإدارة عرض لتخفيف العقوبات المتعلقة  بالأغراض الإنسانية أحد النقاط الشائكة الرئيسية في المحادثات لإنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).

نظراً لأن إيران واصلت تقليص امتثالها للاتفاق النووي احتجاجاً على عقوبات “الضغط الأقصى” والهجمات التخريبية على برنامجها، فإن إدارة بايدن لن تتزحزح عن تخفيف العقوبات حتى تعود إيران إلى الامتثال الكامل.

لقد أوجد هذا اختباراً مؤسفاً للإرادات حيث لا تريد أي من الحكومتين اتخاذ الخطوة الأولى لكسر الجمود والنتيجة هي أن خطة العمل الشاملة المشتركة يتم إخمادها ببطء بينما يبرز حلاً مفيداً متبادلاً أمام الطرفين.

بعد أن فاتتها فرصة لاستعادة سريعة للاتفاق قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو، بدأت إدارة بايدن في الإشارة إلى أنها تبحث بالفعل عن نقاط خروج من المحادثات وبدأت في طرح سلسلة من “الخيارات” السيئة إذا فشلت المحادثات.

بالنسبة للإدارة التي أطرت على مهاراتها الدبلوماسية وتفاخرت بأن “الدبلوماسية عادت”، ربما يكون الفشل في إعادة الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وإنقاذها أكبر خيبة أمل في العام وأكثرها تبعات.

لا يزال هناك احتمال أن تكون المحادثات أكثر إنتاجية في عام 2022, ولكن بدون بعض التنازلات الهادفة من الولايات المتحدة بشأن تخفيف العقوبات، لا يبدو الأمر واعداً.

كان الحد من التسلح أحد المجالات التي يوجد فيها على الأقل عدد قليل من النقاط المضيئة.

مدد بايدن معاهدة ستارت الجديدة في بداية العام وأنقذ آخر معاهدة متبقية للحد من الأسلحة مع روسيا.

بدأت محادثات الاستقرار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا في وقت لاحق من العام بعد اجتماع قمة لبايدن مع بوتين، وأشارت التقارير الأولية إلى أن المحادثات كانت مثمرة في وضع الأسس لمزيد من المناقشات.

لسوء الحظ، لم يبذل بايدن أي جهد لإحياء الأجواء المفتوحة، والأزمة الحالية بشأن أوكرانيا تجعل من غير المرجح أن يكون هناك تقدم كبير بشأن اتفاقيات جديدة للحد من التسلح في المستقبل المنظور.

يستحق بايدن الكثير من الثناء لإتمامه الانسحاب من أفغانستان في مواجهة مقاومة شديدة وتغطية إعلامية سلبية للغاية.

في تناقض حاد مع بقية قرارات السياسة الخارجية التي اتخذها هذا العام، أدرك بايدن ما يجب أن يحدث، وفهم ما هو في مصلحة البلد، وتابع القرار عندما كان من الأسهل من الناحية السياسية الانصياع لمنتقديه.

في حين أنه ليس صحيحاً أن الولايات المتحدة لم تعد في حالة حرب، إلا أن الرئيس أنهى الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان في حين ان السماح لها بالتمدد إلى ما لا نهاية كان من شأنه أن ينقذه من شهور من الانتقاد.

إذا كانت السنة الثانية لإدارة بايدن ستكون أكثر نجاحاً من السنة الأولى، فستحتاج إلى تحمل المزيد من المخاطر وقبول المزيد من الانتقادات قصيرة المدى لتعزيز المصالح الأمريكية في الخارج.

سيكون التعامل مع روسيا لنزع فتيل الأزمة بشأن أوكرانيا مثيراً للجدل في واشنطن وفي بعض العواصم الحليفة، لكن من الضروري تقليل التوترات وتجنب النتائج الأسوأ.

سيؤدي الضغط على المملكة العربية السعودية لإنهاء الحصار المفروض على اليمن إلى إثارة المزيد من الشكاوى من الصقور في الكونجرس، لكن هذا ما يجب أن يحدث إذا أرادت الولايات المتحدة المساعدة في إنهاء البؤس الذي تسبب فيه دعم حكومتنا للحرب على مدى الست السنوات ونصف الماضية.

تحتاج الإدارة أيضاً إلى إلقاء نظرة أكثر جدية على السياسات التي ورثتها عن ترامب.

إذا فهموا أن عقوبات “الضغط الأقصى” كانت فشلاً ذريعاً في جميع الجوانب، فيجب عليهم رفع أو تعليق هذه العقوبات إلى أقصى حد ممكن.

ما يجب ألا تفعله إدارة بايدن هو ببساطة الحفاظ على سياسات عهد ترامب للسنوات الثلاث المقبلة لأنهم يخشون رد الفعل السياسي من الصقور الذين سيهاجمونهم بأقسى العبارات بغض النظر عما يفعلونه.

*دانيال لاريسون: محرر مساهم في Antiwar.com ومحرر أول سابق في مجلة The American Conservative. حاصل على دكتوراه في التاريخ من جامعة شيكاغو.

*      المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع