انتفاضة الحجارة في ذكراها الـ34.. المقاومة الشاملة هي السبيل الوحيد لتحرير كل فلسطين
السياسية : مرزاح العسل
بحلول الذكرى الـ34 للانتفاضة الفلسطينية الأولى (الحجارة) عام 1987 التي عمت أرجاء فلسطين وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة أولويات العالم.. أكدت فصائل المقاومة الفلسطينية أن المقاومة الشاملة وعلى رأسها المقاومة المسلحة، ووحدة الشعب الفلسطيني هي السبيل الوحيد لانتزاع حقوقه وتحرير كل أرضه وأسراه.
وتُعد هذه الانتفاضة التي تصادف اليوم الخميس الـ9 من ديسمبر، من أهم محطات النضال الشعبي الفلسطيني ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، منذ بداية احتلاله لقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس المحتلة، عام 1967.
وفجر الفلسطينيون “انتفاضة الحجارة”، وهي أطول انتفاضة شعبية، ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، رفضا لتصاعد الهجمات الدامية، والتي كانت تنفذ وقتها بأيدي مستوطنين متطرفين.
ويُطلق عليها اسم “الانتفاضة الفلسطينية الأولى”، وتعود أحداثها لـ9 ديسمبر لعام 1987، كردة فعل على حادث دهس سائق شاحنة “إسرائيلي” مجموعة من العمّال الفلسطينيين، على حاجز بيت حانون “إيرز”، شمالي غزة، في 8 ديسمبر، ما أسفر عن مصرع 4 منهم آنذاك؛ واستمرت لمدة 6 سنوات.
وبدأت شرارتها، التي دخلت بكلمتها قاموس المعاني، لتشتهر وقتها وتصبح الكلمة “انتفاضة” دلالة على ما يحصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، عندما قام سائق شاحنة إسرائيلي متطرف ويدعى هرتسل بوكبزا بتنفيذ عملية صدم متعمدة، لسيارة يستقلها عمال فلسطينيون، أثناء ذهابهم إلى عملهم في مناطق الـ48، وهم عمال يقطنون عدة مناطق في القطاع، مما أدى لاستشهاد أربعة فلسطينيين وإصابة آخرين.
وفي تلك الحادثة الأليمة سقط عدد من الشهداء من المغازي وجباليا، وانطلقت أول شرارة للانتفاضة من مخيم جباليا شمال القطاع، وشهد ذلك المخيم في أول أيام الانتفاضة مواجهات انتشرت بعدها لتصل كافة مناطق القطاع، كالنار في الهشيم، ليتصاعد الغضب الشعبي وقتها ويصل إلى مناطق الضفة الغربية، التي عانت كثيرا من هجمات الاحتلال والمستوطنين، فاستشهد في اليوم التالي عدة شهداء من مناطق عدة بالضفة.
وبسبب استمرارية الفعاليات الشعبية دون توقف، أطلق اسم “انتفاضة الحجارة”، لأن الشباب الفلسطيني تسلح وقتها بالحجارة في مواجهة البنادق “الإسرائيلية”، وظلت فعاليات الانتفاضة قائمة في كافة المناطق الفلسطينية المحتلة، على مدار 7 سنوات، حيث توقفت فعالياتها مع تشكيل السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع عام 1994، بموجب اتفاق السلام.
ومرت الانتفاضة بعدة مراحل، حيث شهدت بدايتها مقاومة الاحتلال بالحجارة، ثم تم تشكيل مجموعات عسكرية مسلحة، تابعة للفصائل الفلسطينية، خاضت العديد من الاشتباكات مع جيش الاحتلال، فيما شكلت خلايا تنظيمية ساعدت في إدارة الحياة اليومية للمواطنين، كبديل عن إدارة الاحتلال، كما شكلت وقتها القيادة الوطنية الموحدة، من كافة الفصائل الفلسطينية، للإشراف على الفعاليات الشعبية المناهضة للاحتلال.
واشتهر المشاركون في فعاليات “انتفاضة الحجارة” بوضع غطاء على الوجه، لإخفاء هويتهم عن جنود الاحتلال، وذلك في ظل حملات الاعتقال الكبيرة التي نفذتها قوات الاحتلال خلال تلك الفترة، حيث قام وقتها الاحتلال بفتح سجن من الخيام في منطقة النقب، زج فيه عدد كبير من الأسرى في ظروف قاسية.
وشكل الشباب الفلسطيني في ذلك الوقت العنصر الأساسي المشارك بالانتفاضة، وقامت بقيادتها وتوجيهها القيادة الوطنية الموحدة للثورة، وهي عبارة عن اتحاد مجموعة من الفصائل الفلسطينية السياسية، كانت تهدف بشكل أساسي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والحصول على الاستقلال.
وبحسب الأرقام التي ذكرتها مؤسسة رعاية أسر الشهداء والأسرى فقد تم استشهاد 1550 فلسطينيا خلال الانتفاضة، واعتقال نحو 200 ألف فلسطيني، كما تشير معطيات مؤسسة الجريح الفلسطيني إلى أن عدد جرحى الانتفاضة يزيد عن 70 ألف جريح، يعاني نحو 40 في المائة منهم من إعاقات دائمة، فيما استشهد عدد من الشبان خلال اعتقالهم في سجون الاحتلال، جراء سياسات التعذيب.
وبهذه المناسبة، قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في بيان لها: إن “المقاومة الشاملة” هي “السبيل الوحيد لانتزاع حقوقنا وتحرير الأرض والأسرى، وإن الأسرى في سجون الاحتلال هم جزء أصيل من شعبنا”.. مؤكدةً أن “تحريرهم مسؤولية وطنية تضعها حماس في مقدمة أولوياتها”.
وأشارت إلى أن مدينة القدس والمسجد الأقصى “هما قلب الصراع مع الاحتلال، وأن مشاريعه من تهويد واستيطان لن تفلح في تغيير معالمهما وحدودهما وتاريخهما”.
وعبرت الحركة عن رفضها لكل مخططات التسوية ومشاريع “التفاوض العبثي مع العدو، والتنسيق الأمني معه”.. وقالت عنها: إنها “فتحت المجال للاحتلال لتوسيع الاستيطان، وتصعيد العدوان، وتهويد المقدسات، وحصار شعبنا”.
وجددت حماس إدانتها لكل اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال.. مبينةً أنها تمثل “طعنة في صدر الشعب الفلسطيني وضربًا لعمق الأمة وأمنها”.
من جهته قال القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي الشيخ بسام السعدي اليوم الخميس، “إن الانتفاضة حطمت حاجز الخوف عند أبناء الشعب الفلسطيني البطل الذي سطر تاريخاً طويلاً من الجهاد والمقاومة حتى تحرير الأرض وتطهير المقدسات”.
وأضاف: “إن اشعال الانتفاضة شكّل مصدر إلهام للانتفاضات والهبات الجماهيرية اللاحقة، مشيراً إلى أنها كانت عنواناً لثورة شعبنا المجاهد ضد الاحتلال الصهيوني الغاصب”.
واعتبر، أن الانتفاضة رفعت الروح المعنوية لأبناء شعبنا وأمتنا وصنعت أجيالاً ثورية ومبدعة اخترقت الإجراءات الأمنية للعدو.. مشيداً بما قدمه أبناء الشعب الفلسطيني الثائر من دماء وأرواح وتضحيات في سبيل الله ومن أجل القدس والمقدسات.
وكانت فصائل فلسطينية، قد أكدت خلال وقفة جماهيرية بعنوان (نداء للضفة.. الانتفاضة سبيل الخلاص) في مدينة غزة الليلة الماضية، أن الانتفاضة الأولى عام 1987 شكلت منعطفًا تاريخيًا هامًا في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، كما أنها سطرت ملحمة فدائية شعبية كبيرة ضد مؤامرات التصفية التي تحاكي ضد القضية الفلسطينية.
وأوضحت الفصائل، أن الفلسطينيين شاركوا في انتفاضة الحجارة ضد الاحتلال بكافة الوسائل الشعبية لتدخل مرحلة جديدة في الصراع في تطوير سلاح المقاومة التي بات يضرب عمق الكيان.
وأكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، خضر حبيب، أن انتفاضة الحجارة شكلت لحظة فارقة ومنعطف جديد في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وقال: إن هذه الانتفاضة الشعبية لاقت تعاطفًا كبيرًا في أوساط العالم أجمع وأثبتت أن الاحتلال لا يريد سلامًا إنما مواصلة الحرب.. مضيفاً: إن “الاحتلال ظن من خلال ممارسة سياسة تكسير العظام أن الفلسطيني يستسلم ويقبل ما يرده، لكنه تفاجئ بالعزيمة القوية في استمرار الفلسطينيين بجهادهم ونضالهم ضد المحتل”.
وتابع: إن “دولة الكيان زرعت في فلسطين بهدف الدمار والخراب وهو رأس حربة استعمارية يستهدف المنطقة وبكل مكوناتها”.
ودعا حبيب، إلى ضرورة الاتفاق على استراتيجية وطنية فلسطينية عبر الحوار الشامل تجمع على قاعدة وهي مواجهة الاحتلال والانسحاب من اتفاقية أوسلو والاعتراف بالعدو.
وحذر القيادي حبيب، من أن تلكؤ الاحتلال في إدخال مواد البناء والمنح الدولية لقطاع غزة ستدفع شعبنا ومقاومته إلى الانفجار في وجه المحتل.
بدوره، أكد مسؤول الدائرة السياسية في حركة “المجاهدين” مؤمن عزيز، أن انتفاضة الحجارة سطرت ملحمة عظيمة من الملاحم الفدائية للشعب الفلسطيني في الانتفاضة بوجه العدو، وقال فيها الفلسطينيون كلمتهم بأنهم “لا يقبلون التنازل عن حقوقهم”، رغم سياسات الاحتلال الظالمة.
وقال عزيز: إن “الشعب الفلسطيني يقاتل بكل ما أوتي من قوة، للدفاع عن نفسه وحقوقه”، موضحًا أن الثورة هي سبيل الخلاص من الاحتلال”.. مشدداً على أن الضفة بحاجة إلى هبة شعبية عارمة تنتفض في وجه الاحتلال تسقط كل من راهن عليه، خاصة ملف التنسيق الأمني التي تقوده السلطة في رام الله.
وفي رسالة إلى الدول العربية المطبعة مع “إسرائيل”، دعا عزيز، تلك الدول بالعودة إلى رشدهم والانسحاب من اتفاقيات التطبيع، لأن الاحتلال زائل.. كما دعا المجتمع الدولي وجميع احرار العالم إلى تظافر الجهود في تقديم الدعم بكافة أنواعه في الدفاع عن القضية الفلسطينيين وحقوق الفلسطينيين.
من جهته، اعتبر القيادي في الجبهة الديمقراطية طلال أبو ظريفة، أن “انتفاضة الحجارة كانت شرارة لجريمة إسرائيلية بشعة، عندما دهست شاحنة تتبع للاحتلال لمركبة فيها 6 عمال فلسطينيين من سكان مخيم جباليا على حاجز بيت حانون، ما أدى إلى استشهادهم على الفور”.
وأضاف: إن الاحتلال مارس أبشع أنواع الاضطهاد لإخمادها، لكن أسطورة المنتفضين بقيت مستمرة وجسدت انجازًا كبيرًا في تاريخ نضال الفلسطينيين.
وأشار إلى أن اتفاقية أوسلو عام 1993 جاءت للالتفاف على هذه الانتفاضة التي ردعت الاحتلال وشكلت له كابوسًا أمنيًا كبيرًا، عجز عن مواجهتها.
إلى ذلك.. قالت حركة المقاومة الشعبية: إن انتفاضة الحجارة جاءت نتيجة طبيعية للظلم الكبير والعدوان المستمر الذي يتعرض له شعبنا خلال فترة الثمانينات، في وقت كان تطبخ فيه المعاهدات والاتفاقيات السياسية التي أفضت لاتفاق أوسلو المشؤوم.
وأضافت: الانتفاضة الشعبية المباركة أجهضت مخططات العدو الرامية إلى إلغاء الهوية الفلسطينية وإغراق الشارع الفلسطيني بالفساد والمخدرات والجرائم والظلم والقهر الصهيوني، وهو ما واجهه شعبنا بكل أنفة وعزة وشموخ، وانتصر على جلاده، وأثبت للعالم أن حقه لا يضيع وسيأتي يوما يحقق فيه تطلعاته بالحرية والاستقلال.
وتابعت، رغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها جماهير شعبنا في تلك المرحلة، إلا أنها أعادت في النفس الأمل والطمأنينة نحو حتمية تحقيق حلم شعبنا، وشكلت مرحلة مهمة من تاريخ نضال شعبنا.
كما أكدت المقاومة الشعبية، أن انتفاضة الحجارة باتت علامة بارزة وفارقة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، وأسست لواقع جديد وجيل عشق معاني البطولة والفداء، ومواصلة لطريق التحرير، وبددت أوهام العدو الصهيوني، بشطب هوية شعبنا وإلغاء وجوده.
الجدير ذكره أن هذه الانتفاضة جاءت لتعطي دليلاً أن ارادة الشعب الفلسطيني لا تعيقها حدود ولا تمنعها سدود وأنه صاحب مبادرة بأقل الممكن الموجود، حيث استمرت الانتفاضة 7 سنين وصولا إلى عام ١٩٩٤م، وتميزت بلحمة الجماهير الفلسطينية والتسابق في العطاء والتضحية والمبادرة.