السياسية – مركز البحوث والمعلومات :

سنوات طويلة كانت الأزمات والخلافات عنواناً بارزاً للعلاقات السعودية الإيرانية، ولم تفلح المتغيرات والتحولات الدولية والاقليمية في تقريب وجهات نظر الطرفين تجاه القضايا الخلافية، ولكن الحديث خلال الأشهر الأخيرة عن إجراء عدد من اللقاءات ما بين الرياض وطهران، قد خالف إلى حدا كبير ما كان مستبعدا حدوثه في ما سبق.

حيث أشارت الأخبار والتصريحات المختلفة والصادرة عن مسؤولي البلدين عن عقد جولات أربع، وكشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية في هذا السياق، أن مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى من السعودية وإيران أجروا محادثات مباشرة  في العاصمة العراقية بغداد، وأضافت وكالة رويترز في ذات السياق، أن الوفد السعودي ترأسه خالد الحميدان رئيس المخابرات السعودي، فيما ترأس الوفد الإيراني نائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد عرافاني.

وأكد أكثر من مصدر في العاصمة العراقية بغداد، أن الأيام الأولى من شهر أبريل (الماضي) شهدت اجتماعا بين مسؤولين أمنيين ودبلوماسيين من الرياض وطهران، وأشار المصدر إلى أن بداية المفاوضات كانت جدية بين الطرفين، وبأن الاجتماع تميز بالسرية التامة، وأن التحضيرات التي سبقت اللقاءات؛ أشرف عليها مكتب رئيس الحكومة العراقية بصورة مباشرة.

ويتفق عدد من المحللين أن انعقاد المفاوضات جاء في إطار مسعى لإصلاح العلاقات بين السعودية وايران، التي شهدت توتراً “غير مسبوق” بعد خلافات حادة بشأن إقدام السلطات في الرياض على إعدام رجل الدين الشيعي “نمر النمر” وما تلاها من قطع كامل للعلاقات الدبلوماسية في يناير 2016 بعد احتجاجات سعودية على ما وصفته باقتحام سفارتها في العاصمة طهران وقنصليتها في مدينة مشهد.

جدير بالذكر، أن حال العلاقات بين البلدين لم يكن أفضل حالاً قبل ذلك التاريخ، ولكنها ساءت بصورة كبيرة ما بعده، لا سيما وأن التوتر ارتبط بقضايا وملفات متشعبة، ولكن الخصومة حسب العديد من المراقبين في طريقها إلى الانتهاء بعد سنوات من الخلافات بين أكبر دولتين في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من حالة التكتم التي سادت اللقاءات، إلا أنها تأكدت بصورة رسمية خلال إلقاء كلمة عاهل السعودية، أمام  أعمال الدورة السنوية “76” للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال فيها إن “إيران دولة جارة، ونأمل أن تؤدي محادثاتنا الأولية معها إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة، والتمهيد لتحقيق تطلعات شعوبنا في إقامة علاقات تعاون مبنية على الالتزام بمبادئ وقرارات الشرعية الدولية واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية” ولم تكن كلمة عاهل السعودية بشأن مستقبل العلاقة مع طهران هي الأولى، فقد سبقها بعدة أشهر تصريح لولي العهد السعودي، خلال مقابلة تلفزيونية إن بلاده “تطمح إلى علاقات إيجابية مع إيران، رغم الخلافات الكبيرة معها”.

يضاف إلى ما سبق ما أكده  وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، خلال لقاء صحفي “أن المباحثات بين البلدين بخصوص  القضايا الإقليمية متواصلة، لكن التركيز ينصب على العلاقات الثنائية، وبأن المباحثات لاتزال في المرحلة الاستكشافية”، وأضاف الوزير السعودي بقوله “أن الأمل في أن تساهم المفاوضات بحل المواضيع العالقة بين الطرفين”.

والملاحظ أن التصريحات السعودية قوبلت بكثير من الإيجابية من الجانب الإيراني، الذي أكد أن المباحثات مع الرياض تجري في إطار ودي وبحسن نية، وبأن “الحوار بين إيران والسعودية بناء ويسير في الاتجاه الصحيح، ويصب في مصلحة البلدين والمنطقة عموماً، هذه الإيجابية أكدتها تصريحات رأس الدبلوماسية الإيرانية ،حسين أمير عبد اللهيان، الذي رحب بما سماها ،الحوار بين بلاده والسعودية، نظراً لأهمية دور البلدين في المنطقة، حيث أشار بقوله “المناقشات تسير على المسار الصحيح، وبأنها حققت نتائج واتفاقات معينة، وأكد على ضرورة مواصلة هذا الحوار “.

ورحب ،عبداللهيان، بمواصلة المحادثات وبالنتائج التي تفيد الطرفين والمنطقة  وأشار بقوله “أن المفاوضات مع الرياض شهدت بعض التقدم تجاه مواضيع محددة، وأن الطرفان سوف يعلنان عن تطبيق هذه الاتفاقات في الوقت المناسب”، وأضاف الوزير “أن هناك قناعة لدى طهران بأن معادلة الحوار والانفتاح من شأنها تأمين مستقبل مشرق للمنطقة، وبأن استئناف العلاقات بين القوتين الإقليميتين يحتاج الى مزيد من الوقت، وبأن هناك ضرورة لمواصلة هذا الحوار”

ويمكن القول، أن التفاؤل الذي اعقب مفاوضات بغداد، أسهم إلى حد كبير في رفع مستوى اللقاءات بين الطرفان، إلى مستويات أعلى وصولاً إلى وزراء الخارجية في البلدان، اللذان التقيا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في مدينة نيويورك الأمريكية، هذا التفاؤل لم يكن محظ صدفة كما يعتقد الكثير، لاسيما وأن الظروف والمتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم، وفي مقدمتها حالة الانكفاء والتراجع الأمريكي في الشرق الأوسط، إضافة إلى تسارع حمى التطبيع مع “إسرائيل” التي ضربت عدد من الدول العربية، هذه المتغيرات وغيرها فرضت نفسها على “السعودية وإيران” اللتان، ترتبط بهمها أغلب الملفات الملتهبة في المنطقة وعلى رأسها “اليمني واللبناني والسوري”.

ومن الواضح أن البلدان يدركان جيداً أن عدم الدخول في مفاوضات مباشرة سوف يفاقم من حالة الاحتقان بينهما، وهو ما يسمح بمزيد من التدخلات الدولية ( أمريكا وروسيا والصين) في الملفات و القضايا داخل المنطقة، إضافة إلى أن بقاء الصراع وحالة عدم التوافق سوف يفقد القوتان الأبرز في المنطقة الكثير من المصالح، خاصة وأن هناك العديد من الدول على مستوى الإقليم ( الأمارات وإسرائيل) تسعى إلى تأزيم العلاقة ما بين الرياض وطهران، حتى تتمكن من تحقيق أهدافها ومصالحها في الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق يشير، محمد صالح صدقيان، مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية في إيران، أن هناك ارتياح من الجانبين لما تم في الجولات الماضية ويضيف “صدقيان “ما أعلمه أن هناك رغبة في أن تكون المحادثات المقبلة على مستوى وزارتي الخارجية، خاصة بعد اللقاء الذي تم بين وزيري الخارجية في بغداد على هامش مؤتمر بغداد، والاجتماع الذي تم على هامش اجتماع الجمعية العامة في منزل السفير العراقي في نيويورك”.

ويتفق عدنان طبطبائي، المدير التنفيذي لمعهد كاربو الألماني، مع ما ذهب إليه ، صدقيان،  “بإن هناك مؤشر إيجابي على استمرار المحادثات، حيث لم تعد المحادثات مرفوضة”، ويلاحظ طبطبائي، بأن طهران تبدو أكثر ثقة في نظرتها الإيجابية، كونها في مركز أقوى على الرغم من استمرار العقوبات الأمريكية التي أضرت بالاقتصاد في إيران.

ويعتقد “صدقيان” أن “النتائج التي تمخضت عنها جولات المباحثات رسخت قناعة عند كل دول المنطقة بأنه يجب أن يوضع حد لهذا التدافع الأمني والسياسي والعسكري في المنطقة، وبأن الجميع بات مقتنعا أن الظروف الحالية تستدعي استيعاب ما يمكن استيعابه من التحديات وحل جميع المشاكل التي تعاني منها المنطقة سواء كان في اليمن أو العراق وسوريا ولبنان وحتى في داخل فلسطين”، وتوقع المحلل الإيراني أن الأشهر القادمة سوف تشهد نتائج إيجابية جدا على مستوى العلاقات الإيرانية السعودية، وأيضا الإيرانية الخليجية والعربية بشكل عام.

 

وعلى ما يبدو أن كلا البلدان ينظران إلى أن المستقبل بحاجة إلى تهدئة التوتر بينهما كمرحلة إولى، وفي المرحلة التالية العمل على تحسين العلاقة وإعادة العلاقات إلى طبيعتها، لا سيما وأن بقاء حالة العداء التي عاشها البلدان خلال السنوات الماضية، كانت تكلفتها باهضة على مختلف المقاييس السياسية والاقتصادية والعسكرية.