بقلم: سارة لازار

(صحيفة”إن ذيس تايمز – In These Times” الأمريكية- ترجمة: انيسة معيض الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

في نقاش أولي للحزب الديمقراطي لعام 2019, تعهد المرشح جو بايدن بوقف مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية.

وبمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، وفي فبراير 2021, ادعى الرئيس جو بايدن أنه سينهي كل الدعم الأمريكي “للعمليات الهجومية” في اليمن.

ومع ذلك، يدعم بايدن الآن صفقة مقترحة بقيمة 650 مليون دولار من صواريخ جو – جو والقاذفات إلى النظام السعودي، في خيانة واضحة لوعده الذي قطعه أثناء حملته الانتخابية.

يعد الاتفاق بدء مجابهة في مجلس الشيوخ، حيث يخطط السناتور راند بول (جمهوري عن ولاية كنتاكي) لفرض التصويت على قرار مشترك لمنع نقل الأسلحة، جنباً إلى جنب مع السيناتور بيرني ساندرز (مستقل عن ولاية فيرمونت) ومايك لي (جمهوري عن ولاية يوتا).

سيكون هذا أول تصويت في مجلس الشيوخ على حرب اليمن خلال إدارة بايدن، وسيجبر الديمقراطيين- الذين عارضوا الحرب في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب لكنهم كانوا أقل عدائية من الناحية التشريعية في ظل إدارة بايدن- لإعلان مواقفهم علناً.

عارض الحزب الديمقراطي عن حق مشاركة الولايات المتحدة في حرب اليمن إبان حكم ترامب، واستنكر الحزب العدد المروع للقتلى المدنيين الذي تسبب فيه التحالف الذي تقوده السعودية وانضم إلى قرار سلطات الحرب لفرض إنهاء الحرب.

استخدم ترامب حق النقض ضد القرار في أبريل 2019, وفي ضوء الأزمة الإنسانية المحزنه التي تسببت بها الحرب التي دامت أكثر من ست سنوات وبدعم من الولايات المتحدة والتي وضعت أكثر من نصف سكان اليمن دون ما يكفي من الطعام، فيما إدارة بايدن تتجه بمنطق غريب لتستمر المشاركة الأمريكية, يقول البيت الأبيض إنه يدعم مبيعات الأسلحة التي يعتبرها “دفاعية” فقط.

قال متحدث باسم وزارة الخارجية إن الصواريخ المقترحة في الصفقة البالغة قيمتها 650 مليون دولار، ستُستخدم فقط للدفاع الجوي، وبالتالي فهي “تتماشى مع التزام الرئيس بدعم الدفاع الإقليمي للمملكة السعودية”.

تسمح هذه الحجة لإدارة بايدن بأن تنأى بنفسها خطابياً عن الانتهاكات المعروفة للحرب بينما تواصل دعمها المادي للرياض.

هذه هي نفس الحرب التي دعمتها الولايات المتحدة خلال إدارة أوباما ثم في عهد ترامب، لكن بايدن يدعي الآن أنه قادر بطريقة ما للتحديد وللفرز ولدعم فقط تلك الإجراءات السعودية التي تهدف إلى الحماية- وليس حصد- أرواح البشر، على الرغم من أن التحالف بقيادة السعودية يعد مسؤولاً عن الغالبية العظمى من القتلى المدنيين.

يبدو أن الحجة قد تم شراؤها لدى بعض الديمقراطيين الأقوياء، بما في ذلك السناتور كريس مورفي (ديمقراطي كونيكتيون)، الذي ميز نفسه إبان إدارة ترامب، كقائد للجهود المبذولة لإنهاء حرب اليمن, حيث قال مورفي لنا مؤخراً أنه لم يقرر ما إذا كان سيدعم تصويت مجلس الشيوخ.

وقال للمراسلة سارة سيروتا: “كان موقفي بشكل عام هو دعم مبيعات الأسلحة الدفاعية للسعوديين، مع معارضة المبيعات التي يمكن استخدامها في العمليات الهجومية، لاسيما في اليمن”.

وأدلى النائب آدم سميث ديمقراطي عن واشنطن، الرئيس ذا النفوذ للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، بملاحظة مماثلة في مقابلة مع صحيفة ذا انترسبت، قائلاً إنه يتفق مع منطق إدارة بايدن لإعطاء الضوء الأخضر.

بالنظر إلى أن الحرب المدعومة من الولايات المتحدة قد نحت إلى حد كبير لصالح الشعب- ويرجع ذلك جزئياً إلى الفظائع البارزة مثل تفجير عام 2018 لحافلة مدرسية مليئة بالأطفال- فإن الديمقراطيين الذين لا يتوقون إلى ربط سماتهم السياسية بهذه الأعمال من المرجح أن يميلوا إلى هذا الخطاب حول “الدفاع” مع احتدام الجدل.

ولكن، عند الفحص الدقيق، يبدأ التمييز بين الأسلحة السعودية “الهجومية” و “الدفاعية” في الاختفاء.

فما يسمى بالأسلحة الدفاعية هي جزء من عتاد عسكري يفرض حصاراً وحشياً، ويوقف المساعدات عن اليمن ويخلق مناخاً من التخويف والخوف.

بيع الأسلحة يبعث برسالة إلى الرياض، في اللحظة التي ترفض فيها رفع الحصار، أن الدعم الأمريكي غير مشروط وإنها بهذا تمكن المملكة العربية السعودية من إطالة أمد غاراتها المميتة.

منذ أغسطس 2016, أدت الضربات الجوية لإغلاق مطار صنعاء في غرب اليمن,  وهو واقع لا يزال قائما حتى يومنا هذا.

وفي الآونة الأخيرة، في مارس 2021, قصفت السعودية مدرج المطار، وفقاً لمشروع بيانات اليمن.

يعد وجود مطار يعمل أمراً بالغ الأهمية للتدفق الحر للمنتجات التجارية والسلع الإنسانية وتنقل الناس.

إذا كانت السعودية قادرة على شراء المزيد من الأسلحة التي يمكن أن تستخدمها لتهديد أولئك الذين يحاولون استخدام المطار، فإن هذا لن يؤدي إلا إلى تعزيز قدرتها على مواصلة إغلاق منشأة النقل.

وبعد كل شيء، يمكن لصواريخ جو – جو, أن تسقط الطائرات، وبالنظر إلى السجل الحافل للتحالف السعودي في استهداف المدنيين والبنية التحتية – بما في ذلك مطار صنعاء- فإن مثل هذه الهجمات بالتأكيد ليست أقل من سلاح الجو الملكي السعودي.

لقد خلقت السعودية مناخاً من العنف والترهيب الذي يمنع عمال الإغاثة حتى من محاولة الوصول إلى المطار، سواء لنقل البضائع أو الأشخاص من وإلى المطار؛ لن تضع صواريخ جو – جو سوى المزيد من العدة في نطاق العدة الخاص بها.

قال حسن الطيب، المدير التشريعي لسياسة الشرق الأوسط في لجنة الأصدقاء للتشريعات الوطنية لـ إن ذيس تايمز “توفر الصواريخ للتحالف الذي تقوده السعودية أداة أخرى لفرض الحصار على اليمن من خلال زيادة قدرتها على تهديد الطائرات التي تحاول الهبوط في مطار صنعاء”.

من الصعب المبالغة في تقدير الضرر الذي لحق بالمدنيين اليمنيين جراء إغلاق المطار.

ففي أغسطس، أصدر مجلس اللاجئين النرويجي ومنظمة كير، وهما منظمتا إغاثة، بياناً مشتركاً يحذران من أن إغلاق مطار صنعاء لمدة خمس سنوات متتالية “خلف ما لا يقل عن 32000 ألف مريض يمني في حالة حرجة بحاجة إلى العلاج المنقذ للحياة في الخارج”.

وتابع البيان أن إغلاق المطار، مع استثناءات نادرة، “أدى أيضاً إلى توقف شبه كامل للشحنات التجارية مثل الأدوية والإمدادات الطبية والمعدات القادمة إلى البلد, إلى جانب القيود المفروضة على ميناء الحديدة في غرب اليمن، أدى ذلك إلى مضاعفة أسعار بعض الأدوية، مما جعل الاسعار لا يمكن تحملها بالنسبة لمعظم السكان، كما ساهم في تدهور النظام الصحي في اليمن، الذي دمره الصراع بالفعل”.

كانت عواقب إغلاق المطار كارثية, ونقلاً عن محمود يحيى علي مقتبسة من البيان, لم يتمكن من مغادرة البلد للحصول على الرعاية الطبية التي يحتاجها ابنه.

وأضاف: “المطار بجوار منزلي” ويستغرق الوصول إلى بوابة المطار خمس دقائق, مات ابني رغم أننا كنا نعيش عند بوابة مطار صنعاء”.

الهجمات على المطار ليست سوى جزء واحد من حصار أكبر بكثير تقوده السعودية.

تقول عائشة جمعان, خبيرة الصحة العامة ورئيسة مؤسسة الإغاثة وإعادة الإعمار اليمنية والتي تهدف إلى زيادة الوعي لدى الجمهور الأمريكي وصناع القرار حول المساعدات الإنسانية “تهدد المملكة العربية السعودية أي طائرة أو سفينة تحاول إنهاء الحصار بالقصف, هكذا يبقون على الحصار الذي يمنع السلع الأساسية من دخول اليمن”.

المكائد الكاملة لهذا الحصار مخفية إلى حد كبير عن الشعب الأمريكي, ما نعرفه هو أن الحصار البحري الذي تقوده السعودية حال دون وصول الإمدادات الحيوية، بما في ذلك الوقود والغذاء والدواء.

يقدر أن 71٪ من سكان اليمن بحاجة مآسة للمساعدات الإنسانية، وتقدر الأمم المتحدة أن 233 ألف شخص لقوا حتفهم جراء الحرب, بما في ذلك 131 ألف شخص ماتوا لأسباب غير مباشرة مثل نقص الغذاء والخدمات الصحية والبنية التحتية.

وفي مايو، قادت السناتور إليزابيث وارين (ديمقراطية) رسالة تضمن 16 عضواً في مجلس الشيوخ إلى إدارة بايدن, وكتبت المجموعة: “نطلب منك الاستفادة من كل النفوذ والأدوات المتاحة، بما في ذلك التأثير المحتمل على مبيعات الأسلحة المعلقة، والتعاون العسكري الأمريكي السعودي، والعلاقات الأمريكية السعودية على نطاق أوسع، لمطالبة المملكة العربية السعودية بالتوقف الفوري وغير المشروط عن استخدام تكتيكات الحصار”.

بالطبع، يجب على الولايات المتحدة ألا تبيع أسلحة للسعودية في المقام الأول ولكن إذا كانت ستفعل ذلك، فإن إدارة بايدن لديها خيار استخدام مبيعات الأسلحة هذه كأداة ضغط  لفرض إنهاء الحصار.

إن مثل هذه المطالب تحمل على عاتق إدارة بايدن أن تعمل بإخلاص لإنهاء الحرب وهو افتراض كبير إلى حد ما؛ وبغض النظر، فإن فشل الإدارة في تقديم أي نفوذ على الإطلاق يُظهر مدى عدم مشروعية الدعم الأمريكي حقاً.

إن بيع أسلحة أخرى يرسل رسالة واضحة عن دعم الولايات المتحدة أو على الأقل تواطئها.

يقول الطيب “إنها رسالة إفلات من العقاب, السعوديون يفرضون حصاراً غير قانونياً على اليمن ويؤدي إلى آثار كارثية على المدنيين”.

ولكن هناك جزء أخر لهذا اللغز يتجاوز مجرد الفشل في استخدام النفوذ, فمن خلال منح السعودية الموارد التي من شأنها حماية قدرة النظام الملكي على مواصلة خوض الحرب، فإن الولايات المتحدة، في الواقع، تطيل أمد الصراع على حساب اليمنيين, لذا, من المهم تحديد مدى جسامة- وعدم تناسق – الوفيات بين المدنيين.

في نوفمبر 2018, أشار مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى أن الغالبية الواضحة أو 61.5٪ ، من جميع الضحايا المدنيين لقوا حتفهم جراء “الضربات الجوية التي نفذها التحالف بقيادة السعودية”.

وهذه مجرد الوفيات بسبب القصف المباشر، وليس من الآثار غير المباشرة لنقص الغذاء وتدمير النظام الصحي.

تمتلك السعودية قدرة قصف متفوقة بشكل كبير مقارنة بالحوثيين (بفضل الأسلحة الأمريكية إلى حد كبير)، وقد نجحت الدولة في احتواء الحرب بالكامل تقريباً داخل اليمن.

بالطبع، أي قتلى بين المدنيين أمر غير مقبول، ولا ينبغي أن يموت شخص آخر نتيجة هذه الحرب الوحشية, لكن الولايات المتحدة تشارك فعلياً في التوقيع على فكرة أن الناس في اليمن فقط، أفقر دولة في الشرق الأوسط، هم من يجب أن يموتوا وأن الحرب يجب أن تستمر حتى آخر يمني.

نحن نعلم ذلك لأن الولايات المتحدة لا تخطط لبيع أسلحة جو – جو “دفاعية” للحوثيين- على الرغم من حقيقة أن الجانب السعودي مسؤول عن غالبية التفجيرات التي أدت إلى سقوط قتلى مدنيين وحدوث تلك الوفيات في اليمن ونحن نعلم ذلك لأن إدارة بايدن لا تجبر السعودية على أن توقف الحرب.

بدلاً من ذلك، فأن صفقة الأسلحة ترسل رسالة مختلفة: نحن ندعمك لفترة أطول قليلاً للحصول على أفضل اتفاق ممكن مع الحوثيين، لأن منع “هزيمة” السعودية أهم من حماية أرواح اليمنيين.

وكما قال إريك سبيرلنغ، المدير التنفيذي للصحيفة فورين بوليسي، فإن صفقة الأسلحة تساعد في “ضمان ألا يضطر السعوديون إلى الدخول في حل وسط لإنهاء الحرب”.

ربما يكون هذا الشعور سيئاً وقاساً للغاية بحيث لا يمكن التصريح به بصوت عالٍ، لذا بدلاً من ذلك، تستخدم إدارة بايدن لغة “الدفاع” الأكثر قبولاً والتي تبدو إنسانية.

إن هذه الفكرة، القائلة بأنه يمكن للمرء تقسيم الدعم للعمليات “الدفاعية” و”الهجومية” في سياق حرب عدوانية، كانت الدعامة الأساسية لنهج إدارة بايدن.

ففي فبراير، عندما ادعى بايدن أنه أنهى دعم الولايات المتحدة لـ “العمليات الهجومية”، أدرج هذا الجزء المهم: “سنواصل مساعدة المملكة العربية السعودية في الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها وشعبها”.

في الواقع، واصلت إدارة بايدن توفير قطع غيار وصيانة مهمة للطائرات الحربية السعودية واستمرت في بعض تبادل المعلومات الاستخباراتية وقدمت التدريب للبحرية السعودية التي تفرض الحصار.

في غضون ذلك، رفضت إدارة بايدن مراراً وتكراراً تحديد المقصود بالضبط بالعمليات “الهجومية” وفشلت في تقديم الشفافية الأساسية فيما يتعلق بالدور الأمريكي المستمر.

إن الفكرة القائلة بأنه لا يمكن للمرء سوى دعم العمليات “الدفاعية” في حرب وحشية هي فكرة سخيفة.

لا يوجد لدى الجيش السعودي حظيرة للطائرات “الدفاعية” وواحدة منفصلة للطائرات “الهجومية”.

منع الطيارون من نقل المسافرين أو البضائع من وإلى مطار صنعاء لم تتوافق بحقيقة ان إدارة بايدن قررت فقط تجديد الأسلحة الموجودة في الترسانة السعودية والتي تعتبر “دفاعية”.

تشن السعودية حرباً وحشية بدعم من الولايات المتحدة يصعب الدفاع عنها لدرجة أن الحزب الديمقراطي انقلب ضدها عندما كان أحد الجمهوريين في البيت الأبيض.

الآن بعد عودة الديموقراطيون، تتاح لأعضاء الكونجرس الفرصة مرة أخرى، لاتخاذ موقف حازم, ليس فقط بالخطابات شديدة اللهجة، ولكن من خلال تصويت الكونجرس.

تتطلب الخطوة الأولى أن تكون واضحاً بشأن المخاطر الأخلاقية للدعم الأمريكي المستمر للحرب التي تقودها السعودية والاستغناء عن المصطلحات اللامعة مثل “الدفاعية” التي تهدف إلى وضع اللمسات الأخيرة على شيء لا يغتفر.

*  المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع