(موقع” منظمة أطباء بلا حدود- Médecins Sans Frontières ” النسخة الفرنسية– ترجمة: أسماء بجاش، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

يعاني 45% من المرضى الذين يتلقون العلاج لدى المرافق الصحية التابعة لفريق أطباء بلا حدود في مدينة حجة الشمالية من اضطرابات عقلية حادة.

تعرضت المحافظة، التي قطعها خط المواجهات الأمامي لمزيد من القتال في مارس الماضي.

وعلى أرض الواقع، عانى السكان من العواقب الجسدية والنفسية لست سنوات من الحرب.

تقول “هناء” من مديرية عبس بمحافظة حجة الواقعة في الجهة الشمالية من البلد “تركنا منزلنا لأننا كنا خائفين جداً من القصف، حيث  دمرت غارة جوية سجناً مجاوراً وحيّنا بأكمله, لحسن الحظ لم نكن هناك لكنني عدت لاحقاً: كان كل شيء عبارة عن أنقاض، ولم أستطع تحمل خسارة كل شيء”.

أُجبرت “هناء” وعائلتها على المغادرة، حيث أمضت قرابة شهرين في خيمة قبل أن يكون لديهم ما يكفي من المال للانتقال إلى مدينة حجة الواقعة على بعد 120 كيلومترا شمال غرب العاصمة صنعاء.

ومنذ القصف، اعتمدت العائلة اعتمادا كليا على المعونة الإنسانية ودعم الأصدقاء, وفي هذه المرحلة، تبدأ هناء في مشوار المعاناة من اضطرابات النوم, كما عملت على عزل نفسها اجتماعيا, حيث عانت هناء من الاكتئاب, كما أقدمت مرتين على الانتحار, وغضبها لا يمكن السيطرة عليه, كان له تأثير على أطفالها الذين أساءت معاملتهم جسدياً.

“لم أستطع السيطرة على غضبي، كنت أحاول أن أحرره بضرب أطفالي, لم أكن أنا بعد الآن”.

عندما علمت بوجود خدمات الصحة العقلية والنفسية للنساء، قررت “هناء” أن تلجأ إليها.

مريضة في غرفة الانتظار في المستشفى الجمهوري قبل استشارة نفسية في عيادة الصحة النفسية التي تدعمها منظمة أطباء بلا حدود/ تصوير: ناصر غفور / أطباء بلا حدود

محاولات انتحار:

وفي محافظة حجة، تدعم الفرق التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود المستشفى الجمهوري, كما تقدم خدمات متخصصة في مجال الصحة العقلية.

إن الأمراض التي يتم علاجها في على أرض الواقع عديدة: القلق، والأرق، ولكن أيضاً الحالات الخطيرة مثل الذهان – الذهان هو مصطلح عام في الطب النفسي للإشارة إلى اضطراب أو حالة غير طبيعية في العقل، وغالبا ما يثير واحدا أو أكثر من الهواجس التي تؤدي إلى فقدان الاتصال بالواقع- والاكتئاب، والاضطراب ثنائي القطب واضطراب ما بعد الصدمة.

توضح أنتونيلا بوتزي، مديرة أنشطة الصحة النفسية في منظمة أطباء بلا حدود في حجة, “في قسمنا، نرى المرضى بانتظام في أعقاب محاولات الانتحار ويمكن أن تظهر الأعراض الحادة للذهان، على سبيل المثال، بالهلوسات السمعية تدفع المريض إلى إيذاء نفسه، ومن المهم فهم التجربة الذاتية للفرد، لأن الهلوسة يمكن أن تبدو حقيقية جدا وتخلق معاناة كبيرة”.

ولدت أكثر من ست سنوات من الحرب إلى انخفاض كبير في فرص الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والغذاء والخدمات الأساسية في اليمن, وإلى جانب الإصابات الجسدية المتصلة بالصراع، فإن عدد الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية خطيرة مرتفع جدا في منطقة حجة.

قالت أنتونيلا بوزي, وفقا للسلطات المحلية، يحتاج أكثر من 9 ألف من السكان إلى الرعاية الصحية العقلية ومن المحتمل أن تكون أعدادهم الفعلية أعلى من ذلك بكثير، لأن الاحتياجات في هذا المجال تميل إلى التقليل من شأنها, كما يسافر الناس أحيانا أكثر من 100 كيلومتر للوصول إلى المستشفى للحصول على الخدمات الصحية المناسبة, مما يعطي فكرة جيدة عن الاحتياجات العالية والافتقار إلى الهياكل الصحية في جميع أنحاء البلد”.

في حجة، يعاني 45% من المرضى الذين تمت معاينتهم في منظمة أطباء بلا حدود من اضطرابات عقلية حادة.

ففي يوليو المنصرم, تأثر أكثر من نصف المرضى الجدد في المرافق التابعة للمنظمة, وعلى سبيل المقارنة، تقدر منظمة الصحة العالمية انتشار أشكال خطيرة من هذه الاضطرابات بنحو 5.1%, حتى في مناطق الصراع.

ويعني الافتقار إلى الخدمات الصحية في المنطقة أن جميع الحالات الخطيرة تحال إلى فرق أطباء بلا حدود، مما قد يفسر أيضا هذه الأرقام الهامة.

تقول أنتونيلا بوزي “عادة ما يستخدم اليمنيون الذين يعانون من أعراض الصحة العقلية العلاج الروحي وأحيانا الممارسات الخطيرة وغير الفعالة التي يمكن أن تزيد من حدة أعراضهم, إن عدم الوعي بقضايا الصحة العقلية هو جزء من أسباب استخدام العلاج الروحي, وأسر المرضى النفسيين تستخدم أحيانا سلاسل لربطهم لأنهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع الانفعالات والإثارة”.

الوعي ضد الوصم بالعار:

على غرار “هناء”، يعاني زوجها أيضاً من مشاكل صحية وعقلية, بيد أنه يرفض الاعتراف بذلك, ومن وقت لآخر, يذهب لرؤية أخصائي نفسي، ولكنه يرفض رؤيته بانتظام.

وبغية زيادة الوعي في المجتمعات المحلية بشأن الرعاية الصحية العقلية ومكافحة التمييز والوصم ضد المرضى، تحاول فرق أطباء بلا حدود تطبيع هذه الاضطرابات والقضاء على التحيزات.

وقد خلص مسؤول منظمة أطباء بلا حدود إلى “أن الافتقار إلى الوعي يؤدي إلى الوصم والتمييز، مما يدفع الناس إلى إخفاء أوضاعهم وزيادة معاناتهم وعزلتهم, حيث أن انعدام الوعي والوصم وجهان لعملة واحدة”.

وبعد الخضوع للعلاج النفسي, تشعر “هناء” الآن بتحسن, كما أنها تقوم بالخياطة, فقد استغرق منها الأمر ثلاث سنوات لتكون قوية بما فيه الكفاية من الناحية النفسية وتحمل الصدمة من فقدان كل شيء.

تقول هناء :”لَستُ متأكّدَة من أننا سوف نَعُودُ إلى البيت, الحرب لا تزال مستمرة، وإذا عدنا، علينا أن نبدأ من جديد”.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع