اتفاقيات إبراهيم: يبدو أن التطبيع بين تل ابيب والرياض يتلاشى
بقلم: لور مايسة فرج الله
( صحيفة “جيروزاليم بوست- jforum ” العبرية الناطقة باللغة الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش – الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
نتيجة للسياسة الخارجية الجديدة التي ينتهجها الرئيس جو بايدن في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن اتفاقيات أبراهيم التي تصورت التقارب بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية تبدو وكأنها تتلاشى
في ممارسة سياسة الخطوات الصغيرة، لا يبدو أن المملكة الوهابية في عجلة من أمرها لتطبيع علاقاتها مع الدولة العبرية, حيث عملت السعودية على تباطأ ووضع شروط التطبيع مع إسرائيل.
وبحسب ما أشار إليه موقع “أكسيوس- “Axios الإخباري الأمريكي, ففي حين أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لم يرفض على الفور إمكانية التطبيع خلال الزيارة التي قام بها في نهاية سبتمبر المنصرم مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، ومع ذلك، قدم قائمة من الشروط المسبقة.
فمن ناحية، هناك مطلب تقليدي: ألا وهو إحراز تقدم بشأن القضية الإسرائيلية الفلسطينية، ومن ناحية أخرى إعادة تحسين العلاقات الأميركية السعودية التي تدهورت مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، لاستعادة مكانتها كحليف متميز في المنطقة.
تحت رئاسة دونالد ترامب، كانت جهود تل ابيب وواشنطن الرامية إلى تطبيع العلاقات بين المملكة الوهابية والدولة العبرية تبدو على المسار الصحيح, وفوجئ وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، بإعلانه في أكتوبر 2020 أن الرياض “كانت دائما تفكر في التطبيع”.
عقد اجتماع غير مسبوق في نوفمبر 2020 على أعلى مستوى في الدولة, حيث قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة سرية إلى المملكة العربية السعودية لعقد اجتماع مع ولي العهد بحضور مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك.
وقد عقد هذا الاجتماع بعد وقت قصير من توقيع اتفاقات إبراهيم التي كسرت المحرمات التطبيع بين البلدان العربية والدولة العبرية.
ومن المؤكد أن المملكة الوهابية أعطت الضوء الأخضر للمنامة ــ التي يعتمد أمنها بالكامل على الرياض ــ لتوقيع اتفاقيات إبراهيم إلى جانب أبو ظبي في 15 أكتوبر 2020.
ولكن بسبب مساحتها وهيكل قواتها وعدد سكانها، فضلا عن مكانتها داخل المجتمع الإسلامي في جميع أنحاء العالم، فإن المخاطر المترتبة بالنسبة للسعودية تختلف تماما عن تلك الخاصة بالبحرين أو الإمارات.
تريد أسرة آل سعود المالكة التي تحمل لقب الوصي على مكانين مقدسين في العالم الإسلامي مكة والمدينة، أن تكون زعيمة للمسلمين السُنّة في العالم.
الخط الرسمي الذي أمله الملك سلمان بشأن مسألة التطبيع والذي أعيد التأكيد عليه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر، يتبع الخطوط العريضة لخطة السلام التي بدأتها المملكة العربية السعودية وأقرتها قمة جامعة الدول العربية المنعقدة في بيروت في العام 2002.
وهذا يتطلب كشرط مسبق لأي تطبيع مع إسرائيل الانسحاب من هضبة الجولان والضفة الغربية وإقامة دولة فلسطينية وفقا لحدود العام 1967, عاصمتها القدس الشرقية.
يقول الباحث في معهد تشاتام هاوس، كريستيان كوتس أولريتشسن, إن “حياة الملك سلمان بأكملها كانت ملتزمة بالقضية الفلسطينية وينبغي أن تظل على حالها طالما كان قادرا على ممارسة سلطة صنع القرار في المملكة السعودية”.
ولكن هذا الموقف يمكن لولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن يغيره بعد اعتلاء العرش.
تأثير بايدن:
أدى وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض إلى تغيير معايير التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل, حيث أخذ الرئيس الديمقراطي الجانب المعاكس لسلفه الذي كان قد منح حلفائه المستبدين في الخليج، فقد أبدى رغبته في “إعادة تقييم” علاقته بالسعودية فيما يتصل بانتهاكاته لحقوق الإنسان.
ووفقا لوعود حملته الانتخابية، أصدر الرئيس جو بايدن تقريرا سريا ندد من خلاله صراحة بمسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن اغتيال الصحفي المعارض وكاتب العمود في صحيفة الواشنطن بوست جمال خاشقجي.
وفي وقت لاحق، أعلنت الإدارة الأمريكية عن إنهاء الدعم ومبيعات الأسلحة لدول التحالف العربي بقيادة الرياض في اليمن, والتي بدأت أولى عملياتها العسكرية في أواخر مارس من العام 2015, لدعم القوات الحكومية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي في حربها ضد الحوثيين الذين يتلقون الدعم من قبل نظام الحكم في إيران.
بيد أن الأصوات الحاسمة تندد بالآثار المعلنة، في ضوء عقد بيع الأسلحة والذي أعلن عنه في سبتمبر الماضي مع المملكة السعودية بقيمة بلغت 500 مليون دولار.
وقال عمر الرحمن، وهو باحث في مؤسسة بروكينغز في الدوحة “إن إعادة تقييم إدارة بايدن لم تعد ذات صلة بالموضوع، حيث تعطي السعودية سببا أقل للتحرك نحو التطبيع مع إسرائيل، مع علمها بأن جزءا كبيرا من دافعها هو تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة”.
وعلاوة على ذلك، إذا كان الرئيس جو بايدن مؤيداً لاتفاقيات جديدة لتطبيع “فمن غير المرجح أن يكون تعامله مثل دونالد ترامب، الأمر الذي يدفع المملكة العربية السعودية إلى الاستمرار في تبني نهج التريث والترقب”.
منذ الهجوم على منشآتها النفطية منتصف سبتمبر من العام 2019, والتي نُسبت إلى الحوثيين، شككت الرياض في موثوقية المظلة الأمنية لواشنطن، والتي لم تقم بالانتقام في ذلك الوقت.
في سياق إقليمي حيث يأمل بايدن في الاستمرار في السياسة الأميركية لفك الارتباط مع المنطقة التي بدأت في عهد باراك أوباما والعودة إلى الاتفاقية النووية الإيرانية الموقعة في العام 2015 في فيينا ــ والتي انسحب دونالد ترامب منها من جانب واحد في عام 2018 ــ تبنت الرياض لغة مع طهران لإيجاد أرضية مشتركة بشأن القضية اليمنية.
إن أولوية المملكة اليوم تتلخص في إيجاد مخرج من الحرب المكلفة التي تشنها في اليمن.
ومع أن الحل العسكري لا يبدو في الأفق، فإن ممثلي البلدين يجتمعون منذ بضعة أشهر، في اجتماعات سرية مرتبة في العاصمة العراقية بغداد بغية إيجاد حل دبلوماسي للخروج من هذه الأزمة.
السبب الرئيسي للتطبيع العلاقات مع الدولة العبرية هو توطيد جبهة مناهضة لإيران من أجل تحييد الأنشطة الإقليمية للجمهورية الإسلامية، وبالتالي يبدو أقل إلحاحا إذا تحقق تقارب مع طهران.
ومن ناحية أخرى، يقول أولريتشسن “إن العلاقات بين الرياض وتل أبيب آخذة في التطور على مستويات غير رسمية، كما كان الحال منذ سنوات عديدة”.
يقول عمر الرحمن إذا كانت الرياض على قائمة الدول التي استخدمت برنامج التجسس “بيغاسوس- Pegasus” الذي باعتها مجموعة “أن أس أو – “NSO Group الإسرائيلية – شركة تكنولوجيا إسرائيلية تركز في عملها على الاستخبارات الإلكترونية”، وذلك لأنها “تتعاون سراً مع إسرائيل في العديد من المجالات، بما في ذلك الأمن والاستخبارات”.
على وجه الخصوص، استخدمت الرياض برنامج “بيغاسوس” لمطاردة المعارضين السياسيين، كما استهدفت أقارب الصحفي جمال خاشقجي الذي اغتيل في القنصلية السعودية في اسطنبول مطلع أكتوبر من العام 2018.
وهناك أيضا روابط اقتصادية غير مباشرة بين البلدين، من خلال شركة سوفتبانك اليابانية لرأس المال الاستثماري.
استثمرت صناديق سيادية سعودية وإماراتية أموالاً هناك، وتستثمر الشركة من خلال صندوق منفصل في شركات التكنولوجيا المتقدمة في إسرائيل والتي تستفيد منها الرياض.
وبالإضافة إلى ذلك، تتيح اتفاقات أبراهيم بشكل غير مباشر لإسرائيل والمملكة العربية السعودية الفرصة لإجراء اتصالات اقتصادية عبر الإمارات العربية المتحدة, كما سمحت بفتح المجال الجوي السعودي والإسرائيلي للبلد الآخر.
ووفقا لما ذكرته صحيفة جيروساليم بوست, لأول مرة في التاريخ، ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، هبطت طائرة سعودية في مطار بن غوريون، وحلقت طائرة إسرائيلية في الاتجاه المعاكس للهبوط في الرياض.
أشارت دراسة أجراها معهد توني بلير للتغيير العالمي إلى أن الخطاب أصبح محايداً أو إيجابياً في الغالب في وسائل الإعلام السعودية، تجاه إسرائيل بين عامي 2019 و2020 ــ باستثناء أوقات الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية ــ, كما أصبحت العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية “أكثر انفتاحا وعلانية بصورة تدريجية، وإن كانت بعيدة عن العلاقات السياسية أو الدبلوماسية.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع