بقلم: بول خليفة

(موقع “ميدل ايست أي- Middle East Eye ” البريطاني – ترجمة: أسماء بجاش – الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

بعد أن وصف وزير الإعلام في حكومة نجيب ميقاتي الحرب في اليمن بأنها “عبثية”، وزير لبناني آخر، وهذه المرة وزير الخارجية، وجه انتقادات جديدة للرياض، التي تخفي غضبها من الدور المتنامي لحزب الله في لبنان وعلى الساحة الإقليمية.

من الواضح أن تشكيل نجيب ميقاتي للحكومة بعد ثلاثة عشر شهراً من الفراغ السياسي، لم يكن ليجلب للبنان سوى العثرات، التي عصفت بلبنان لمدة عامين (أزمات متتالية) أدت إلى ركوع البلد وإلقاء أكثر من 75% من السكان في براثن الفقر.

يعود أصل هذه الأزمة الجديدة التي تعصف بلبنان، عندما وصف وزير الإعلام جورج قرداحي الحرب في اليمن بأنها “عبثية” وأن الحوثيين “لا يهاجمون أحدا ولا يدافعون إلا عن أنفسهم ضد العدوان الخارجي”.

يرى العديد من المراقبين أن هذا الرأي، الذي تم التعبير عنه في 5 أغسطس المنصرم والذي بث عبر منبر قناة الجزيرة القطرية على الإنترنت قبل شهر من تشكيل الحكومة، ما هو إلا مجرد ذريعة.

سبق وأن استخدمت شخصيات قريبة من المملكة العربية السعودية، مثل الزعيم الدروزي وليد جنبلاط، نفس المصطلح عند الحديث عن الصراع الدائر في اليمن، ولكن دون أن يثير هذا التصريح غضب السلطات السعودية.

وكان للمسؤولين الأميركيين والأوروبيين والصحفيين من مختلف أنحاء العالم كلمات أشد قسوة من تلك التي صرح بها الوزير اللبناني دون إعادة صياغتها من قبل الزعماء السعوديين.

وبالرغم من إيضاحات رئيس الدولة ميشال عون ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي، التي تؤكد أن تصريحات وزير الأعلام جورج قرداحي لا تعكس الموقف الرسمي للبنان، بالإضافة إلى تغريدات الوزير بأنه لم يكن ينوي إيذاء السعودية، إلا أن جميعها لم تساعد على نزع فتيل الأزمة.

من جانبها، اعتبرت الرياض الوضع خطير بما يكفي لاستدعاء سفيرها لدى بيروت وطرد السفير اللبناني لدى المملكة، ولم تكتفي بهذا الحد بل عملت على تعليق جميع واردات المنتجات اللبنانية إليها.

وعلى نفس الخطى، تبنت ثلاث دول من دول مجلس التعاون الخليجي وهي: الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت تدابير دبلوماسية مماثلة من دون الذهاب إلى حد وقف التعاملات التجارية، في حين لم تتبع قطر وسلطنة عمان الموقف السعودي والخليجي.

خلف قرداحي، الرياض تستهدف حزب الله:

“إن التصعيد الوحشي الذي تشهده الرياض، إلى جانب الإجراءات الانتقامية الفورية للتصريحات التي أدلي بها شخص لم يشغل أي منصب رسمي [في ذلك الوقت]، هو حدث نادر الحدوث في سجلات العلاقات الدبلوماسية بين دولتين.

قال وزير الخارجية اللبناني السابق، لموقع ميدل ايست اي “إن رد الفعل السعودي غير متناسب”.

وبسرعة كبيرة، كشف القادة السعوديون عن هدفهم، حيث قال وزير الخارجية في مقابلة مع قناة “سي إن بي سي”  فيصل بن فرحان: “لقد توصلنا إلى نتيجة مفادها أن التعامل مع لبنان وحكومته الحالية ليس مثمراً ولا مفيداً بسبب استمرار هيمنة حزب الله على الساحة السياسية، وبالنسبة لنا، القضية أوسع من تعليقات وزير واحد، وهي مؤشر على الوضع الذي تقع فيه الدولة اللبنانية”.

التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى، فقبل أربعة أعوام من الآن، تم استدعى رئيس الوزراء اللبناني آنذاك سعد الحريري إلى الرياض، حيث تم اختطافه وإجباره على تقديم استقالته بأمر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وفي بيان تلاه بصوت مهتز ومتردد على قناة العربية التلفزيونية المملوكة للسعودية، اتهم الحريري حزب الله بالإرهاب وانتقد “تدخل إيران في الشؤون الداخلية اللبنانية”.

هذه الحقيقة من جديد، لا تخفى على احد، فقد تسبب سجن رئيس الوزراء في إثارة ضجة عارمة على مستوى العالم، وحتى أقرب حلفاء المملكة لم يكن بوسعهم تغطية مثل هذا العمل غير المسبوق في العلاقات بين الدولتين.

وبعد أسبوعين، تم إطلاق سراح رئيس الوزراء سعد الحريري، ولم يحقق ولي العهد السعودي أيا من مآربه.

قال وزير الخارجية اللبناني السابق: “الموقف السعودي اليوم سببه تقدم الحوثيين الذين أوشكوا على الاستيلاء على محافظة مأرب، وهذا من شأنه أن يشكل هزيمة كبيرة للقوات التي يدعمها التحالف بقيادة المملكة السعودية، وما زاد أيضاً من غضب صناع القرار السعودي رفض إيران الضغط على الحوثيين ونصح القادة في الرياض بالتحدث إليهم مباشرة”.

يتهم السعوديون إيران وحزب الله بدعم الحوثيين عسكرياً حيث ذكرت مصادر مطلعة في بيروت أن الحزب الشيعي اللبناني أرسل بالفعل مدربين إلى اليمن نقلوا تكنولوجيا الصواريخ والطائرات بدون طيار وساعدوا في تنظيم الحوثيين، ولهذا أصبح الحوثيون في وقت قصير قوة عسكرية هائلة.

السيناريو القطري المطبق في لبنان؟

وبعد مرور أربعة أعوام على حادثة خطف الحريري، ظل هدف السعودية على حاله: دفع لبنان الرسمي إلى التنصل من حزب الله، ولكن فقط الطريقة هي التي تغيرت.

واليوم، فإن سيناريو الاختناق الاقتصادي هو الذي يحظى بالامتياز، مثل السيناريو الذي تم استخدامه لمدة ثلاث سنوات ضد قطر.

يتساءل الصحفي سليم أسمر، في مقال نشره موقع “بوست 180-Post180” اللبناني على الإنترنت، عما إذا كان لدى لبنان الذي تعرض لواحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ العام 1850، يمتلك نفس الوسائل المالية التي تتمتع بها قطر لمقاومة عملية الاختناق الاقتصادي.

أعرب الوزير جورج قرداحي عن خشيته من الانتقام من 120 ألف لبناني يعيشون ويعملون في المملكة العربية السعودية.

ففي كل عام، ينقل هذا المجتمع ما بين 800 مليون دولار ومليار دولار إلى لبنان، فهذه التحويلات تعتبر بمثابة قارب نجاه يسمح لجزء من السكان بمقاومة آثار الأزمات المتعددة.

يشكو مروان وهو لبناني يعمل في الأشغال العامة والبناء في مدينة جدة السعودية، “نحن نعيش في خوف من الترحيل”.

إن الرياض تضع اللبنانيين أمام معادلة محفوفة بالمخاطر، في حين أن عزل حزب الله، وهو مكون سياسي أساسي موجود في البرلمان والحكومة، يتمتع بدعم شعبي واسع النطاق، يعتبر بمثابة أقصر طريق إلى اندلاع الحرب الأهلية.

ومن جانبه، تطوع سمير جعجع [زعيم الحزب المسيحي للقوات اللبنانية] للقيام بهذا العمل القذر، حيث سبق وأن رأينا نتيجة الأحداث المأساوية التي وقعت في 14 أكتوبر والتي أوشكت على إشعال النار في خطوط ترسيم الحدود القديمة”.

وفي تصريحات نسبتها إليه صحيفة عكاظ السعودية، نقل عن وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب قوله إن ” السعودية تفرض شروطاً مستحيلة بدعوتها الحكومة إلى تقليص دور حزب الله”.

ومن جانبه, نفى رئيس الدبلوماسية اللبنانية هذا البيان وأعلن أنه سيصدر بيانا توضيحيا، ولكن الصحيفة عادت مدعية أن لديها سجلات تثبت محتوى البيانات التي أوردتها.

تفيد مصادر مطلعة أن عبد الله بو حبيب أجرى بالفعل مناقشة بطريقة غير منظمة ومتقطعة مع مجموعة من الصحفيين أعرب خلالها عدم موافقته على التدابير السعودية والشكوك بشأن فرص نجاح عزل سياسة حزب الله.

المجتمع الغربي يدعم ميقاتي:

القادة اللبنانيون محاصرون بين المطرقة والسندان، حيث أن احتمال عزل جورج قرداحي يمكن أن يؤدي إلى سقوط حكومة ميقاتي.

إن القوى الغربية المعنية من جانب لبنان لا تريد هذا، لأن هذه الحكومة تضطلع بمهمتين أساسيتين: التفاوض مع صندوق النقد الدولي للتخفيف من آثار الانهيار الاقتصادي، وفي المقام الأول تنظيم الانتخابات العامة في نهاية مارس 2022.

ولكن بالنسبة للدول الغربية، فإن السبيل الوحيد لتغيير علاقة القوى السياسية التي أصبحت الآن لصالح حزب الله وحلفائه، هو انتزاع أغلبيتها من البرلمان.

نجيب ميقاتي حصل على دعم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلانكين، الذي أجتمع معه على هامش مؤتمر “جلاسكو لتغير المناخ- COP26” في بريطانيا.

هناك مؤشر على أن الأجندة السعودية والغربية يختلفان بشأن النهج المتبع إزاء الوضع في لبنان.

وبهذا الدعم، عاد رئيس الوزراء إلى لبنان لمحاولة إيجاد حل للأزمة التي تعصف بالبلد، إن جورج قرداحي الذي يتعرض لضغوط شديدة، لا يستبعد الاستقالة، حتى وإن كان شديد الحساسية لحملة الدعم التي كان هدفها الكرامة الوطنية والسيادة الوطنية التي تجاوزت حدود لبنان.

ولكن في مقابل المغادرة الطوعية، حيث يريد هو ومؤيديه السياسيين تطبيع العلاقات مع الرياض بالكامل وإلغاء جميع التدابير التي اتخذتها المملكة.

ومن جانبها، تريد السعودية أن تمهد استقالة قرداحي الطريق لمزيد من التنازلات في اتجاه إضعاف حزب الله.

على الرغم من أنه تمكن من إيجاد مخرج من الأزمة حول قضية قرداحي، إلا أن نجيب ميقاتي قد يواجه مشكلة جديدة بين يديه، بسبب التعليقات المنسوبة إلى وزير خارجيته.

فالشعب اللبناني يعاني من تراكم المشاكل التي يصعب حلها.

*   المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع