بقلم: ديفيد أوتاواي

(موقع “ميدل إيست آي” البريطاني- ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

قبل ثلاث سنوات من هذا الشهر، عانى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من السقوط المدمر من المكانة الدولية, حيث انكشف دوره في التفويض بقتل جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول ببطء أمام أعين العالم المصدومة.

كما جادل في كتاب جديد، محمد بن سلمان: إيكاروس السعودية، تضخم حجم سقوطه فقط من خلال الاستقبال الشبيه بالبطل الذي تلقاه في جولة استمرت ثلاثة أسابيع في الولايات المتحدة في مارس وأبريل 2018، وأذهل خلالها النخبة الحاكمة في المؤسسة السياسية والمالية الأمريكية، التي احتضنته في البداية بكل إخلاص.

منذ مقتل خاشقجي، سعى محمد بن سلمان بجد لإصلاح الضرر الذي لحق بسمعته من خلال محاولة جذب الشركات الغربية الخاصة للاستثمار في واحد أو آخر من “المشاريع الضخمة”، مثل مدينة نيوم التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، والتي تهدف إلى إعادة تشكيل المملكة إلى أمة حديثة للغاية.

كما سعى، على نحو متقطع إلى إخراج نفسه من العار الدولي من خلال عكس مسار السياسة الخارجية التي شابها تدفق مستمر من الكوارث التي جعلت مملكته أكثر عزلة من أي وقت مضى.

تحت حماية الملك سلمان، حقق ولده، ولي العهد البالغ من العمر 36 عاماً تقدماً ملحوظاً في تعزيز قاعدة سلطته داخل العائلة المالكة، ويبدو أنه يتمتع بشعبية حقيقية بين الشباب والنساء السعوديين.

أطلق العنان لثورة اجتماعية علمانية مميزة بفيض من العروض التي قدمتها الفرق الغربية والمغنيات وحتى عروض المصارعه.

وأنهى القبضة المحكمة للمؤسسة الوهابية شديدة المحافظة في المملكة على المجتمع السعودي.

كما أنه كان يبتعد عن نظام الوصاية، والذي بموجبه يتم خنق النساء السعوديات تحت وصاية أقاربهن وأزواجهن من الذكور.

حقائق صعبة

في الخارج، توقف محمد بن سلمان عن محاولة إملاء من يجب أن يكون رئيس وزراء لبنان، وأصبح أكثر جدية في السعي لتحقيق السلام في حرب اليمن التي استمرت ست سنوات.

كما أحرز تقدماً في الحد من طبيعته المتهورة، والتراجع عن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، على الرغم من ميوله الخاصة والضغط الهائل من إدارة ترامب الراحلة للقيام بذلك.

كما استسلم لبعض الحقائق الصعبة على الأرض، مثل قطر الصغيرة، الدولة المجاورة الغنية بالغاز، حيث فشل في ارغامها على الخضوع لحصار بري وبحري وجوي بهدف إجبارها على الاصطفاف خلف السياسات الخارجية السعودية.

في يناير، رفع محمد بن سلمان الحصار، وحاول منذ ذلك الحين تعديل الأمر مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي سعى للإطاحة به لعدة سنوات.

ومع ذلك، يواصل محمد بن سلمان رسم مسار نحو دكتاتورية دولة بوليسية ذات نطاق وشراسة غير مسبوقين.

لم يقم بإسكات رجال دينه الوهابيين فحسب، بل قام بإسكات كل شخص ينتقده أو ينتقد سياساته بشكل طفيف، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي.

أحدث مثال على ذلك هو الحكم غير العادي بالسجن لمدة 20 عاماً الذي أصدرته محكمة مكافحة الإرهاب التابعة للدولة والذي أيدته مؤخراً في الاستئناف ضد عبد الرحمن السدحان، وهو عامل إغاثة إنسانية, كما أثار موجة من السخرية بشأن الاقتصاد على تويتر، مما أثار حفيظة محمد بن سلمان.

في الخارج، رأى محمد بن سلمان أن التدخل السعودي في اليمن أدى إلى انتكاسات متعددة. يبدو أن هناك فرصة ضئيلة لأن تستعيد الحكومة اليمنية الدولية المدعومة من السعودية السيطرة على العاصمة، أو الشمال بأكمله، من الحوثيين المدعومين من إيران. أهم حليف لها، أما الإمارات، لم تنسحب فقط من التحالف الذي تقوده السعودية. بل وأقدمت على دعم حركة انفصالية في جنوب اليمن.

كان التحالف الأمني المحلي الأساسي للمملكة هو مجلس التعاون الخليجي، الذي يتألف من دول الخليج العربية الست.

لكن لم يعد من الممكن وصفها بأنها “بقيادة السعودية”، الآن بعد أن اختارت كلاً من الإمارات الكويت وعمان وقطر في السير على نهجها الخاص، لا تزال البحرين وحدها خاضعة للإملاءات السعودية.

حتى أن الإمارات تحدت مؤخراً القيادة السعودية لمنظمة البلدان المصدرة للبترول، ودفعت من أجل حصص إنتاج أعلى مما اقترحته المملكة.

طموحات إيران النووية

الآن، أعلن محمد بن سلمان عن نيته إزاحة الإمارات عن مكانتها كمقر إقليمي للشركات الأجنبية.

أخبرهم أنهم إذا كانوا يريدون حصة من عشرات المليارات من الدولارات في الأعمال السنوية مع الحكومة السعودية، فسيتعين عليهم إنشاء قاعدة عملياتهم في المملكة.

هذا تحدٍ مباشر لدبي وأبو ظبي، المدينتان الرئيسيتان في الإمارات حيث جذبت سهولة المعيشة معظم الشركات الأجنبية لتأسيس مقارها الرئيسية هناك.

لا تزال علاقة محمد بن سلمان المتوترة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن أكثر أهمية، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة – بدءاً من مقتل خاشقجي.

لم يفِ بايدن بوعده في حملته الانتخابية بجعل محمد بن سلمان “منبوذاً”، لكنه منعه من زيارة البيت الأبيض ولم يكلف نفسه عناء تعيين سفير للولايات المتحدة في الرياض.

كما علق بيع الأسلحة الأمريكية “الهجومية” للسعودية، على الأقل حتى تجد طريقة لإنهاء تورطها في حرب اليمن.

من المفترض أن يعني هذا أن إدارة بايدن لن تبيع للمملكة الطائرة الحربية الأمريكية الأكثر حداثة، وهي 35-F، والتي سمحت بالفعل للإمارات بشرائها.

يمكن لمحمد بن سلمان أن يختار بدلاً من ذلك شراء الطائرات المنافسة لروسيا، Su-35، أو نظام الدفاع الجوي الروسي S-400, لكن هذا يمكن أن يؤدي إلى فساد دائم في العلاقات الأمريكية السعودية، وحتى عقوبات، إذا تم تطبيق قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات.

من جانب آخر، تلوح إيران في الأفق كقضية أخرى من المحتمل أن تكون مثيرة للخلاف في العلاقات بين محمد بن سلمان وبايدن.

قد تتوصل إدارة بايدن إلى اتفاق يعيد مشاركة كل من الولايات المتحدة وإيران في الاتفاق النووي لعام 2015 الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب.

في هذه الحالة، ستحل الصين وتايوان محل إيران كنقطة تركيز رئيسية لها، ومن المرجح أن يتسارع “التحول بعيداً عن الشرق الأوسط”، وهو ما تخشاه الرياض كثيراً.

إذا لم يكن هناك اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران – وهي نتيجة تفضل كل من إسرائيل والسعودية بشدة منع “محور بايدن في آسيا” – فإن الأحداث على الأرض قد تدفع بايدن المتردد ومحمد بن سلمان القلق نحو القيام بأعمال تجارية معاً مرة أخرى.

أعلن بايدن أن القنبلة النووية الإيرانية هي خط أحمر، وإسرائيل تضغط عليه بالفعل لوضع “خطة بديلة” لعمل عسكري لمنع طهران من تجاوزها.

يدرك ولي العهد السعودي تماماً الأولوية الآسيوية لبايدن، وبحثه عن انفراج نووي مع إيران ونفور شديد تجاهه بسبب مقتل خاشقجي.

إنه يواجه الآن مهمة شاقة تتمثل في الاضطرار إلى رسم مسار جديد في العلاقة الأمريكية السعودية التي استمرت 75 عاماً والتي تتلاشى فيها الولايات المتحدة باعتبارها حجر الزاوية لأمن المملكة.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع