بعد الانسحاب الفوضوي من كابول، يسعى بايدن إلى الدبلوماسية مع الأصدقاء والأعداء على حدٍ سواء في المنطقة

بقلم: راغدة درغام*

( صحيفة: ذا نشونال بالانجليزية، أبو ظبي – ترجمة: انيسة معيض – الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

يبدو أن إدارة بايدن تشق طريقاً جديداً في الشرق الأوسط في وقت تضررت فيه مصداقيتها بسبب الانسحاب الفوضوي للقوات التي تقودها الولايات المتحدة من أفغانستان في أغسطس.

ألقى مسؤولون عسكريون أمريكيون باللوم على الإدارة في جلسات الاستماع الأخيرة للكونجرس في الفوضى في أفغانستان. دعا زعماء المعارضة في الحزب الجمهوري إلى استقالة الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنطوني بلينكين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان. تزامن كل هذا مع زيارة السيد سوليفان للمنطقة الأسبوع الماضي لمناقشة طبيعة العلاقات الاستراتيجية للولايات المتحدة مع الدول العربية، حتى مع استمرار واشنطن في إعادة التفاوض مع إيران بشأن الاتفاق النووي لعام 2015.

والآن، على ما يبدو، بدأ موسم جديد من المساومة وابرام الصفقات.

خلال زيارته، نقل السيد سوليفان بشكل أساسي إلى قادة المنطقة رغبة السيد بايدن في مراجعة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في ضوء تطورين رئيسيين: تخفيض القوات الأمريكية في المنطقة، والإحياء المتوقع لخطة العمل الشاملة المشتركة – ما يسمى بصفة اصلية الاتفاق النووي مع إيران – يليه إنهاء نظام العقوبات الأمريكية ضد طهران.

تسعى إدارة بايدن إلى تحويل دور الولايات المتحدة في المنطقة من “الصديق الأكبر” العسكري إلى دور “الشريك الدبلوماسي” في القضايا الرئيسية، بما في ذلك الأمن بمعناه الأوسع. كما يتطلع بايدن إلى تلميع صورته – وصورة أمريكا – بعد الانسحاب من أفغانستان. وبدأ العمل الجاد للكشف عن خارطة طريق لتحقيق هذه الغاية في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع – في الوقت المناسب لقمة مجموعة العشرين في روما في وقت لاحق من هذا الشهر.

لا تسعى إدارة بايدن إلى بناء تحالفات ضد إيران ومشاريعها الإقليمية. إنها فقط مهتمة بوضع بعض الخطوط الحمراء. إنها ليست مهتمة بوقف التوسع الإيراني ولكن ببساطة الحد منه. إنه تأييد للموقف الأوروبي تجاه إيران الذي، كما كتبت في عمودي السابق، يقوم على إقناع النظام بالامتناع عن دعم الإرهاب أو التصرف بطرق قد تؤدي إلى موجات لاجئين نحو أوروبا.

وبالفعل، فإن الولايات المتحدة تتبع خطوات حلفائها الأوروبيين، وهي تقترب من طهران بسياسة التعايش السلمي وعدم التدخل في سياساتها التوسعية – طالما أن هناك ثلاثة شروط: أمن إسرائيل، وحرية الملاحة الخاصة بها، ونزع السلاح النووي في إيران.

لطالما كانت العلاقة الأوروبية مع إيران مميزة، لاسيما عندما تقوم ألمانيا بتشكيلها وتقودها مع بقاء المستشارة أنجيلا ميركل في منصبها حتى نهاية العام، وتعتقد إدارة بايدن أن هناك فرصة لتعزيز هذا النهج الجديد تجاه العلاقات الأمريكية الأوروبية الإيرانية.

بالنسبة لفريق بايدن، تعتبر العلاقات الإيجابية مع أوروبا من أولويات السياسة الخارجية. إن استرضاء الأوروبيين أمر بالغ الأهمية، خاصة وأنه سيكون لهم دور حاسم في نهج الولايات المتحدة تجاه الصين الصاعدة في السنوات القادمة.

قد يبدأ التواصل الدبلوماسي الأمريكي في الشرق الأوسط بالصراع في اليمن. وفي الواقع، لم يكن من قبيل المصادفة أن يرافق السيد سوليفان إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي  المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ.

قد يكون إنهاء الحرب في ذلك البلد جزءا من صفقة كبيرة، إذا تمكنت الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا من إجبار إيران على وقف أنشطتها التطفلية هناك. والرياض حريصة على انتهاء الحرب في اليمن المجاور وتحتاج إلى دعم أميركي وروسي وأوروبي وكذا دعم من الأمم المتحدة. ومع ذلك، تحتاج لتعاون ايران التي تقوم بدعم الحوثيين.

حتى الآن، من غير الواضح ما إذا كان الاتفاق في طور الإعداد. لكن يُعتقد أن روسيا ستقوم بدور الوسيط. وفي غضون ذلك، ورد أن موسكو تجري محادثات للسماح لواشنطن باستخدام قواعدها العسكرية في آسيا الوسطى حتى تتمكن الأخيرة من ضرب أهداف إرهابية في أفغانستان التي تحكمها طالبان؛ مقابل كل هذا، يسعى الروس للحصول على اعتراف أمريكي بنظام الأسد في سوريا.

وهل الخطة الأمريكية الجديدة القائمة على الدبلوماسية المجردة من المواجهة العسكرية هي السبيل لاحتواء الحروب الكبرى في المنطقة وتوجيهها نحو التطبيع؟ أم أن جهل واشنطن بالتعصب الإيراني الذي طال أمده سيحبط محاولاتها لتشكيل مصداقية جديدة؟

سوف نكتشف ذلك قريبا.

* راغدة درغام هي المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمعهد بيروت وكاتبة عمود في صحيفة ذا ناشونال

*  المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع