بقلم: وليد شرارة

( موقع “ندارينفو- ndarinfo” السنغالي، الناطق باللغة الفرنسي- ترجمة: أسماء بجاش – الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

على الرغم من التصريحات التي أدلى بها خلال حملته الرئاسية، لم يغير جو بايدن من سياسته تجاه المملكة العربية السعودية، أو حتى مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في حرب اليمن.

إن ثقل المجمع العسكري الصناعي وكذلك تأثير ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على السلطة، جميعها عقبات أمام استعراض العلاقات مع الرياض.

ومما لا شك فيه أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بمثابة حليف مقلق ومحرج لإدارة الرئيس جو بايدن.

بطبيعة الحال، لم يهاجم الرئيس الأميركي ولي عهد السعودية وزعيمها الفعلي بصورة شخصية، كما فعل مع نظيره الروسي، حيث أطلق عليه لقب “قاتل”.

ولكن خلال حملته الانتخابية، اتهم الرئيس جو بايدن الحكومة السعودية بالتصرف مثل “دولة مارقة”.

وفي ذلك الوقت، كان الأمل يبعث على أن الإدارة الأمريكية الجديدة سوف “تعاقب” الأمير المتعطش للدماء، وأن تتدخل بطرق مختلفة لعزله والحد من سلطته، وربما تعمل على تغييره عندما يحين الوقت.

لا يزال البعض يرى أن هذه المهمة مدرجة على جدول أعمال رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، حتى ولو تم تأجيلها.

ولكن خيبة الأمل الأولى جاءت حين لم يسفر الاتهام الذي وجهته أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى ولي العهد السعودي بالمسؤولية المباشرة عن القتل الوحشي للصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في مبنى القنصلية السعودية في مدينة اسطنبول التركية مطلع اكتوبر من العام 2018، عن أي تحرك من جانب إدارة بايدن.

لقد تزايدت خيبة الأمل بسبب التقارير التي تفيد بأن الولايات المتحدة الأمريكية استمرت في لعب دور رئيسي في إدارة الحرب في اليمن في الأسابيع الأخيرة، وبشكل مفاجئ عملت على تشديد قبضتها على جماعة أنصار الله (الحوثيين).

وعلى الرغم من إزالة الإدارة الجديدة اسم الحركة من قائمة المنظمات الإرهابية، فإن الولايات المتحدة لم تتمكن من السيطرة على هذه الحركة.

وهذا يتناقض مع آمال واشنطن في إنهاء الحرب في اليمن بسرعة، والاستجابة للمطالب الإنسانية لليمنيين.

كما تجاهلت التحليلات “المتفائلة” مجموعة من الاعتبارات الهيكلية والظرفية التي تحكم العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، فضلا عن قوة التحالف بين الطرفين.

والجدير بالذكر أن الثقل الحاسم للعصابات التي تبيع الأسلحة في عملية صياغة السياسة الخارجية لواشنطن تجاه زعماء الرياض، والخوف من تعطيل التوازنات الداخلية لحليف يخضع لسيطرة مجموعة الأمير محمد بن سلمان.

كل هذا في سياق دولي تتسارع فيه التغيرات في توازن القوى، حيث يتسلل النفوذ الصيني والروسي إلى مناطق النفوذ الأميركي “الحصري”.

كارتل الأسلحة عبر الحزبية:

وطبقاً للتقرير الأخير الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لدراسات السلام في 15 مارس 2021، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تظل على رأس قائمة مصدري الأسلحة بالنسبة  37% من إجمالي الصادرات العالمية، في حين تساهم روسيا بنسبة 20% ، و8.2% لفرنسا ، و5.2% للصين.

كانت المملكة السعودية واحدة من أكبر الدول المستوردة للأسلحة الأمريكية منذ عقود.

ووفقاً لنفس التقرير، فقد كانت الرياض صاحبة نصيب الاسد من مبيعات الأسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 2016 و2020، حيث مثلت 24% من إجمالي صادرات واشنطن.

وقد يعزو البعض “القفزة النوعية” في المشتريات السعودية إلى الرغبة، تحت قيادة دونالد ترامب، في تعزيز الروابط مع الرئيس الأميركي، ولكن الشركات الأميركية التي تنتج هذه الأسلحة ليست ملك للرئيس ترامب.

وهو العنصر الأكثر أهمية في ميثاق مبيعات الأسلحة التي تشكل مع الجيش الأميركي المجمع العسكري الصناعي، وهو أحد العناصر المركزية في الدولة الأميركية العميقة.

ويرتبط هذا الميثاق ارتباطا عضويا بالحزبين الديمقراطي والجمهوري، وكذلك بالشخصيات الرئيسية في إدارة بايدن.

في مقال بعنوان “التأثير القوي للمجمع العسكري الصناعي على سياسة بايدن الخارجية” نشر على موقع ” تروثوت-  “Truthoutالأمريكي، تحدث جوناثان كينج وريتشارد كروشنيك عن الروابط الحميمة بين فريق بايدن والمجمع: وزير الخارجية أنتوني بلكين كان مساعد وزير ومستشار الأمن القومي في ظل إدارة الرئيس بارك أوباما، فقد كان مؤيد للحرب في العراق، كما سلك طريق متشددا ضد الصين.

بعد انتهاء فترتي ولاية الرئيس أوباما، قاد بلكين شركة تقدم المشورة لأكبر شركات الأسلحة، إلى جانب ميشيل فلورونوا، مساعد وزير الدفاع في إدارة الرئيس أوباما، وأفريل هاينز، المدير الحالي للاستخبارات الوطنية.

تنفق مجموعات بيع الأسلحة مبالغ ضخمة لتمويل جماعات الضغط في الكونغرس، كما تساهم في الحملات الانتخابية للمرشحين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وذلك مقابل دعمها لزيادة الميزانية العسكرية الأميركية.

وطبقاً لتقرير اللجنة الانتخابية الفيدرالية، فقد خصصت شركات مثل رايثيون، والولايات المتحدة للتكنولوجيا ولوكهيد مارتن 127 مليون دولار أميركي أي ما يعادل 106 ملايين يورو سنوياً على مدى الأعوام الاثني عشر الماضية لتمويل جماعات الضغط التي تعمل لصالحها في الكونجرس.

يضيف كينغ وكروشنيك أن “أعضاء الكونغرس وأعضاء مجلس الشيوخ يعرفون أن المناصب المربحة في صناعة الدفاع تنتظرهم عندما يتقاعدون كمشرعين”.

يقدر مشروع الرقابة الحكومية أنه في العام 2018، تم توظيف 645 من كبار المسؤولين – في المقام الأول من البنتاغون والجيش والكابيتول – من قبل واحد من أكبر 20 مقاول دفاعي.

إن قطاع صناعات الأسلحة هي أحد أهم قطاعات الاقتصاد الأمريكي، كما إن تداخل مصالح أعضاء المؤسسات الرسمية مع مصالح المؤسسات العسكرية المعقدة، والروابط التاريخية القوية بين هذه الأخيرة وصناع القرار في السعودية – أحد أفضل عملائها – كلها عوامل هيكلية حاسمة لجميع الولايات القضائية في البيت الأبيض، ناهيك عن الروابط الوثيقة لبعض رموزها مع هذا المجمع.

ومن جانبها، لم يتردد الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة الأمريكية مثل تركيا في شراء النظام S-400 المضاد للطائرات من روسيا.

وهناك شركاء أحدث عهدا، مثل الهند، بصدد السير على خطى الاتراك، صحيح أن السيادة السعودية في وضع أضعف من هذين البلدين إزاء واشنطن.

ولكن الضغوط التي مورست ومحاولة تهميش ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يسيطر على السلطة من الممكن أن تدفع الأمير، ذو الطابع العنيد، إلى إقامة شراكات أوثق مع المنافسين الدوليين لأميركا “موسكو وبكين”اللتين تتمنيان ذلك.

البحث عن الشرعية المحلية:

نجح الأمير محمد بن سلمان في انقلاب بحكم الأمر الواقع، والذي من خلاله تمكن من فصل جميع منافسيه بين أمراء الأسرة الحاكمة وتغيير طبيعة حكمة من نظام متعدد الأقطاب مع العديد من مراكز السلطة إلى نظام مركزي هرمي وموجه بواسطة يد حديدية.

إن جميع سياساته العدوانية والمتهورة، مثل الحرب في اليمن والتصعيد ضد الدول المجاورة في المنطقة، كانت تهدف في المقام الأول إلى الحصول على الشرعية الوطنية في الداخل تمهيدا للاستيلاء على السلطة، ثم احتكارها بالكامل.

سياسات الانفتاح على الداخل والمشاريع الفرعونية، مثل مشروع نيوم:

فهو، على سبيل المثال، جزء من نفس الإطار، أي توسيع قاعدته الداخلية, ففي مقال نُشر على موقع “ريسبونسيبول ستيت كرافت- Responsible Statecraft الأمريكي”، تعتقد أنيل شلين، وهي خبيرة في شأن دول الخليج، أن طموحات الأمر محمد بن سلمان الاقتصادية تشجعه على الرغبة في المنافسة، ثم ليحل محل الإمارات العربية المتحدة كمركز اقتصادي للمرور والنقل والسياحة.

وهذا يفسر جزئياً تزايد المسافة بين الرياض وأبو ظبي وحتى رغبته في تطبيع العلاقات مع إيران أو بحثه البطيء للغاية عن مخرج من الحرب في اليمن لا يمكن فصله عن عمله لتوطيد سلطته.

إن السعي إلى الحصول على الدعم من السعوديين، بل وتحديدهم مع “مشروع التحديث” داخل البلد، كلها طرق للاحتفاظ بالسلطة, ولكن العامل الحاسم والمركزي بالنسبة له يتمثل أولاً في فرض سيطرة لا تشوبها شائبة على أجهزة الأمن والجيش، ثم الكشف عن المتآمرين والتخلص منهم أو أولئك الذين يشتبه في كونهم كذلك.

وبالتالي، فإن محاولة تهميش أو استبعاد نظام إدارة ولي العهد ليست بالمهمة السهلة بالنسبة لواشنطن، وخاصة في ظل ميل الولايات المتحدة الأمريكية التدريجي إلى التركيز على المواجهة مع الصين.

وفي المقابل, لن  تدخر موسكو أي جهد لاستغلال أي أزمة في العلاقات السعودية الأمريكية لإقامة شراكات في مختلف المجالات مع الرياض.

لذا فمن المرجح أن تستمر واشنطن في التعامل مع الأمير محمد بن سلمان، وفقاً للصيغة التاريخية المعروفة التي تلخص علاقات الولايات المتحدة مع حلفائه الجنوبيين: “إنهم أعداء وفي نفس الوقت أعداء لنا!”

*  المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع