السياسية:
بقلم: فرات العاني*

باريس, 28 سبتمبر 2021 ( صحيفة “لاكبرس -lexpress” الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش- الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

قبل عشرون عاما، في سبتمبر من العام 2001، قام 15 من أصل 19 إرهابيا بهجمات إرهابية استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية يحملون الجنسية السعودية، حيث كان هذا الأمر بمثابة زلزال للمملكة النفطية وعلاقتها مع أمريكا.

الحلقة الثالثة والأخيرة من روايتنا التي تسرد في طياتها عشرين عاما عن التطور القسري من أسامة بن لادن إلى الأمير محمد بن سلمان.

هذا هو الصعود الأكثر إثارة للجدل في تاريخ المملكة السعودية، ذلك الأمير الشاب، الذي لا يزال غير معروف والذي سعى للانتقام من محمد بن نايف، الرجل القوي في البلد.

بدء ذلك مع اعتلاء سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة العربية السعودية في 23 يناير 2015، حيث يعلم الحاكم الجديد أن ابنه المفضل، محمد، لا يزال صغيراً جداً وغير متمرس لشغل مثل هذا المنصب، ولكن تنصيبه على حقيبة وزارة الدفاع، بالرغم من كونه لا يكمل العقد الثالث من عمره.

محمد بن نايف، أحد أبناء أخوة الملك، شغل منصب وزير الداخلية لمدة ثلاث سنوات، ومن خلال ذلك المنصب اكتسب الشهرة والشعبية.

ومن جانبه، لم يكن لدى الملك سلمان خيار سوى تسمية هذا البطل الوطني لشغل منصب ولي العهد.

بدأ ولي العهد الأمير محمد بن نايف يستطعم ذروة حياته المهنية ولذة السلطة العليا، ومع ذلك، لم يسر أي شيء كما هو مخطط له.

نظام الخلافة في السعودية هو نظام أديلفي: فالإخوان هم من يرثون التاج الملكي.

في العام 2006، أراد سلف الملك سلمان، الملك عبد الله، تحسين هذا النظام من خلال إنشاء “لجنة البيعة” التي تصادق على تعيين ولي العهد، تجنباً للحروب بين مختلف العشائر.

ومن الناحية النظرية، يمكن أن يطالب 200 فرد من الأسرة المالكة بهذا اللقب، مما يجعل من الممكن أن يحكم مصير المملكة.

ويجب على لجنة البيعة، المؤلفة من 35 أميراً، أن تعين “الأنسب للحكم”، هذا هو بالفعل، في حين يُعد هذا الأمر للعديد من المراقبين قوقعة فارغة.

ترى ياسمين فاروق، الباحثة والمتخصصة من المملكة العربية السعودية في معهد كارنيجي في واشنطن، أنه من الصعب معرفة ما يجري داخل العائلة المالكة، نظراً لمدى الغموض الذي يكتنفها، حيث يبدو أن لجنة البيعة هذه هي مرحلة طمأنة للجمهور، أو حتى إخفاء أي مخالفة.

كن سلطوياً وحديثاً، استراتيجية محمد بن سلمان:

في الفترة بين عامي 2015 و 2017، ارتفعت حدة التوتر بين الأمير محمد بن نايف، ابن شقيق الملك وولي العهد, وبين الأمير محمد بن سلمان، ابن الملك ووزير الدفاع، حيث اتسعت رقعت الصراع الداخلي الذي امتد إلى أروقة إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومن هنا كانت بداية ظهور نجم الأمير الشاب.

فالأمير الشاب يندفع بطموح كبير في مملكة عادة ما تكون حكيمة في توجهاتها ومترددة في المجازفة على الصعيد الدولي.

إن ابن الملك يبحث عن سمعة قوية ضد منافسه، وهو بطل قومي على العرش بالفعل، حيث اعتمد بن سلمان على استراتيجية: التعامل مع كل من السلطوية والحداثة.

مع تربعه على عرش وزارة الدفاع، أظهر الوزير الشاب شخصيته العدائية والقتالية ودون إبلاغ ابن عمه الأمير محمد بن نايف، الذي كان وزير الداخلية، وحتى ضد مشورة الإدارة الأمريكية؛ اختار الامير بن سلمان شن الحرب على اليمن وتعذب البلد المجاورة التي تصطلي بنيران الحرب الأهلية الدائرة بين الحركة الحوثية التي تتلقى الدعم من قبل نظام الحكم في إيران والحكومة اليمنية التي تلقت الدعم بدورها من قبل دول الخليج.

وفي الوقت نفسه، تشدق الأمير محمد بن سلمان بضرورة العمل على الاصلاحات الاجتماعية واسعة النطاق في المملكة، مثل الحق في قيادة المرأة للسيارة.

ولكن من الخطأ أن نقول إن القوة الحالية بدأت من بعيد، كما يقول كوينتين دي بيمودان، المتخصص في شؤون دول الخليج في معهد البحوث للدراسات الأوروبية والأميركية (RIEAS)، فهو في الواقع يواصل ويعمق العمل الذي بدأه الملك عبد الله سابقا “.

وعلى الساحة الدولية، فإن هذه الإصلاحات الاجتماعية تشكل الأساس لشرعية بن سلمان التي حظيت باهتمام في فرنسا والولايات المتحدة، لكن الحرب في اليمن واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في عصرنا التي تلاحقه.

وعلى الصعيد الداخلي، يسعى الأمير بن سلمان على الحصول على الدعم، ولكن ولي العهد الأمير محمد بن نايف غير مهتم بهذه الحرب، فهو منهك، غائب وخامل، وهكذا انتهز بن سلمان الفرصة للاستيلاء على السلطة.

وفي يونيو من العام 2017، قام الأمير وولي العهد محمد بن نايف بتمديد اجازته التي اختار الجزائر لتمضيتها، حيث غض الطرف عن واجباته الدبلوماسية.

وعند عودته، شهد قدوم بن سلمان الذي أصبح ولي العهد, الملك سلمان يوافق على جميع الأحداث، حيث لن يكون هناك حتى اجتماع وجها لوجه، ولن تجتمع لجنة البيعة، فقط بمكالمة هاتفية، ثم خبر تم بثه تلفزيونياً، وعلى غرار ذلك رحل ولي العهد الأمير محمد بن نايف.

وهكذا تمكن ولي العهد الجديد، محمد بن سلمان، أصبح لولي العهد محمد بن سلمان مطلق الحرية في حكم المملكة كيفما يشاء.

قمع لا هوادة فيه للرجل القدير الجديد:

يرى كوينتين دي بيمودان: “أنه من الواضح أن الملك سلمان غير قواعد اللعبة عن طريق تربية ابنه، وبالتالي فرض عشيرته وتحرر من مجلس البيعة.

كما ترى ياسمين فاروق هذا المقطع المعمول به للملك سلمان على أنه لا يرضي الجميع في المملكة “لا تصبح ولياً للعهد بدون شرعية في المملكة العربية السعودية، هذا الانقلاب ليس جزءاً من تقاليد المملكة، ومحمد بن سلمان ليس محبوباً كما يبدو”.

ومن المؤكد أن الأمير محمد بن سلمان على علم بالاحتجاجات الداخلية، حيث يعمل على تنفيذ قمع صارم ضد أي شكل من أشكال المعارضة، بدءاً من أسرتها.

ففي نوفمبر من العام 2017, تحت ذريعة مكافحة الفساد، أمر الأمير محمد بن سلمان باعتقال حوالي ثلاثين أميراً، بما فيهم الأمير الشهير الوليد بن طلال، حيث سجنوا في فندق ريتز كارلتون في الرياض، السجن الذهبي الملكي كما يبدو.

القرار الثاني الذي لم يسبق له مثيل والذي يتعلق بدولة قطر: فمع مصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين، تعمل الحكومة السعودية على تنظيم حصار لإمارة الغاز اعتباراً من يونيو 2017، وإغلاق حدودها ومساحتها الجوية، باختصار محمد بن سلمان يقود “الحرب الباردة” في الخليج.

قضية خاشقجي وصمة عار لا تنسى:

تتويج حملة القمع وتكميم الأفواه التي يقودها ولي العهد السعودي في أكتوبر 2018 في مدينة إسطنبول، داخل مبنى القنصلية السعودية، يتم اغتيال كاتب عمود لصحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي، وهو معارض شرس للأمير وولي العهد السعودي، حيث تم تقطيعه من قبل الكوماندو السعودي.

ومن جانبها، تعين وكالة المخابرات المركزية ولي العهد كمحرض رئيسي على عملية الاغتيال، ولكن الأخير يتلقى الدعم الضمني من الرئيس دونالد ترامب.

إذا كان الاغتيال الرهيب لجمال خاشقجي هز العالم كله، وصولاً إلى أروقة العائلة المالكة السعودية، فإن الأمير محمد بن سلمان لا يزال واقفاً، ومن المقرر أن يصبح ملك المملكة السعودية، كما سيواصل عمليات القمع الداخلي وينفذ خطته “رؤية 2030” الرامية إلى تحديث البلد وتصور حقبة ما بعد النفط.

شدد كوينتن دي بيمودان على “أنه من المؤكد أن حدث اغتيال خاشقجي أعاقه عمل الأمير محمد بن سلمان كثيراً على الصعيد الدولي وخاصة بين صانعي القرار الأمريكيين، وعلى وجه الخصوص الديمقراطيين في الكونغرس، بيد أن هذا الأخير، ولاسيما بايدن، قد بين أنه لا ينوي أن يفعل ذلك بدون السعودية على الإطلاق، وأنه سوف يتعامل مع الأمر إذا كان محمد بن سلمان هو صاحب السيادة التالي.

*فرات العاني: صحفي متخصص في شؤون منطقة الشرق الأوسط وحائز على جائزة ألبير لوندر عن عطر العراق الصادر عن دار “آرت – “Arte للنشر عام 2018.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع