بقلم: فرات العاني*

( صحيفة “لاكبرس -lexpress” الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

قبل عشرون عاما، في سبتمبر من العام 2001، كان 15 من أصل 19 إرهابيا ضربوا الولايات المتحدة الأمريكية يحملون الجنسية السعودية، حيث كان هذا الأمر بمثابة زلزال للمملكة النفطية وعلاقتها مع أمريكا.

الحلقة الثانية من روايتنا التي تسرد في طياتها عشرين عاما عن التطور القسري من أسامة بن لادن إلى الأمير محمد بن سلمان.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية، كان العام 2003 بمثابة عاماً محورياً، ففي 14 فبراير، دعا أسامة بن لادن لشن هجوم على المملكة التي وصفها بأنها “متعاونة” مع الأمريكيين، وهكذا شن الملياردير الإرهابي حملة عنف منظمه  نظمها تنظيم “القاعدة”.

وبعد ذلك بشهرين، شن 9 مسلحون وانتحاريون بأربع سيارات مفخخة ثلاثة مجمعات سكنية في وقت متزامن هجوم ثلاثي على مجمعات سكنية شرق مدينة الرياض.

كانت تلك التفجيرات قوية لدرجة أن صداها وصل إلى البحرين… حيث لم تشهد المملكة قط عنفا بهذه الضخامة أو المدة في تاريخها المعاصر، منذ الهجوم الذي شنه مجموعة من المتعصبين الذين تمكنوا من الاستيلاء على الحرم المكي في العام 1979.

استمرت الهجمات داخل المملكة العربية السعودية لمدة أشهر، ثم ظهر رجل على الساحة الأمنية السعودية: الأمير محمد بن نايف.

وزير سعودي تدرب على يد مكتب التحقيقات الفدرالي:

ابن وزير الداخلية السابق في المملكة، الأمير نايف بن عبد العزيز، الموالي للولايات المتحدة الأمريكية، على عكس والده.

قبل توليه زمام الأمور في المملكة، تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، في ولاية أوريغون، ثم تلقى تدريبا على مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي واسكتلندا يارد.

وبالعودة إلى أرضه في العام 2003، سار بن نايف على خطى والده وتولى مسؤولية مكافحة الإرهاب.

ومن جانبه، لم يعر بن لادن أي شيء اهتمامه، سوى فكرة واحدة: ألا وهي زعزعة استقرار المملكة، إن لم يكن إسقاطها.

ويقول دانيال بيمان، المتخصص في شؤون منطقة الشرق الأوسط في مؤسسة بروكينغز: “منذ العام 2003، ظلت السعودية حبيسة معركة قاتلة ضد تنظيم القاعدة”.

ونتيجة لذلك، اضطر النظام السعودي إلى تعزيز تعاونه مع الوكالات الأمريكية، حيث تم اختيار الأمير محمد بن نايف لترأس هذه المهمة، وذلك لقربه من الأمريكيين، ولكن أيضا لمعرفته الشديدة بالفعل بمجال مكافحة الإرهاب وتنظيم القاعدة.

لسنوات، لطالما تجاهل والد محمد بن نايف الرسائل التحذيرية للأجهزة الاستخبارات  الأميركية.

وإلى أن تجسدت هذه التهديدات، التي اعتبرها دعاية أميركية خالصة، من خلال هجمات القاعدة المتكررة، سوف يتولى ابنه زمام الأمور ويقود الحرب ضد المنظمة الإرهابية.

الحرب الداخلية الحقيقية ضد الإرهاب:

ولعدة أشهر، اندلع القتال في جميع المدن السعودية تقريبا بين عناصر الشرطة وتنظيم القاعدة, لدرجة أن وزارة الداخلية سوف تكون أحدى الجهات المستهدفة.

يقود الأمير محمد بن نايف الهجوم المضاد ويصبح وجه الحرب السعودية ضد القاعدة: فهو ينشر في وسائل الإعلام قائمة أكثر الإرهابيين المطلوبين في المنظمة ويقوم بمطاردتهم  بلا هوادة، معركته تؤتي ثمارها، لكنها تترك وراءها خسائر بشرية فادحة.

ففي الفترة من العام 2003 إلى العام 2007، قتل تنظيم القاعدة أكثر من 300 شخص في المملكة العربية السعودية، بما فيهم مواطنون فرنسيون وأمريكيون.

كللت جهود الأمير محمد بن نايف بالنجاح، حيث تمكن من القضاء على أعضاء تنظيم القاعدة في مملكة آل سعود والذين لاذوا بالفرار إلى اليمن.

واصل الأمير بن نايف نجاحاته، حيث تمكن في العام 2008 من توقيع اتفاق ثنائي للتعاون ضد الإرهاب بين المملكة والولايات المتحدة.

قال بروس ريدل، الخبير الأمريكي في مجال مكافحة الإرهاب والمستشار الأمني السابق للرئيس بيل كلينتون والذي كان على معرفة شخصية بالأمير محمد بن نايف “في ذلك الوقت، أنه كان أفضل حليف لوكالة المخابرات المركزية في المملكة، وبدونه، كان العديد من الأرواح الأميركية سوف تضيع.

لقد فعل الكثير لبلده ولبلدنا, وفي الوقت نفسه، تم العمل على وضع برنامج لمكافحة التطرف وإعادة المغرر بهم ودمجهم في المجتمع السعودي.

واصل الأمير محمد بن نايف حربه ضد الإرهاب على الصعيد الدولي، لأن كابوس القاعدة لم ينته بعد.

وبعد ثلاث سنوات، في العام 2011، تم أخفاق عملية شبيهة بأحداث الـ 11 سبتمبر”، حيث تم إفشال واعترضت طائرة شحن مليئة بالمتفجرات-  طردين مشبوهين ارسلا من اليمن ويحويان “على ما يبدو” مواد متفجرة موجهة الى اماكن عبادة يهودية في شيكاغو- كان من المفترض أن تقلع من اليمن إلى شيكاغو- بفضل أجهزة الأمن التابعة لفريق الأمير محمد بن نايف.

حينها، الأمير يتصل شخصياً بجون برينان، مستشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما لشؤون الإرهاب، وينبه، وهكذا تم تفتيش الطائرة أثناء عملية توقفها في دبي وتفكيك القنابل.

قال وسيم نصر، المتخصص في الجماعات الجهادية، إن دور محمد بن نايف في مكافحة الإرهاب كان بالغ الأهمية بالنسبة للمملكة العربية السعودية وللغرب أيضا، حيث منحه قصر الاليزية الفرنسي، على سبيل المثال، وسام الشرف، لاسيما لدوره في مكافحة الإرهاب,

وحتى لو تسبب ذلك في إثارة غضب الراي العام، فإنه يبين الدور الهام والتعاون للمملكة العربية السعودية مع الغرب”.

“بطل” في مرأى من الذئب الشاب محمد بن سلمان:

أصبح الأمير محمد بن نايف بطلاً في بلده في العام 2009 بعد أن وافق على مقابلة عبد الله عسيري، العضو في تنظيم  القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي يعد بالاستسلام إذا قابل نائب الوزير السعودي شخصياً.

شقيقه، إبراهيم، المتخصص في صناعة المتفجرات، حيث كان العقل المدبر لتفجير طائرة الشحن التي كان من المقرر أن تضرب الولايات المتحدة، والذي يعد بالاستسلام ايضاً.

تم الاتفاق على يوم 27 أغسطس 2009 للمقابلة، ولكن هل شك الأمير محمد بن نايف أن هذا فخ ؟ وبعد بضع دقائق من بدء المقابلة، فجر عبد الله عسيري نفسه أمام الأمير، حيث نجى الأمير بأعجوبة، ثم ظهر بعد ساعات قليلة على التلفزيون السعودي ليروي القصة.

وعلى الرغم من نجاحاته، فإن القدر يحمل مستقبل آخر للأمير محمد بن نايف وفريقه، بالرغم من كونه مدافع قوي عن المملكة، إلا أنه لاقى انتقد لقمعه الأصوات المعارضة.

ويقال أيضا إنه عانى جراء آثار محاولة الاغتيال الأخيرة التي قام بها تنظيم القاعدة، بيد أن الأمير بن نايف أدمن على تناول المزيد والمزيد من المسكنات القوية.

العرش هو مسألة العشائر، ولكن أيضا من السمعة الملكية، حيث سوف يدفع الأمير محمد بن نايف الثمن.

وفي ابريل من العام 2015، عندما سماه الملك سلمان وليا للعهد، لم يكن ابن عمه الشاب، الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 30 عاما، ينوي تركه يتولى العرش، لهذا سوف يفعل كل ما في وسعه لمنعه.

*فرات العاني: صحفي متخصص في شؤون منطقة الشرق الأوسط وحائز على جائزة ألبير لوندر عن عطر العراق الصادر عن دار “آرت – “Arte  للنشر عام 2018.

*  المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع

المملكة العربية السعودية و 11 سبتمبر: غموض المملكة”3-1″