“يديعوت أحرونوت”: لننظر إلى الواقع الإيراني عن كثب
رئيس حكومة إسرائيلي أسبق يتوقّع أن تصبح إيران "دولة حافة" نووية، ويتّهم إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وإدارة بنيامين نتنياهو بالفشل في مواجهة التحدي النووي الإيراني.
السياسية :
كتب رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، في مقال خاص لـ “يديعوت أحرونوت” حول احتمال امتلاك طهران لقنبلة نووية ومعنى ذلك والإجراءات اللازمة لوقفهذا التقدّم.
وهذا هو المقال منقولاً إلى العربية:
نشرت الـ “نيويورك تايمز” مؤخراً تقريراً مهماً حدد أنّ إيران، بحسب تقدير “المعهد الدولي للعلوم والأمن”، قلّصت إلى شهر فقط وقت الاختراق للحصول على كمية كافية من اليورانيوم المخصّب لقنبلة نووية واحدة.
الاتفاق النووي في سنة 2015، الذي كان بعيداً عن المثالية، أجبر إيران على إخراج غالبية اليورانيوم المخصب من أراضيها، والتراجع إلى “زمن اختراق” لسنة تقريباً. اليوم المسافة هي 30 يوماً فقط.
في محك اختبار النتيجة، إنه إفلاس سياسة النووي التي قادها نتنياهو وترامب تجاه إيران. لا، خروج الولايات المتحدة من الاتفاق لم يؤدّ إلى انكفاءٍ إيراني تحت العقوبات. لقد مكّن طهران من تحطيم تسلسل وجودة الرقابة وتقليص “زمن الاختراق” بصورة دراماتيكية وخطيرة.
فيما هم يهوون بسرعة إلى هدفهم، لا يزال الإيرانيون يزعمون أنهم ينوون التوصل إلى اتفاق، بشروطٍ مُحسّنة. لكن هم من عرقلوا على مدى نصف السنة الأخيرة مفاوضات تجديد الاتفاق، وأوقفوا عملياً الرقابة وبدأوا بالتخصيب إلى مستوى عسكري. أمام النتيجة الجديدة الناشئة، من المشكوك فيه ما إذا كان هناك ما يُبحث فعلاً.
إذا تحقق اتفاق، وهذه “إذا” كبيرة، لا زال بإمكانه فرض قيودٍ قسرية على إيران ومنحها صورة من لم تركل المطلب الدولي بألا تصبح دولة نووية. لكن بإمعان نظر تتبين صورة أكثر إثارةً للقلق. باحتمالية عالية، الأحصنة سبق وفرّت من الإسطبل (أي فات الأوان). إيران عبرت على ما يبدو نقطة اللا-عودة باتجاه أن تكون “دولة حافة” نووية.
المزاعم المضادة – والحقيقة
في محاولة للطمأنة، يُسمع المزعم بأن حيازة مادة مخصّبة لقنبلة (نووية) واحدة لا تعني قنبلة، ولذلك القلق مبالَغٌ فيه. موضوعياً، هذا صحيح، لكنه يفوّت الجوهر. الحقيقة: تخصيب اليورانيوم إلى مستوى ليس له أي استخدام غير عسكري هو إعلان نوايا واضح. الهدف: سلاح نووي.
وهذا مزعم إضافي: أيضاً مع وجود مادة مخصبة، لا زالت بحاجة لمعالجتها وتحويلها إلى معدن ويجب بناء سلاح. الحقيقة: الإيرانيون يعملون في هذين الموضوعين منذ مدة طويلة، وما من سبب في ألا ينجحوا. والأساس، هذا العمل يسهُل نسبياً إخفاؤه ومن الصعب تحديده.
التخصيب إلى مستوياتٍ منخفضة هو مجهودٌ صناعي واسع النطاق، يتم في مواقع ضخمة تحت الأرض ومن الصعب جداً إخفاؤه. القفز إلى التخصيب المطلوب لسلاحٍ نووي أقصر بكثير، ومع أجهزة طرد مركزي متقدّمة يمكن القيام به خلال وقتٍ قصير، في موقعٍ صغيرٍ نسبياً سيكون من الصعب تحديده.
هذه هي بالضبط الأسباب التي بموجبها صُنّف “زمن الاختراق” على أنّه المؤشّر الأساسي للنوايا الإيرانية وقدرتهم على إنجاز المشروع، دون إمكانية حقيقية لوقفهم. كيف نعلم أنّ هذا ممكن؟ لأن هذا هو بالضبط ما فعلته كوريا الشمالية، رغم المعارضة الصارخة للولايات المتحدة.
زعمٌ آخر هو أنّ كل هدف إيران هو أن تصبح “دولة حافة” نووية – والتوقف هناك. هذا مزعم قيمته محدودة جداً بالنسبة لنا، نحن الإسرائيليون. هذه هي الحقيقة: من ناحية قدرة الوصول إلى سلاحٍ نووي، لا فرق بين “دولة حافة” (نووية) وبين “دولة نووية”. “دولة حافة” (نووية) يمكن أن تكون دولة بحوزتها أسلحة نووية، ومن الممكن غير قليلة أيضاً، لكنها لا تحتفظ بها “موحّدة” وجاهزة لاستخدامٍ فوري، بل منفصلة بحيث أنّ تحويلها إلى “سلاح” يتطلب وقتاً، عدة ساعات أو عدة أيام، أو أسابيع أو أشهر، مثلما تشاء الحكومة.
“إسرائيل” أيضاً تُصنّف أحياناً في الأكاديمية كـ “دولة حافة” (نووية)، على خلفية إعلان رؤسائها إنّ “إسرائيل لن تكون الأولى التي تُدخل سلاحاً نووياً إلى الشرق الأوسط”.
“دولة حافة” (نووية) هي بالإجمال أداة دبلوماسية بيد قيادة سياسية لجعل وضعها المُعلَن غامضاً وزيادة المرونة وحرية العمل السياسي. هذا ليس نصف عزاء فيما خص التقدّم الإيراني إلى النووي.
من الممكن أنّ إيران ستفضّل التوقف في هذه المرحلة، وعدم إجراء تجربة نووية أو الإعلان رسمياً عن دخولها النادي النووي، لكن هذا لا يزال إنجازاً تاريخياً هائلاً لها.
شوكة بايدن
أميركا بايدن واقعة في ذروة عملية فك ارتباط عن الشرق الأوسط من أجل التركيز على الصين، التي تُعتبر التحدّي المركزي لمكانة الولايات المتحدة. إيران هي “شوكة مُزعجة” في الطريق إلى هذه الخطوة. التزام بايدن بـ”إسرائيل” حقيقي وشخصي، وليس سياسياً فقط. إنه أحد الأسباب في أن تكون إيران، رغم كل هذا، مهمة للإدارة.
لكن بيننا وبين الولايات المتحدة هناك فجوة بنيوية في النظر إلى التهديد من إيران. صحيح أنّ الولايات المتحدة لا تريد أن ترى إيران نووية، لكنها ليست مصلحتها الحيوية الرائدة، وقد تسلّم بإيران كـ “دولة حافة” (نووية). بالنسبة لنا هذا تحدٍّ أقرب وأكثر تهديداً، لا سيما في المدى البعيد.
النشر في “نيويورك تايمز”، الصحيفة الأهم في الولايات المتحدة، هو بتقديري طريقة إدارة بايدن في البدء بإعداد الرأي العام في أميركا وفي “إسرائيل” لهبوطٍ صعب إلى أرض الواقع.
عندما يقول الرئيس (الأميركي): “لن يكون لإيران سلاح نووي أبداً”، ليس واضحاً أنّه يقصد أنّ الولايات المتحدة لن تسلّم بإيران كـ “دولة حافة” (نووية). عندما يقول الرئيس الأميركي: “إذا لم تُفلح الدبلوماسية سنتجه إلى إجراءاتٍ أخرى”، إنه لا يقول: “سنستخدم قوة عسكرية من أجل إحباط البرنامج النووي الإيراني لسنواتٍ طويلة”.
وهنا يُطرح السؤال: ألم نكن نتوقع أنّه ستكون هناك بالفعل خطط دُرجٍ كهذه، على فرض تعنّت إيران على “الاختراق” (النووي)، سيوقفونها بعملية عسكرية جراحية تؤخّر المجهود النووي الإيراني لعددٍ لا بأس به من السنوات؟
عمليات كهذه يجب إعدادها قبل سنوات، تطوير وسائل وطرق عمل تواكب وتكون أكثر حداثة من التطويرات في إيران، بما في ذلك تعميق التحصين والإخفاء للمنشآت وتشتيتها.
بقدر ما يبدو هذا غير معقول، أقول بمسؤولية: ليس واضحاً أنّ للولايات المتحدة اليوم خطط عمل عسكرية قادرة على تأخير نضوج القدرة النووية لإيران لعددٍ لا بأس به من السنوات. ليس واضحاً أيضاً ما إذا كان لنا “خطط دُرج” قابلة للتنفيذ، تؤخّر القدرة النووية الإيرانية لبضع سنين.
إنه فشلٌ هائل للزوجان ترامب – نتنياهو. لقد سارا في مسار مواجهة مع عدوٍ محنّك فيما هما يمنّيان النفس بأوهام، من دون إعداد “خطة ب”. خصوصاً في كون نفس الخروج من الاتفاق (النووي) جعل الخطة البديلة أكثر فأكثر تعقيداً للتنفيذ من سنة إلى سنة.
ليس مستبعداً أنّ الولايات المتحدة، القوة العظمى، تتخبّط اليوم في المسألة التي تخبّطنا فيها قبل عقد، مشكلة “مساحة الحصانة” – أي ما هي المرحلة التي فيها حتى أوسع عمليات يمكن ان تفكّر فيها لا تعود قادرة على تحقيق التأخير المطلوب، بسبب تعميق التحصين، والتشتيت، وكمية المادة النووية، ومستوى التخصيب الذي تحقق. ليس هناك كلمات تصف حجم الإخفاق إن كان هذا هو الوضع بالفعل.
في حالة رئيس الحكومة حينها، بل إن الإخفاق أخطر، لأن تدخّله السياسي الفظ في سنة 2015 في سيادة الرئيس الأميركي في بيته ربما ساعده كإعلان ولاء للحزب الجمهوري ثم لترامب، لكنه انتزع من “إسرائيل” فرصة قد لا تتكرر للتوصل إلى تنسيقٍ عميق في موضوع “خطط الدُرج” في حالة اختراق إيراني (نحو النووي)، للعمل على الحصول على وسائل تمكّن “إسرائيل” من عملية مستقلة في حال اتفقت الحكومتان على الحاجة للعمل لكن الولايات المتحدة محيّدة، بل وحتى زيادة المساعدات المالية للأمن بصورة ملحوظة وجهاز الإنتاج المشترك للصواريخ الاعتراضية للقبة الحديدية حيال مواجهة محتملة مع حزب الله. إنه إخفاقٌ تاريخي سيُحكم عليه.
وقاحة رئيس الحكومة السابق التي لا تُصدّق، المنهمك من اليوم بإلقاء التهمة عن الوضع الإشكالي الذي تسبب به هو، على عتبة خلفه، الذي جاء أخيراً، تنطوي، على الأقل لديه، على موت الحياة والأداء الرسمي على حدّ سواء.
لكن يُسأل السؤال: ها إننا نسمع مرة تلو أخرى من مسؤولين هنا وفي الولايات المتحدة أننا “جاهزون لكل سيناريو”، وأنّه إذا تطلب الأمر المهاجمة في إيران – سنهاجم في إيران. تقنياً، هذا صحيح. إذا أمرت الحكومة الجيش الإسرائيلي بمهاجمة مرفأ مهم، منشأة نفط، أو حتى موقع نووي معيّن في إيران، سيهاجم وحتى سيُلحق به ضرراً معيناً أو ملحوظاً.
لكن الجواب يفوّت الأساس. إذا كان الهدف المهاجَم بهجومٍ علني لسلاح الجو ينتمي إلى البرنامج النووي الإيراني، لكن العملية التي اعتُمدت لا تُحبط البرنامج النووي و(لا) تؤجّله لعدة سنوات – ضررها يمكن أن يكون أكثر من نفعها.
سواء كانت العملية إسرائيلية أو أميركية، رد إيران سيكون على ما يبدو منفلت العقال وهرولة بكل القوة إلى قدرة نووية. سيزعمون أنّ هجوماً كهذا يفرض عليهم حيازة سلاحٍ نووي “لأغراض الردع والدفاع عن النفس”.
لماذا لم يفعل هذا العراقيون أو السوريون عندما دمّرنا لهم مفاعلاً نووياً؟ لأن التدمير أبعدهم بالفعل لسنوات عن قدرة نووية، وخيّم فوقهم خطر هجومٍ إضافي. عندما لا يكون لديك خطة لتحقيق تأخيرٍ كهذا، فكّر مرتين قبل أن تعمل.
إذا هوجمت أهدافٌ إيرانية غير نووية، نحن أمام خطرٍ حقيقي لاتساع الصِدام مع إيران وتدهور إلى مواجهة مع حزب الله أيضاً. لـ”إسرائيل” أكثر من سببٍ واحد لتفضيل تأخير مواجهة كهذه، طالما أنّ الأمر ضمن سيطرتنا.
إذاً ماذا، فقدنا الأمل؟ كلا. “إسرائيل” كانت وستستمر في كونها في كل مدى منظور القوة الأقوى ضمن شعاع 1500 كلم من حول القدس. أقوى من كل عدو أو الجيران مجتمعين.
يجب أن نُحسن الحفاظ على العلاقة الخاصة مع الإدارة الأميركية، الحزبين، ويهود الولايات المتحدة، الذين يوفّرون لـ”إسرائيل” مجتمعين شبكة أمان في الأمم المتحدة، مساعدات مالية لضمان التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، ومرتكزاً مستقراً في أوقات أزمة.
يجب وقف التحريض وكراهية الأخوة، وقف التخويف لمواطني الدولة التي يعتقد كل العالم أنّها قوة عظمى نووية منذ أكثر من 50 سنة. الكف عن البحث عن “عماليق” أو “حيوانات مفترسة” من الخارج و”خونة” من الداخل، وفهم أننا كلنا كافلون لبعض.
إذا أحسنّا الثقة بأنفسنا وبطريقنا، أن نجدد في داخلنا التضامن وشعور شراكة المصير اللذين كانا مصدر قوتنا في أصعب الاختبارات، هذه السنة (العبرية) الجديدة، الخيّرة، وكذلك السنوات القادمة، ستجلب لنا وستُخرج منّا الخير. وهو موجود. يا ليت.
* المصدر : الميادين نت
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع