بقلم: نانسي ليندسفارن وجوناثان نيل

(موقع “الشبكة الدولية –  “réseau international” الفرنسي- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

القوالب النمطية والتضارب:

خارج الفضاء الأفغاني، كانت القوالب النمطية لحركة طالبان التي تطورت على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية مربكة ومقلقة للغاية.

لكن فكر بعناية، عندما تسمع عن هذه القوالب النمطية باعتبار “حركة طالبان، حركة إقطاعية، وحشية وبدائية، ولكن في المقابل، هؤلاء هم نفس الناس الذين يتقنون استخدام  أجهزة الكمبيوتر المحمولة كما أنهم من يتفاوض مع الأمريكيين في قطر منذ 14 عاما.

حركة طالبان لم تكن نتاج العصور الوسطى، فهي تعتبر نتاج لبعض أسوأ الفترات في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين.

وإذا ما نظروا إلى الوراء، بطريقة ما نحو زمن أفضل تخيلا، فلن يكون ذلك مفاجئا.

في الواقع تشكلت الحركة في الوقت الذي كانت فيها البلد تعيش بالفعل تحت وطأة القصف الجوي، وانتشار مخيمات اللاجئين، والشيوعية، والحرب على الإرهاب، وحمالات الاعتقالات المتزايدة والاستجوابات، وتغير المناخ، وسياسة الإنترنت، ودوامة التفاوتات بين الليبرالية الجديدة، انهم يعيشون، مثل الجميع، في الوقت الحاضر.

كما أن جذورهم في المجتمع القبلي يمكن أن تكون مربكة، ولكن كما قال ريتشارد تابر، فإن القبائل ليست مؤسسات عفوية، فهم الطريقة التي ينظم بها المزارعون في هذا الجزء من العالم علاقتهم مع الدولة.

وتاريخ أفغانستان لم يكن قط مسألة جماعات عرقية متنافسة، بل بالأحرى مسألة تحالفات وانقسامات جماعية معقدة داخل المجموعات.

هناك مجموعة من التحيزات المسبقة على اليسار،  تدفع بعض الناس إلى التساؤل عن الكيفية التي يمكن أن تكون بها حركة طالبان إلى جانب الفقراء والمعادين للإمبرياليين إذا لم يكونوا “تقدميين”.

دعونا نترك جانبا في هذه اللحظة حقيقة أن كلمة التقدم لا تعني الكثير, وبطبيعة الحال، فإن طالبان معادية للاشتراكية والشيوعية، فهم أو آباؤهم أو أجدادهم، قد قتلوا وعذبوا على أيدي الاشتراكيين والشيوعيين.

مقاتلو من حركة طالبان مدججين بالأسلحة في موقع لم يتم الكشف عنه في جنوب أفغانستان في 5 مايو 2011/ رويترز

 

فضلاً عن ذلك فإن أي حركة شنت حرب عصابات دامت عشرين عاماً وهزمت إمبراطورية عظمى، هي حركة معادية للإمبريالية أو أن الكلمات ليس لها أي معنى.

الواقع هو ما هو عليه، إن حركة طالبان جاءت من صميم الفلاحين الفقراء، ضد احتلال إمبراطوري، غير نسائي إلى حد كبير.

وفي المقابل, يتلقى الدعم من قبل العديد من النساء، وأحيانا ينظر إليهم بأنهم حركة عنصرية وطائفية، وأحيانا لا، إنهم مزيج من التناقضات التي أنتجها التاريخ.

هناك مصدر آخر للارتباك يتمثل في السياسة الطبقية لحركة طالبان، كيف يمكن أن يكونوا إلى جانب الفقراء، كما هو واضح، بينما يعارضون الاشتراكية بشدة؟

الجواب, أن تجربة الاحتلال الروسي ألغت إمكانية الصياغات الاشتراكية على الطبقات, لكن هذا لم يغير حقيقة الفصل.

لم يبن أحد قط حركة جماهيرية بين الفلاحين الفقراء الذين استولوا على السلطة دون أن ينظر إليهم على أنهم إلى جانب الفقراء.

حركة طالبان لا تتحدث لغة الطبقة، بل تتحدث لغة العدالة والفساد, هذه الكلمات تصف نفس المخيم.

ولا يعني أي من هذا أن طالبان سوف تحكم بالضرورة لصالح الفقراء، لقد رأينا ما يكفي من ثورات الفلاحين والتي وصلت إلى السلطة في القرن الماضي وأكثر، ليتم حكمها في نهاية المطاف من قبل النخب الحضرية.

ولا ينبغي لأي من هذا أن يجعلنا ننسى أن حركة طالبان تعتزم أن تكون دكتاتورية وليس ديمقراطية.

تغيير تاريخي في الولايات المتحدة الأمريكية:

كان سقوط كابول بمثابة هزيمة حاسمة للقوة الأمريكية في العالم، ولكنه يشكل أيضاً، أو يوضح مدى الاستخفاف العميق بالإمبراطورية الأميركية بين الأميركيين.

استطلاعات الرأي دليل على ذلك, ففي العام 2001، أي بعد احداث 11 سبتمبر مباشرة، وافق ما بين 85% و90% من الأميركيين على غزو أفغانستان.

بيد أن هذه الأرقام استمرت في الانخفاض، وفي الشهر الماضي، وافق 62% من الأميركيين على خطة بايدن للانسحاب الكامل، وعارضها 29%.

هذا الرفض للحرب مشترك بين تيارات اليمين واليسار، كما أن الطبقة العاملة في الحزب الجمهوري ضد الحروب الخارجية.

يأتي العديد من الجنود والعائلات العسكرية من المناطق الريفية والجنوبية حيث يحظى الرئيس ترامب بقاعدة شعبية قوية، واليوم فهم ضد أي حرب جديدة، لأنهم وأحبائهم هم الذين خدموا وماتوا وجرحوا.

والآن أصبحت الوطنية اليمينية في أميركا مؤيدة للجيش، ولكن هذا يعني مؤيدة للجنود وليس مؤيدة للحرب.

عندما يقولون، “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، يعنون أن أمريكا ليست عظيمة اليوم بالنسبة للأمريكيين، وهذا لا يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تكون أكثر انخراطا في العالم، إذ بين الديمقراطيين كذلك, أساس الطبقة العاملة معارضة الحروب.

راقب الرئيس باراك أوباما وأعضاء فريقه للأمن القومي, الغارة التي شنتها القوات البحرية الأمريكية والتي زُعم أنها قتلت أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في مايو 2011

هناك أشخاص يدعمون التدخلات العسكرية الجديدة, وهم الديمقراطيون الموالون للرئيس الاسبق بارك أوباما، والجمهوريون الموالون لميت رومني، والجنرالات، والعديد من المحترفين الليبراليين والمحافظين، وكل الناس تقريباً من الصفوة في واشنطن، ولكن الشعب الأمريكي ككل، وخاصة الطبقة العاملة بكل الوانها وأطيافها انقلبت ضد الإمبراطورية الأمريكية.

بعد سقوط سايغون (1)، لن تتمكن حكومة الولايات المتحدة من شن التدخلات العسكرية الرئيسية على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة، وربما يكون ذلك لفترة أطول بعد سقوط كابول.

العواقب الدولية:

منذ العام 1918، أي قبل قرابة 103 عاماً، كانت الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم.

كانت هناك قوى متنافسة, ألمانيا أولاً، ثم الاتحاد السوفييتي والآن الصين، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية كانت دائما هي المهيمنة، وها هو “القرن الأمريكي” يقترب الآن من نهايته.

يعود السبب الرئيسي في ذلك على الأمد البعيد هو الارتفاع الاقتصادي في الصين والتدهور الاقتصادي النسبي في الولايات المتحدة.

أضف إلى ذلك أن الأثار المترتبة على جائحة الفيروس التاجي والانسحاب من افغانستان جعل من العامين الماضيين نقطة تحول كبيرة.

كما وقد كشف الفيروس التاجي، عن عدم الكفاءة المؤسسية للإدارة الأمريكية، في حين أن النظام فشل في حماية الناس، وهذا الفشل الفوضوي والمخزي واضح للناس في جميع أنحاء العالم.

ثم هناك الملف الأفغاني, الولايات المتحدة هي إلى حد كبير القوة العسكرية المهيمنة في العالم، قياسا على الإنفاق والمعدات، ولكن هذه القوة هزمها الفقراء الذين يملكون الشجاعة والقدرة على التحمل.

أن انتصار طالبان سوف يؤتي ثماره والتي سوف تعطي الشجاعة للإسلاميين من جميع الأطياف والمشارب في سوريا واليمن والصومال وباكستان وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان ومالي، ولكنه سينظر إليه على نطاق أوسع أيضا.

إن فشل إدارة كوفيد -19 والهزيمة الأفغانية من شأنه أن يقلل من القوة الناعمة للولايات المتحدة الأمريكية, ولكن أفغانستان تشكل أيضاً هزيمة للقوة الصارمة.

إن قوة إمبراطورية الولايات المتحدة الأمريكية غير الرسمية تستند إلى ثلاثة أعمدة مختلفة منذ قرن من الزمان:

–         الأول هو أن يكون الاقتصاد الأمريكي الأكبر في العالم وأن يهيمن على النظام المالي العالمي.

–         الثاني هو السمعة في العديد من الدوائر بالديمقراطية والكفاءة والقيادة الثقافية.

–         الثالث هو أنه إذا فشلت القوة الناعمة، فإن الولايات المتحدة سوف تغزو البلد لدعم الدكتاتوريات ومعاقبة أعدائها.

تلك القوة العسكرية اختفت اليوم حيث لن تصدق أي حكومة أن الولايات المتحدة الأمريكية تستطيع إنقاذها من غزاة أجانب، أو من شعبه.

الاغتيالات بواسطة تسير الطائرات بدون طيار سوف تستمر، كما تتسبب بمعاناة كبيرة، ولكن الطائرات بدون طيار وحدها لن تتمكن من فرض الحسم العسكري في أي مكان، اختصار، فإن الحاصل هو بداية نهاية القرن الأمريكي.

(1) مدينة سايغون الفيتنامية العاصمة السابقة لجمهورية فيتنام الجنوبية.

*   المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع

أفغانستان – نهاية الاحتلال (6-9)