“نيويورك تايمز”: لا يزال بإمكان “داعش” و”القاعدة” إثارة الفوضى في أفغانستان
إن "داعش" و"القاعدة" لا يزالان عدوين لدودين، ويتنافسان على التجنيد والتمويل، وقد تقاتلا في أفغانستان وسوريا وأماكن أخرى. ويمكن أن تصبح أفغانستان الآن ساحة قتالهما الرئيسية.
السياسية :
قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في تحقيق مطول لها إن الكابوس الذي أرّق خبراء مكافحة الإرهاب حتى قبل عودة حركة طالبان إلى السلطة هو الخشية من أن أفغانستان ستصبح أرضاً خصبة للجماعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيما القاعدة و”داعش”.
وأدى انفجاران أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن مقتل العشرات، بينهم ما لا يقل عن 13 عسكرياً أميركياً، في كابول أمس الخميس إلى تصاعد المخاوف من أن يصبح الكابوس حقيقة بسرعة.
وقال سعد محسني، صاحب محطة “تولو”، إحدى أشهر المحطات التلفزيونية في أفغانستان: “لا أستطيع أن أخبرك كم هو مزعج ومحزن. كأن الأمر عاد إلى العمل كالمعتاد: لا مزيد من التفجيرات، لا مزيد من الهجمات، إلا أنه سيتعين علينا الآن التعامل مع كل شيء في ظل نظام طالبان.”
وأضافت الصحيفة أن عشرين عاماً من العمل العسكري الذي قامت به الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون للقضاء على الإرهاب، قد ألحقت خسائر فادحة بالقاعدة وداعش، مما أسفر عن مقتل العديد من مقاتليهم وقادتهم ومنعهم إلى حد كبير من الاحتفاظ بمنطقة للإرهاب.
لكن كلا المجموعتين أثبتتا قدرتهما على التكيّف، بحسب خبراء الإرهاب، وتطورتا إلى منظمتين أكثر انتشاراً تسعيان باستمرار إلى إيجاد نقاط ساخنة عالمية جديدة لترسيخها ووضع تطرفها العنيف موضع التنفيذ.
وأثبت الهجومان الانتحاريان بالقرب من مطار كابول الخميس على احتفاظ هاتين الجماعتين الإرهابيتين بقوة مدمرة يمكنها أن تلحق خسائر فادحة على الرغم من الجهود الأميركية. وقد أثار التفجيران أسئلة مقلقة حول ما إذا كان بإمكان “طالبان” الوفاء بالوعد المركزي، الذي قطعته قيادتها عندما وافقت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في أوائل عام 2020 على سحب القوات الأميركية من البلاد، بأن أفغانستان لن تكون بعد الآن أرضية تمهيدية لشن هجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها.
وقالت “نيويورك تايمز” إن الاستيلاء السريع لحركة طالبان على أفغانستان لا يقوم بالكثير لضمان أن جميع المقاتلين في البلاد هم تحت سيطرتها. بل على العكس من ذلك، فإن فرع تنظيم داعش في أفغانستان – المعروف بـ”داعش- خراسان” هو خصم مرير، وإن كان أصغر بكثير، فقد نفذ عشرات الهجمات في أفغانستان هذا العام ضد المدنيين والمسؤولين الحكوميين وحركة طالبان نفسها.
وخلص تقرير للأمم المتحدة في حزيران / يونيو الماضي إلى أنه في الأشهر التي سبقت انسحاب القوات الأميركية، تدفق ما بين 8000 إلى 10000 مقاتل “جهادي” متطرف من آسيا الوسطى ومنطقة شمال القوقاز الروسية وباكستان ومنطقة شينجيانغ في غرب الصين إلى أفغانستان. ومعظمهم مرتبطون بحركة طالبان أو تنظيم القاعدة، المرتبطين ارتباطاً وثيقاً.
لكن بينهم مقاتلين آخرين متحالفين مع تنظيم “داعش-خراسان”، مما يشكل تحدياً كبيراً للاستقرار والأمن الذي وعدت “طالبان” بجلبه إلى البلاد.
وبينما يشك خبراء الإرهاب في أن مقاتلي “داعش” في أفغانستان لديهم القدرة على شن هجمات واسعة النطاق ضد الغرب، يقول الكثيرون إن “داعش” أصبح الآن أكثر خطورة من تنظيم القاعدة في أجزاء أكثر من العالم.
وقال حسن أبو هنية، الخبير في الحركات الإسلامية في “معهد عمان للسياسة والمجتمع” في الأردن: “من الواضح أن “داعش” هو الخطر الأكبر في العراق وسوريا، وفي آسيا أو في إفريقيا. من الواضح أن داعش أكثر انتشاراً وأكثر جاذبية للأجيال الجديدة”.
وكان المسؤولون الأميركيون قد حذروا الأربعاء من تهديدات محددة من “داعش”، بما في ذلك أن الجماعة قد ترسل مفجرين انتحاريين للتسلل إلى الحشود خارج مطار حامد كرزاي الدولي في كابول. ويبدو أن التهديد كان عاملاً أساسياً في قرار الرئيس الأميركي جو بايدن بالوفاء بالموعد النهائي المحدد في 31 آب / أغسطس الجاري لسحب جميع القوات الأميركية من البلاد.
وقال بايدن الأربعاء: “كل يوم نكون فيه على الأرض هو يوم آخر نعلم فيه أن تنظيم “داعش –خراسان” يسعى لاستهداف المطار ومهاجمة القوات الأميركية وقوات التحالف وكذلك المدنيين الأبرياء”.
وبحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن تنظيم “داعش-خراسان”، الذي أنشأه مقاتلو طالبان الباكستانيون الساخطون قبل ست سنوات، زاد بشكل كبير من وتيرة هجماته هذا العام.
وانخفض عناصر التنظيم إلى ما بين 1500 و2000 مقاتل، أي نصف ذروته في عام 2016 قبل الغارات الجوية الأميركية وغارات الكوماندوس الأفغانية التي تسببت في دمار كبير، مما أسفر عن مقتل العديد من قادة “داعش-خراسان”.
لكن منذ حزيران / يونيو 2020، يقود المجموعة قائد جديد طموح، يدعى شهاب المهاجر، يحاول تجنيد مقاتلي “طالبان” الساخطين وغيرهم من المسلحين. وبحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن تنظيم “داعش-خراسان” “لا يزال نشطاً وخطيراً”.
كان تنظيم داعش في أفغانستان معادياً بشكل أساسي لحركة طالبان. وفي بعض الأحيان، تقاتلت المجموعتان من أجل الأراضي، وخاصة في شرق أفغانستان، وندد تنظيم “داعش” أخيراً باستيلاء طالبان على أفغانستان. ويقول بعض المحللين إن مقاتلين من شبكات طالبان انشقوا للانضمام إلى داعش في أفغانستان، مما أضاف المزيد من المقاتلين ذوي الخبرة إلى صفوفه.
ويُظهر تاريخ “داعش” مدى صعوبة إغلاق واحتواء الشبكات الإرهابية. فقد بدأت الجماعة بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 كفرع من تنظيم القاعدة، لكنها انقسمت فيما بعد، وأقامت ما يسمى بـ”الخلافة”، أي حكم ديني إسلامي، في قسم كبير من أراضي العراق وسوريا، في مساحة كانت بحجم بريطانيا في أوج صعود هذه الدولة.
وقد جذبت رؤية الجماعة المتطرفة للتوسع العالمي والاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي والعنف السينمائي مقاتلين من جميع أنحاء العالم، وألهمت هجمات مميتة في مدن عربية وأوروبية وأميركية، ودفعت الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربتها. وعندما قصفت الولايات المتحدة وشركاؤها المناطق الرئيسية للتنظيم، تشعب “داعش” في دول أخرى. وظل العديد من هذه الفروع التابعة نشطاً ولا سيما في غرب ووسط إفريقيا وسيناء وجنوب آسيا، منذ أن فقدت الجماعة آخر قطعة أرض كانت تسيطر عليها في سوريا في آذار / مارس 2019.
كما تغير تنظيم القاعدة بشكل كبير منذ أن أشرف زعيمه أسامة بن لادن على التنظيم وبث وجهات نظره عبر بيانات مسجلة بالفيديو تم تسليمها إلى محطات التلفزيون. كما أنشأ التنظيم فروعاً تابعة لها في اليمن والعراق وسوريا وأجزاء من إفريقيا وآسيا، بعضها غيّر اتجاها أو حتى رفض أيديولوجية الجماعة سعياً وراء أهداف محلية. فالزعيم الحالي للجماعة، أيمن الظواهري، مسن ويقال إنه مريض ويعيش في مكان ما في أفغانستان، بعد أن فشل في مضاهاة مكانة بن لادن بين المتطرفين الإسلاميين.
وقال حسن حسن، المؤلف المشارك لكتاب عن “داعش”، إنه بشكل عام، لم يحافظ تنظيم القاعدة على نفس السيطرة العملياتية على فروعه مثلما عمل تنظيم داعش، والتي ربما تكون قد أعطته ميزة. فبالنسبة للقاعدة، فإن الأمر يشبه فتح امتياز لمطعم وإرسال شخص ما لمراقبة الجودة. وفي الوقت نفسه، فإن داعش “يذهب إلى أبعد من ذلك ويعين مسؤولاً من التنظيم الأصلي”.
كما أرعب تنظيم “داعش” المدن في جميع أنحاء العالم بدعوته إلى ما يسمى بهجمات الذئاب المنفردة، حيث يقوم جهادي غير منظم من قادة التنظيم بتسجيل فيديو يبايع زعيم التنظيم ثم يرتكب فظائع. وبعد ذلك تقوم المجموعة المركزية بالإعلان عن الهجمات ودعمها.
وقالت الصحيفة إن “داعش” و”القاعدة” لا يزالان عدوين لدودين، ويتنافسان على التجنيد والتمويل، وقد اشتبكا بشكل مباشر في أفغانستان وسوريا وأماكن أخرى. ويمكن أن تصبح أفغانستان الآن ساحة قتالهما الرئيسية، حيث تسحب الولايات المتحدة قواتها وتوسع “طالبان” سيطرتها.
وفي اتفاقها مع إدارة ترامب العام الماضي، تعهدت “طالبان” بعدم السماح لتنظيم “القاعدة” باستخدام الأراضي الأفغانية لمهاجمة الولايات المتحدة. وثمة أسئلة لا تزال مفتوحة حول أي مدى ستحترم طالبان هذا التعهد، وإذا بإمكانها ذلك.
ولا يوجد لدى داعش مثل هذه القيود، مما قد يتركه في وضع أفضل لاستغلال الفوضى المحيطة بالموعد النهائي لانسحاب الولايات المتحدة وانتقال الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة لحركة طالبان، المحدد في 31 آب / أغسطس الجاري.
وقال حسن إن عملية انتقال السيطرة من قوة أمنية إلى أخرى توفر فرصة لداعش.
ومن المرجح أن تؤثر كيفية حكم طالبان على مستقبل الجماعات الإرهابية في أفغانستان. فمن المرجح أن تؤثر على مستقبل الجماعات الإرهابية في أفغانستان. في تصريحاتهم العلنية منذ الاستيلاء على كابول، قدم مسؤولو “طالبان” وجهاً أكثر ملاءمة، مشيرين إلى أنهم لن يفرضوا نفس التفسير الصارم للقواعد الإسلامية بنفس القبضة الحديدية التي كانت قبل أن يطيح الغزو الأميركي حكومتهم عام 2001.
وقال أبو هنية، الخبير في الحركات الإسلامية، إن “طالبان غير متحدة، ويمكن أن تؤدي إجراءات ضبط النفس التي تتخذها القيادة إلى انشقاقات أعضاء متشددين والانضمام إلى تنظيم داعش”. وأوضح: “إنه تحدٍ كبير لطالبان. حتى لو أرادوا التخلص من الجناح المتطرف، فلن يكون الأمر سهلاً”.
* المصدر : الميادين نت
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع