الجزء الأول… تحطم اليمن لماذا أصبح إنهاء الحرب أكثر صعوبة من أي وقت مضى؟
بقلم: مايكل وحيد حنا وبيتر سالزبوري ( صحيفة “Foreign Affairs ” الأمريكية- ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
جعل الرئيس الأمريكي جو بايدن إنهاء الحرب الأهلية في اليمن ركيزة أساسية لسياسته في الشرق الأوسط.
في خطابه الأول للسياسة الخارجية في وزارة الخارجية الامريكية، التزم بإنهاء الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية للتحالف الذي تقوده السعودية وأعلن تعيين مبعوث أمريكي خاص لليمن وقال إن الحرب خلقت كارثة إنسانية واستراتيجية.
ومع ذلك, وبعد ستة أشهر، فإن الكارثة تزداد سوءاً, حيث كثف الحوثيون، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء عام 2014، هجومهم على محافظة مأرب، آخر معقل للحكومة المعترف بها دولياً في شمال البلد.
كما تفاقمت الأزمتان الاقتصادية والإنسانية في اليمن وسط أزمة وقود في الشمال، وانهيار العملة في الجنوب، ونقص بنسبة 50 % في تمويل الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة، والفيضانات المفاجئة.
تعتقد وكالات الإغاثة أن وفيات “COVID-19” المعلن عنها أقل إلى حد كبير من العدد الحقيقي للأشخاص الذين لقوا حتفهم بسبب الفيروس.
توقف الدبلوماسية:
فشلت مبادرة وقف إطلاق النار التي تقودها الأمم المتحدة والتي روج لها المبعوث الأمريكي في إحراز أي تقدم، وقد تكون غير قابلة لإعادة الاحياء.
ومع ذلك، قد يكون هناك سبب للأمل, إذ يوفر التعيين الأخير للدبلوماسي السويدي هانز غروندبرغ كمبعوث خاص جديد للأمم المتحدة إلى اليمن فرصة للمجتمع الدولي لإعادة التفكير في منهجه لإنهاء الحرب.
لكن قبل الشروع في جهد دبلوماسي جديد في اليمن، يجب على الولايات المتحدة والأمم المتحدة وجميع الدول المشاركة في صنع السلام إعادة تقييم فهمهم الأساسي للصراع أولاً. الحرب أكثر تعقيداً بكثير مما تم رسمها في كثير من الأحيان في الخارج: إنه ليس مجرد صراع على السلطة بين حزبين: قوات الحوثيين المدعومة من إيران والسعودية، ولكنها في الأساس صراع داخلي تشارك فيه مجموعة كبيرة من الفصائل المتنافسة، مع قوى خارجية تسعى الى تأجيج الصراع.
ومن أجل التخفيف من محنة البلد، يجب على الدبلوماسيين أن يضعوا آمالهم جانباً والبدء في اتخاذ حل سريع للإصلاح وأن يطوروا نهجاً يعترف بطبيعة الصراع المعقدة والمتعدد الأطراف.
بلد ممزق:
الحرب نفسها هي نتاج انقلاب شنه الحوثيون وحليفهم آنذاك، الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
يبدو أن تحالف الزوجين الفرديين في وضع جيد لتعزيز السيطرة على البلد بعد السيطرة على صنعاء في سبتمبر 2014.
لكن في فبراير، هرب الرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادي من الإقامة الجبرية في العاصمة إلى الميناء الجنوبي في مدينة عدن.
هناك، دعا إلى تدخل عسكري إقليمي لإعادة حكومته إلى السلطة, فقامت السعودية، التي تخشى أن يهدد الحوثيون المدعومون من إيران حدودها الجنوبية في مارس 2015، بأطلاق حملة جوية عنيفة تحت تحالف من عدة دول بقيادها ضد تحالف الحوثي وصالح، مما زاد من حدة الكارثة الإنسانية داخل البلد.
زودت المملكة المتحدة والولايات المتحدة وقوى غربية أخرى السعوديين بالأسلحة والاستخبارات والغطاء السياسي، لكنها سرعان ما توترت بسبب فوضى الصراع واستعصاء حله.
منذ بدء الحرب، كانت السياسة اليمنية أكثر تعقيداً ودوافع محلية أكثر مما يعترف به أي جانب.
قد تصور الحكومة المعترف بها دولياً نفسها على أنها تقود جيشاً وطنياً، لكن في الواقع فإن القوات المناهضة للحوثيين هي خليط من الجماعات التي يتمثل هدفها الرئيسي في الدفاع عن أراضيها ومنع استيلاء الحوثيين الكامل عليها، بدلاً من إعادة هادي إلى السلطة في صنعاء.
لا إيران ولا السعودية ولا الإمارات قادرة على الرصد والتحكم بكل خطوة يقوم بها وكلاءهم اليمنيون المزعومون، أي ان اتفاق الحوثي وهادي حتى الآن نحو إنهاء القتال بعيد المنال.
مع استمرار الحرب، تسارع الانقسام السياسي في اليمن, قتل الحوثيون حليفهم السابق صالح في ديسمبر 2017، والآن يقاتلون مجموعة متنوعة من الخصوم الذين يستبعدون فكرة إنشاء جبهة موحدة مناهضة للحوثيين.
على ساحل البحر الأحمر، يواجه الحوثيون القوات المدعومة من الإمارات بقيادة طارق صالح، ابن شقيق الرئيس السابق صالح، الذي انشق عن تحالفهم عندما قتل الحوثيين عمه.
كما اشتبك الحوثيون مراراً وتكراراً مع عناصر من المقاتلين السلفيين المدعومين من الإمارات والسعودية بالقرب من البحر الأحمر وأماكن أخرى في البلد.
في محافظة الضالع، يشتبك الحوثيون بانتظام مع القوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وهي جماعة أخرى مدعومة إماراتياً تدعو إلى انفصال جنوب اليمن، الذي كان في السابق دولة مستقلة.
منذ أوائل عام 2020، كان الحوثيون يركزون على الاستيلاء عل مدينة مأرب، التي تخضع اسمياً لسيطرة الحكومة ولكن في الواقع يتم الدفاع عنها في الغالب من قبل الجماعات القبلية المحلية.
تشتبك الجماعات المناهضة للحوثيين في بعض الأحيان مع بعضها البعض, انتزع المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل قاطع السيطرة على عدن ومحافظتين جنوبيتين من هادي وحلفائه بعد عدة أيام من معارك الشوارع التي شهدتها مدينة عدن في أغسطس 2019.
ألقت الحكومة باللوم على الإمارات في استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي واتهمتها “بالتصرف كمحتل” في اليمن.
التدخل السعودي فقط مع الحليفين السابقين منع اندلاع حرب أهلية داخل حرب أهلية, في غضون ذلك، في مدينة تعز على خط المواجهة، تدافع القوات المحلية الموالية للحكومة عن المنطقة من الحوثيين, حتى في الوقت الذي اشتبكوا فيه مراراً مع الجماعات المحلية المدعومة من الإمارات.
الدبلوماسية المتجمدة
على الرغم من هذه التغييرات في طبيعة النزاع، ظل النهج الدولي ثابتاً, حيث ظلت الأمم المتحدة مركزة بحزم على التوسط في اتفاق وقف إطلاق النار بين الحوثيين وهادي، بدعم من المبعوث الأمريكي الخاص تيموثي ليندركينغ.
وسعت لمنع معركة مدينة مأرب من خلال تلبية مطالب الحوثيين الأساسية، والتي تشمل إعادة فتح مطار صنعاء الدولي وإزالة القيود المفروضة على الشحنات إلى ميناء الحديدة.
في نهاية المطاف، تأمل الأمم المتحدة في التوسط في إنهاء القتال وتشكيل حكومة وحدة مؤقتة تتكون من أعضاء حكومة هادي وسلطات الأمر الواقع التابعة للحوثيين في صنعاء.
هناك العديد من المشاكل مع هذا النهج, أولاً، لا يأخذ في الاعتبار النطاق الكامل للأطراف المتورطة في نزاعات الحرب المتعددة أو الطيف الواسع من الفاعلين المحليين الذين يمكنهم التوصل إلى تسوية سياسية أو فشلها.
وبدلاً من ذلك، فإنها توفر للحوثيين وحكومة هادي والسعوديين ضمنياً حق الرفض لصنع السلام.
ثانياً، يبدو أن المفاوضات بين الحوثيين وحكومة هادي لا تسير إلى أي مكان, لم يكن أي من الطرفين مستعداً لتقديم تنازلات في الاوقات التي كان الوضع العسكري فيها يميل لصالحه.
تعثرت المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة في البداية في عام 2020 بسبب مقاومة حكومة هادي، التي اعتبرت التنازلات بشأن المطار والميناء بمثابة اعتداء على سيادتها.
في وقت لاحق من نفس العام، أصبح الحوثيون العائق الرئيسي أمام التقدم في الحوار, بعد أن رفعوا سقف مطالبهم، وطلبوا أولاً فصل اتفاقية الموانئ والمطارات عن وقف إطلاق النار.
والآن يقولون إنهم سوف يبدؤون الخوض في مفاوضات وقف إطلاق النار فقط بعد أن ترفع الحكومة والسعوديون القيود عن الموانئ والسماح بإعادة فتح المطار.
أخيراً، يعتقد الدبلوماسيون بشكل متزايد أن أياً من الجانبين لم يكونوا جادين بشأن التسوية.
يبدو أن الطرفين يستخدمان خلافهما حول شروط صفقة محتملة كذريعة لتجنب المفاوضات تماماً.
يرى الحوثيون في مأرب جائزة أكبر من حكومة الوحدة، ويخشى هادي وحلفاؤه من أنهم أضعف من أن يصمدوا لوقت طويل.
يفقد بعض الدبلوماسيين الثقة في أن المحادثات السعودية الحوثية أو الوساطة العمانية الإضافية يمكن أن تحدث فرقاً.
في هذه المرحلة، تبدو معركة مدينة مأرب أكثر قرباً من وقف إطلاق النار والمحادثات السياسية.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع