بقلم: الدكتورة اميرة أبو الفتوح

(موقع “ميدل ايس مينتور” البريطاني- ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

لقد علم مقاتلو حركة طالبان القادة العرب الخاضعين درساً مهماً في الكرامة والعزة: أن القبلة الأمريكية التي يوجهون إخلاصهم إليها ليست حتمية.

أنه ليس شرطاً للنجاح في هذه الحياة, كما كشفت طالبان عن الولايات المتحدة ككيان استعماري يمكن هزيمته إذا كان هناك إيمان وتصميم واستعداد للقتال ضدها.

يخبرنا الله تعالى في أطول سورة في القرآن الكريم: ” كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ”.

لا شك أن انتصار طالبان أذهل العالم, الحركة تحير منتقديها الذين يسخرون منها ويصفون مقاتليها بالتخلف والبربرية.

الأشخاص الذين يعيشون في العصر الحجري في الجبال ويرتدون ملابس شالوارو قمصان هندية ممزقة.

لقد انتصر نفس الرجال الآن على أولئك الذين يملكون أحدث المعدات والأحذية القتالية.

لقد طرد المقاتلون الأفغان أقوى دولة في العالم بعد حرب استمرت 20 عاماً، وهي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة والأكثر تكلفة.

وفقاً للتقديرات، قُتل ما لا يقل عن 100.000 مدني أفغاني خلال 20 عاماً من الاحتلال الأمريكي، ولكن لم يتم اعتبار الوفيات الأفغانية على أنها مهمة بما يكفي للمراقبة، لذلك لن نعرف الرقم الدقيق أبداً.

حاولت الولايات المتحدة التستر على هزيمتها وتضليل المواطنين الأمريكيين بالادعاء بأنها حققت الأهداف التي حددتها في أفغانستان، كما صرح بذلك وزير الخارجية أنطوني بلينكين.

وهذا يثير التساؤل حول ما حققته الولايات المتحدة من الحرب, ألم يكن هدفها المعلن منذ البداية هو مجرد الإطاحة بطالبان التي رفضت تسليم زعيم القاعدة أسامة بن لادن دون رؤية الدليل على مسؤوليته عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا؟

بالمناسبة، الأدلة لم يتم تقديمها بعد, ألم تقضي عشرين عاما من احتلالها تعمل على إقامة نظام سياسي في كابول يكون مواليا لواشنطن؟ انهار النظام الدمية في كابول في غضون أيام وفر زعيمه بعد تسليمه لقادة طالبان الذين دخلت قيادتهم قصره وأزالوا العلم الذي صممته الولايات المتحدة واستبدله بعلم الحركة.

يبدو أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 90 مليار دولار لتطوير الجيش الوطني الأفغاني، وتزويده بأحدث الأسلحة وتدريب 300 ألف جندي.

ومع ذلك فقد فشلوا في الوقوف بحزم في وجه حركة شعبية مسلحة بأسلحة شخصية.

لقد تخفوا هم أيضاً بين السكان، تاركين أسلحتهم ومعداتهم التي زودتهم بها الولايات المتحدة لطالبان.

توقع محللون عسكريون أمريكيون أن يظل الجيش الأفغاني صامدا لستة أشهر ثم عدلوا ذلك إلى ثلاثة أشهر بعد انسحاب القوات الأمريكية.

وأصروا على أن كابول لن تسقط في أيدي طالبان قبل بداية سبتمبر عندما كان من المقرر أن يغادر آخر القوات الأمريكية أفغانستان.

لقد وُجد أنهم ورؤساء الأجهزة الأمريكية مخطئون في تقديراتهم.

إذن ما هي الأهداف التي كان يتحدث عنها بلينكين؟ الواقع على الأرض هو هزيمة كبرى لأكبر وأقوى دولة في العالم.

في مطار كابول، شهدنا المشهد البغيض للأفغان وهم يندفعون وراء الطائرات الأمريكية التي تقل آلاف الأمريكيين الفارين من البلد في مشهد دراماتيكي يذكرنا بفيتنام 1975.

كانت تلك حرباً أخرى كان من المفترض أن تكسبها أمريكا لكنها لم تفعل.

قامت أفغانستان بثاني هزيمة كبرى لقوة عظمى عالمية في التاريخ الحديث, إذا كان أي شيء جيد سيخرج من هذا، فلا يسعنا إلا أن نأمل أن تبدأ واشنطن في فهم أن هناك حدوداً لما يمكن أن تفعله القوة العسكرية وحدها لحل النزاعات في عالم قد تغير وأن الاحتلال العسكري لم يعد ممكناً أو حتى مقبولاُ.

انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان و تخلت عن حلفائها الأفغان- بما في ذلك ضباط الجيش والسياسيون والمترجمون- لمصيرهم.

هذا ما يحدث غالباً عندما ينتهي الاستعمار إلى نهايته الحتمية، ويُعتبر أولئك الذين يتعاونون مع قوات الاحتلال خونة.

لقد عرضت طالبان عفواً عن هؤلاء الأشخاص، لكن ذلك لم يمنع المئات من محاولة التسلق على متن تلك الطائرات الأمريكية في مطار كابول.

لا شك في أن أفغانستان هي “مقبرة الإمبراطوريات”.

يكشف التاريخ أن هذا البلد الفقير واجه إمبراطوريات عظيمة عبر التاريخ وانتصر, لقي جنكيز خان والمغول نهايتهم في أرض أفغانستان، كما فعلت الإمبراطورية البريطانية “التي لا تغيب عنها الشمس أبداً” في القرن التاسع عشر.

عانى الاتحاد السوفيتي هزيمة ساحقة في عام 1989 بعد 11 عاماً من احتلال أفغانستان، مما ساهم في سقوط الاتحاد السوفيتي.

إلى هذه القائمة، يمكننا الآن إضافة الولايات المتحدة الأمريكية بعد احتلال دام 20 عاماً.

حكم أمير أفغانستان الحديدي، عبد الرحمن خان، بلاده من عام 1880 إلى عام 1901.

وأشار إلى أنه من السهل احتلال أفغانستان، ولكن من الصعب بقاء الاحتلال بها.

كم كان محقاً، لكن يبدو أن القادة الغربيين المعاصرين غير قادرين على التعلم من التاريخ.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع