بقلم: فواز أ. جرجس

(صحيفة ” لوريون لوجور- lorientlejour” اللبنانية, الناطقة باللغة الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

ما الذي يمكن لنا أن نستنتجه من خلال إعادة تشكيل العلاقات والتحالفات في منطقة الشرق الأوسط؟ بين الأعداء اللدودين، كما تشهد الدبلوماسية انتعاشا للمصلحة؛ في حين ثارت الشكوك بين الأصدقاء المقربين.

تقوم القوى الإقليمية، مثل المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا ومصر، بمراجعة أجندتها السياسية الخارجية مرة أخرى, كما تعمل على تجديد علاقاتها مع جيرانها البعيدين.

ومن جانبها, جددت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تنافسهما الإقليمي, كما أصبحت الصين منافساً جديداً.

ومن المرجح أن تعمل هذه التطورات الجغرافية السياسية في منطقة الشرق الأوسط على التحول إلى بؤرة منافسة شرسة.

ولكنها في نفس الوقت, قد ينتهي بها المطاف أيضاً إلى نزع فتيل المنافسات الإقليمية وتقارب البلدان التي طالما شابت علاقته بعضها البعض, الشوائب.

يعتمد الكثير على المحركات الرئيسية وراء هذه التوجهات الجديدة: الركود الإقليمي الذي أصاب الولايات المتحدة الأميركية، وصعود الصين والتأثير السلبي لجائحة الفيروس التاجي على الاقتصادات الإقليمية الضعيفة بالفعل.

انحدار أمريكي وانتعاش صيني:

أوضح الرئيس الأمريكي جو بايدن, أن منطقة الشرق الأوسط ليست أولوية من أولويات السياسة الخارجية لإدارته.

وفي حين عمل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على تنظيم تحالف مناهض لإيران بقيادة المملكة العربية السعودية وإسرائيل, وفي المقابل, سعى خلفهُ – جو بايدن- إلى النأي بنفسه عن النظام السعودي، بما في ذلك من خلال إنهاء الدعم للحرب في اليمن.

وفي المقابل, جددت إدارته العلاقات الدبلوماسية لإعادة إحياء الصفقة النووية الإيرانية التي تم التوقيع عليها في العام 2015, والتي انسحب منها الرئيس ترامب  في العام 2018, كما عمل على إبعاد كلاً من تركيا ومصر.

ومع سحب الولايات المتحدة الأمريكية لكامل قواتها العسكرية من أفغانستان هذا الشهر، أوضح الرئيس جو بايدن أن الولايات المتحدة تنفصل عن الحروب الباردة في المنطقة بينما تحول تركيزها إلى آسيا والصين.

وفي جميع أنحاء دول الشرق الأوسط، يعتقد عموما أن أمريكا لم تعد شريكا حقيقيا.

وبالإضافة إلى ذلك، ومع الانسحاب الأمريكي، أصبحت الصين حاضرة بشكل متزايد في المنطقة.

ففي مارس المنصرم، ابرمت بكين اتفاق هام مع طهران، حيث وعدت باستثمارات 400 مليار دولار على مدى السنوات الـ 25 المقبلة, مقابل تسليم شحنات من النفط والغاز بصورة منتظمة.

وخلال جولة قام بها إلى المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران والإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان في الشهر نفسه، أكد وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” التزام بلده بأمن واستقرار المنطقة, مشيراً إلى أن الصين سوف تعارض أي تدخل أجنبي- في انتقاد مبطّن للولايات المتحدة الأمريكية- حيث سوف تعمل كوسيط نزيه في حل  ملفات الصراعات المستمرة التي تشهدها المنطقة.

كما أبدى اهتماماً كبيراً باتفاقية التجارة الحرة الصينية التي من شأنها أن تجلب عشرات المليارات من الدولارات على شكل فرص الاستثمار وربط طريق جديد في الصين بمشاريع التنمية المحلية.

ويتردد هذا النوع من الخسائر الاقتصادية غير المتوقعة على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط، حيث كانت معدلات بطالة الشباب ومستويات الفقر وغيرها من المؤشرات لا تدعو للتفاؤل لفترة طويلة قبل أن يؤدي الوباء إلى تفاقمها بدرجة كبيرة.

وفي ظل هذه الظروف ليس من المستغرب أن يكتسب الحوار والدبلوماسية شعبية في هذه المنطقة.

يفهم معظم القادة على الصعيد المحلي أن أمن النظام يعتمد على تلبية احتياجات السكان أكثر من اعتماده على التحريض الطائفي على “الآخر” وكراهيته.

ولهذا السبب أجرى النظام السعودي والإيراني في أبريل الماضي محادثات سرية لمناقشة كيفية إنهاء الصراع الدائر في اليمن، حيث يشن التحالف العربي العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية حربا ضد الحوثيين المدعومين من إيران منذ أواخر مارس من العام 2015.

كما تبددت سحابة الصيف التي خيمت على السعودية وقطر، بعد قرار  قطع الرياض جميع العلاقات مع جارتها الدوحة منتصف يونيو 2017.

وفي بادرة قوية للتقارب شهدها شهر أبريل الماضي، دعا الملك سلمان ملك المملكة العربية السعودية رسميا أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لزيارة المملكة.

محادثات سرية:

ودليلا آخر على هذا الاضطراب السياسي الأوسع النطاق الذي يخيم على المنطقة، قام السعوديون أيضا بتطبيع علاقاتهم مع العراق، مما وضع حدا لثلاثة عقود من الاغتراب والعداء المتبادلين.

وبعد سنوات من الصراع مع الرئيس السوري بشار الأسد، أجرى المسؤولون السعوديون مؤخراً محادثات سرية مع نظرائهم السوريين في دمشق، أدى هذا إلى ورود تقارير تفيد بإمكانية التوصل إلى اتفاق دبلوماسي.

وقد تكون إيران أيضا على وشك تحسين علاقاتها مع دول الجوار، ولاسيما مع دولة  الإمارات, حيث يشار إلى أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يعتزم زيارة أبو ظبي قريبا، لدى عودته من جولة دبلوماسية ناجحة زار خلالها قطر والعراق والكويت وعمان.

ولكن الأكثر أهمية هو إمكانية التقارب بين طهران والرياض, ورغم انتهاء فترة ولاية  الرئيس الإيراني المعتدل، حسن روحاني، إلا إن الراديكالي الذي حل محله، إبراهيم رئيسي، قال إنه لا يرى “عائقاً” أمام إقامة علاقات دبلوماسية مع الرياض.

إن إعادة إقامة العلاقات من الممكن أن تحد من الصراع الأهلي والحروب بالوكالة في سوريا واليمن ــ وهما من أكبر الأزمات الإنسانية التي يشهدها العالم اليوم ــ وقد تجلب الاستقرار أيضاً إلى الانقسام السياسي والانقسام الديني، كما هو الحاصل في العراق ولبنان.

وأخيرا، مثل السعودية وإيران، شن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هجوما دبلوماسيا لتعزيز روابط بلاده في المنطقة، وخاصة فيما يتصل بمصر والسعودية.

فبعد أن كادت تركيا أن تسمح باندلاع صراع عنيف ضد ليبيا في العام الماضي، فإنها تريد الآن تحسين علاقاتها الاقتصادية مع مصر وغيرها من القوى الإقليمية والعالمية.

ويمكن تفسير هذه التغييرات الإقليمية الأخيرة بتغيير في تقييمات توازن القوى وبتقارب المصالح.

كان خفض الإنفاق الأميركي سبباً في إرغام القوى الإقليمية على تحمل المسؤولية عن أمنها من خلال الشروع في عملية مصالحة.

ويعترف زعماء المنطقة على نحو متزايد بأنه ليس هناك ما يمكن الحصول عليه من خلال إضافة صب الزيت على النار، كما اختار ترامب أن يفعل.

ومن خلال الدبلوماسية الدولية التي تقودها أمريكا وأوروبا والصين وروسيا واليابان، يمكن لمنطقة الشرق الأوسط أن تواصل السير على الطريق الحالي المتمثل في وقف التصعيد.

هل يمكن للمجتمع الدولي أن يتفاوض على اتفاق لإنشاء هيكل أمني جديد شامل للجميع ولشرق أوسط خال من الأسلحة النووية، أو على الأقل دعم وتشجيع الحوار الإقليمي وإدارة الصراعات الناشئة في هذا السياق؟ حيث لم يعد من المأمول أن نتصور هذه النتيجة.

وإذا كان صراع لا نهاية له قد ميز ماضي الشرق الأوسط، فإنه ليس المصير الذي لا يتغير لهذه المنطقة من العالم.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع