السياسية:

تعد زيارة نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، شقيق الأمير محمد بن سلمان، لواشنطن هي الأولى من نوعها منذ تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن السلطة، في مؤشر لاحتمال إعادة تقييم العلاقات بين أمريكا والسعودية، التي كانت مشحونة بعد رحيل ترامب من البيت الأبيض.

ففي هذه الزيارة استقبلت إدارة بايدن أرفع مسؤولٍ سعودي يصل إلى واشنطن منذ أن بدأ البيت الأبيض ينأى بنفسه عن المملكة وحاكمها الفعلي ولي العهد محمد بن سلمان، مطلع العام الجاري، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.

إذ عقد نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد السعودي، عدة اجتماعات مع أبرز مسؤولي الأمن القومي في إدارة بايدن مثل: مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، ووزير الدفاع لويد أوستن، ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن. 

ولم يمر وصول الأمير دون إثارة بعض الجدل، بالتزامن مع تعبير بعض مسؤولي وزارة الخارجية عن خيبة أملهم نتيجة المساحة الكبيرة التي أُتيحت له، وفقاً لمصدرين مطلعين على تفاصيل الزيارة.

أسباب زيارة الأمير خالد، وماذا تعني بالنسبة إلى العلاقات بين أمريكا والسعودية؟

بالتزامن مع معاناة الإدارة على مختلف الأصعدة -في ظل العودة المحتملة لـ”طالبان” بأفغانستان، والحرب الجارية في اليمن، وتعثر المحادثات الإيرانية، وارتفاع أسعار البنزين لأعلى مستوياتها بالتزامن مع خروج الأمريكيين للاحتفاء بالصيف والحرية في أعقاب الحجر الصحي- يبدو أن دور المملكة العربية السعودية في هذه المواضيع صار مُهماً بدرجةٍ يصعب تجاهلها، وهو ما قد يعني حاجة إدارة بايدن إلى إعادة النظر في طريقة تعاملها في العلاقات بين أمريكا والسعودية.

إذ قال جون حنا، الزميل البارز بمؤسسة Jewish Institute for National Security Affairs: “في العديد من المرات وتحت قيادة العديد من الإدارات؛ يصطدم كل رئيسٍ في النهاية بالواقع هنا، ليتوصل إلى أنّه رغم صعوبة التعايش مع السعوديين كشركاء مقربين -نظراً إلى الفجوة الواسعة في القيم بين المجتمعين- فإن الأكثر صعوبة سيكون التعاملَ معهم كأعداء محتملين أو دولة غير صديقة. فأهميتهم تظل كبيرةً للغاية”.

استقبال على السجادة الحمراء، ولكن هل تم تناول موضوع خاشقجي؟

جاء استقبال خالد بن سلمان على السجادة الحمراء ليُعطي مؤشراً على تحوُّل حادٍّ عن موقف الإدارة في فبراير/شباط الماضي؛ حين أصدرت تقريراً وجد أنّ ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مسؤولٌ بشكلٍ مباشر عن الموافقة على قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول، إضافة إلى فرض واشنطن عقوبات على عشرات السعوديين المرتبطين بانتهاكات حقوق الإنسان، وإنهاء الدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن.

وقد أثار هذا التحول نوعاً من الجدل داخل الإدارة، وأصاب بعض مسؤولي وزارة الخارجية بالإحباط، نتيجة المساحة التي حظي بها الأمير البالغ من العمر 33 عاماً، حسب التقرير.

ومع استعداد بلينكن للقاء الأمير -الذي يُعتبر مجرد نائب وزير دفاع وأقل رتبةً من لقاء وزير خارجية- تحوَّل اللقاء إلى موضوعٍ للجدل داخل الوزارة، بحسب المصادر. كما عمّت خيبة الأمل، الثلاثاء 6 يوليو/تموز، حين ألغى السعوديون عشاءً خططوا له مع مسؤولي إدارة بايدن، قبل ساعاتٍ من موعده داخل مقر إقامة السفير السعودي في واشنطن العاصمة.

كانت هناك بعض الضغوط على الإدارة الأمريكية لحثِّ السعوديين على تقديم سعود القحطاني، المستشار المقرب من ولي العهد، إلى العدالة، والذي ورد اسمه بالتقرير في وقت سابق من هذا العام، من قِبل مديرة الاستخبارات الوطنية. ولم تقدم وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي أي تفاصيل عند سؤالهما عما إذا كان خاشقجي وسعود القحطاني قد تم تناولهما- أو سيتم تناولهما- في الاجتماعات، حسبما ورد في تقرير آخر لموقع شبكة CNN الأمريكية.

لم تُدرَج زيارة الأمير خالد على جدول بلينكن العلني، كما لم يجرِ الإعلان عن إقامته بواشنطن مسبقاً؛ وذلك في محاولةٍ على الأرجح لإبقاء الزيارة سرية.

النفط أهم أسباب الزيارة المفصلية

وفي فبراير/شباط الماضي، أكّد بايدن ومسؤولون آخرون أنّهم سيُنهون حالة الدفء التي اتسمت بها علاقة إدارة ترامب مع السعودية، ومشيرين بذلك إلى رغبتهم في انتهاء غض الطرف الأمريكي عن انتهاكات حقوق الإنسان داخل السعودية. لكنهم أوضحوا أيضاً أنّ الولايات المتحدة ستواصل دعم، وحماية، والعمل مع المملكة، بسبب المصالح المشتركة.

ولتحقيق هذا التوازن في العلاقات بين أمريكا والسعودية، أوضح بايدن أنّه لن يتعامل بشكلٍ مباشر مع ولي العهد، لكنه سيتعامل مع حاكم البلاد الملك سلمان. وما يزال السعوديون يرغبون في أن يُجري بايدن مكالمةً هاتفية مع ولي العهد محمد بن سلمان، لكنه لم يفعل ذلك حتى الآن، بحسب تصريحات المصادر لشبكة CNN الأمريكية. لكن إدارة بايدن ترى في هذه الزيارة، والاجتماعات رفيعة المستوى التي عقدها الأمير خالد، دافعاً محفزاً لتشجيع السعوديين على العمل مع الولايات المتحدة لحل بعض مشكلات المنطقة.

إذ تُمثّل الطاقة، مثلاً، مجالاً شديد الأهمية بالنسبة إلى العلاقات بين أمريكا والسعودية، حيث أورد بيان البيت الأبيض، يوم الثلاثاء، أنّ سوليفان والأمير خالد “ناقشا أهمية تنسيق الجهود لضمان انتعاشة اقتصادية عالمية قوية”، في إشارةٍ محتملة إلى أسواق النفط.

وقد حذّر مصرف Goldman Sachs، يوم الثلاثاء، من أنّ مخزونات النفط العالمية معرضةٌ لخطر الانخفاض لأدنى المستويات عقب فشل منظمة أوبك في التوصل إلى اتفاقٍ بشأن زيادة معدلات الإنتاج، الإثنين 5 يوليو/تموز، بسبب الخلاف بين السعودية والإمارات.

وبينما يحول تركيز بايدن على البيئة دون مطالبته علناً للسعودية بضخ مزيد من الوقود الأحفوري، قد يزيد ارتفاع أسعار النفط مخاوف التضخم ويمنح الجمهوريين الذخيرة اللازمة للهجوم على سياساته.

وبايدن يريد من السعوديين استغلال علاقتهم القديمة بـ”طالبان”

كما بإمكان السعوديين لعب دور الوسيط في أفغانستان. إذ حاولت السعودية بقيادة ولي العهد، وضع نفسها في مركز الطرف البنّاء داخل أفغانستان، ولطالما تمتّعت المملكة بمصالح ونفوذ قوي داخل البلاد، حيث كانت الرياض واحدةً من ثلاث عواصم فقط اعترفت بشرعية حركة طالبان كحكومةٍ لأفغانستان، قبل غزو الولايات المتحدة والحلفاء للبلاد عام 2001.

ويقول المحللون إنّها ما تزال محتفظةً ببعض العلاقات غير الرسمية مع الحركة عقب تدخُّل الناتو العسكري.

ومن هنا بات الوضع في أفغانستان عامل إضافة لتحسن العلاقات بين أمريكا والسعودية.

اليمن.. تحوُّل في موقف إدارة بايدن

وما تزال السعودية أيضاً طرفاً أساسياً في حرب اليمن، حيث يأمل مسؤولو إدارة بايدن تهدئة العنف والمعاناة الإنسانية. لكن المحللين يقولون إنّ مستويات العنف قد ارتفعت منذ فبراير/شباط الماضي، بالتزامن مع قتال المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، من أجل إحكام سيطرتهم على شمالي اليمن.

وقد التقى الأمير خالد مع المبعوث الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ؛ لنقاش “خطوات تهدئة الأزمة الإنسانية الجارية في اليمن، والخطوات اللازمة لإنهاء الصراع هناك”.

وكانت السعودية قد أطلقت مبادرة لإحلال السلام في اليمن، منذ بضعة أشهر، بدت أنها موجهة لإدارة بايدن؛ لإظهار تماشيها إزاء القلق الغربي من الحرب، ولكنها لم تلقَ آذاناً مُصغية من الحوثيين.

ولاحظ بعض المراقبين تغيُّراً في لهجة الإدارة بشأن اليمن. إذ قال حنا: “دخلت الإدارة، في البداية، بكل حماسة وهي تنظر إلى السعوديين باعتبارهم الطرف الشرير في حرب اليمن. لكن اللهجة تغيّرت بالكامل بالتزامن مع استمرار الحوثيين والإيرانيين في تصعيد الصراع”.

المفاوضات النووية تتعثر

وتُعاني الولايات المتحدة كذلك، بسبب المحادثات النووية الإيرانية، التي يبدو أنّها بدأت تتعثر، وهي القضية التي تتلاقى فيها المصالح المشتركة مع السعوديين أيضاً.

وفي بيانٍ صدر يوم الأربعاء 7 يوليو/تموز، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنّ الأمير خالد التقى وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند والمستشار ديريك شوليت؛ لمناقشة “الأمن الإقليمي، ودعم السعودية للدفاع عن نفسها ضد الهجمات الحدودية، وتحسين حقوق الإنسان”.

وقد انضم بلينكن إلى المجموعة في جزءٍ من الاجتماع؛ لنقاش جهود تحقيق وقف إطلاق نار شامل بجميع أنحاء اليمن، والتحوّل إلى العملية السياسية في البلاد، والحاجة إلى توفير الإصلاح الاقتصادي والإغاثة الإنسانية للشعب اللبناني، وغيرها من القضايا الثنائية الأساسية مثل حقوق الإنسان.

*المادة الصحفية نقلت حرفيا من مع عربي بوست ولايعبر عن رآي الموقع