لماذا لا يمكن السيطرة على حروب الطائرات بدون طيار في الشرق الأوسط؟
السياسية:
شنَّت الولايات المتحدة نهاية الأسبوع الماضي، غارات جوية على مجموعات مسلحة موالية لإيران بالقرب من الحدود العراقية السورية. وبحسب بيان صادر عن مسؤولين بوزارة الدفاع الأمريكية، جاءت الضربات رداً على هجمات الطائرات بدون طيار التابعة لتلك المجموعات على قوات أمريكية في العراق.
قال الجيش الأمريكي إن الطائرات المسيَّرة، استُخدمت لمهاجمة جنوده في العراق خمس مرات على الأقل منذ أبريل/نيسان. وفي أحدث هذه الهجمات، فجَّر المهاجمون طائرة مسيَّرة في منطقة مخصصة لتناول الطعام يستخدمها الأمريكيون داخل مطار بغداد، كما دمرت أخرى حظيرة طائرات أمريكية في شمال العراق.
يقول تقرير لموقع وكالة DW الألمانية، إن التصاعد في هجمات الطائرات بدون طيار يمثِّل جزءاً من اتجاه مثير للقلق في الشرق الأوسط، وهو الاستخدام سواء لأغراض المراقبة أو لمهاجمة الخصوم، من جانب دول عديدة في المنطقة، ولكن أيضاً من جانب جهات فاعلة غير حكومية هناك، مثل الميليشيات في العراق واليمن وسوريا، وغيرها.
استخدام هجمات الطائرات بدون طيار للضغط السياسي
تشير دراسة أجراها “المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية” (ISPI) إلى أن دول الشرق الأوسط (باستثناء إسرائيل) أنفقت ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار على الطائرات المسيّرة على مدى السنوات الخمس الماضية.
وفي هذا السياق، ربما تكون إسرائيل هي صانع الطائرات المسيَّرة الأكثر تقدماً في المنطقة. لكن البلاد تميل إلى عدم نقل التكنولوجيا إلى أولئك الذين تعتبرهم أعداء محتملين. وتعد تركيا وإيران والإمارات والصين من الموردين الرئيسيين الآخرين للطائرات المسيِّرة في المنطقة.
ويشير فريدريكو بورساري، وهو باحث في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، إلى أن إيران لديها أحد أطول مسارات التشغيل للطائرات المسيَّرة في الطائرات التي تنتجها. وقال بورساري إن إيران، التي تقيدها العقوبات الدولية وتفتقر إلى قوة جوية حديثة، أدركت منذ فترة طويلة أن الطائرات المسيَّرة، التي تقدمها لحلفائها في أماكن أخرى، يمكن أن تضاعف من قوتهم الجوية وتمنحها في الوقت نفسه “إمكانية إنكار معقولة” لمسؤوليتها عن أي هجمات تشنها تلك الطائرات.
على هذا النحو، يُمكن للجماعات المسلحة العراقية، على سبيل المثال، أن تستخدم الطائرات المسيَّرة ضد الولايات المتحدة، أو للحوثيين أن يستخدموها ضد السعودية في اليمن، إلا أن الخبراء يتفقون على أن الاحتمال الأبرز أن المعرفة التقنية في تلك الطائرات يأتي من إيران المجاورة، التي يُمكن لها رغم ذلك أن تنكر أي علاقة لها بتلك الطائرات. ويقول بورساي: “من وجهة نظر طهران، هذه ميزة. فالطائرات المسيِّرة التي في أيديهم يمكن استخدامها لفرض ضغوط سياسية” على خصومهم.
الطائرات المسيّرة.. قوة جوية متفوقة
يذهب فابيان هينز، وهو باحث في شؤون الشرق الأوسط يقيم في برلين وله اهتمام خاصة بدراسة الطائرات المسيَّرة والصواريخ الباليستية، إلى أن انتشار الطائرات بدون طيار في الشرق الأوسط “أمر خطير لأنه يقلب ترتيب القوى العسكرية في المنطقة. ففي السابق، كان يمكنك أن تتوقع نتيجة أي صراع [تشهده المنطقة]. وكما هو الحال في أي مكان، كان يمكنك الاستناد إلى عدد الطائرات التي يملكها أي بلد وقدر التدريبات عليها لتقدير مدى قوة هذا البلد. لكن الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية تزعزع كل هذه المقاييس”.
وفي مقال افتتاحي كتبته أغنيس كالامارد، المقرِّرة الخاصة السابقة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام التعسفي والإعدام خارج نطاق القضاء، في ديسمبر/كانون الأول 2020، ونشره موقع The Bulletin of Atomic Scientists، حذَّرت أغنيس من أن العالم قد دخل “حقبة جديدة فيما يتعلق بالطائرات المسيَّرة.. تتسم هذه الحقبة بالانتشار غير المنضبط للطائرات بلا طيار، وبات أكثرها تقدماً ذا قدرات شبحية، وأسرع وأصغر وأقدر على القتل المستهدف من الطائرات في الأجيال السابقة”.
وتشير آخر الإحصاءات الصادرة في مارس/آذار 2020، إلى أن أكثر من 102 دولة بات لديها طائرات مسيَّرة عسكرية، بالإضافة إلى أكثر من 63 جهة غير حكومية أخرى.
لا معايير منظِّمة لاستخدام الطائرات بدون طيار
تلفت أغنيس كالامارد إلى أن أحد أبرز الحلول لمعضلة الاستخدام المتزايد للطائرات المسيَّرة في الشرق الأوسط هو الاحتكام إلى قواعد منظِّمة ومعايير أفضل. وتجادل بأن الدول يجب أن تعمل معاً لإنشاء نظام جديد يتضمن “معايير صارمة لتصميم وتصدير واستخدام الطائرات المسيَّرة، ونقل التكنولوجيا العسكرية ذات الصلة”.
لكن السؤال: هل سيحظى إطار تنظيمي من هذا النوع بالفاعلية في الشرق الأوسط، خاصة مع الانتشار الواقع بالفعل للطائرات المسيَّرة؟ وهل سيكون هذا أفضل مما فعله الجيش الأمريكي في نهاية الأسبوع الماضي- أي الرد ببساطة على مستخدمي الطائرات المسيَّرة ضد أهدافه؟
يتفق جيمس روجرز، أستاذ الدراسات السياسية والمستشار الخاص لحكومة المملكة المتحدة بشأن الطائرات المسيرة، مع الرأي القائل إنه “من جهة الاستراتيجية العسكرية، فإن الأكثر فاعلية هو استهداف المواقع التي يجري فيها تصنيع تلك الطائرات، أو القضاء على أولئك المدَّربين تدريباً عالياً لتصنيعها”.
لكن روجرز يستدرك بالإشارة إلى أن “هناك وسائل دبلوماسية أخرى يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع هذا الاستهداف. كما يتعين أن تكون أي ضربات من هذا النوع متماشية مع القانون الدولي، وأن تحترم، لا أن تقوض، سيادة أي دولة”.
تصاميم مستمدة من إيران
تمكَّن روجرز خلال وجوده في الشرق الأوسط من فحصِ بعض الطائرات المسيَّرة الخاصة بالحوثيين فحصاً وثيقاً. وقال روجرز لوكالة DW الألمانية إن هذه الطائرات عبارة عن مزيج يضم تصاميم لطائرات مسيَّرة متأثرة بتصاميم الطائرات المسيَّرة التي تصنعها إيران، وأسلاك مجلوبة من الصين، وكاميرات رقمية حديثة من صناعة شركات عالمية رائدة، ومحرِّكات تنتجها مجموعة متنوعة من الشركات الأوروبية. ويُحتمل أن يكون مقاتلو الحوثي أنفسهم صنعوا قطعاً عدة من أجزاء الطائرة، وربما نُسخت من قطع أصلية قادمة من مكان آخر.
وقال هينز، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، إن الأدلة تشير إلى تزويد إيران وكلاءها في دول أخرى بتصاميم خاصة للطائرات المسيَّرة، مشيراً إلى تقرير أعده خبراء في الأمم المتحدة وذكروا فيه مكونات طائرة مسيَّرة تابعة للحوثيين أُطلقت ضد أهداف سعودية. وأوضح أن بعض المكونات صُنعت محلياً، لكن هناك أيضاً مكونات في الطائرة من المملكة المتحدة وبولندا والسويد وإيطاليا واليابان وأيرلندا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة.
ولهذا السبب تحديداً، يتفق كل من هينز وروجرز على أنه، وإن كان يمكن التحكم في تصدير أحدث تقنيات الطائرات المسيَّرة العسكرية، فإنه يستحيل تقريباً الحيلولة دون وصول مكونات الطائرات المسيَّرة المصنوعة تجارياً إلى الجهات الفاعلة غير الحكومية في الشرق الأوسط.
أقل تكلفة وخسائر
يقول هينز: “يمكنك فرض قواعد أكثر صرامة للتحكم في وصول هذه المكونات [المصنوعة تجارياً]، لكن الأغلب أن تظل هذه القواعد ذات تأثير محدود. هذه القواعد ستجعل سباق التسلح بالطائرات المسيَّرة أصعب وأكثر تكلفة، ومن ثم سيؤدي إلى إبطاء الأمور قليلاً. لكن أولئك الذين يريدون تلك المكونات سيتمكنون في نهاية الأمر من العثور على وسيط يبيعها إليهم، أو الاستعاضة عنها بقطع يمكنهم صناعتها بأنفسهم”.
من ثم، يعتقد روجزر أن أحد الطرق لإقرار قواعد تنظيمية أكثر سيطرة على انتشار الطائرات المسيَّرة هو التركيز على كيفية استخدامها، بدلاً من التركيز على تقييد الوصول إلى قطع غيارها.
ويقصد روجرز بذلك أن “الطائرات المسيَّرة بدأت تطرح سبلاً لانتهاك القانون الدولي، وتؤدي إلى مزيد من الانتهاكات لسيادة الدول الأخرى. فعندما تشن حرباً تتحكم فيها عن بعد، يبدو الأمر أقل خطورة وتكلفة”، ومن ثم ينبغي العمل على إقرار قوانين تقيِّد استخدامها وترفع تكلفة الاستعانة في الصراعات.
تداعيات الاعتماد المتزايد على الطائرات بدون طيار
لهذه الأسباب، يدعو روجرز إلى معايير أكثر صرامة لاستخدام الطائرات المسيَّرة، ويقترح شيئاً أشبه باتفاقيات حسن النية، تتفق فيها الدول على قواعد لاستخدام الطائرات المسيَّرة وتقييدها في مجالات معينة: مثل استخدامها لمراقبة حدود الدول، واتباع قواعد القانون الدولي حين استخدامها، والتزام بما يضمن أقل قدر ممكن من الأضرار الجانبية، وكذلك مراقبة وصول تكنولوجيا الطائرات المسيَّرة إلى أي أطراف ثالثة. ويمكن تضمين هذه الشروط في اتفاقيات استخدام الطائرات المسيَّرة بين الدول التي تبيعها والدول المستهلكة لها.
على الرغم من هيمنة التشاؤم على معظم الخبراء المعنيين بالطائرات المسيَّرة بشأن التوصل إلى ضوابط فعالة تماماً، فإن روجرز يجادل بأن التفكير في كل هذا أمرٌ حيوي لمستقبل الصراعات وحماية حقوق الإنسان.
ويلخص روجرز حجته بالقول: “إذا أمكنك التحكم في معظم الأنظمة عالية التقنية وكيفية استخدامها، فأنت بذلك تضع إطاراً لتنظيم التحكم المحتمل في أنظمة الذكاء الاصطناعي [العسكرية] المستقلة الناشئة، وفي هذا السياق تعد الطائرات المسيَّرة مجرد نقطة دخول”، لفرض قواعد أكثر التفاتاً إلى حقوق الإنسان وأقل انتهاكاً لها.
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رآي الموقع