طارق فهمي

مع تولي الحكومة الإسرائيلية الجديدة، برئاسة نفتالي بينيت، وبالتناوب مع يائير لبيد، كان السؤال المطروح كيف ستتعامل هذه الحكومة في محيطها الداخلي والإقليمي؟ وكيف ستخرج من الدائرة الضيقة التي يمكن أن تعمل فيها؟ مع تأكيد الجميع أنها حكومة انتقالية وهشة وضعيفة ويمكن أن تسقط مع أول اختبار حقيقي في الكنيست، وأنها تحتاج إلى قوة دفع، ودعم خارجي مركزاً بالأساس في مساندة الولايات المتحدة، وإقليمياً مع الدول التي عقدت معها اتفاقات سلام، مثل مصر، والأردن، وكذلك مع الإمارات. تتحرك هذه الحكومة في دائرة محددة وغير متسعة، وتريد أن تثبت كفاءتها في الاستمرار، ولهذا فإنها تخطط في التعامل مع كل طرف وفقاً لقاعدة المصلحة بالأساس، وهو ما سيبرز في إطار تعاملاتها مع مصر والأردن على وجه الخصوص نظراً للطبيعة الخاصة في العلاقات التاريخية بين الأطراف الثلاثة.

أهداف محددة

تريد الحكومة الإسرائيلية من مصر إتمام صفقة تبادل الأسرى والعمل على تسريع التوصل لحل، وهو أمر يواجه بصعوبات حقيقية نتيجة لتحفظ حركة “حماس” على ما سيجري، وفي ظل شروط إسرائيلية بربط مشروع الإعمار بالأساس بإتمام صفقة تبادل الأسرى، وهو ما عرضه الوفد الأمني الإسرائيلي الذي زار القاهرة، أخيراً، واصطدم بالمطالب التي طرحتها حركة “حماس”، وتراهن على إتمامها لاكتساب شعبية كبيرة في الضفة قبل القطاع.

وعلى الرغم مما يجري إعلامياً في تل أبيب من المتوقع أن يتم التوصل لحل توافقي، خاصة أن مصر نقلت رسائل محددة لحركة “حماس” بأن الحكومة الإسرائيلية قد تُقدم على ضرب القطاع، وإعادة تكرار المواجهة، وأن الخروج بصفقة مشرفة سيكون مكسباً حقيقياً للحركة في الوقت الراهن، أما التشدد فسيكون خسارة للحركة، بالتالي فما زال الموقف محل تجاذب، وتسعى الحكومة الإسرائيلية للضغط على مصر لإتمام الصفقة، وحسمها بما سيحقق للحكومة العديد من المكاسب أمام الجمهور الإسرائيلي، وسيكون مقدمة لتحقيق مكاسب أخرى تقوي من وجود الحكومة في الساحة السياسية، ولا يؤدي إلى تغيير ائتلافها في ظل تربص المعارضة الإسرائيلية، وعلى رأسها “الليكود”، وأحزاب “الحريديم”، وباقي القوى المتشددة.

تعمل الحكومة الإسرائيلية تجاه مصر على الانتقال من الخيارات الجزئية إلى الخيارات الأكبر، التي يمكن وصفها بالكلية أو الشمول؛ أي عدم الاكتفاء بوقف إطلاق النار الساري الآن، وإنما التحول من وقف إطلاق النار إلى تثبيته في الفترة المقبلة من خلال دور داعم لمصر بالأساس، حيث يتفق المستوى العسكري أن علاقات مصر الكبيرة والمتعددة داخل القطاع، والتي لا تقتصر على حركة “حماس” قد تتيح الفرصة لإتمام ذلك في المديين القصير والمتوسط، بالتالي فإن تثبيت الهدنة سيدفع الحكومة الإسرائيلية للاهتمام بالقضايا الكبرى في أمن المنطقة، والانخراط نحو مزيد من اتفاقات السلام مع الدول العربية، بالتالي فإن نجاح مصر في فرض الاستقرار داخل القطاع قد يتطلب إعطاء قائمة تحفيزية لمصر للمضي قدماً في هذا المسار، خاصة مع فشل الحوار الفلسطيني وتمسك كل طرف في “فتح” و”حماس” بمواقفه، وهو ما يراه المستوى العسكري يخدم السياسات الإسرائيلية بالفعل، بل ينمي الرؤية الإسرائيلية بأن بقاء المشهد في القطاع، وفي الضفة على حاله سيؤدي إلى ضمان أمن إسرائيل.

المستوى العسكري

في هذا الإطار، يقر المستوى العسكري بأن العمل مع مصر قد يطرح دوراً مهماً لها في ضبط المشهد الأمني، حيث لا تمانع الحكومة الإسرائيلية من إدخال قوات دولية، سواء في القدس، أو في غزة، وفي منطقة غلاف القطاع التي تطلق منها الفصائل الفلسطينية صواريخها على المستوطنات، ما يؤدي إلى نتائج مهمة وإيجابية في ضبط سلوك الفصائل، ولكن هذا الإجراء قد يأتي في ظل تطورات أخرى، وفي حال تدهور الأمن في القدس أو استئناف المواجهات مع القطاع بصورة شاملة.

هناك إذاً تصور إسرائيلي على أن مصر يمكن أن تلعب هذا الدور في حال قبول التنظيمات الفلسطينية والسلطة والقيادة الفلسطينية، حيث كان مخططاً أن يبدأ مشروع الإعمار بقيادة مصرية وتحركات أممية، ودعم قطري وأوروبي، ولكن تعثر خطوات المصالحة وخروج قيادات حركة “حماس” رافضةً المقترحات الخاصة بالعودة لإطار منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية أعاق هذا الأمر، ومن ثم فإن الحكومة الإسرائيلية ستظل تراقب المشهد الراهن سياسياً واستراتيجياً إلى حين تتضح الرؤية، مع التعويل على الدور المصري في السيطرة على أي مشهد طارئ ومحتمل.

النطاقات الإقليمية

تريد الحكومة الإسرائيلية من مصر عدم عرقلة ما يجري إقليمياً، أو طرح أي تحفظات على مسارات الحركة الإقليمية للحكومة الإسرائيلية، خاصة مع التوقع بموجة جديدة من التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، وهو ما تعمل الإدارة الأميركية على تشجيعه بعد تحرك الكونغرس في الوقت الراهن على فكرة دعم اتفاقات السلام بين الدول العربية وإسرائيل بعد أشهر من عدم الاهتمام، بما تم في الإدارة الأميركية السابقة، وقد اتضح ذلك من جملة التحركات الأميركية، سواء في الكونغرس، وفي مجلس الشيوخ.

وتجدر الإشارة، إلى أن مشروع القانون المطروح يحظى بدعم كبير من الحزبين في مجلسي الشيوخ والنواب، الأمر الذي يعزز حظوظه بالإقرار مع احتمال طرح بعض التعديلات عليه، حيث يدعو المشروع الذي يحمله عنوان قانون التطبيع مع إسرائيل لعام 2021، وطرحه أكثر من سيناتور ديمقراطي وجمهوري في الكونغرس إلى تعزيز اتفاقات السلام مع إسرائيل وتوسيعها.

ويحث مشروع الإدارة الأميركية على تشجيع دول أخرى للسلام مع إسرائيل، من منطلق الحرص على أن الاتفاقات الحالية تحصد ثماراً أمنية واقتصادية لمواطني البلدان التي وقعت عليها مع تأكيد أن اتفاقات السلام الأخيرة بين إسرائيل ودول عربية أخرى، كالإمارات والبحرين والسودان والمغرب، لديها القدرة على تغيير الأجواء الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية، جذرياً، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إضافة إلى تقديم المصالح الأساسية للأمن القومي الأميركي.

في هذا السياق، فإن الحكومة الإسرائيلية ستتابع ما يجري مصرياً، خاصة مع التخوف من أن يكون لبعض المشروعات الإقليمية آثار على مصالحها في قناة السويس، أو خطوط الغاز، أو عمليات النقل اللوجستي، وغيرها من الخطوات المرحلية التي يمكن أن تنطلق منها، بالتالي فإن الحكومة الإسرائيلية ستعمل على نقل رسالة لمصر بضرورة التنسيق والتعاون مع الإقدام على تجاوز معطيات المراحل السابقة من العلاقات، خاصة مع الحرص الإسرائيلي على نقل العلاقات الاقتصادية في نطاق “الكويز” وخارجها إلى مرحلة جديدة مع التنسيق مع مصر في إطار شرق المتوسط، حيث الصراعات الكبرى، مع عدم تجاوز مصر مع ما يخطط في العلاقات مع اليونان وقبرص، إضافة إلى تركيا في حال حدوث تطورات إيجابية في الحوار الراهن بين القاهرة وأنقرة، والذي ما زال متعثراً، بالتالي فإن الحكومة الإسرائيلية ستسعى لضبط العلاقات مع مصر باعتبارها الدولة المحورية في شرق المتوسط مع تطوير وجودها في المنظمة الإقليمية للغاز، الأمر الذي سيساعدها على تطوير علاقاتها، ليس بمصر فقط، وإنما أيضاً بدول المتوسط، إضافة إلى الإمارات، وسيعجل بتحقيق مكاسب حقيقية لإسرائيل، وهو ما سيكون على رأس أولوياتها تجاه مصر في الفترة المقبلة.

أولويات محددة

إضافة إلى ما سبق، هناك اهتمام إسرائيلي بضرورة العمل معاً في البحر الأحمر، وفي منطقة الخليج العربي، وهو ما سيدفعها لتأكيد أنها عضو في التحالف الدولي البحري الموجه للتهديدات الإقليمية، بالتالي فإن دورها مهم، والتنسيق مع مصر يأتي على رأس الأولويات المطلوبة مع الحفاظ على أسس العلاقات بين البلدين في مستوياتها الأمنية والاستراتيجية، واللقاءات الدورية بين البلدين إضافة للتنسيق الأمني والاستخباراتي الناجح، الذي يشير إلى تطلع إسرائيل لتطوير العلاقات مع مصر والأردن، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء بالتناوب، ووزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد، أخيراً، وسيدفع الحكومة الإسرائيلية للإعلان عن تكثيف الجيش تعاونه مع نظيره الأردني على طول الحدود، حيث بدأ العمل لأول مرة على تشكيل غرفة حدودية مشتركة، وستسمح هذه الإجراءات بالاتصال المباشر من خلال تقنيات السيطرة المشتركة، بالتالي مشاركة معلومات حيوية، ومن ثم فإن الغرفة المشتركة هي مجرد خطوة في تطبيق مشروع كبير أطلق عليه “زخم الحدود”، حيث يتم إجراء تغيير تنظيمي ومفاهيمي في حماية الحدود، وتغيير في هيكل وتدريب كتائب الدفاع الحدودية الأربع التي تضم جنوداً ومجندات، وتقدر تكلفة المشروع بـ120 مليون شيكل (نحو 36.6 مليون دولار أميركي). وسيتم إنشاء قواعد تدريب وقواعد دائمة للكتائب الحدودية الأربع مع ظروف معيشية أفضل بكثير من الوضع الحالي، ومن المتوقع أن يبدأ العمل المشترك في الأشهر المقبلة، علماً بأن الغرفة المشتركة في طور البناء حالياً، وإذا نجح المشروع فسيفكر الطرفان في توسيعه بشكل كبير ليشمل مناطق أخرى على طول الحدود.

والرسالة من هذا أن الحكومة الإسرائيلية باتت تخطط للتعامل مع مصر والأردن تحديداً برؤية أكثر شمولاً في ظل استقرار معاهدتي كامب ديفيد ووادي عربة، مع الحرص على استثمار هذه العلاقات ودفعها لمرحلة جديدة خاصة مع مخطط الحكومة الإسرائيلية للبحث عن مناحٍ جديدة للعلاقات، ومنها المطالبة باستئناف الاتصالات الدبلوماسية والسياسية بصورة معلنة، والانتقال من دائرة السرية إلى دائرة علنية مع العمل على دوائر مباشرة، بالتالي لن يكون غريباً أن تطلب الحكومة الإسرائيلية لقاءات لرئيس الوزراء نفتالي بينيت، أو يائير لبيد في الفترة المقبلة، كما ستعمل الوفود السياسية إلى جوار الوفود الأمنية، حيث سيبدو الأمر طبيعياً في ظل ما يجري وفي إطار حرص إسرائيلي على تنمية العلاقات وتطويرها.

الخلاصات الأخيرة

إن تخطيط الحكومة الإسرائيلية للانفتاح على القاهرة له أهميته بالنسبة لعمل الحكومة، واستمرارها مع التأكيد على دور القاهرة ضامن ورئيس ليس تجاه قطاع غزة، بل في اتجاه السلطة الفلسطينية، وفي الإقليم وفي مخطط إسرائيل للعمل على تجديد مسارات التحرك لعقد مزيد من اتفاقات السلام والتخوف من الحركة المصرية المضادة، بالتالي فإن المطالبة في المستوى السياسي الإسرائيلي بضرورة مراعاة الموقف المصري، واستمرار التنسيق معه أمر يأتي في أولويات الحكومة الإسرائيلية الحالية في عدم التحرك المناوئ للمواقف المصرية باعتبارها دولة محورية، ومهمة، وأنه ليس من مصلحة تل أبيب حدوث أي تجاذبات سياسية معها، وهو ما ينطبق مع التعامل مع الأردن في ظل وجود معطيات مشتركة وفي ملفات عدة.