السياسية:

يبدو أن الحركة الإصلاحية الإيرانية تواجه سؤالاً مصيرياً  بعد عمليات الاستبعاد الواسعة للمرشحين في الانتخابات الإيرانية، وبات السؤال هل بات إصلاح النظام من الداخل هدفاً غير ممكن، وما البديل؟

فعلى مدار العقدين الماضيين، قاد الناشط السياسي حسين يزدي حملات انتخابية للرئاسة الإيرانية، وكان عازماً على إحداث التغيير داخل الدولة الثيوقراطية المحافظة.

غير أنّ يزدي (42 عاماً)، الذي وُلِدَ قبل بضعة أشهر من اندلاع الثورة التي أسست الجمهورية الإسلامية عام 1979، فقد الأمل تماماً في النهاية. وهذه المرة، لن يُعلّق الملصقات أو يطرق الأبواب من أجل شرح مزايا مرشحه المفضل. ولن يُصوّت حتى في الانتخابات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.

وعلى غرار العديد من النشطاء الأصغر سناً، فقد أصابته خيبة الأمل التي عززتها قائمة المرشحين لانتخابات الـ18 من يونيو/حزيران. إذ حُظِرَ على أبرز المرشحين المعتدلين المشاركة، بينما لم يحصد اثنين من المرشحين الإصلاحيين الزخم بعد. 

ومع اقتراب رحيل الرئيس الوسطي حسن روحاني عن السلطة بعد فترتين رئاسيتين، فلا بد أنّ المرشح المتشدّد الأوفر حظاً ورئيس القضاء إبراهيم رئيسي سوف يفوز بسهولة حال انخفاض نسبة المشاركة وفقاً للمحللين.

وضمت القائمة النهائية 7 أسماء فقط من أصل 40 شخصاً قدمواً أوراقهم إلى مجلس صيانة الدستور للترشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18 يونيو/حزيران المقبل.

حتى خامنئي ينتقد مذبحة المرشحين

وأثار استبعاد المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين من قبل مجلس صيانة الدستور، الذي يهيمن عليه المتشددون، استياء الكثيرين داخل إيران، في وقت يبدو فيه أن الأجواء تعد ليربح شخص واحد بعينه هذه الانتخابات، هو رئيسي.

ويكفي لإظهار حجم عمليات الاستبعاد للمرشحين الإشارة إلى أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي نفسه انتقد استبعاد العديد من المرشحين البارزين من المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي ستنعقد في في 18 يونيو/حزيران 2021.

وقال خامنئي عبر التلفزيون الوطني: “خلال هذه العملية، تعرض بعض المرشحين المستبعدين للظلم”.

وأوضح الزعيم، صاحب القول الفصل الذي يتمتع بحق النقض، في جميع الأمور الاستراتيجية بموجب الدستور، أن مبادئ الإسلام والديمقراطية يتم تطبيقها في إيران.

ورجحت تقارير أن تدفع انتقادات خامنئي إلى مراجعة القرارات التي اتخذتها الهيئة الانتخابية الإيرانية.

يبدو أن الحركة الإصلاحية الإيرانية انتهت

قال يزدي في مكالمة فيديو من مدينة أصفهان، مشيراً إلى احتجاجات واسعة النطاق عام 2019 ضد ارتفاع أسعار النفط التي شهدت مقتل مئات المتظاهرين: “إنّ الحركة الإصلاحية وصلت إلى طريقٍ مسدودٍ تماماً، وقد أدركنا منذ الاضطرابات الأخيرة أنّ هذا النظام لا يُمكن إصلاحه”.

وبدأت هذه المشاعر تسود في أعقاب انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، وإعادة فرض العقوبات القاسية. وقبلها بعامٍ واحد، شارك أكثر من 70% من الناخبين المسجلين في الانتخابات وسط آمال بأن يُعيد روحاني التعامل مع الغرب. لكن خطوة ترامب أضعفت الإصلاحيين وزادت المتشددين قوةً، إذ رأوا فيها دليلاً على أنّ إيران لن يمكنها الثقة في القوى الغربية مطلقاً.

ومع حملات الشبكات الاجتماعية التي تدعو الشعب إلى عدم التصويت، فإنّ العديد من المحللين يتوقعون أنّ الانتخابات ستحظى بأدنى معدلات المشاركة في تاريخ الجمهورية الإسلامية- وهي ضربةٌ للنظام الذي تعتمد شرعيته على ارتفاع الإقبال الانتخابي (كانت نسب الإقبال على الانتخابات الإيرانية تعتبر مرتفعة مقارنة بالمعدلات العالمية). وبالنسبة للكثيرين، يُعتبر رفض التصويت شكلاً مهماً من أشكال المعارضة.

إذ قال يزدي: “يجب أن نضع المقاومة الشعبية على أجندتنا بمقاطعة هذه الانتخابات، مثلاً، لنظهر قوتنا ونقول للنظام: نحن لا نمنحك الشرعية للحديث إلى العالم نيابةً عنا طالما أنك لا تلبي مطالبنا الأساسية المتمثلة في إقامة انتخابات حرة ونزيهة”.

خاتمي ذروة الحركة الإصلاحية

وتُعدُّ هذه الانتخابات لحظةً فارقة بالنسبة إلى الحركة الإصلاحية الإيرانية والإصلاحيين، الذين حققوا أول مكاسبهم في الثمانينيات عقب الحرب مع العراق؛ إذ إنّ القمع المتزايد للمعارضين في العقد الذي أعقب ثورة 1979 ترك الكثيرين بخيبة أمل وحماسٍ أكبر من أجل الدفع بالإصلاحات لضمان بقاء الدولة.

وجاءت ذروة الحركة الإصلاحية مع انتخاب محمد خاتمي رئيساً عام 1997. وتضمّنت الإنجازات الإصلاحية حينها تخفيف قيود ارتداء المرأة للحجاب في الأماكن العامة، إلى جانب الاحتجاجات الناجحة بواسطة العمال والمتقاعدين لتحسين حقوقهم. لكن منذ حكم خاتمي، تصدى المتشددون مراراً لكافة محاولات الإصلاح. كما يشك الساسة الشباب في أنّ المحافظين بالحرس الثوري والقضاء سيسمحون بالمزيد من الإصلاحات.

ومع تحذير خاتمي من تهديدٍ تتعرض له الديمقراطية، كان استعداد السلطات للتساهل مع تراجع الإقبال الانتخابي مؤشراً على أنّ تركيزهم قد تحوّل إلى توسيع نفوذ إيران الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية، بدلاً من كسب ثقة الرأي العام بحسب المحللين.

لم يعد هناك مجال للإصلاح من الداخل

وفي حين ساعدت أجيال الإصلاحيين السابقة على تأسيس دولةٍ ثيوقراطية لها مصالحها التجارية الثابتة؛ لكن هذا الجيل من أبناء الحركة الإصلاحية الإيرانية مختلف بحسب مهدي محموديان (44 عاماً). إذ قضى الناشط السياسي أكثر من 10 سنوات في السجن بسبب اتهامه بارتكاب أنشطةٍ مناهضة للنظام. كما حُكِمَ عليه مؤخراً بالسجن خمس سنوات لتنظيم احتجاجات مناهضة لإسقاط الطائرة الأوكرانية بواسطة إيران العام الماضي.

إذ قال محموديان: “لقد سعى الجيل الثاني والثالث إلى تغييرات أكثر هيكلية وأقل ارتباطاً بأيديولوجيات الجمهورية الإسلامية”.

بينما يقول النشطاء الأصغر إنّه ليست هناك طريقة لتغيير الجمهورية الإسلامية من الداخل، لكنهم يريدون ضغطاً سلمياً من أجل إقامة نظامٍ ديمقراطي.

وأوضح محموديان: “يجب أن نستغل الحركات الاجتماعية. ويجب أن نعثر على طرق لإقناع الناس بأنّ الحرية ليست مجرد بضاعة رفاهية غربية، بل هي حاجتهم الملحة للتمتع بظروف معيشةٍ أفضل، ومنازل أوسع، وخبزٍ أكثر”.

وقال افتخار برزغاريان (39 عاماً)، الإصلاحي من مدينة مشهد المحافظة، إنّ حكام الجمهورية الإسلامية “لن يكون أمامهم خيارٌ سوى الإصلاح الداخلي” للسياسات المحلية والخارجية في مواجهة “أزمة شرعية”.

وأردف: “إنّ التحول في الحركة الإصلاحية الإيرانية قد لا يحدث خلال هذه الانتخابات، لكنه سيُبنى على أساس السعي إلى الديمقراطية مع التركيز على العدالة الاجتماعية والحرية مستقبلاً”.

مرشح الإصلاحيين المفضل دعا لتطبيع العلاقات مع أمريكا

وبالنسبة للعديد من مؤيدي الحركة الإصلاحية الإيرانية، فإنّ المرشح الوحيد الذي يمثلهم بحق كان مصطفى تاج زادة. إذ دعا تاج زادة، وزير الداخلية الإصلاحي السابق والسجين السياسي لسبع سنوات، إلى “تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة”. لكن مجلس صيانة الدستور الإيراني المتشدد استبعده من المشاركة في الانتخابات.

وقد دفع الإصلاحيون الشباب الثمن غالياً مقابل مقاومتهم. وفقد العديد منهم وظائفه وقضى عقوبةً بالسجن. إذ قال محموديان: “تكمن المشكلة في وضعنا المادي، لأن غالبيتنا يكافح لسد قوته ويعتمد على أسرته. بينما يُخفي العديد من النشطاء هويتهم للحفاظ على وظائفهم وعدم تمكين النظام من أخذ أسرهم كرهائن”.

وبالنسبة للبعض، فهم يفضلون التفكير في الأمر بمنظورٍ بعيد المدى، ليروا كفاحهم في سياق الكفاح الإيراني الكبير الذي يشمل معركة الإطاحة بعائلة الشاه التي حكمت البلاد حتى الثورة.

وقال يزدي: “مضت نحو 100 عام منذ بدأ الإيرانيون الكفاح من أجل الديمقراطية. لقد علمني والدي معنى الديمقراطية، وعلمتها أنا لابنتي التي تبلغ من العمر 17 عاماً. ونحن ندرك أنّها معركةٌ طويلة وصعبة، ولكن ليس أمامنا خيارٌ آخر سوى تمهيد الطريق المسدود أمامنا الآن. ويجب على النظام الاختيار بين ابتلاع الديمقراطية رغماً عنه، أو الانهيار من الداخل”.

* المادةالصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رآي الموقع