تاريخ من التوتر المكتوم.. العلاقات بين المغرب وإسبانيا على شفا حفرة، فما الجديد هذه المرة؟
السياسية:
تفجرت الأزمة بين المغرب وإسبانيا بعد استقبال هذه الأخيرة لزعيم البوليساريو للعلاج في مستشفياتها
تشهد العلاقة بين المغرب وإسبانيا أزمة على خلفية استقبال الأخيرة لزعيم جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي، بـ”هوية مزيفة”، وتدفق آلاف المهاجرين من المغرب إلى مدينة سبتة الخاضعة لسيطرة مدريد.
وفي 18 مايو/أيار الجاري، استدعت الرباط سفيرتها لدى مدريد كريمة بنيعيش، للتشاور، بعد أن استدعتها الخارجية الإسبانية احتجاجاً على تدفق نحو 8 آلاف مهاجر غير نظامي من المغرب إلى مدينة سبتة.
وتقع سبتة في أقصى شمالي المغرب وهي تحت الإدارة الإسبانية، وتعتبر الرباط أنها “ثغر محتل” من طرف إسبانيا، التي أحاطتها بسياج من الأسلاك الشائكة بطول نحو 6 كم.
واتهمت وزيرة الدفاع الإسبانية مارجريتا روبلز، المغرب، بابتزاز بلادها واستغلال الأطفال، وذلك على خلفية التوترات بين البلدين في المدينة.
وتنازع جبهة “البوليساريو” المغرب على سيادة إقليم الصحراء، ويقترح المغرب حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادته في الإقليم، فيما تدعو الجبهة إلى استفتاء لتقرير المصير وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
بداية الأزمة
في 21 أبريل/نيسان الماضي، استقبلت إسبانيا زعيم “البوليساريو”، ودخل أحد مستشفياتها للعلاج من فيروس كورونا.
بعد يومين من الاستقبال المرفوض من طرف المغرب، تقدم محامون بشكوى أمام المحاكم الإسبانية من أجل تفعيل مذكرة التوقيف الأوروبية الصادرة بحق زعيم “البوليساريو”.
وفي 25 من ذات الشهر، استدعى المغرب السفير الإسباني ريكاردو دييز رودريغيز، احتجاجاً على استقبال بلاده لغالي.
بعدها بيومين، طالب أعضاء لجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي)، السلطات القضائية الإسبانية بالتعاطي الإيجابي مع الشكاوى المقدمة ضد غالي.
يُشار أن عدداً من الشكاوى رفعت لدى المحاكم الإسبانية ضد زعيم “البوليساريو”، خلال السنوات الماضية، بتهم “ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية”.
انتظار الرد
في الأول من مايو الجاري، صرح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أن بلده ما زال ينتظر “رداً مرضياً ومقنعاً من طرف الحكومة الإسبانية، بشأن قرارها الترخيص لمتابَع من طرف العدالة الإسبانية على خلفية جرائم إبادة والإرهاب، بالدخول إلى ترابها”.
وفي 5 من ذات الشهر، نظمت الجالية المغربية في إسبانيا، احتجاجات في عدد من المدن، لمطالبة السلطات الإسبانية بمحاكمة زعيم “البوليساريو”.
في 8 مايو، عقد رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، اجتماعاً مع الأحزاب الممثلة بالبرلمان (عددها 9)، واعتبرت في بيان مشترك عقب اللقاء أن “استقبال إسبانيا لزعيم البوليساريو، يعد عملاً مرفوضاً ومداناً، ويتناقض مع جودة العلاقات القائمة بين المغرب وإسبانيا”.
في 11 مايو، دعا الحزب الشعبي الإسباني (معارضة) حكومة بلاده إلى تقديم توضيحات بشأن “الدخول غير القانوني وبهوية مزورة” لغالي إلى إسبانيا.
تصعيد مستمر
في 14 مايو، أعلن في مدريد، عن قرار قضائي بقبول شكاية قدمها الخبير السياسي الإسباني بيدرو إغناسيو ألتاميرانو، إلى قاضي التحقيق بمحكمة “مالقا” (جنوب) في 24 أبريل الماضي، ضد غالي.
في 18 مايو، استدعى المغرب سفيرته لدى مدريد، للتشاور، إثر احتجاج إسبانيا على تدفق نحو 8 آلاف مهاجر غير نظامي إلى سبتة.
وفي نفس يوم استدعاء المغرب لسفيرته، تظاهر عشرات أمام مقر المندوبية الفرعية للحكومة الإسبانية بمدينة مالقا، مطالبين بإعادة تفعيل مسطرة المتابعة القانونية بحق زعيم “البوليساريو”.
في 19 مايو، قرر قاضي المحكمة الوطنية الإسبانية، سانتياغو بيدراز، إعادة فتح ملف يتعلق بجرائم ضد الإنسانية، ضد غالي.
في 21 مايو، أطلق ناشطون مغاربة حملة لمقاطعة المنتجات الإسبانية، وشاركوا وسم “مقاطعة المنتجات الإسبانية” بمنصات التواصل الاجتماعي، حيث تفاعل معه آلاف المغاربة.
في ذات اليوم، حذر المغرب، إسبانيا من إخراج غالي بنفس طريقة دخوله، معتبراً ذلك “اختياراً للركود ولن يزيد الأزمة الدبلوماسية بين البلدين إلا تفاقماً”.
في 22 مايو، اتهمت وزيرة الدفاع الإسبانية، المغرب بابتزاز بلادها واستغلال الأطفال، وذلك على خلفية التوترات بين البلدين في سبتة.
وفي نفس اليوم، دعا المدير العام للشؤون السياسية بوزارة الخارجية المغربية فؤاد يزوغ، للتحقيق في دخول غالي إلى إسبانيا “بطريقة مزورة”، مشيراً أن هذا التحقيق “قد يكشف تواطؤ وتدخل 4 جنرالات من بلد مغاربي (لم يحدده)”.
مواقف أوروبية
في 19 مايو، اتهم مارغاريتيس شيناس، نائب رئيسة المفوضية الأوروبية، المغرب بـ”ابتزاز” أوروبا عبر ملف الهجرة.
وقال شيناس، في تصريح إذاعي، إن “سبتة هي أوروبا، إنها حدود أوروبية، وما يحدث هناك ليس مشكلة مدريد، بل مشكلة جميع الأوروبيين”.
لمحت فرنسا، في 24 مايو، إلى إمكانية إجراء وساطة بين المغرب وإسبانيا، لتخفيف حدة التوتر المتصاعد مؤخراً بين البلدين.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، في تصريح للقناة الفرنسية LCI (خاصة)، “إنه تحدث إلى نظيره المغربي، لمحاولة استئناف الحوار بين الرباط ومدريد”.
أزمة ثقة
في 27 مايو، قالت وزيرة الخارجية الإسبانية أرانشا غونزاليس لايا، إن زعيم جبهة “البوليساريو”، سيغادر إسبانيا، عقب خروجه من دائرة الخطر جراء كورونا.
في اليوم التالي، صرحت سفيرة الرباط لدى مدريد، كريمة بنيعيش، أن الاحترام المتبادل والثقة بين المغرب وإسبانيا “أضحيا موضع شك”.
كما اعتبرت الأحزاب الممثلة بالبرلمان المغربي، في ذات اليوم، أن مواقف إسبانيا أدت إلى “زعزعة الثقة وأخلت بالاحترام المتبادل” بين البلدين.
هجوم مألوف
قلّلت مصادر من وزارة الخارجية المغربية في حديثها مع “عربي بوست” من قيمة ما وصفته بـ”هجوم الصحافة الإسبانية الجديد على المغرب”، إذ اعتبرته “غير مفاجئ، بل أصبح أمراً معتاداً، كلما تعلق الأمر بوجود سوء تفاهم بين الرباط ومدريد”.
وتولت كبرى المؤسسات الصحفية الإسبانية الضغط على الرباط من خلال نشر جريدة “الباييس”، “تسريبات” تفيد بأن المغرب عرض مقايضة فتح معبري سبتة ومليلية مقابل اعتراف إسباني بمغربية الصحراء، وكذلك نشر “الموندو” حواراً مع قائد حراك الريف السابق ناصر الزفزافي (مدان بـ20 سنة سجناً)، يدين تعامل السلطات الأمنية المغربية، هذا الحوار الذي نفى والده إجراءه.
وتابعت المصادر ذاتها أن “المغرب كان واضحاً في مطالبه التي عبّر عنها بلاغ مسؤول لوزارة الخارجية، وهذا ما تم تأكيده للسفير الإسباني في الرباط، من خلال رسالة الاحتجاج على استقبال زعيم الانفصاليين”.
واتهم المغرب سلطات مدريد بإدخال زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي (لتلقي العلاج)، إلى التراب الإسباني بجواز سفر مزور، حتى ينجو من تحريك مسطرة المتابعة القضائية في حقه، بالنظر لوجود شكاوى لدى القضاء الإسباني ضده.
وزادت المصادر، “بالرغم من كون العلاقة بين البلدين لا تمر بأحسن فتراتها، فإن الطريقة التي تم بها إدخال إبراهيم غالي إلى إسبانيا، وهو المتابَع من طرف القضاء الإسباني بسبب جرائم ضد المدنيين، استوجبت رداً مغربياً”.
أسباب “إنسانية”
كانت وزارة الخارجية الإسبانية قد أعلنت، الخميس 22 أبريل/نيسان الجاري، أن الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي، قد نقل إلى إسبانيا لتلقي العلاج.
وشددت وزيرة الخارجية، في جواب عن سؤال صحفي حول تداعيات الحدث، على أن دخول إبراهيم غالي إلى مستشفى إسباني “لا يمنع ولا يخل بالعلاقات الممتازة التي تربط إسبانيا بالمغرب”.
وبحسب ما نشرته “إلباييس”، نقلاً عن مسؤول بوزارة الخارجية الإسبانية، فإن غالي نقل إلى إسبانيا لـ”أسباب إنسانية بحتة”، وأضاف أنه لن يتم تقديم مزيد من التفاصيل “بسبب الطبيعة الإنسانية لهذه الخطوة”.
وتابعت الجريدة الإسبانية أنه جرى تنسيق “بين مدريد والبوليساريو والجزائر لنقل إبراهيم غالي إلى إسبانيا بجواز سفر جزائري”، إذ “جرى نقله في طائرة خاصة من الجزائر نحو إسبانيا على وجه السرعة، بسبب تدهور حالته الصحية وصعوبة تعامل المستشفيات الجزائرية مع حالته”.
وأضافت “إلباييس” أن اختيار نقل إبراهيم غالي للعلاج في إسبانيا، جاء بحكم تواجد إبراهيم غالي سابقاً في هذا البلد الأوروبي كممثل لحركة البوليساريو.
وجود زعيم البوليساريو في إسبانيا تزامن مع وجود قضية مرفوعة ضده أمام المحكمة الوطنية في العاصمة مدريد، بتهم التورط في جرائم ضد الإنسانية ما بين 1976 و1987.
خلفيات وخلافات
في تعليق له على التطورات الأخيرة لملف العلاقات المغربية-الإسبانية، سجل إسماعيل حمودي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، بجامعة فاس، أنه “يتزامن مع مرور العلاقات بين الرباط ومدريد بأزمة قد تكون الأطول في الفترة الأخيرة”.
وتابع إسماعيل حمودي في تصريح لـ”عربي بوست” أنه “منذ تشكيل الحكومة الإسبانية طفت على السطح كثير من الملفات العالقة، لم تُفلح زيارة الملك الإسباني الجديد وتوقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية في إزالتها”.
وأفاد حمودي أنه “عموماً يُمكن الحديث عن ملفين كبيرين يشهدان على وقوع الرباط ومدريد في طريق مسدود، الأول متعلق بمسألة ترسيم الحدود البحرية، والثاني مرتبط بالموقف من الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء”.
وذهب المحلل السياسي “إلى أن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء تعاملت معه إسبانيا ببرود غير متفهم، ويمكن وصفه حتى بالسلبي، وهي الدولة الجارة والشريك الاستراتيجي، الأمر الذي زاد من حدته استقبال زعيم البوليساريو هذه الأيام”.
وقال المتحدث: “لا يجب أن ننسى الصعوبات الحقيقية التي تواجه البلدين في ملف ترسيم الحدود البحرية، وهذا ملف شائك آخر، لم ينجح الطرفان في تجاوز عقباته”.
وختم الباحث أن “ملف الصحراء والحدود البحرية لا يجب أن ينسينا ملفات أخرى، من قبيل عدم التزام إسبانيا بعدد من التعهدات تجاه المغرب، والاعتداءات المتكررة على القنصليات المغربية، ناهيك عن التصريحات المناوئة للمغرب التي يطلقها بعض وزراء حكومة مدريد”.
ويتوقع مراقبون أن تحتوي الرباط ومدريد هذا الخلاف المتصاعد بينهما، خاصة أن البلدين يحتاجان إلى التعاون والتنسيق في ملفات كثيرة، وعلى درجة عالية من الأهمية، من قبيل الاقتصاد، والهجرة، والإرهاب.
لأول مرة.. رد رسمي
واستدعت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السفير الإسباني في الرباط، لإبلاغه أسف المغرب وإحباطه من استقبال إسبانيا إبراهيم غالي، وطلب تفسير لموقف حكومة مدريد.
وقال البلاغ الذي نشرته وزارة الخارجية المغربية، الأحد 25 أبريل/نيسان الماضي “تم استدعاء السفير الإسباني بالرباط إلى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، لإبلاغه بهذا الموقف، وطلب التفسيرات اللازمة بشأن موقف حكومته”.
وزاد البلاغ المقتضب أن “المغرب يأسف لموقف إسبانيا التي تستضيف على ترابها المدعو إبراهيم غالي، زعيم ميليشيات (البوليساريو) الانفصالية، المتهم بارتكاب جرائم حرب خطيرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.
وسجل أن “المغرب يعرب عن إحباطه من هذا الموقف الذي يتنافى مع روح الشراكة وحسن الجوار، والذي يهم قضية أساسية للشعب المغربي ولقواه الحية. وموقف إسبانيا يثير قدراً كبيراً من الاستغراب وتساؤلات مشروعة”.
هذا ولم تنفِ مدريد الاتهامات المغربية بإدخال زعيم الانفصاليين إلى أراضيها بجواز سفر مزور، من أجل تمكينه من تفادي المتابعة القضائية بحقه، بسبب الشكاوى المرفوعة ضده في إسبانيا.
عربي بوست