السياسية:

يبدو أن ساعة الحسم في معركة تكسير العظام بين الحشد الشعبي ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي قد اقتربت، لكن لا أحد يمكنه التنبؤ بنتيجتها، فإلى أين تتجه معضلة العراق الأبرز؟

ترجع فصول هذه الجولة من الحرب بين الحشد الشعبي الذي تهيمن عليه إيران من جهة والكاظمي من جهة أخرى إلى الأربعاء الماضي 26 مايو/أيار عندما ألقت قوات الأمن العراقية القبض على أحد قيادات الحشد الشعبي، لتتجمع ميليشيات من الحشد بالقرب من بوابات المنطقة الخضراء للضغط على الكاظمي لإطلاق سراح القيادي المقبوض عليه.

ولا تزال الصورة غير واضحة حتى الآن بشأن مصير القيادي في الحشد وهو قاسم مصلح، سواء من حيث سبب القبض عليه وطريقة تنفيذ العملية أو ما قد تنتهي إليه تلك الجولة من التصعيد الخطير، وهذا ما يمكن رصده حتى اليوم السبت 29 مايو/أيار.

ماذا حدث؟ ومن هو القيادي في الحشد الشعبي؟

يشغل “قاسم مصلح”، الذي تم القبض عليه وينحدر من محافظة كربلاء، منصب قائد عمليات الحشد الشعبي في غرب محافظة الأنبار منذ عام 2017، بالإضافة إلى قيادته لواء 13 المعروف باسم لواء “الطفوف” التابع رسمياً للعتبة الحسينية في كربلاء، وهو ضمن تشكيلات هيئة الحشد الشعبي، بحسب وكالة الأناضول.

ووفقاً لمصادر من الحشد الشعبي، نفذت قوة أمنية عراقية فجر الأربعاء عملية إلقاء القبض على “قاسم مصلح” في عملية إنزال جوي بمساعدة أمريكية في منطقة الدورة جنوب غربي العاصمة بغداد. لكن “الكاظمي” قال إنه هو شخصياً من أصدر الأوامر للقوات الأمنية “بإلقاء القبض على أحد المتهمين”، في إشارة إلى قاسم مصلح.

وأما عن أسباب توقيف مصلح، فقد تضاربت التقارير الإعلامية في هذا الشأن، ففي حين نقلت وكالة الصحافة الفرنسية تأكيدات من مصادر أمنية عراقية أن التوقيف جاء لاتهامه باغتيال ناشطين عراقيين، ذكرت وكالة “رويترز” نقلاً عن مسؤولين أمنيّين عراقيين، أن “اعتقال مصلح كان على صلة بهجوم صاروخي أخير على القاعدة العراقية الأمريكية في عين الأسد”.

وتتمركز قوات تابعة لفصائل الحشد الشعبي على مقربة من تلك القاعدة ضمن قاطع مسؤولية قائد عمليات الحشد في غرب الأنبار، قاسم مصلح.

لكن تقارير صحفية محلية وأجنبية ربطت بين توقيف مصلح واغتيال ناشطين، منهم فاهم الطائي و”إيهاب الوزني” رئيس تنسيقية تظاهرات كربلاء الذي اغتيل في 8 مايو/أيار، وكانت الحادثة سبباً لتظاهرات واسعة شملت بغداد ومعظم مدن ومحافظات الوسط والجنوب، قبل يوم من توقيف “مصلح”، واجهتها القوات الأمنية بحملة اعتقالات وإطلاق نار أسفر عن مقتل متظاهر في بغداد.

وبلغت التوترات بين الحشد الشعبي والقوات الأمنية ذروتها في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء 26 أيار/مايو عندما نشرت القوات الأمنية وجهاز مكافحة الإرهاب قوات إضافية لتعزيز الحماية في العاصمة وفي المنطقة الخضراء لتجنب اندلاع موجة من العنف، بعدما تجمعت حشود من مسلحي الفصائل بالقرب من بوابات المنطقة الخضراء.

ووصف الكاظمي استعراض مسلحي الحشد الشعبي بأنه “انتهاك خطير للدستور والقوانين النافذة”، واتخذت الحكومة سلسلة من التدابير الأمنية تمثلت في نشر قوات الأمن وجهاز مكافحة الإرهاب لحماية الحكومة والبعثات الدبلوماسية، وإغلاق المنطقة الخضراء وجميع الطرق المؤدية إليها في أعقاب تهديدات صريحة من فصائل مسلحة بالثأر والانتقام لتوقيف مصلح.

هل تم إطلاق سراح قيادي الحشد الشعبي؟

كانت هيئة الحشد الشعبي قد أصدرت بياناً وعدت فيه بالإفراج السريع عن مصلح و”ردع الجهات التي تحاول خلط الأوراق”، واتهم عدد من البيانات وتصريحات قادة تلك الفصائل المدعومة من إيران الكاظمي بافتعال الأزمات واتباع نهج خطير باستهدافه قيادات الحشد الشعبي وجر البلاد إلى الفوضى.

ولا تزال الروايات متناقضة حول مصير مصلح، وأكد أكثر من قيادي في الحشد الشعبي، ونواب شيعة مقربون من الفصائل المسلحة الإفراج عنه وتسليمه إلى أمن الحشد، أو تأكيد تواجده في مقر هيئة الحشد بصفته قائداً في الهيئة وليس معتقلاً أو متهماً.

لكن الحكومة العراقية نفت أنباء إطلاق سراح “مصلح” وتسليمه إلى جهاز الأمن التابع للحشد الشعبي، وهو ما أكده رئيس الوزراء الذي صرح بأن الرجل لا يزال رهن الاعتقال. ونقلت وكالة الأنباء العراقية (رسمية)، ظهر الخميس، عن مصادر حكومية، أن التحقيقات لا تزال جارية مع مصلح عبر لجنة مشتركة من مؤسسات أمنية وعسكرية.

وشهد الخميس عقد الرئاسات الثلاثة في العراق (رئيس الحكومة الكاظمي ورئيس الدولة برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي)، بالإضافة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى، اجتماعاً ساهم في تخفيف وطأة المخاوف من احتمالات خروج الأمور عن السيطرة، ولو بصورة نسبية ومؤقتة.

ودعت الرئاسات الثلاث في بيان، الخميس، إلى ضرورة “حصر السلاح بيد الدولة”، وإجراء الانتخابات في موعدها المحدد في 10 أكتوبر/تشرين الأول القادم، وضرورة احترام القرارات الصادرة عن القضاء، واحترام إجراءات مؤسسات الدولة في المساءلة القانونية، وشدّد البيان على أن “استمرار الاضطراب الأمني يعرض استقرار البلد إلى مخاطر حقيقية”.

لكن لا تزال ثمة مخاوف من تداعيات توقيف قاسم مصلح، وإصرار حكومة مصطفى الكاظمي على الاحتفاظ به، ورفض الوساطات التي تجريها قيادات في هيئة الحشد الشعبي وقيادات سياسية شيعية للإفراج عنه، أو تسليمه لجهاز أمن الحشد.

هل اقتربت ساعة حسم المعركة؟

هذه هي المرة الأولى التي يعتقل فيها قيادي من قيادات فصائل الحشد الشعبي بهذا المستوى، ويتخوف قادة الفصائل المسلحة من أن السكوت على توقيف مصلح قد يدفع الكاظمي بملاحقتهم واحداً تلو الآخر. وعلى الجانب الآخر، تبدو حكومة الكاظمي التي لم تطلق سراح مصلح، مصرة على إعادة فرض هيبة الدولة وإنفاذ القانون.

لكن تلك المجموعات المسلحة الحليفة لإيران تشكل تهديداً جدياً لحكومة الكاظمي وتمتلك ما يكفي من القدرات القتالية لإدخال العراق في فوضى أمنية خلال ساعات، وهو ما يُدركه الكاظمي الذي يعتمد خطوات بطيئة ومدروسة لتقويض تلك المجموعات دون الدخول في مواجهات مباشرة مع القوات الأمنية.

كما أن الكاظمي يُدرك تماماً المخاطر الحقيقية من مواجهة المجموعات الشيعية المسلحة التي “قد” تلجأ في حال وجدت نفسها أمام تحديات تهدد وجودها ومكاسبها إلى فرض سيطرتها الكاملة على العاصمة والمنطقة الخضراء، كما حدث في اليمن في سبتمبر/أيلول 2014 عندما فرضت جماعة الحوثي الحليفة لإيران سيطرتها على العاصمة صنعاء، وهو احتمال وارد تكراره في العراق.

ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، اقتحمت قوات من الحشد الشعبي، تابعة لفصيل “عصائب أهل الحق”، “المنطقة الخضراء”، بعد ساعات على توقيف قوات الأمن لشخص ينتمي للفصيل، بتهمة قصف “المنطقة الخضراء” بالصواريخ، ليتم لاحقاً إطلاق سراحه.

من الأقرب لحسم المعركة لصالحه؟

لكن هذه المرة المعتقل قيادي ولم يرضخ الكاظمي- حتى الآن- ويطلق سراحه وهو ما يشير إلى أن خطة فرض القانون التي يسعى إليها رئيس الوزراء تبدو وكأنها على الطريق الصحيح، خصوصاً في ظل الدعم الشعبي والإقليمي والدولي الذي تحظى به خطوات الكاظمي.

فقد اعتبر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، أن سيطرة قوات من “الحشد الشعبي” على أماكن مهمة داخل المنطقة الخضراء، “تحدٍ لسلطة الدولة”، وحملوا الكاظمي مسؤولية هذه “النتائج السلبية”.

ونددوا بسياسة فرض الأمر الواقع بقوة السلاح من جانب فصائل “الحشد الشعبي”، خاصة المقربة من طهران، التي تتمتع بنفوذ كبير في بغداد منذ 2003، وكتب زياد عدنان، أحد المدونين على صفحته في الفيسبوك: “لدينا قوات تتبع الدفاع والداخلية قوامها أكثر من مليون شخص، ويتم إنفاق مليارات الدولارات كرواتب وتسليح وتجهيز، وكل هذه القوات غير قادرة على ضبط أشخاص خارجين عن القانون، الأمر يحتاج إلى تفكير”.

وعلّق محمد الميراني، على صفحته بفيسبوك بالقول: “الدولة تفرض طوقاً أمنياً على الدولة.. أين جيشك يا رئيس الوزراء!؟” في إشارة إلى تطويق قوات الحشد الشعبي مقار الحكومة في المنطقة الخضراء.

كما حذر رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، من دخول البلاد في “مرحلة الفوضى”، وقال العبادي في تغريدة الأربعاء، إن “بناء الدولة مسؤولية تضامنية، فإما أن تسير الدولة إلى السيادة والنظام، أو أن تسقط الدولة على رؤوس الجميع”.

واعتبر العبادي، الذي دخل خلال رئاسته للحكومة في خلافات أيضاً مع “الحشد الشعبي”، أن “التجاوز والاستقواء والتمرد على الدولة ممنوع”، و”لا أحد فوق القانون، وليحتكم الجميع إلى الدولة ومنطقها قبل أن تبتلعنا الفوضى”.

الخلاصة هنا هي أن ما تنتهي إليه قصة اعتقال مصلح قد تحدد بصورة كبيرة مسار معركة تكسير العظام بين الكاظمي والحشد الشعبي، الذي كان قد هدد “بقطع أذن” رئيس الوزراء خلال مواجهة ديسمبر/كانون الماضي، فهل يتمكن الكاظمي هذه المرة من تقليص قدرات تلك الجماعات المسلحة والتي يفترض أنها تأتمر بأمره؟

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولا تعبر عن رآي الموقع