السياسية:

أقام بشار الأسد “انتخابات” فاز بها بنسبة 95.1%، هذا إن جاز استعمال وصف انتخابات. فلماذا قرر المتحكمون في مصير نظام الأسد في سوريا تنفيذ هذا السيناريو في هذا التوقيت تحديداً؟

وأعلن مساء الخميس 27 مايو/أيار عن فوز رئيس النظام السوري بشار الأسد بولاية رابعة بعد حصوله على 95.1% من أصوات الناخبين في انتخابات ستمدد حكمه على بلد دمرته الحرب، لكن المعارضين والمجتمع الدولي- باستثناء روسيا- يقولون إنها لم تكن نزيهة، على أقل تقدير.

بينما يقول النظام إن الانتخابات تظهر أن سوريا عادت للحياة الطبيعية رغم الحرب المستمرة منذ عقد من الزمان والتي حصدت أرواح مئات الآلاف وتسببت في نزوح 11 مليوناً، أي حوالي نصف سكان البلاد، عن ديارهم.

وأعلن رئيس برلمان النظام حمودة صباغ النتائج في مؤتمر صحفي زعم فيه أن نسبة الإقبال بلغت 78.66%، بمشاركة ما يربو على 15 مليون سوري، وجرت الانتخابات على الرغم من أن عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة دعت إلى التصويت تحت إشراف دولي من أجل تمهيد الطريق لدستور جديد وتسوية سياسية.

وقال وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة في بيان ينتقد الأسد قبل الانتخابات إن العملية لن تكون حرة أو نزيهة، وقالت تركيا إن الانتخابات غير شرعية.

هل تعزز شرعية الأسد؟

بالنسبة إلى الأسد، تشكل الانتخابات حالة مصيرية، لأن نظامه قائم على فكرة الأبدية، ويعتبر أن البلاد مزرعة له، والانتخابات على ضحالتها، تشكل الوسيلة المناسبة لتكريس ذلك.

ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الانتخابات ليست ضرورة قصوى تقتصر على النظام وحده، بل إن الروس والإيرانيين يبدون أكثر إصراراً على إجرائها، فأي حل أو مسار آخر غير الانتخابات سيشكل مشكلة إضافية جديدة لهم، فيما هم عاجزون عن تقديم أي حل أو حتى رؤية لحل الأزمة السورية، سوى اللعب ببطاقة استمرار الأسد في الحكم، على الرغم من كل شيء، بحسب تحليل لوكالة الأناضول التركية.

نظام الأسد أجرى ما وصفها بانتخابات رئاسية هي الثانية من نوعها في ظل الثورة، في المناطق التي يسيطر عليها داخل البلاد، وسط غياب أكثر من نصف المواطنين الذين تحولوا إلى نازحين ولاجئين، متجاهلاً بذلك قرارات مجلس الأمن.

وشهدت مناطق سيطرة المعارضة السورية شمالي البلاد، احتجاجات على الانتخابات، واعتبرتها “مسرحية” ستقود لتمديد ولاية بشار الأسد، وفي وقت سابق الخميس، قال الاتحاد الأوروبي، إن ما يدعى بالانتخابات الرئاسية في سوريا، لم تتضمن أياً من قواعد الديمقراطية، ولن تسهم في حل الأزمة بل ستقوضها.

وكانت سوريا قد شهدت صراعاً انتخابياً عنيفاً، فريداً من نوعه وشكله، ليس بين المرشحين للرئاسة، ولا حول السباق الانتخابي، بل يحتدم وطيسه بين النظام وداعميه من جهة، والمعارضة السورية وخلفها المجتمع الدولي الرافض لهذه الانتخابات من جهة أخرى.

ويتمحور الصراع حول شرعية هذه الانتخابات سياسياً وأخلاقياً، وتأثيرها على ديمومة النظام، وبينما أصر نظام الأسد على إجراء انتخابات رئاسية شكلية تعيد تدوير بشار الأسد رئيساً للنظام لمدة 7 سنوات مقبلة، ويعتبر مجرد حصولها دليلاً على شرعيته، تبذل المعارضة جهوداً مضنية لإقناع الرأي العام بأن هذه الانتخابات مجرد “مسرحية سمجة فاشلة” لا قيمة لها، ولن تسهم في إعادة الشرعية لنظام فقد مبررات وجوده أساساً.

ولم يكلف نظام الأسد نفسه عناء القيام بالدعاية الانتخابية، إذ لم تسبق الانتخابات التي جرت في مناطق سيطرته حملات انتخابية، أو منافسة بين المرشحين لكسب أصوات المواطنين. ولم يقم حتى بانتظار الإجراءات الشكلية المتعارف عليها في الانتخابات، بل ذهب مباشرة إلى فرض أجواء احتفالية، من خلال الخيم الانتخابية التي نظمتها الأفرع الأمنية لتطغى على المشهد، وسط غياب كامل للمرشحين الآخرين.

ووزير خارجية النظام فيصل المقداد أعلن، في تحد صارخ للأمم المتحدة والمجتمع الدولي الذي رفض هذه الانتخابات الهزلية، ضارباً عرض الحائط بجميع القيم الديمقراطية والإنسانية، أن الانتخابات التي يجريها نظامه “أفضل آلاف المرات من الانتخابات الأمريكية”!

ظاهرة انتخابية حصرية لنظام بشار

بدل الدعاية لنفسيهما، والترويج لبرنامجيهما الانتخابيين، قام المرشحان الآخران، محمود أحمد المرعي وسلوم عبدالله، بإجراء لقاءات تلفزيونية مع قنوات مقربة من النظام، كرساها لمديح منافسهما بشار الأسد ونظامه.

وبحسب “الأناضول”، التي رصدت حسابات المرشحين على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن سلوم عبدالله الذي لم يسمع باسمه غالبية السوريين، يتابعه على تطبيق “إنستغرام” 33 شخصاً معظمهم من أفراد عائلته، فيما يتابعه على “فيسبوك” 300 شخص فقط.

أما أحمد المرعي، فإن الصفحة التي أطلقها على “فيسبوك” لدعم حملته الانتخابية تحظى بمتابعة 100 شخص، فيما يتابعه على صفحته الشخصية في الموقع ذاته نحو 3 آلاف.

وهذا دليل آخر على أن انتخابات الأسد ليست سوى مسرحية باهتة فاشلة، هدفها تجميل وجه نظام قتل وشرد الملايين من مواطنيه، وإظهاره بمظهر المستقر المستعد للاندماج بالنظام الدولي مجدداً.

وفي ظل هذه الصورة، يعترض غالبية السوريين على تسمية ما يقوم به نظام الأسد “انتخابات”، باعتبار أن ما كان يجري زمن حافظ الأسد استفتاء وليس انتخابات، إذ لم يكن هناك مرشح سواه، وعلى المواطن أن يقول نعم أو لا.

فقد أسس الأسد الأب نظاماً تبوأ من خلاله منزلة قدسية فوق البشرية، وهو نظام يستكثر على الشعب السوري إظهار مرشح يظهر بمظهر الند ولو بشكل صوري.

ورث بشار الحكم عن والده في العام 2000، وورث معه تلك الهالة القدسية التي فرضها أبوه على نظام الحكم في سوريا، لكن الأسد الابن اضطر للتخفيف منها، تماشياً مع الصورة التي تم تسويقه من خلالها، صورة الرئيس الدكتور المدني العصري المنفتح على الآخرين.

وتم تعديل نتائج الانتخابات بناء على ذلك، فقد أعلن أن نتيجة الانتخابات بمناطق النظام عام 2014 بلغت نسبة 88.7%، عوضا عن نسب 99.9% التي كان يسجلها أبوه.

أما الانتخابات الأخيرة فقد أجريت في مناطق سيطرة النظام، على الرغم من غياب أكثر من نصف المواطنين الذين حولهم النظام إلى نازحين ولاجئين. وبحسب أرقام الأمم المتحدة. فإن نحو 6.6 مليون سوري أصبحوا لاجئين منذ عام 2011، فيما نزح 6 ملايين وأكثر من 700 ألف سوري، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).

وقد تداول السوريون فيديوهات مسرّبة من مركز اقتراع، يظهر فيها مسؤول الصندوق وهو يملأ الاستمارة عن الناخب، ويضعها بالصندوق عنه، فيما تظهر علامات الرعب واضحة في وجوه المواطنين.

مقاطعة داخلية للانتخابات

وشهدت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، تظاهرات حاشدة رافضة لمسرحية الانتخابات، بدأت من درعا، حيث تجمّع العشرات في ساحة المسجد العمري الذي انطلقت منه شرارة الثورة السورية في مارس/آذار 2011، رافعين شعار “لا مستقبل للسوريين مع القاتل”.

وثمة شبه إجماع لدى السوريين، بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم، بمن فيهم مؤيدو نظام الأسد، على أن انتخابات النظام، كانت على الدوام، مسرحية هزلية سيئة الإعداد والإخراج، حتى أصبحت مادة للتندر والسخرية.

واعتبرت الجاليات السورية في المهجر، كما غالبية السوريين، أن الانتخابات الصورية التي يجريها النظام، تسيء إلى سوريا وتاريخها وشعبها الذي ضحى بالغالي والنفيس من أجل حريته وكرامته.

وأكدت أن الانتخابات الحقيقية لا بد أن تتم بعد اعتماد دستور جديد يضمن حرية المواطن، وحقه في الاختيار الحر النزيه، واعتبر المجلس السوريّ البريطانيّ أن إجراء أي انتخابات خارج إطار قرار مجلس الأمن 2254 هي انتخابات غير شرعية ولا مصداقية لها، خصوصاً مع ترشّح رأس النظام، بشار الأسد، المُدان بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في سوريا.

وربما يكون مشهد اختيار بشار الأسد مدينة دوما للإدلاء بصوته أكثر مشاهد تلك الانتخابات استفزازاً لمشاعر ملايين السوريين، وتحدياً واضحاً للمجتمع الدولي، الذي أعلن عدم اعترافه بتلك الانتخابات.

فرمزية مدينة دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية للعاصمة السورية دمشق، التي استرد نظام بشار السيطرة عليها عام 2018، بعد ارتكاب مجزرة الغازات الكيماوية السامة، ما اضطر قوات المعارضة السورية لتسليمها، دلالة أخرى على أنه ونظامه لا يوليان أي اهتمام لتصريحات وأقوال غير مدعمة بالقرارات الحازمة والأفعال.

الخلاصة هنا هي أن روسيا على الأرجح أرادت أن يلتقي رئيسها فلاديمير بوتين مع نظيره الأمريكي جو بايدن في سويسرا يونيو/حزيران المقبل وبيده ورقة “الشرعية” فيما يخص نظام الأسد، وربما يكون هذا سر الإصرار على إقامة تلك المشاهد التي وصفها النظام وداعموه الروس بالانتخابات في هذا التوقيت، في انتهاك مباشر لمسار سياسي ترعاه الأمم المتحدة وكان النظام نفسه قد قبل به.

وبالتالي من الطبيعي أن يكون بوتين أول المهنئين للأسد– إن لم يكن المهنئ الوحيد- بفوزه بولاية جديدة، فقد نقل الكرملين عن بوتين قوله في برقية بعث بها إلى الأسد اليوم الجمعة: “أكدت نتائج التصويت بشكل كامل سمعتكم السياسية العالية وثقة مواطني بلدكم بالنهج الذي يمارس بقيادتكم لاستقرار الوضع في سوريا وتعزيز مؤسسات الدولة فيها بأسرع وقت ممكن”.

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رآي الموقع