“الختايم”… وداعية أهل اليمن لشهر رمضان
يحييها أهالي حضرموت احتفالاً سنوياً بختم القرآن قبل عيد الفطر
السياسية : رصد
كنعان الحميري
تتجلى طقوس الابتهاج الرمضاني في محافظة حضرموت (شرق اليمن) باحتفائية متنوعة يومية تشهدها ساحات ومساجد المدينة تسمى بـ “الختايم” يقيمها الأهالي خلال شهر الصوم في الجوامع عقب إتمامهم القراءة الجماعية للقرآن.
وظلت هذه العادة الشعبية تحافظ على حضورها المنتظم البهيج كتقليد رمضاني لم تغيره العقود، كما هو الحال بالكثير من العادات التي اندثرت تحت غبار الزمن وتحولاته، أو طمست في غياهب العولمة وتداعياتها.
و”الختايم” في التقليد الشعبي الحضرمي، هي مناسبة يقيمها أهالي كل حي على حدة تعبيراً عن فرحتهم بختمهم قراءة القرآن بشكل جماعي تتضمن عادات متنوعة، دينية وتراثية وشعبية، توارثتها الأجيال المتعاقبة أباً عن جد يشكل الأطفال جوهر طقوسها.
التسمية
اتخذت تسميتها “الختايم” من اجتماع عدد من كبار السن في مسجد المنطقة وقراءة القرآن جمعياً بدءاً من سورة الضحى حتى ختم المصحف، وهي عادة تميزت بها غالباً مساجد الأهالي ذوي المذهب الصوفي، إلا أنها توسعت لاحقاً لتشمل معظم المساجد في العقود الماضية.
ولا تنحصر الختايم على مسجد أو قرية معينة في حضرموت، فالعادة قضت أن ينشر إتمام قراءة القرآن البهجة في كل قرية وكل مسجد كتقليد ثابت ينتظره الأطفال بشغف لا تخفيه نظراتهم التي تشع زهواً وانشراحاً في استبشار بما تجود به عطايا هذه المناسبة السنوية من أيادي الأهالي من الهدايا والألعاب والحلويات.
يقول هشام باجابر، من أبناء مدينة المكلا بحضرموت، إن الأهالي يخصصون لكل قرية أو منطقة معينة، احتفائية ثابتة بها سنوياً تسمى بليلة ختم مسجد المنطقة المعنية وعادة تشترك مناطق عدة في ذات المناسبة، كمسجد المحضار الشهير الذي خصصت له ليلة الـ 29 من شهر رمضان كل عام.
البعد التاريخي
وفي ملمح تاريخي لبدايات هذه العادة يشير باجابر إلى “أن طابعها في الأساس ديني تقيمه الفرقة الصوفية وهم شوافع، وكانت تبدأ من اليوم الثامن من شهر رمضان بمسجد بايعشوت بحي الشهيد خالد، ثم تستمر كل يوم بمسجد وتنتهي في 29 رمضان بختم قبة الشيخ يعقوب (وهو فقيه حضرمي)”.
تفاصيل الاحتفاء
تبدأ طقوس الختايم عصر ليلة ختم القرآن بالتجمع أمام مسجد المنطقة وترديد بعض الأغاني والرقصات الشعبية المستمدة من الموروث الحضرمي القديم مثل لعبة الشبواني أو ما تعرف أيضاً بالعدة، إضافة لتخضيب البنات بالحناء وعرض فقرات تمثيلية تجسد المهن المتوارثة كحمل الأطفال على قوارب الصيد تفاخراً بمهنة صيد الأسماك التي يعمل بها الكثير من أبناء حضرموت الساحل.
بهجة الصغار
تعج الأروقة والساحات المحيطة بالمساجد بمشاهد الآباء برفقة أبنائهم وهم يرتدون ملابس جديدة وأخرى مستوحاة من الزي التقليدي الحضرمي. في حين ينشغل آخرون بشراء الألعاب والحلويات والمكسرات من بسطات الباعة الذين يملأون الباحات المحيطة بالمسجد الذي سيشهد “الختايم”.
وعقب صلاة التراويح التي تمتد إلى 23 ركعة في ليلة الاحتفاء فقط، تشهد الساحات التي تتقدم المساجد، إنشاء مسرح خشبي تقدم خلاله فقرات إنشادية ومسرحية وشعرية يشارك فيها أبناء هذه المنطقة وتمتد إلى قبيل منتصف الليل فرحاً بختم قراءة المصحف.
ولائم الختايم
من العادات المصاحبة للختايم التي تشهدها حارات المكلا، بحسب باجابر، توافد الأقارب والأصدقاء إلى منازل ذويهم في المنطقة التي شهدت الختم لتناول وجبة الإفطار والعشاء في ضيافتهم.
وفي حين ينشغل الأهالي بساعات السمر الرمضانية التي زينتها “ختايم” الشهر الفضيل، يجوب عشرات الأطفال أزقة “الديس” و”الشرج” و”روكب” و”العيص” وغيرها، مرددين أهازيج شعبية تحث ساكني البيوت ذات النمط العمراني التقليدي على إعطائهم هدية المناسبة، “هاتوا الختامة الجديدة والا كسرنا حديدة” وغيرها، ليبادلهم الأهالي بهجتهم بتوزيع الهدايا وسط نشوة ينتظرون تجددها بشوق كل عام.
المصدر : ذي اندبندنت