كيف سيطرت المخابرات العامة على الإعلام والسينما المصرية؟
السياسية:
“الزعيم الراحل جمال عبدالناصر كان محظوظاً لأنه كان بيتكلم والإعلام معاه”، جملة قالها عبدالفتاح السيسي في خطابه في أغسطس/آب 2014، وما تبين بعدها أنها لم تكن مجرد جملة عابرة، بل أمنية تمناها السيسي، وخطة محكمة سار عليها حتى استطاع تحقيقها بحلول عام 2020.
سلاح الإعلام أحد أهم عناصر “القوة الناعمة” حسب اصطلاح الأكاديميين، ففي دولة بحجم مصر التي اشتهرت بين جيرانها العرب بإرثها العميق في أعمالها السينمائية، بالإضافة لبروز إعلامييها وصحفييها أيضاً على الساحة الإخبارية، وضع نظام 3 يوليو/تموز 2013، هذا السلاح نصب عينيه، خاصةً بعد إظهار السيسي وجنرالاته غضبهم من المنظومة الإعلامية برمّتها، ونيتهم لإحكام قبضتهم الكاملة عليها.
في هذه السلسلة من المقالات نسلط الضوء على بسط السيسي وجهاز المخابرات العامة برئاسة اللواء عباس كامل سيطرتهما على القطاع الإعلامي والسينمائي في مصر، كما سنمر على التغييرات الهيكلية التي حدثت لهذه المنظومة الإعلامية عقب تظاهرات سبتمبر/أيلول 2019، وأخيراً نحكي تفاصيل الصراع الحاصل بين وزير الدولة للإعلام المستقيل “أسامة هيكل”، مع باقي إعلاميي النظام، والذي أدى في النهاية لاستقالة “هيكل” من منصبه الوزاري.
البداية.. الأسباب وراء الهيمنة الكاملة على الإعلام والسينما
خرج هذا التسريب، في أكتوبر/تشرين الأول 2013، يقول فيه السيسي لأحد لواءاته الذي شكا له تسلط الإعلام على الجيش، فأجابه: “لازم يكون لك أذرع داخل القنوات والصحف دي عشان يكون لك حصة مناسبة للتأثير إعلامياً، احنا شغالين في ده أكيد، بس الموضوع بياخد وقت طويل”.
تلك الأذرع التي تحدث عنها السيسي لا تشمل فقط قنوات فضائية، ولكن أيضاً شركات إنتاج سينمائية، أبرزها شركة “سينرجي”، المملوكة لـ”تامر مرسي”، أحد أهم الأسماء التي سنذكرها كثيراً، والذي أنتج العديد من الأعمال الفنية، أهمها مسلسل الاختيار 1 والاختيار 2، ومسلسل كلبش بأجزائه الثلاثة، وغيرها.
في خطابه هذا الذي ألقاه في يونيو/حزيران 2017، يقول السيسي: “الذوق العام ممكن المسلسلات تغيره؟ أيوه، هل ده ممكن يؤذي أولادنا وبناتنا؟ أيوه، وممكن يكون له تأثير ضار على المجتمع؟ أيوه، طب فيه حاجة أقدر أنا أعملها؟ أيوه.. بحاول”.
وقد نجح السيسي في محاولته تلك، فصناعة المسلسلات والأفلام كانت محل ترقّب وترصّد منه، منتظراً الفرصة السانحة لينقض عليها.
السيسي غاضباً!
أظهر السيسي غضبه في عدة مرات من أداء الإعلاميين في القنوات الخاصة، ومن عدم انحيازهم “المطلق” له، بدا هذا الغضب جلياً للمصريين، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، في خِضم أزمة أمطار وسيول أغرقت شوارع الإسكندرية، خرج السيسي ليهاجم إعلامييه: “عيب اللي بتعملوه ده وميصحش، يعني إعلامي يقول السيسي سايب إسكندرية تغرق وقاعد مع شركة سيمينز الألمانية!!”، وأضاف: “إنتوا بتعذبوني إني وقفت هنا ولا إيه؟ دي ناس لا فاهمة ولا عارفة، أخدت مايكروفون ولا جرنان بتكتب فيه وخلاص!!”.
وكذلك على سبيل المثال لا الحصر، في قضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية في أبريل/نيسان 2016، غضب السيسي من تناول الإعلاميين هذه القضية باستمرار، ومعارضة بعضهم لهذا القرار، حتى خرج بنفسه في خطاب عام ووجه لهم رسالة: “من فضلكم، أرجو إن الموضوع ده مانتكلمش فيه تاني، إنتوا كده بتسيئوا لنفسكم!”.
هذا ما جعل السيسي ونظامه -على ما يبدو- يقرران إعادة هيكلة قطاع الإعلام برمّته، وسيطرتهما على جميع المنافذ الإعلامية بشكل مباشر، ورغم أن بعض تلك المنافذ كان مؤيداً ومطيعاً من البداية إلا أن ذلك لم يشفع للكثير منهم، وكان المبدأ الساري في تلك الفترة: “السيئة تعُمّ، والحسنة لا تخُصّ”.
أبو هشيمة في الواجهة
بدأت المرحلة الأولى من خطة السيطرة على الإعلام بدفع رجل الأعمال الشاب “أحمد أبو هشيمة” إلى الظهور للواجهة مرة أخرى في 2015، بعد غياب ظل لأكثر من 3 سنوات، ليفصح عن نيته الدخول في “بيزنس” القنوات والشركات الإعلانية، وبالفعل قام في مطلع عام 2016، بالإعلان عن شركته الجديدة “إعلام المصريين”، على غرار شركته الأم “حديد المصريين”، إحدى أكبر الشركات المصنعة للحديد في مصر.
كان دخول “أبو هشيمة” في سوق الإعلام مفاجئاً للكثيرين، حيث استطاع في مدة وجيزة شراء عدد كبير من القنوات الفضائية وشركات الإنتاج السينمائية والدعائية، فبالرغم من كونه رجل أعمال تقدر ثروته بالملايين، فإن حصته من “حديد المصريين” أهم شركاته، لا تتعدى الثلث، فكان من الغريب أن يدخل في هذه السوق الإعلامية التي تحتاج إلى المليارات لشراء كل هذا الكمّ من القنوات والمنصات والشركات الإعلامية.
مجموعة “إعلام المصريين”
هي مجموعة للتدريب والاستشارات الإعلامية، تضم: قنوات فضائية، صحفاً ومواقع إلكترونية، شبكات راديو، شركات دعاية وإعلان، شركات إنتاج سينمائية، وغيرها، أسسها “أبو هشيمة” في 2016، ثم باعها لشركة “إيجل كابيتال” في 2017، ويرأسها حالياً -في لحظة كتابة هذا المقال في مايو 2021- تامر مرسي، صاحب شركة “سينرجي للإنتاج السينمائي”، الذي أشرنا إليه بالأعلى.
وفيما يلي نوضح أسماء المؤسسات الإعلامية التي استطاعت “إعلام المصريين” الاستحواذ عليها:
في قطاع القنوات التلفزيونية:
– استطاع أبوهشيمة في مايو/أيار 2016، “أي بعد شهور قليلة من إنشاء المجموعة” شراء حصة “نجيب ساويرس” في شبكة قنوات “ON TV”، وعقب شرائها قام “أبو هشيمة” بإطلاق قناة رياضية متخصصة تحمل اسم “أون سبورت ON Sport”، وأخرى للمنوّعات باسم “أون إي ON E”.
– في يوليو/تموز 2018 أعلنت “إعلام المصريين” استحواذها على شبكة قنوات “الحياة”، وذلك بعد إتمام صفقة البيع مع شركة “تواصل”، إحدى شركات مجموعة “فالكون” للحراسات الأمنية، التي كانت بدورها قد اشترت “الحياة” من صاحبها الأول “السيد البدوي”.
– في سبتمبر/أيلول 2018 أعلنت المجموعة شراءها نسبة 51% من أسهم مجموعة “المستقبل Future Media” في شبكة قنوات “CBC”، ولا يزال رجل الأعمال محمد الأمين يمتلك 49%، ولذلك أصبح عضواً في مجلس إدارة “إعلام المصريين”.
في قطاع الصحف والمواقع الإلكترونية:
– في 2016 كانت “إعلام المصريين” قد استحوذت على مجموعة “اليوم السابع”، التي تشمل: صحيفة وموقع “اليوم السابع”، موقع “انفراد”، موقع “كايرو بوست”، موقع “برلماني”.
– في يوليو/تموز 2016 استحوذت “إعلام المصريين” على موقع “دوت مصر”.
– في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، قامت “إعلام المصريين” بعقد صفقتين مع رجل الأعمال “عصام إسماعيل فهمي” لشراء صحيفتي “صوت الأمة”، و”عين المشاهير”.
– بالإضافة لاستحواذ المجموعة على صحيفة وموقع “الوطن”.
– إلى جانب شرائها صحيفة “Egypt Today”، وصحيفة “Business Today”.
في قطاع الإنتاج السينمائي:
– في يونيو/حزيران 2016، استحوذت “إعلام المصريين” على 50% من شركة “مصر للسينما”.
– في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حصلت “إعلام المصريين” على حصة 50% من شركة “سينرجي”، التي يملكها تامر مرسي شخصياً، وهو الذي أصبح فيما بعد رئيساً للمجموعة.
في قطاع التسويق والإعلان:
– في يونيو/حزيران 2016، استحوذت “إعلام المصريين” على نسبة 51% من شركة “برزنتيشن سبورت Presentation Sport”، أكبر وكالة تسويق حقوق رياضية في مصر.
– بالإضافة إلى شركة”إيجبت أوت دور Egypt Outdoor” لإعلانات الطرق.
– شركة “آيفلاي I Fly”، الشركة الوحيدة المصرّح لها رسمياً من الجهات الأمنية بالتصوير الجوي في مصر.
– شركة POD، هي وكالة إعلانات متخصصة في الإعلان والتسويق والتصميم الغرافيكي وخدمات الإنترنت والعلاقات العامة.
– شركة “Hashtag” المتخصصة في التسويق عبر مواقع التواصل الإجتماعي.
– شركة “Spade Studio” المتخصصة في التصميم والغرافيك والتسويق الرقمي.
– شركة “داينو” المتخصصة في مجال تنظيم الأنشطة التسويقية للشركات.
في قطاع الراديو:
– نغم FM
– 95.00 FM
– Mega FM
– Radio Hits
بالإضافة إلى:
– شركة “Egyptian Security” للحراسات الأمنية.
– أكاديميات تعليمية مختصة بالإعلام، مثل “London Film Academy”، و”الأكاديمية الإعلامية المصرية”.
في 18 ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلنت شركة “إيجل كابيتال” للاستثمارات المالية التي ترأسها وزيرة الاستثمار السابقة “داليا خورشيد” (وهي زوجة محافظ البنك المركزي- طارق عامر) استحواذها على حصة “أبو هشيمة” في مجموعة “إعلام المصريين”، وقد ذكرت بعض المصادر الصحفية أن قيمة الصفقة تقدر بـ6 مليارات و800 مليون جنيه، ولكن لم تخرج معلومة مؤكدة في هذا الشأن حتى الآن.
أعلنت “إيجل كابيتال” عن تعيين المهندس “أسامة الشيخ” الرئيس الأسبق لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، بمنصب رئيس مجلس الإدارة لمجموعة إعلام المصريين، ثم أصبح “تامر مرسي” هو رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمجموعة، بقرار من “خورشيد”، بعد استقالة “الشيخ” في 22 فبراير/شباط 2018.
شركة “إيجل كابيتال للاستثمارات المالية”، هي صندوق استثمار مباشر Private Equity Fund مملوك لجهاز “المخابرات العامة المصرية”، جرى تأسيسه مؤخراً ليتولى إدارة جميع الاستثمارات المدنية للجهاز Portfolio Management في عدد كبير من الشركات المملوكة للمخابرات جزئياً أو كلياً.
الخاتمة
كان دخول مجموعة “إعلام المصريين” للسوق الإعلامي يمثل المرحلة الأولى من الهيمنة على القنوات وشركات الإنتاج، فتم الدفع برجل أعمال مثل “أبوهشيمة”، الذي انتهى دوره بنهاية عام 2017، وبدأت مرحلة جديدة لا تزال مستمرة حتى اليوم، عنوانها: شركة “إيجل كابيتال”.
في الجزء القادم من التقرير إن شاء الله نستكمل التعريف بـ”إيجل كابيتال”، التي ستكون جسراً هاماً بين المخابرات العامة وبين ما تملكه الشركة من قنوات وصحف وشركات إنتاج حصلت عليها من “أبوهشيمة”، وأنها -بشرائها لمجموعة “إعلام المصريين”- ستلعب دورها الأساسي في لعبة الشطرنج التي ستُمكِّن السيسي وأجهزته الأمنية من التحكم شبه الكامل بالجهاز الإعلامي في مصر.
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رأي الموقع