السياسية:

 

تسعى مصر إلى استعادة نفوذها في ليبيا عبر توجه جديد، لا يقتصر على الجوانب الأمنية، بل يشمل أيضاً خططاً سياسية واقتصادية.

وتسعى مصر إلى الحفاظ على نفوذها في ليبيا خلال الفترة الانتقالية بقيادة حكومة الوحدة الوطنية المُشكَّلة حديثاً، تحت إشراف الأمم المتحدة، قبل إجراء الانتخابات أواخر عام 2021.

وبعد أن منح البرلمان الليبي الثقة لحكومة الوحدة الوطنية، قالت مصر إنها تتطلع للعمل مع الحكومة الجديدة خلال الفترة الانتقالية لإخراج ليبيا من الأزمة وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

وفي أول جولة خارجية له، زار الدبيبة مصر في فبراير/شباط، قبل أن يزور رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، القاهرة في مارس/آذار، في ثاني زيارة خارجية له بعد فرنسا.

وكثف المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية الليبية المنبثقة عن حوار جنيف زياراتهما للدول المنخرطة في النزاع الليبي، إذ قام رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بزيارة فرنسا أولاً، تبعها بزيارة لمصر، وأخيراً زار تركيا وقابل الرئيس رجب طيب أردوغان. 

كل زيارة من هذه الزيارات كانت لها دلالات وأثارت جدلاً واسعاً من حيث ترتيب الزيارات، والتصريحات التي تلتها، والتخمينات والإشارات التي يحاول البعض التقاطها من كل زيارة من هذه الزيارات.

هذه الزيارات تمثل في مجملها تحولاً في سياسة الدول المنخرطة في ليبيا، فكل دولة من هذه الدول تسعى أن تظهر أنها داعمة للمسار السياسي وللمجلس الرئاسي، الأمر الذي عبر عنه رئيس حكومة الوحدة الوطنية بقوله إن “دول الاتحاد الأوروبي تدعمنا وهذا مدعاة للارتياح”، كما أبدى ثقته بأن “مصر -التي يعرفها- ستكون مع حكومته”. وقال أيضاً إن “الرئيس رجب طيب أردوغان لم يدخر جهداً في دعم هذا المسار الذي تحاول من خلاله أن تنهي الأزمة في ليبيا”. 

إعلان مشترك

وأصدرت ليبيا ومصر إعلاناً مشتركاً في ختام زيارة وفد مصري رفيع المستوى برئاسة رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي للعاصمة الليبية طرابلس التقى خلالها بنظيره الليبي عبدالحميد الدبيبة والوفد الزائر، في 20 أبريل/نيسان.

وأكد الجانبان على أهمية التنسيق المستمر بين البلدين، وإمكانية توحيد موقفهما من مختلف القضايا الثنائية، والإقليمية، والدولية، مع التأكيد على أهمية حماية ليبيا لسيادتها على أراضيها، ووحدتها السياسية، واستقلالها.

كما أكد الإعلان المشترك أن مجلس الرئاسة وحكومة الوحدة الوطنية هما السلطة التنفيذية الشرعية الوحيدة في ليبيا، والتي أفرزتها نتائج الانتخابات في اجتماع الحوار السياسي الليبي.

وبحسب الإعلان المشترك فقد تم وضع صيغة للعلاقات بين البلدين وفق رؤية جديدة من منظور التطور في العلاقات الإقليمية والدولية، وما يفرضه من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية، وبما يؤدي إلى تجنيب البلدين أي تدخلات خارجية إقليمية أو دولية، وبما يحول دون اصطفافهما في محاور أو تكتلات مشبوهة أو معادية لأي منهما، ويطلبان التسريع بخروج التشكيلات الأجنبية المسلحة من الأراضي الليبية.

عودة العمالة

واتفقت مصر وليبيا على السماح للعمال المصريين بالعودة إلى سوق العمل الليبي. وجاء هذا الاتفاق خلال زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي للعاصمة الليبية طرابلس، يرافقه وفد يضم 11 وزيراً.

وقال حمدي الإمام، رئيس شعبة إلحاق العمالة بالخارج في الغرفة التجارية بالقاهرة، ورئيس شركة Globo Human Resource للتوظيف وإلحاق العمالة، لموقع Al Monitor الأمريكي، إن العاملين المصريين سيشاركون في إعادة إعمار ليبيا التي تشهد حرباً أهلية منذ عقد كامل.

وقال الإمام إنه يُتوقع وصول الدفعة الأولى من العمال المصريين إلى ليبيا فور اكتمال إجراءات إعادة فتح السفارة المصرية والقنصلية العامة في طرابلس بعد عيد الفطر (النصف الثاني من مايو/أيار).

وكانت الاتفاقية على عودة العاملين المصريين إلى سوق العمل الليبي واحدة من ضمن 11 اتفاقية وُقّعت بين البلدين خلال زيارة مدبولي، في مجالات النقل والإسكان والبنية التحتية، وكذلك في مجالات الصحة والقوى العاملة والكهرباء.

واتفق الجانبان أيضاً على استئناف رحلات الطيران بين القاهرة وطرابلس والشحن بين مينائي البلدين.

ويُشار إلى أن ليبيا من البلدان الرئيسية التي يقصدها العاملون المصريون القادمون من المناطق الريفية للعمل في مجالات البناء والحرف اليدوية. لكن مع تصاعد التوتر في ليبيا عام 2011، طلبت وزارة الخارجية المصرية أكثر من مرة من المغتربين الذين يعيشون في ليبيا العودة إلى ديارهم.

ولا توجد أرقام دقيقة لعدد العاملين المصريين الذين ظلوا في ليبيا حينذاك. لكن الإمام قال إن الأرقام غير الرسمية لا تزيد عن عدة مئات الآلاف.

هدف مصر إيصال حفتر للرئاسة عبر الانتخابات

وكشفت مصادر خاصة لـ”عربي بوست” في تقرير سابق تفاصيل الخطة المصرية لاستعادة الهيمنة على المشهد في ليبيا، ليس فقط في الشرق، بل حتى في مناطق غرب ليبيا، وذلك تحت إشراف اللواء خليفة حفتر.

وباتت الرؤية المصرية واضحة الأهداف والمعالم فيما يخص الاستحقاق الانتخابي القادم في شهر ديسمبر/كانون الأول 2021، بالإضافة إلى سعيها الحالي للهيمنة واستعادة النفوذ الذي فقد في السنوات القليلة الماضية.

وأوضح المصدر أن الرئاسة المصرية تضغط على الأطراف الليبية لتحقيق استحقاق الانتخابات في موعدها 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، على أن تكون انتخابات رئاسية وليست برلمانية، لمنح التصويت بشكل مباشر على حفتر.

وفي محاولة لتوسيع نفوذها نحو الغرب، تعمل الرئاسة المصرية على دراسة واستقطاب عدة مناطق بالمنطقة الغربية لصالح خليفة حفتر، وذلك بعدما عقدت مصر اتفاقات مع حكومة الوحدة الوطنية، والإعلان عن استئناف العمل السياسي وفتح السفارة المصرية بطرابلس. 

وتشكل مناطق ترهونة، جنوب طرابلس، ومناطق صبراتة وصرمان والعجيلات ورقدالين والجميل والرجبان والزنتان حاضنة جيدة لخليفة حفتر رغم أنها تخضع حالياً لسلطة حكومة الوحدة الوطنية. ويمكن لمصر تهيئة واستقطاب هذه المناطق لصالح خليفة حفتر، بحسب مصدر عسكري مقرب من حفتر.

وذكر العقيد طيار سعيد الفارسي أن القاهرة تحاول الاستفادة اقتصادياً ببناء علاقات مع حكومة الوحدة الوطنية غرب ليبيا وتوقيع اتفاقيات اقتصادية واستخباراتية بالمنطقة الغربية لدراسة المنطقة والعمل على تحشيد رأي عام في المناطق التي تعتبر موالية لخليفة حفتر والعمل على تمكين قاعدة دستورية تتجه نحو انتخابات رئاسية بالمرحلة المقبلة تضمن نجاح خليفة حفتر في الانتخابات المزمع عقدها في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.

وتابع الفارسي أن خليفة حفتر لن يدخل في حرب جديدة في ليبيا، وأن ما نشهده من تحركات عسكرية هي بمثابة توسيع نفوذ لخليفة حفتر في جنوبي وجنوب غربي ليبيا والسيطرة على أكبر عدد من القواعد العسكرية، كقاعدة تمنهنت وبراك الشاطئ كي يكون ترشح خليفة حفتر للانتخابات أمراً واقعاً.

بداية لحقبة جديدة

وقال الدبيبة، خلال المحادثات التي جرت بين مسؤولي البلدين في طرابلس يوم 20 أبريل/نيسان، إن هذه الاتفاقات الموقعة بداية لحقبة جديدة في الشراكة بين مصر وليبيا.

وأعلن رئيس الوزراء المصري خلال اجتماع لمجلس الوزراء في 21 أبريل/نيسان قراراً بتشكيل لجنة وزارية لوضع الأطر المتعلقة بعودة العاملين المصريين إلى ليبيا. وأوضح أن الجانب الليبي دعا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بخصوص عودة العاملين المصريين إلى ليبيا وتسهيل التنقل بين البلدين.

وقال مدبولي خلال اجتماع مجلس الوزراء إن زيارته لطرابلس تعكس دعم مصر القوي لوحدة الأراضي الليبية وإنهاء جميع التوترات التي تشهدها. وقال مدبولي إن هذه الزيارة تعكس دعم القيادة السياسية المصرية لجميع الإجراءات التي تتخذها حكومة الوحدة الوطنية الليبية والتي من شأنها أن تحقق التنمية في ليبيا في الفترة المقبلة.

وأشار مدبولي إلى أنه تم تحديد موعد لاستئناف عمل اللجنة المصرية الليبية المشتركة بعد تعليقها عام 2009 خلال زيارته لليبيا. وطلب من الوزراء المعنيين التنسيق مع نظرائهم الليبيين استعداداً للاجتماعات المقبلة للجنة.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد قال في مقطع فيديو بثته الرئاسة يوم 23 أبريل/نيسان إنه كلف الحكومة بتنظيم سفر العاملين المصريين إلى ليبيا، ووضع قائمة بهؤلاء العاملين إلى جانب تخصصاتهم، وقائمة بالشركات المصرية التي يحق لها العمل في ليبيا وخبراتها واختصاصاتها.

ورحب الإمام بخطوة إعادة العاملين المصريين إلى ليبيا. وقال إنها ستساعد في تخفيف تأثير أزمة فيروس كورونا على العاملين الذين عادوا إلى مصر بسبب التداعيات الاقتصادية للجائحة.

وأشار إلى أن الطلب على العمالة المصرية تراجع بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة التي صاحبت جائحة فيروس كورونا خاصة في دول الخليج.

وقال الإمام إن إعادة فتح سوق العمل الليبي أمام المصريين سيساعد على زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج، ما سيعزز الدخل القومي للبلاد.

يقول أحمد عليبة، الباحث في دراسات الأمن الإقليمي في المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، لموقع Al Monitor إن الاتفاقيات الخدمية في مجالات الكهرباء والصحة والقوى العاملة تشكل نقلة نوعية ستغير طبيعة دور مصر في ليبيا. إذ كانت مصر تعطي الأولوية في السابق للوضع الأمني في ليبيا، المرتبط بأمن مصر القومي نظراً لحدودها المشتركة مع ليبيا، لكنها تحولت إلى العمل لتيسير العملية السياسية. واختتم حديثه بالقول إنها ترغب في المشاركة في إعادة إعمار ليبيا والنهوض بها.

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رأي الموقع