دعوات دولية للكيان الصهيوني إلى عدم عرقلة إجراء الانتخابات الفلسطينية بالقدس المحتلة
السياسية:
مرزاح العسل
تتصاعد الشكوك بشأن الالتزام بإجراء أول انتخابات فلسطينية منذ 15 عاما في موعدها المقرر في 22 مايو المقبل، وخصوصاً في مدينة القدس التي تتمتع بخصوصية عالية لأهميتها الدينية والسياسية لدى الشعب الفلسطيني، في ظل دعم المجتمع الدولي ودعواته للكيان الصهيوني إلى عدم عرقلة اجرائها في القدس المحتلة.
وبرزت في الآونة الأخيرة احتمالية تأجيل أو إلغاء الانتخابات على ضوء الإشارات والتطورات على الأرض، والقادمة من سلطات الكيان الصهيوني المحتل بشأن منع إجراء الانتخابات في شرق مدينة القدس المحتلة.
وتمثل القدس المحتلة أحد أكثر الملفات حساسية بالنسبة للفلسطينيين وتتربع على رأس ثوابتهم الوطنية كونها عاصمة الدولة الفلسطينية على مدى التاريخ، فيما تشهد العلاقة بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني الغاصب حالة من التحدي والمواجهة الصريحة قبيل إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية المزمع عقدها الشهر القادم.
ويبدو أن كيان الاحتلال الغاصب يريد التأكيد على موقفه الذي انكشف بوضوح في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بعد نشر تفاصيل صفقة القرن، والتي جاء فيها: “لا للقدس الشرقية، ولا لوقف الاستيطان، ولا لحل الدولتين”.
ولم تغير إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن من المعطيات الجديدة التي وضعها ترامب، خصوصاً فيما يخص قضية القدس، والمتعلقة بالاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة الأميركية اليها.
وعلى الرغم من أن الكيان الصهيوني لم يعلن صراحة، رفضه إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس المحتلة، إلا أنها مهددة بذلك استكمال العملية الانتخابية الفلسطينية برمتها.
وتنص اتفاقية أوسلو الموقعة عام ١٩٩٤على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وتشير في نص المادتين الثالثة والرابعة إلى أن أعضاء المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية “سيتم انتخابهم بشكل مباشر وفي نفس الوقت من قبل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة”.
إلا أن إصرار سلطات الاحتلال على عدم اجراء الانتخابات في القدس المحتلة هذه المرة يؤكد تمسكها بما حققته من اعتراف أمريكي في عهد ترامب بأحقيتها منفردة بالمدينة المقدسة، والذي لم تتراجع عنه الإدارة الأمريكية الجديدة.
هذا ومن المقرر إجراء انتخابات تشريعية فلسطينية في 22 مايو المقبل، تتبعها انتخابات رئاسية في 31 يوليو، على أن تتبع بانتخابات لتشكيل المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في 31 أغسطس المقبل.
وستكون هذه أول انتخابات فلسطينية منذ عام 2006 ويضغط الرأي العام الفلسطيني بشدة من أجل إجرائها لتجديد المؤسسات الفلسطينية ما يجعل قرار التأجيل غير سهل.
وسبق أن أعلنت السلطة الفلسطينية في فبراير الماضي أنها خاطبت حكومة الاحتلال الإسرائيلية رسميا بشأن السماح بإجراء الانتخابات في القدس المحتلة، لكنها لم تتلق ردا واضحا بشأن الموافقة على ذلك أسوة بما جرى في الانتخابات السابقة.
هذا وقد أكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، خلال ندوة له أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي اليوم، “أن القيادة الفلسطينية مصرة على اجراء الانتخابات في موعدها بما يشمل القدس”.
وقال: “التصميم على حضور القدس في الانتخابات ليس مسألة فنية أو يتعلق بعدد المنتخبين، بل هي قضية سياسية بعدم التنازل عن القدس كجزء من النسيج الوطني والسياسي الفلسطيني، وعن استحقاق تؤكده الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي”.
وتابع: “إسرائيل تحارب وجودنا في القدس، حيث منعت اجتماعات تحضيرية للانتخابات واعتقلت مرشحين انتخابيين”.
ودعا اشتية الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ موقف جاد للضغط على “إسرائيل” للسماح بإجراء الانتخابات بالقدس وعدم عرقلة وصول المراقبين الدوليين للأراضي الفلسطينية
وجدد المجتمع الدولي اليوم الخميس، دعمه لعقد الانتخابات الفلسطينية.. داعيا سلطات الاحتلال الإسرائيلي الى عدم عرقلة اجرائها في القدس الشرقية المحتلة.
وأكد مندوبو الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي في كلماتهم في جلسة مفتوحة برئاسة فيتنام، لمناقشة الاوضاع في الشرق الاوسط، اليوم، عبر تقنية “زووم”، التزام بلادهم بتحقيق السلام العادل وإقامة الدولة الفلسطينية.. ونددوا بإستمرار سياسة الاستيطان وطالبوا بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي ٢٣٣٤.
وفي هذا الصدد اعتبر المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الاوسط تور وينسلاند، أن الانتخابات الفلسطينية أولوية، ويجب أن تتلقى الدعم من المجتمع الدولي لتعبيد الطريق أمام تحقيق المصالحة الفلسطينية، والوحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وفتح الأفق أمام تحقيق السلام في الشرق الأوسط.
وقال وينسلاند في كلمته، إنه التقى لجنة الانتخابات الفلسطينية واطلع على مجريات العمل والجهود المبذولة لعقدها، بالتزامن مع وجود وباء “كورونا”.. مشيرا إلى أن اللجنة أعلنت الانتهاء من إعداد قوائم المرشحين وفتح باب الطعون ضمن الإجراءات القانونية، وغيرها من الإجراءات.
وأضاف: إن سلطات الاحتلال تمنع أي نشاط فلسطيني للتحضير للانتخابات في القدس وتقوم باعتقال المرشحين، ويجب أن يكون هناك مسائلة لكل من يرتكب هذه الأعمال.
وطالب وينسلاند بضرورة وقف كل هذه الاعتداءات وتأمين الحماية الكاملة للجميع.. مؤكدا ضرورة ان تحترم “إسرائيل” القانون الدولي الذي ينص على حرية إجراء الانتخابات.. مشدداً على أنه يجب على أطراف الرباعية الدولية العمل على تحقيق حل الدولتين وتمكين الفلسطينيين من بناء دولتهم المستقلة إلى جانب “إسرائيل”.
من جهته أكد مندوب الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي، التزام بلاده بتحقيق السلام في الشرق الأوسط وإقامة الدولة الفلسطينية.. وقال: إن الإدارة الأمريكية استأنفت تقديم المساعدات للفلسطينيين على مستوى المساعدات الإنسانية والاقتصادية والبرامج الصحة المختلفة، وإعادة تفعيل الـ(USAD)، والمساعدات للأونروا.
بدوره قال مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور، إن الشعب الفلسطيني سجل للمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة بمستويات عالية، تعبيراً عن رغبته بالمشاركة في الانتخابات.
وأكد أن هناك حاجة ملحة لضمان عدم قيام إسرائيل بوضع العراقيل أمام الانتخابات الفلسطينية.. مشيراً إلى أن الأيام الماضية شهدت قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي باعتقال عدد من المرشحين لانتخابات المجلس التشريعي، إضافة إلى منع عقد اجتماعات في القدس للتيارات السياسية والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني.
ودعا إلى وقف هذه الأعمال بشكل فوري، بالتزامن مع دعم الشركاء الدوليين لتذليل كل الصعوبات والتغلب على الأمور والعقبات الداخلية لعقد الانتخابات دون أي إعاقة من قبل إسرائيل، سيما ضمان إجراء الانتخابات في القدس الشرقية.
إلى ذلك.. دعا مندوب فرنسا لدى مجلس الأمن، الكيان الإسرائيلي المحتل إلى عدم عرقلة اجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس الشرقية كما هو الحال في أراضي عام 1967.
وشدد مندوب فرنسا، على ضرورة ترجمة كلمات المشاركين في سياق إحياء عملية السلام على أساس مبدأ حل الدولتين.. مؤكداً على ضرورة دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، إلى حين ايجاد حل لقضية اللاجئين.
أما مندوب الهند لدى مجلس الامن الدولي، فقد أكد أن بلاده تدعم على الدوام التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، يفضي لقيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً وقابلة للحياة.
وقال: إنه لا يمكن أن يستمر الصراع إلى الأبد ويجب ان ينتهي على أساس حل الدولتين، حيث يجب أن يكون هناك مفاوضات تفضي إلى السلام المنشود الذي يتحقق بموجبه طموح الشعب الفلسطيني بالدولة المستقلة.
ودعا إلى التركيز على قضايا الوضع النهائي، وفق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة في هذا الشأن، وأن يكون هناك وقف لكل الإجراءات أحادية الجانب على الأرض والعودة إلى القرارات الدولية.
وطالب أن يكون هناك تهيئة للظروف اللازمة من أجل تحقيق السلام واستئناف المفاوضات المباشرة.. مضيفاً أن الهند دعمت إلى جانب المجتمع الدولي كل ما يمكن أن يؤدي إلى تحقيق السلام الجدي.
وشدد على أن بلاده تدعم الانتخابات الفلسطينية، وهي على استعداد لتوفير ما يلزم لإنجازها.
مندوب بريطانيا لدى مجلس الأمن هو الآخر.. قال: “نتطلع إلى انتخابات فلسطينية نزيهة وعادلة، وعلى إسرائيل أن تسهل الانتخابات في القدس وفق اتفاقية أوسلو”.
واعتبر أن عمليات الاعتقال للمرشحين هي أعمال غير مرغوبة وغير مقبولة من قبلنا، ويجب العمل لبناء ثقة بين الطرفين، وليس مزيدا من التقويض بين الدولتين.
من جهته طالب ممثل تونس لدى مجلس الأمن، في كلمته، المجتمع الدولي بتكثيف الضغط من أجل إلزام إسرائيل الدولة المحتلة بقرارات الشرعية الدولية وآخرها قرار 2334 عام 2016، وإجبارها على وقف بناء المستوطنات والتخلي عن الخطط التي وضعتها لمصادرة الأرض وتقويض حل الدولتين.
وقال: إن دولة فلسطين تعد لعملية شاملة لتعزيز مبادئ الديمقراطية، والمجتمع الدولي رحب بهذه الجهود.. لافتا الى أن الكيان المحتل يحاول تقويض هذه الجهود ويضع العقبات على المرشحين الفلسطينيين تحديدًا في القدس الشرقية، وهذا يثير القلق لأن فيه تهديد للعملية الديمقراطية الهامة في فلسطين.
وطالب المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ الخطوات للسماح بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية، والمساعدة في إجرائها دون أي عقبات يفرضها الاحتلال.
فيما طالبت ممثلة إيرلندا لدى مجلس الأمن، سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالسماح للمقدسيين للمشاركة بالانتخابات في مدينة القدس، إضافة إلى ضمان وصول المراقبين الدوليين للمدينة المقدسة.
وقالت في كلمة لها أمام جلسة مجلس الأمن: “يجب ضمان سير الانتخابات الفلسطينية بسهولة، وألا تضع “إسرائيل” أمامها أي عقبات، كما أن هذه الانتخابات تعمل على تعزيز العملية الديمقراطية”.
ويحظى الموقف الفلسطيني بشأن الانتخابات بدعم سياسي من الاتحاد الأوروبي الذي طالب مرارا بإجراء الانتخابات في كل الأراضي الفلسطينية بما فيها شرق القدس المحتلة.
وقال مسؤول الاعلام والاتصال في الاتحاد الأوروبي في القدس شادي عثمان: إن الموقف الأوروبي يقوم على ضرورة التزام “إسرائيل” بالاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين والسماح بإجراء الانتخابات في القدس المحتلة.
وأشار إلى أن “إسرائيل” لم تعط أي رد لا إيجابي أو سلبي على الطلب الرسمي من الاتحاد الأوروبي بشأن الإشراف على الانتخابات في كل الأراضي الفلسطينية.
ورجح أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت في رام الله هاني موسى، تأجيل الانتخابات إذا تم تأكيد منعها في القدس وسط غياب الضغط الإقليمي والدولي على إسرائيل.. مشدداً على أن القدس لها خصوصية بالنسبة للجانب الفلسطيني باعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية وهي خط أحمر ولا يمكن أن تجري الانتخابات دون المدينة.
وأشار إلى أن الانتخابات في القدس أمر له مدلولات سياسية بالنسبة للفلسطينيين “فالأمر ليس فقط ممارسة الديموقراطية بل يتضمن ذلك مؤشرات سياسية ستنتج عن الانتخابات في القدس وبالتالي من الصعوبة بمكان إجرائها بدون المدينة”.
الجدير ذكره أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي عملت منذ احتلالها عام ١٩٦٧ على تهويد مدينة القدس وطمس هويتها العربية وتغيير واقعها وملامحها بشكل متدرج.. بدأ ذلك باحتلالها وضمها بعد ذلك في نفس العام، ثم بتوسيع حدودها البلدية تدريجياً.
وفي مرحلة متقدمة بعد احتلالها، بدأت عملية توسيع الحدود البلدية للمدينة، وذلك بضم القرى المحيطة بها وبمدينتي بيت جالا وبيت لحم أيضاً.. وفي مرحلة لاحقة، استكملت سلطات الاحتلال ضم المستوطنات الإسرائيلية التي شيدتها محاصرة المدينة من جميع الجهات، بهدف فصلها عن امتدادها العربي.. وقام الاحتلال بعد ذلك بعزل القدس بسور عملاق ليجسد عملية فصل المدينة العربية التاريخية عملياً عن امتدادها الطبيعي وعن محيطها الفلسطيني.
وتصدر ملف القدس الحراك السياسي الفلسطيني مؤخرا في ظل المطالب بضرورة سماح إسرائيل بإجراء الانتخابات التشريعية في شرق القدس المحتلة كجزء من باقي الأراضي الفلسطينية، واشتكى الفلسطينيون من منع سلطات الاحتلال أي تجمعات انتخابية في شرق القدس واحتجاز عدد من المرشحين لدى محاولاتهم عقد مؤتمرات في داخل المدينة.
وأجريت أول انتخابات فلسطينية تشريعية ورئاسية قد جرت عام 1996، اما الانتخابات الرئاسية الثانية فجرت عام 2005 إثر رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، في حين جرت الانتخابات التشريعية الثانية في العام 2006.
وفي كافة هذه الانتخابات شارك الفلسطينيون فيها في كل من الضفة الغربية – بما فيها القدس الشرقية – وقطاع غزة وهي المناطق المدعومة دوليا ضمن حل الدولتين لإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة.