السياسية: رصد

تمثل مدينة القدس الشرقية التي تحتلها إسرائيل تحدياً خاصاً أمام الانتخابات الفلسطينية المقررة في مايو/أيار المقبل، في ظل إصرار فلسطيني على إجراء الانتخابات في المدينة التي تمثل عاصمة دولتهم التي يناضلون لتأسيسها.

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) قد أصدر منتصف يناير/كانون الثاني الماضي مرسوماً حدّد بموجبه موعد الانتخابات التشريعية، في 22 مايو/أيار المقبل على أن تجرى الانتخابات الرئاسية في 31 يوليو/تموز المقبل.

وتُشير تقديرات فلسطينية غير رسمية إلى أن نحو 340 ألف فلسطيني يعيشون في القدس الشرقية المحتلة التي تتمتع بدرجة عالية من الخصوصية نظراً لأهميتها الدينية والسياسية للشعب الفلسطيني، ونتيجة لاستيلاء إسرائيل على 84% من القدس خلال حرب عام 1948، ثم الاستيلاء على ما تبقى منها وضمها عام 1967، فقد انقسمت دائرة القدس الانتخابية إلى منطقتين: القدس الشرقية، وضواحي القدس التي تقع خارج منطقة القدس الشرقية، ويوجد فيها 30 تجمعاً سكانياً فلسطينياً.

ما موقف إسرائيل من الانتخابات في القدس الشرقية؟

لم تعلن إسرائيل موقفاً رسمياً حتى  الآن من قضية مشاركة أهل القدس الشرقية المحتلة في الانتخابات الفلسطينية المقررة في مايو/أيار، لكن الواضح أن تل أبيب لن توافق على إجراء الانتخابات في القدس الشرقية المحتلة، ولا حتى بموجب اتفاقيات أوسلو، بحسب التقارير الإعلامية الإسرائيلية.

ونشر موقع Times Of Israel تقريراً قال إن السلطات الإسرائيلية على الأرجح لن تسمح بالتصويت في القدس الشرقية ولا بإجراء تجمعات انتخابية للمرشحين، ونقلت تصريحاً قبل أيام لوزير الدفاع بيني غانتس قال فيه: “لن نتدخل في القرارات السياسية للفلسطينيين”، مضيفاً على الفور: “لن نوافق على العمل مع حماس”، في إشارة واضحة على أن تل أبيب لن توافق على مشاركة سكان القدس الشرقية المحتلة في تلك الانتخابات.

وجاءت الإشارة الأبرز على هذا التوجه في الأسبوع الماضي عندما فضت شرطة الاحتلال تجمعاً انتخابياً فلسطينياً حضره مسؤولون من حركة فتح في أحد فنادق المدينة واعتقلت اثنين من المسؤولين في الحركة واستجوبتهما ثم أطلقت سراحهما.

حماس سجلت قائمتها الانتخابية تحت اسم “القدس موعدنا”

وقد أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً أدان فيه تصرف قوات الاحتلال الإسرائيلية واصفاً إياه بأنه انتهاك لاتفاقيات أوسلو، بينما تشير التصريحات الإسرائيلية إلى أن أبومازن يحاول استغلال رفض إسرائيل إجراء الانتخابات في القدس الشرقية كمبرر لعدم إقامة الانتخابات، في ظل الانشقاقات في حركة فتح وتقديم مروان البرغوثي وناصر القدوة قائمة منافسة للقائمة الرسمية لفتح بقيادة الرئيس الفلسطيني، وخشية أبومازن من الخسارة لصالح منافسيه من فتح أو لصالح حماس.

بدائل فلسطينية لمأزق القدس الشرقية

ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة يوم 22 مايو/أيار المقبل، بدأت أوساط شعبية وأهلية وخبراء فلسطينيون تقديم حلول للمضي قدماً وإجراء الانتخابات في القدس الشرقية رغم الموقف الإسرائيلي، مطالبين بنشر صناديق الاقتراع في القدس حتى لو تطلب ذلك الوصول إلى حالة “اشتباك” مع الاحتلال.

وقال خبراء قانونيون فلسطينيون في أحاديث لوكالة الأناضول التركية إنه توجد آليات يمكن عبرها إجراء الانتخابات في القدس الشرقية، بينها نشر الصناديق في كنائسها ومساجدها وشوارعها، في خطوة تهدف إلى فرض التصويت في القدس الشرقية على إسرائيل بقوة الأمر الواقع.

ومن الناحية الرسمية ورغم عدم رد إسرائيل على طلب فلسطيني بإجراء الانتخابات في المدينة المحتلة، يواصل الفلسطينيون اتصالاتهم الدولية لضمان عدم وضع الأولى عراقيل أمام إجرائها، باعتبار القدس جزءاً من الأرض الفلسطينية.

وبينما تذهب شريحة فلسطينية، يمثلها المستوى الرسمي، إلى المطالبة باعتماد آليات سابقة استخدمت لاقتراع المقدسيين، تذهب أوساط شعبية وأهلية وخبراء إلى المطالبة بنشر صناديق الاقتراع في القدس، بعيداً عن موافقة الاحتلال (الإسرائيلي)، حتى لو تطلب ذلك الوصول إلى حالة “اشتباك” معه.

وسبق للفلسطينيين من سكان القدس أن شاركوا في الانتخابات في الأعوام 1996 و2005 و2006 ضمن ترتيبات خاصة متفق عليها، جرى بموجبها الاقتراع في مقرات البريد الإسرائيلي، وبإشراف موظفي البريد نفسه.

الاقتراع في البعثات الدولية

يشير معين عودة، وهو حقوقي من مدينة القدس إلى أن الانتخابات الفلسطينية برمتها حالة “غريبة ونادرة” لشعب في طور التحرر من الاحتلال، ومع ذلك يرى أن الحل الوحيد لإظهار القدس كمدينة غير طبيعية ومحتلة هو “إجراء الانتخابات من خلال بعثات دولية، تشرف عليها بشكل كامل، بعيداً عن أي تدخل”.

ويقول للأناضول إن الغرض من الإشراف الدولي هو “إظهار الحقيقة الموجودة على الأرض، وإن الفلسطينيين لا يسيطرون على بلدهم المحتل”، موضحاً أن “الانتخابات بصيغتها الحالية تُظهِر الفلسطينيين وكأنهم يعيشون على أرضهم وينتخبون بشكل طبيعي”.

وتضمنت “اتفاقية المرحلة الانتقالية” المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل والموقعة بواشنطن في 28 سبتمبر/أيلول 1995، ملحقاً خاصاً يتعلق بالانتخابات الفلسطينية، جاء في نصه “يتمّ الاقتراع في القدس الشرقية في مكاتب بريد تتبع سلطة البريد الإسرائيلية”.

لكنّ الأمور تزداد تعقيداً، خاصة بعد اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل عام 2017، وفي حال لم تلزم إسرائيل بالاتفاقيات، أشار عضو المجلس الثوري لفتح، حاتم عبد القادر في حديث سابق للأناضول إلى خيارين: إما تحويل الانتخابات بالمدينة إلى معركة ومواجهة وصدام مع الاحتلال، أو تأجيل الانتخابات وربما إلغاؤها.

تثبيت وضعية المدينة المحتلة

بدوره يرى غاندي ربعي، وهو محامٍ من مدينة رام الله، أن هناك الكثير من الآليات “التي يمكن من خلالها الاشتباك مع الاحتلال وتثبيت حق المقدسين، بوصفهم أصحاب حق في أرضهم وفي القدس عاصمة دولة فلسطين”.

ويذكر ربعي من تلك الآليات: “وضع صناديق الاقتراع في الكنائس والمسجد الأقصى، والطلب من لجنة الانتخابات الإشراف على تلك الصناديق”.

ويقول للأناضول إن الهدف من المشاركة بهذه الآليات “رمزي” لتثبيت حق المقدسيين في الانتخاب، رافضاً في الوقت ذاته أن تكون القدس “حجة لتأجيل الانتخابات أو إلغائها”.

ويرى أن على منظمة التحرير الفلسطينية ولجنة الانتخابات المركزية “التفكير في وضع صناديق الاقتراع في منطقة باب العامود (أحد أبواب القدس القديمة)، كتحدّ يصور للعالم كيف ستمنع إسرائيل الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه”.

أما حنا عيسى، الدبلوماسي الفلسطيني السابق وأستاذ القانون الدولي، فيلفت إلى أن قانون الانتخابات الفلسطيني وتعديلاته “قضى على فكرة أن يتولى الجانب الإسرائيلي الإشراف على الانتخابات في القدس الشرقية المحتلة”.

ويوضح أنه “لا مجال إلا إجراء الانتخابات مباشرة وحسب القانون الفلسطيني لعام 2007 وتعديلاته عام 2020″، متابعاً في حديثه للأناضول: “القانون الفلسطيني أعطى لجنة الانتخابات المركزية مسؤولية إدارة العملية الانتخابية بدءاً من إعداد الكشف الانتخابي، مروراً بالإشراف على صناديق الاقتراع، وانتهاءً بالفرز”.

ويقول الخبير القانوني للأناضول إن “هذه المادة (115 من قانون الانتخابات) خلصتنا نهائياً من اتفاقية أوسلو”، ويرى أستاذ القانون الدولي أن تكون المؤسسات الفلسطينية داخل القدس الشرقية مكاناً لإجراء عملية الاقتراع، ويُقدّر عدد سكان القدس المحتلة بأكثر من 340 ألفاً، منهم نحو 89 ألفاً مسجلون في السجل الانتخابي.

والأسبوع الماضي، رفضت منظمات غير حكومية فلسطينية، في مؤتمر صحفي، اتخاذ مدينة القدس “ذريعة” لتأجيل الانتخابات، ودعت إلى اعتبار “الانتخابات العامة ساحة للاشتباك مع الاحتلال على كافة الأصعدة”.

ومؤخراً، صدرت الكثير من التصريحات لمسؤولين فلسطينيين، تؤكد أنه لا يمكن إجراء الانتخابات بدون مشاركة سكان القدس، ومن المقرر أن تجرى الانتخابات الفلسطينية على 3 مراحل: تشريعية في 22 مايو/أيار، ورئاسية في 31 يوليو/تموز، وانتخابات المجلس الوطني في 31 أغسطس/آب المقبل.

المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رأي الموقع