السباسية: رصد

أثار قرار الرئيس السوري بشار الأسد، التصديق على عقد مع شركة روسية للتنقيب على النفط والغاز، مخاوف لبنانية حول فقدان أجزاء من المياه الاقتصادية للبنان، إذ صدّق الأسد، الشهر الماضي، على عقده المبرم مع شركة Capital Oil الروسية، وذلك بموجب عقدٍ لاستكشافات النفط والغاز، لكن 750 كيلومتراً مربعاً من المنطقة المخصصة لعمليات الاستكشاف تتداخل مع المياه الاقتصادية اللبنانية.

حسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، الإثنين 19 أبريل/نيسان 2021، فإن هذه الأزمة تأتي في وقت تواصل فيه بيروت محادثاتها غير المباشرة مع إسرائيل حول الحدود البحرية المتنازع عليها، إذ يزعم كلٌّ من لبنان وإسرائيل أن نحو 860 كيلومتراً مربعاً من البحر المتوسط تقع ضمن منطقته الاقتصادية حصرياً.

دفعت خطوة الأسد، الرئيسَ اللبناني ميشال عون، إلى مهاتفة نظيره السوري لمناقشة القضية، موضحاً أن “لبنان لن يقبل تقليص سيادته على مياهه”، وذلك وفقاً لوزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، شربل وهبة، الذي تحدث مع القناة التلفزيونية MTV.

وأكد وهبة كذلك أن لبنان سوف يتمسك بترسيم الحدود البحرية عبر التفاوض، وليس عبر النزاعات القضائية.

أساس غير قانوني

فشل لبنان وسوريا في حل نزاع على ترسيم الحدود البحرية، استمر بين عامي 2011 و 2014، مع أن روسيا قدمت نفسها وسيطاً بين البلدين في 2019.

لكن المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز، ديانا قيسي، قالت في حديثها مع موقع MEE، إن شكوى دمشق التي تقدمت بها إلى الأمم المتحدة في 2014، لم تستند إلى أي أساس قانوني، لأن سوريا ليست عضوة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

صحيحٌ أن النزاع البحري الناشئ بين لبنان وسوريا جرى تسييسه في لبنان، لكن الخبراء يتفقون على أنه قابل للحل استناداً إلى أساس فني.

يرى مارك أيوب، باحث الطاقة لدى معهد عصام فارس بالجامعة الأمريكية في بيروت، أن النزاع مشكلة فنية بحتة.

قال أيوب: “الاتصال بين الحكومة السورية وشركة Capital One ينص على أن هناك نزاعاً بين سوريا ولبنان، وأنهم مستعدون للتفاوض ومناقشته”.

الحاجة إلى الإصلاح

لدى كل من لبنان وسوريا مصلحة كبرى في العثور على موارد النفط والغاز بشرق البحر المتوسط، مع أن كلا البلدين غير متأكد من النطاق الحقيقي لموارد النفط والغاز في البحر الشامي.

من جهته، قال الخبير الدولي في شؤون الطاقة، رودي بارودي، في حديثه مع موقع MEE، إن لبنان لم يضف منذ عام 1998، أي كمية من الميغاوات إلى قطاع الطاقة لديه، بسبب الخلافات السياسية.

كما أضاف: “المؤسسات السياسية تحتاج أن تقرر ما الذي تفعله بالإصلاحات. لا يمكن أن يزدهر قطاع الطاقة دون إصلاحات، ودون حكم القانون ليس هناك أي مستقبل”.

موارد سورية مفقودة

في حديثٍ مع الموقع، أشار المحلل الاقتصادي السوري، يونس الكريم، إلى أن الحكومة السورية فقدت سيطرتها على غالبية آبار النفط في 2013.

فضلاً عن الضرر الذي تعرضت له سوريا بسبب انعدام الاستقرار السياسي والعقوبات الأمريكية والأوروبية الموقعة على قطاع النفط في سوريا.

وقال الخبير الاقتصادي السوري، كرم شعار: “كمية [النفط] التي تنتجها قوات سورية الديمقراطية تتراوح بين 90 ألفاً و110 آلاف برميل يومياً، فيما يصل إنتاج النفط من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، إلى نحو 25 ألف برميل يومياً”.

المتحدث نفسه أوضح قائلاً: “سوريا منقسمة إلى كتل موارد طبيعية متعددة، ولم تتغير بعد الحرب. وهي كتل عُرضت على شركات مختلفة، بعضها روسية، ومن ضمنها Velada LLC و Mercury LLC، اللتان تخططان للاستثمار”.

كما يعتقد “شعار” أن النزاع البحري صار مُلحّاً، بسبب تصديق سوريا على العقود مع شركة Capital One.

لكنه يعتقد كذلك أن شركة Capital One لن تستثمر في الكتلة البحرية.

إذ قال: “إنهم يضعون أياديهم عليها من أجل المستقبل. لذا قد يؤجرونها أو يبيعونها إلى شركة أخرى”.

استراتيجية روسيا

يمكن تفسير المصالح الروسية في موارد النفط والغاز الموجودة بشرق المتوسط تفسيراً على مستوى جيوسياسي.

يقول الكريم، إن روسيا تستهدف السيطرة على الواجهة البحرية لشرق المتوسط عن طريق تقليل أي تنافس من خطوط أنابيب غاز منافسة، ومثال على ذلك خط أنابيب الصداقة المُقترح بين إيران والعراق وسوريا، أو أي مشروعات أخرى في المنطقة.

يمكن أن تمنح هذه الاستراتيجية روسيا وصولاً لأي صورة تشاركية لثروات البحر المتوسط وقدرة أكبر على المناورة من أجل خططها الخاصة بالنفط والغاز.

اتفاقيات لبنانية

المصالح الروسية في الموارد الطبيعية الكامنة في شرق المتوسط لا تتضح عبر شراكة مع سوريا وحسب.

فقد حصلت روسيا على وصول إلى البحر عبر لبنان في صورتين.

تتجسد الصورة الأولى في انضمام شركة Novatek الروسية إلى اتحاد مع شركة توتال وشركة ENI، وهو اتحاد بدأ الاستكشافات عن النفط والغاز نيابة عن لبنان في البحر الشامي.

أما الصورة الثانية، فتتجسد في توقيع لبنان عام 2019 على اتفاقية مع شركة النفط الروسية Rosneft لتقديم الإدارة التشغيلية لمحطة تخزين المنتجات النفطية في مرفأ طرابلس بعقد مُدته 20 عاماً.

يعتقد نيل كويليام، الزميل المشارك في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية، أن روسيا ترغب في ممارسة تأثير على تنمية البحر الشامي؛ رغبةً في تقليص دبلوماسية الطاقة الأمريكية، والتأكد من أن التنمية في البحر الشامي لا تشكل تهديداً على صادرات غاز الأنابيب الروسية إلى أوروبا.

ويضيف: “ليس من المرجح إطلاقاً أن يتحدى غاز شرق الأوسط في أي وقت، اختراق روسيا للسوق بأوروبا، مما يعني أن هدفها الأول، المتمثل في تحدي النفوذ الأمريكي بالمنطقة، هو ما يشكل الهدف الرئيسي لها”.

“فرص جديدة”

قال بارودي إن موارد الغاز في شرق المتوسط صارت تشكل فرصة جذابة لهذه الدول في المنطقة.

وأضاف: “العالم بأسره يبحث عن وقود أنظف من النفط. الغاز يعد الوقود الأحفوري الأمثل لحماية البيئة. دول الشرق الأوسط، ما عدا مصر، تستورد الغاز من دول أخرى. واليوم وجدت إسرائيل وقبرص كمية معقولة من الغاز. إذا استطاعت هذه الدول استخراج الغاز، فإن ميزانيتها سوف تتعزز”. 

قبل أن يتابع قائلاً: “يمكن أن يتيح هذا فرصاً جديداً لإدارة برامج الأمن الاجتماعي وتقليل الفقر ومكافحة الإرهاب”.

“بلدان شقيقان”

في السياق نفسه، قال بارودي: “النزاع بين سوريا ولبنان هو الأقل إشكالية في شرق المتوسط، إذا وضعنا في الحسبان المواضيع الإشكالية بين تركيا واليونان وقبرص. يعد لبنان وسوريا بلدين شقيقين، ولديهما تعاون يتجاوز 40 عاماً”.

ويوضح بارودي أن أحد الحلول الفنية لتسوية النزاع قد يحدث عبر تتبُّع نقطة نهاية الأرض بين البلدين، مع الأخذ في الاعتبار مصب النهر الكبير ليكون نقطة الترسيم التي تُحسب عندها الحدود البحرية لكل بلد منهما.

صحيحٌ أن بعض الدراسات توضح أن المنطقة البحرية الصالحة للاستكشافات قد تحتوي على غاز ونفط، لكن البلاد سوف يتوجب عليها انتظار عمليات التنقيب؛ لاستيعاب قيمتها الاقتصادية.

وحينها فقط سوف يستطيع لبنان وسوريا والأطراف الأخرى المهتمة بالموارد الطبيعية في البحر الشامي، أن تقدِّر الجدوى الاقتصادية من دعم الغاز والنفط، من أجل تعزيز مخزون الطاقة لديها.

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رأي الموقع