ماذا حدث في الموقع النووي الإيراني؟ وما سر اختيار منفذيه لهذا التوقيت؟
السياسية: رصد
غموض كبير يحيط الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية الذي وقع أمس الأحد، وسط اتهامات إيرانية لإسرائيل بتنفيذه وتساؤلات هل هو تفجير أم هجوم إلكتروني؟ وإلى أي مدى سوف يؤخر برنامج إيران النووي؟
وضرب انقطاع التيار الكهربائي بدا أنه نجم عن انفجار مخطط له عمداً موقع تخصيب اليورانيوم الإيراني في نطنز أمس الأحد، فيما وصفه مسؤولون إيرانيون بأنه عمل تخريبي قالوا إنه تم تنفيذه من قِبَل إسرائيل، فيما تفيد تقارير أمريكية بأنه قد يؤخر برنامج طهران النووي لمدة تسعة أشهر بعد أن كاد الإيرانيون يدخلون مرحلة جديدة في دورة إنتاج الوقود النووي.
ملابسات الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية
ووقع الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية في ذات اليوم الذي زار فيه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن.
وألقى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف باللوم في الهجوم على إسرائيل، قائلاً إن “الصهاينة يريدون الانتقام من الشعب الإيراني لنجاحه في رفع العقوبات القمعية. لكننا لن نسمح بذلك وسننتقم من الصهاينة أنفسهم”.
واتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إسرائيل بشأن الحادث الذي وقع يوم الأحد والذي أدى إلى قطع التيار الكهربائي في المنشأة.
وقال خطيب زاده: “الجواب بالنسبة لنطنز هو الانتقام من إسرائيل”.
هل فعلتها إسرائيل حقاً، وما علاقة أمريكا بالهجوم؟
فور الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية توجهت الشكوك للدولة العبرية التي تعارض جهود الولايات المتحدة لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني، وتؤكد أنها لن تسمح لإيران بالاقتراب من مرحلة الوصول لقنبلة نووية.
وتجنبت إسرائيل رسمياً تأكيد أو نفي أي مسؤولية عن الهجوم، لكن مسؤولي استخبارات أمريكيين وإسرائيليين قالوا إن هناك دوراً إسرائيلياً.
ويوم الأحد، ذكرت الإذاعة العامة الإسرائيلية، نقلاً عن مصادر استخباراتية إسرائيلية وأمريكية لم تسمّها، أن إسرائيل كانت وراء الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية، وأن “الموساد متورط”، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
مما زاد الشكوك في أنه عمل تخريبي إسرائيلي أن انقطاع التيار الكهربائي جاء بعد يوم من إشادة المسؤولين الإيرانيين بافتتاح أجهزة طرد مركزي جديدة ومتقدمة في موقع تم تشييده في أعقاب حريق نطنز.
وقبل الإعلان عن الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي التقى يوم الأحد بوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، ببذل كل ما في وسعه لوقف الاتفاق النووي.
وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مع نظيره الإسرائيلي بيني غانتس/رويترز
وبعد الهجوم، علق رئيس الوزراء الإسرائيلي بكلمتين تحملان مدلولات دينية رمزية، قائلاً: “الكفاح ضد إيران وأذرعها وتسلحها مهمة ضخمة”.
وأضاف: “الوضع القائم اليوم لا يعني أنه نفس الوضع الذي سيكون موجوداً غداً”.
وتابع نتنياهو، خلال لقائه قادة أجهزة الأمن والاستخبارات الخارجية (الموساد)، وجهاز الأمن العام (شاباك)، والجيش بمناسبة إحياء الذكرى الـ73 لتأسيس إسرائيل: “من الصعب للغاية شرح ما أنجزناه هنا في إسرائيل، في هذا الانتقال من العجز الكامل الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الدول، إلى قوة عالمية تمكنا من صنعها هنا”.
وقال: “بالتأكيد أصبحنا قوة إقليمية، ولكن من بعض النواحي أيضاً قوة عالمية.. أتمنى أن نستمر جميعاً في هذا الطريق، وأن تستمروا في الاحتفاظ بسيف داوود في أيديكم”.
وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن: “لقد رأينا تقارير عن حادث في منشأة تخصيب نطنز في إيران. لم تشارك الولايات المتحدة، وليس لدينا ما نضيفه إلى التكهنات حول الأسباب”.
وجاء الهجوم على نطنز بعد أقل من أسبوع من حضور الولايات المتحدة وإيران محادثات في فيينا تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 بين طهران والقوى العالمية الست.
ماذا حدث؟ هل هو تفجير أم هجوم إلكتروني؟
ظلت التفاصيل قليلة حول ما حدث في وقت مبكر من صباح الأحد في المنشأة. تم وصف الحادث في البداية من قِبَل المسؤولين الإيرانيين بأنه انقطاع التيار الكهربائي متعلق بتغذية الشبكة الكهربائية لورش العمل الموجودة فوق الأرض وقاعات التخصيب تحت الأرض.
ثم قال مسؤولون إيرانيون إن مفاعل نطنز لتخصيب اليورانيوم كان هدفاً “للإرهاب النووي” بعد حديثهم في البداية عن انقطاع التيار الكهربائي.
ولم تذكر إيران على وجه التحديد سبب الهجوم في الموقع شديد التحصين، والذي كان هدفاً لعمليات تخريب سابقة.
ونفى بعض الخبراء المعنيين بالملف الإيراني التكهنات الأولية بأن هجوماً إلكترونياً قد يكون سبباً في فقدان الطاقة.
وقال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: “من الصعب أن نتخيل أن الهجوم الإسرائيلي على منشأة نطنز النووية الإيرانية كان هجوماً إلكترونياً”. السيناريو المحتمل هو أنه إما استهدفت المنشأة بشكل غير مباشر أو من خلال التسلل المادي.
وقال مسؤولو المخابرات الأمريكية إنه كان بالفعل تفجيراً.
إذ نقلت صحيفة New York Times الأمريكية عن اثنين من مسؤولي المخابرات الذين تم إطلاعهما على الأضرار إن الانفجار نجم عن انفجار كبير دمر بشكل كامل نظام الطاقة الداخلي المستقل -والمحمي بشدة- والذي يزود أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض التي تخصب اليورانيوم.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إنه لم تقع إصابات أو تلوث نووي نتيجة الهجوم، لكن كان من الممكن أن يؤدي إلى “وضع كارثي”.
وأضاف أن بعض أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأقدم تضررت، ولكن سيتم استبدالها بأحدث.
ويحتوي مجمع نطنز على شبكة الطاقة الخاصة به وأنظمة النسخ الاحتياطي المتعددة وطبقات الحماية الأمنية التي تهدف إلى منع مثل هذا الهجوم من إيقاف تشغيل نظامه بشكل مفاجئ.
الإسرائيليون يقولون إن طهران تقلل من الخسائر
وقال بهروز كمالوندي، المتحدث باسم البرنامج النووي المدني، للتلفزيون الإيراني الرسمي، إن الكهرباء انقطعت عن منشأة نطنز. وقال إنه لم تقع إصابات أو أضرار.
لكن إيران عرضت في بعض الأحيان مثل هذه التقييمات التي تتحدث عن خسائر محدود للهجمات الغامضة على منشآتها في أعقاب عمليات التخريب مباشرة، لتقوم بمراجعتها لاحقاً، حسب New York Times.
وقالت المصادر الإسرائيلية إن الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية تسبب في أضرار جسيمة أكثر مما أبلغت عنه طهران.
وقالت مصادر للإذاعة الإسرائيلية إن الأضرار التي لحقت بأجهزة الطرد المركزي في الموقع نتيجة الهجوم “كبيرة” وستؤخر الجهود الإيرانية لتخصيب اليورانيوم.
ولم يتسنَّ على الفور تأكيد هذه التأكيدات، لكنَّ المسؤولين الإيرانيين أقروا في وقت لاحق بتلف أجهزة الطرد المركزي، حسب ما ورد في تقرير The Washington Post.
يبدو أنه تسبَّب في تأخير البرنامج 9 أشهر على الأقل
وقال مسؤولو المخابرات الأمريكية لصحيفة New York Times إن انفجاراً كبيراً دمر تماماً نظام الطاقة الداخلي المستقل الذي يعذي أجهزة الطرد المركزي داخل المنشأة تحت الأرض.
ويقدرون بأن الأمر قد يستغرق تسعة أشهر على الأقل لاستئناف التخصيب هناك.
وقال المسؤولون، الذين تحدثوا للصحيفة الأمريكية شريطة عدم الكشف عن هويتهم، إن الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية وجه ضربة قاسية لقدرة طهران على تخصيب اليورانيوم، وإن الأمر قد يستغرق تسعة أشهر على الأقل لاستعادة إنتاج نطنز.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن أوراق القوة لدى إيران في المحادثات الجديدة التي تسعى إليها إدارة بايدن لاستعادة الاتفاق النووي يمكن أن تتعرض للخطر بشكل كبير.
لماذا جاء الهجوم في هذا التوقيت تحديداً؟
يوم السبت، قبل يوم من الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية واليوم الوطني للتكنولوجيا النووية في إيران، تم اختبار أجهزة طرد مركزي جديدة أكثر حداثة في منشأة نطنز، مع القدرة على تكرير اليورانيوم بمعدل أسرع بكثير.
وعمقت إيران أنشطتها النووية مؤخراً بالتزامن مع المفاوضات غير المباشرة مع الأمريكيين التي تواجه صعوبات في التوصل لخطوات مقبولة من الطرفين لرفع العقوبات الأمريكية على طهران مع عودة واشنطن للاتفاق النووي وعودة إيران عن خروقاتها لهذا الاتفاق.
وقالت إيران، يوم السبت الماضي، إنها بدأت اختبارات ميكانيكية على أحدث أجهزة الطرد المركزي النووية المتطورة لديها، وهي جهاز الطرد المركزي IR-9، حسبما ورد في تقرير لموقع CNBC.
وجاء هذا الإعلان الذي بثه التلفزيون الحكومي في “اليوم النووي” الخامس عشر لإيران.
وهذا يعني تخصيب اليورانيوم بوتيرة أسرع، لأن إنتاج جهاز IR-9 أسرع 50 مرة من أول جهاز طرد مركزي إيراني IR-1، وبالتالي سيكون لديه القدرة على فصل نظائر اليورانيوم بسرعة أكبر من أجهزة الطرد المركزي الحالية المستخدمة.
كما أعلنت إيران أنها أطلقت سلسلة من 164 جهاز طرد مركزي من طراز IR-6 يوم السبت، وتقوم أيضاً بتطوير أجهزة طرد مركزي من طراز IR-8.
ومنذ كانون الثاني/ يناير 2021، بدأت إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20%.
وصل مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% إلى 55 كيلوغراماً (121 رطلاً)، مما جعل برنامجها النووي أقرب إلى مستويات التخصيب المستخدمة في صنع الأسلحة.
وقال سفير إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كاظم غريب أبادي، قبل أسابيع، على تويتر، إن طهران بدأت أيضاً في تركيب أجهزة طرد مركزي من طراز IR-6 في فوردو، وهو موقع تم حفره في جبل بدأت فيه إيران تخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء 20% التي حققتها قبل اتفاق 2015.
وسبق أن قال وزير الطاقة الإسرائيلي إن الأمر سيستغرق الآن من إيران حوالي ستة أشهر لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لسلاح نووي واحد، وهو جدول زمني يقارب ضعف المدة التي توقعها مسؤول رفيع في إدارة بايدن.
تدعيات الهجوم المحتملة
وقد يؤدي الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية إلى إضافة حالة جديدة من عدم اليقين في الجهود الدبلوماسية التي بدأت الأسبوع الماضي لإنقاذ الاتفاق النووي لعام 2015 الذي رفضته إدارة ترامب.
وتتحدث كل من واشنطن وطهران عن تقدم متواضع في المفاوضات، بينما تعارض إسرائيل بشدة الاتفاق النووي.
وقد تحاول واشنطن استغلال الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية كورقة ضغط على طهران بالنظر إلى أنه قد يؤخر برنامجها النووي، في المقابل، فقد ترد طهران بالتشدد في المفاوضات، واتهام واشنطن بالمشاركة فيها، خاصة أنه تم في نفس يوم زيارة وزير الدفاع الأمريكي لإسرائيل.
وللولايات المتحدة وإسرائيل تاريخ من التعاون السري، يعود تاريخه إلى إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، لتعطيل برنامج إيران النووي.
والعملية الأكثر شهرة في إطار هذا التعاون، التي أطلق عليها اسم “الألعاب الأولمبية”، كانت هجوماً إلكترونياً تم الكشف عنه خلال إدارة أوباما، عطل ما يقرب من 1000 جهاز طرد مركزي في نطنز، ويعتقد أن ذلك الهجوم تسبب في انتكاسة لأنشطة التخصيب الإيرانية لعدة أشهر.
ويمكن أن يهدد الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية بتصعيد حرب الظل بين تل أبيب وطهران ، بما في ذلك الهجمات البحرية التي يتم الإعلان عنها بشكل متزايد، مؤخراً.
ووقع انفجار الأسبوع الماضي الذي ألحق أضراراً بسفينة إيرانية في البحر الأحمر قبل ساعات فقط من إطلاق إيران والولايات المتحدة محادثات فيينا. في يوليو/تموز، وصفت إيران أيضاً انفجاراً غامضاً في منشأة نطنز بأنه عمل تخريبي.
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولايعبر عن رأي الموقع