السياسية: رصد

يواجه الرئيس الأفغاني أشرف غني مأزقاً كبيراً إذا التزمت الولايات المتحدة باتفاقها مع حركة طالبان وانسحبت من أفغانستان في الأول من مايو/أيار 2021، وتثار تساؤلات جدية حول مصير الرئيس الأفغاني وحكومته وهل يستطيعون البقاء دون وجود الجنود الأمريكيين.

ويتعرض الرئيس الأميركي جو بايدن لضغوط متزايدة بينما يدرس ما إذا كان سيسحب القوات الأمريكية بالكامل من أفغانستان بحلول الموعد النهائي (1 مايو/آيار) الذي اتفقت عليه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب مع حركة طالبان.

وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في 26 مارس/آذار 2021، إن وكالات المخابرات الأمريكية أبلغت إدارة الرئيس جو بايدن أن حركة طالبان قد تجتاح معظم أفغانستان خلال عامين إلى ثلاثة أعوام، إذا انسحبت القوات الأمريكية قبل توصّل أطراف الحرب إلى اتفاق لتقاسم السلطة.

مصير الرئيس الأفغاني

في المقابل، فإن مصير الرئيس الأفغاني ليس مهدداً فقط من حركة طالبان، بل أصبح يواجه فقدان ثقة لافت من قبل حلفائه وعلى رأسهم الأمريكيون، حسبما ورد في تقرير آخر لصحيفة The New York Times الأمريكية.

الرئيس الأفغاني، أشرف غني، لا يزال يحضر مؤتمرات دولية ويلتقي بدبلوماسيين، حتى إنه افتتح مؤخراً سداً جديداً، كما أنه يُلقي بين الحين والآخر خطابات وطنية يتعهد فيها بالدفاع عن بلاده ضد حركة طالبان.

غير أن واقع الأمر أن مدى سيطرة غني على مستقبل البلاد المهدد ومستقبله السياسي هو شخصياً قد أصبح موضع شك ونقاشٍ بين عديد من السياسيين والمراقبين والمواطنين العاديين. أو بالأحرى، أن السؤال عندما يُطرح، تكون الإجابة الصريحة في كثير من الأحيان: لا يسيطر كثيراً.

خريج جامعات أمريكا معزول ويفقد حلفاءه بسرعة

في معظم وجهات النظر تلك، يذهب أصحابها إلى أن غني يعيش في عزلة تامة عن أوضاع البلاد رغم أنه مؤهل جيداً لوظيفته ويتمتع بمصداقية كبيرة، ودرجات عملية من جامعات جون هوبكنز وبيركلي وكولومبيا الأمريكية وخبرة عملية في البنك الدولي والأمم المتحدة. 

إنه مؤلف كتب ودراسات رصينة يتمتع بذكاء عال، وهو يعتمد في خططه على مشورة حفنةٍ معينة من مقربيه، حتى إنه يُبدي مقاومة شديدة لمجرد مشاهدة الأخبار التلفزيونية، كما يقول كل من يعرفه، كما أنه يفقد الحلفاء بسرعة.

لكن لا داعي لذكر أن هذا السلوك يثير متاعب جمة في بلد لا تنفك حركة طالبان الإسلامية المعارضة فيه تملك اليد العليا عسكرياً، ويواجه ما يقرب من نصف عدد السكان مستويات جوع تكاد تبلغ حدَّ المجاعة، وفقاً للأمم المتحدة. 

فساد مستشرٍ وانسحاب الأمريكيين قد يعني انهيار قواته

ويزيد على ذلك أن النسبة الكاسحة من أموال الحكومة تأتي من الخارج، فيما تبدو عيوب مثل هشاشة نظام الحكم والفساد المستشري كأمراض مزمنة عصيةٍ على العلاج في وقت قريب.

وفي غضون ذلك، يستعد الأمريكيون لسحب آخر قواتهم المتبقية، وهي خطوة من المتوقع أن تؤدي على المدى المتوسط إلى انهيار القوات الأفغانية التي يدعمونها الآن، حسب The New York Times .

لكل هذه العوامل وغيرها، يقول رحمت الله نبيل، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات في البلاد، إن أشرف غني “في وضع يائس”، ويضيف: “الحكومة أضعف، والأمن ضعيف، وكل شيء يزداد ضعفاً، وطالبان تكتسب مزيداً من القوة”.

الأمريكيون يتجاهلونه ويتعاملون مع طالبان مباشرة

نأت الولايات المتحدة بنفسها نأياً مطرداً عن غني، وكثيراً ما تجاوزته وتعاملت مع طالبان ووسطاء النفوذ الإقليميين. ونتيجة لذلك، فإن أمراء الحرب الأفغان ومراكز القوى في البلاد عادة ما تنتقده وتستهزئ به علانيةً، وفقا لتقرير The New York Times.

رفض برلمان البلاد إقرار ميزانيته مرتين، في نوع من التصريح بعدم الثقة به. وخصومه الرئيسيون، حركة طالبان، يرفضون حتى مجرد التفكير في عقد اتفاق معه. 

زلماي خليل زادة الممثل الأمريكي لأفغانستان مع رئيس وفد طالبان خلال محادثات الدوحة التي أدت إلى اتفاق على خروج القوات الأمريكية من البلاد/رويترز

ويبدو أن التفويض الممنوح له يتقلص، علماً بأنه كان تفويضاً ضعيفاً منذ البداية، حيث بلغ إقبال الناخبين نحو 18.7% في فوزه المتنازع عليه بشدة في عام 2019، وفقاً للجنة الانتخابات المستقلة في أفغانستان.

أما المسؤولون الأمريكيون، فأغلبهم ضاقوا ذرعاً بسلوكه. وسئم كثيرون مما يرون أنه عناد منه في إصراره على رفض تقديم أي تنازلات للخصوم، علاوة على أسلوبه المتعالي. وقد بلغ الأمر ببعض أعضاء المجتمع المدني حدَّ وصف وضعه السياسي، بأنه أشبه بـ”رجل ميت يمشي”.

“رسالة بلينكن المهينة”

ويبدو أن أحدث إفصاحٍ عن ذلك جاء في الرسالة الأخيرة التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى غني وكانت شديدة القسوة لدرجة أنه حتى الأفغان المعارضين له وجدوها مهينة.

انطوت الرسالة على لغةٍ أشبه بتلك التي يستخدمها أستاذ لتأنيب تلميذه المخالف أكثر منها لغة خطابٍ موجه إلى رئيس دولة. فقد استخدم بلينكن في الرسالة عبارة “أنا أحثك” ثلاث مرات. وتابع: “يجب أن أوضح لك أيضاً، سيدي الرئيس، أنه مع استمرار العمل على سياستنا في واشنطن، فإن الولايات المتحدة لا تستبعد أي خيار”، وكانت الرسالة المبطنة واضحةً: نفوذك لا ينفك يتضاءل.

من جهة أخرى، تعوّل إدارة بايدن على المحادثات متعددة الجنسيات، المقرر إجراؤها مبدئياً في وقت لاحق من هذا الشهر في مدينة إسطنبول التركية، لوضع خطةٍ للمضي قدماً. 

ماذا يقترح الأمريكيون لإنقاذه؟

وينصب جوهر الاقتراح الأمريكي على وجود هيئة حكم مؤقتة تتولى السلطة حتى يمكن إجراء انتخابات جديدة.

وفي هذه الهيئة المؤقتة، تتقاسم طالبان والحكومة الحالية السلطةَ، وفقاً لمسودة مسرَّبة. غير أن هذه الخطة قد تتطلب من غني التنحي عن منصبه، وهي خطوة رفض مراراً مجرد التفكير فيها.

في المقابل، تفتق ذهن الرئيس الأفغاني أشرف غني عن اقتراح مضاد يخطط للإعلان عنه قريباً، وهو مخطط يدعو إلى إعلانٍ لوقف إطلاق النار، و”حكومة سلام” مؤقتة لا يزال تشكيلها المحتمل غير واضح، ثم إجراء انتخابات مبكرة يتعهد هو بعدم الترشح فيها.

وكيف كان رد طالبان؟

مع ذلك، فإن كلاً من الخطة الأمريكية وخطة غني قد لا يُسفر أي منهما عن شيء، وقد لا تغيران مصير الرئيس الأفغاني.

فحركة طالبان لم تقل قط إنها موافقة على إجراء انتخابات، ولم تُبد إشارة إلى أنها قد توافق على أي خطة تكون الحكومة جزءاً منها أو أنها قد تكتفي بتقاسم السلطة معها.

من ناحية أخرى، وبينما يخسر غني رأس ماله السياسي خسارةً مطردة في كابول ومع الشركاء الدوليين، فإن الموقف العسكري للحكومة لا ينفك يتدهور. وكل يوم ترد أنباء عن تفجيرات أصابت قوات الأمن أو عمليات إطلاق للنار عليهم.

دفع ذلك أحد الدبلوماسيين الغربيين البارزين في كابول إلى التعليق على هذا الاستنزاف المستمر، بالقول: “لا يمكن للأمر أن يستمر على هذا النحو. هذه الزيادة في وطأة الضغوط على الحكومة، والمصداقية والشرعية التي تتمتع بها، لا يمكن أن تُحتمل”، حسبما نقلت عنه صحيفة The New York Times .

أقال مسؤولين ناجحين 

أما داخل مجمع القصر الرئاسي، وهو حرم يمتد على مساحة 83 فداناً على هيئة متنزه محمي بسبع طبقات من الأمن، فإن الدائرة الداخلية من مساعدي غني المقربين لا تنفك تصغر وتتقلص. فلقد أقال غني وزير داخليته الذي كان يحظى باحترام واسع النطاق، وهو جنرال في الجيش، وذلك بعد أن أسقطت إحدى الميليشيات طائرة هليكوبتر عسكرية الشهر الماضي. ثم استقال المدعي العام، الذي كان أحد القلة النادرة التي تمتعت بسمعة نزيهة في الحكومة، من منصبه. وبعدها أطاح غني بوزيرَ ماليته بعد توليه بفترة قصيرة.

أحد المسؤولين السابقين البارزين يقول إن غني معزول عن الواقع وعما يجري على الأرض.

في المقابل، يرفض مستشار الأمن القومي في حكومة غني، حمد الله محب، هذا التقييم، ويقول إن “هذا النقد مصدره نخبة سياسية تعتقد أن دورها آخذ في التهميش”.

وصف بعض المسؤولين السابقين غني بأنه يفرض تدخله في كل صغيرة وكبيرة، ويشمل ذلك التدخل في تفاصيل الشؤون العسكرية وقرارات الموظفين حتى مستوى قائد الشرطة المحلية. ويقول الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي: “إنه يحب ذلك، لأنه يعتبر أنه ليس هناك أحد غيره”، قاصداً أنه يرى نفسه الشخص الوحيد المؤهل لاتخاذ قرارات جادة.

ومع ذلك، يقول محب إن اتهام غني بفرض تدخله على أدق تفاصيل إدارة البلاد “مبالغةٌ كبيرة”، وللتدليل على ذلك، زعم أن غني لم يحضر أي اجتماع خاص بالشؤون الأمنية “منذ أسابيع”، مضيفاً أنه “على اطلاع بالإطار الاستراتيجي” للأمور وتسييرها.

على صعيد آخر، يبدو أن عواقب عزلة أشرف غني قد بدأت تتكشف بصورتها الأشد حالياً. يقول الدبلوماسي الغربي إن غني لديه رؤية متماسكة لحل الأوضاع المضطربة في البلاد، لكن الترويج لها وتفعيلها سياسياً أمرٌ لا يملك للوصول إليه لافتقاده أوراق دعمٍ قوية، وهو ما يتجلى في عمق الانقسامات التي تشهدها الأمة. ويذهب الدبلوماسي إلى أن هذا مضر بوحدة أفغانستان.

في وسط البلاد، أدّى إسقاط مروحية تابعة للقوات الأفغانية في مارس/آذار إلى إعادة تأجيج اشتباكات كانت قد هدأت منذ شهور بين قوات حكومية والميليشيات التابعة لأحد أمراء الحرب من الأقلية الشيعية. ومع ذلك، فإن غني ومساعديه كان لهم دور نشط في التعامل مع هذا الصراع، ما أثار استياء الجيش الأفغاني.

يقول مسؤول أمني أفغاني كبير: “هذا بالضبط ما أردنا تجنبه. نحن بالفعل منهكون. وهم يريدون إشعال حرب أخرى هنا”.

كيف ستنتهي محادثات إسطنبول؟

على هذا النحو، قد تنتهي المحادثات القادمة في تركيا إلى مثل ما انتهت إليه المحادثات الأخيرة في موسكو ودوشمبه، عاصمة طاجيكستان، من بيانات لطيفة تستنكر العنف وتأمل في تحقيق السلام، حسب وصف صحيفة The New York Times الأمريكية.

وواقع الأمر أن الفكرة الأمريكية -بإجراء محادثات جديدة في مكان جديد بدلاً من المحادثات القديمة التي عُقدت في قطر ولم تُسفر عن شيء- ليست بالضرورة رهاناً رابحاً. والحق أن المؤشرات المبكرة ليست واعدة حتى الآن، فقد رفض غني مرةً أخرى المقترحات الأمريكية الأولية، وحركة طالبان لم تُبد أي بادرة عن نيتها الالتزام بما هو مطروح على الطاولة.

لخّص مسؤول أمني أفغاني كبير الوضع بالقول: “إذا انسحبت الولايات المتحدة، ولم يكن هناك اتفاق سياسي، فإن الحكومة ستكون في ورطة عميقة. فمن الناحية العسكرية، ليس لديها كثير من الأمل. بمعنى أنه إذا لم تحصل الحكومة على شيء ما، فإن طالبان ستواصل تقدمها. وستكون المعركة شديدة الوطأة”.

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولايعبر عن رأي الموقع