السياسية – رصد :

 

يعد محصول قصب السكر من المحاصيل الزراعية التي يقدم عليها المزارع المصري، بخاصة في إقليم صعيد مصر، ويطلق المزارعون على موسم حصاده “موسم الخيرات”، وتصنفه الحكومة محصولاً استراتيجياً لتوفيره مادة استهلاكية مهمة كالسكر. كما يستخدم في صناعة العسل الأسود الذي يعد الطبق الشعبي الأشهر على أغلب الموائد المصرية، علاوة على دخول مخلفاته كمادة رئيسة في صناعات عدة بينها، الألياف، والورق، والخشب الحبيبي، والخل، والكحول، ومع ذلك كله تعاني زراعته من تهديدات قد تؤثر في استمراره خلال السنوات المقبلة.

الإنتاج وحجم الاستهلاك والفجوة

يقول أحمد عبد الكريم، أستاذ علوم الزراعة الحديثة، إن محصول القصب من المحاصيل النجيلية المجهدة للتربة والأرض الزراعية، لأنه يمتص من التربة عناصر غذائية كثيرة علاوة على أنه من المحاصيل الشرهة للمياه، وتستهلك كميات كبيرة حتى تترعرع عيدان القصب بأوراقها، كما يحتاج إلى طقس حار وجاف وتربة خصبة وعمالة كثيفة.

وعن تاريخ زراعة القصب في مصر، ذكر عبد الكريم أن أول زراعة كانت في عهد الدولة الأموية في خلافة الوليد بن عبد الملك وولاية قرة بن شريك، حيث جرى جلب ونقل القصب من بلاد الهند إلى عدد من مدن صعيد مصر، لافتاً إلى أن عصر ازدهار زراعة قصب السكر في مصر كان في عهد أسرة محمد علي بولاية نجله إبراهيم باشا الذي جلب أنواعاً عدة منه من أوروبا ودول شرق آسيا، ليُجرى التوسع في زراعته.

وأعلن رئيس مجلس المحاصيل السكرية بوزارة الزراعة المصرية مصطفى عبد الجواد، في تصريحات رسمية، أن المساحة الحالية لمحصول قصب السكر تبلغ 350 ألف فدان، بينما يبلغ الإنتاج الكلي 2.5 مليون طن، إلا أن الاستهلاك المحلي يبلغ 3.2 مليون طن وبذلك تبلغ الفجوة 700 ألف طن.

وأضاف عبد الجواد أنه من المتوقع أن يزيد الإنتاج  100 ألف طن خلال عام 2021، مشيراً إلى أنه جرى نشر صنف جديد لقصب السكر “جيزة 3” بهدف رفع إنتاجية السكر من وحدة المساحة المنزرعة وترشيد استهلاك المياه.

وأشار أستاذ علوم الزراعة عبد الرحمن العربي إلى أن محصول قصب السكر من المحاصيل الشرهة للمياه، ويستهلك كميات كبيرة منها مقارنة بالمحاصيل الأخرى، وهو ما يهدد هذه الزراعة الاستراتيجية، أصف إلى هذا مخاطر تهديد حصة مصر في المياه جراء أزمة سد النهضة بخاصة خلال سنوات الجفاف، إضافة إلى الزيادة السكانية السريعة في مصر، كل هذا يرفع من تهديدات عجز المحصول على أهميته.

وتابع العربي أن هناك اتجاهاً يدعو لتقليل زراعة محصول القصب واستبداله ببنجر السكر لسد العجز من المحصول، بخاصة أن الأخير لا يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه وتصلح زراعته في جميع الأراضي الرملية المستصلحة، كما أنه يحسّن خواص التربة ويمكث في الأرض سبعة أشهر فقط.

وذكر العربي أن وزير الري المصري محمد عبد المعطي عقد اجتماعاً مع السيد القصير وزير الزراعة وعلي مصيلحي لوضع خطة متكاملة بشأن تطوير زراعة القصب وزيادة الإنتاجية مع مراعاة الاحتياجات الحالية والمستقبلية لاستهلاك السوق المحلية.

مطالب برفع سعر التوريد

وطالب الأمين العام لنقابة الفلاحين النوبي أبو اللوز الحكومة المصرية برفع سعر طن توريد القصب إلى 1000 جنيه مصري (63.64 دولار أميركي)، لمواجهة الزيادة في تكاليف مستلزمات الزراعة ومواجهة أعباء المعيشة، لافتاً إلى أن الأخيرة تجاهلت الأمر تماماً، وسط استياء المزارعين، وناشد الحكومة بأن تضع في اعتبارها ارتفاع تكلفة إنتاج القصب، في ظل ارتفاعات أسعار الوقود والنقل والعمال، وغيرها من المشكلات التي يواجهها الفلاح.

وأضاف أبو اللوز، أن هناك مطالب عدة لمزارعى قصب السكر فى الصعيد، أهمها زيادة سعر الطن من 720 جنيهاً مصرياً (46 دولاراً) إلى 1000 جنيه (63.64 دولار أميركي) هذا العام، وعدم تكرار معاناة الزراع، فى المطالبات بزيادة سعر طن القصب المورد. وأشار إلى وجود 60 ألف فدان من زراعات القصب فى قرى الأقصر جنوب مصر، يتم توريدها للمصانع وحدها، من بين 320 ألف فدان من زراعات القصب، التى تنتشر هذا العام فى المحافظات الموردة للمحصول لمصانع السكر ولفت إلى أن زراعة القصب من الزراعات المعمرة، التي تحتاج إلى توعية الفلاحين بطرق التسميد الحديثة والري والحصاد.

“اندبندنت عربية” أجرت جولة في حقول زراعة قصب السكر للتعرف إلى مطالب وهموم ومشكلات مزارعيه عن قرب. يقول أحمد الفرشوطي، مزارع قصب بمحافظة قنا، إن زراعة قصب السكر أصبحت محاطة بالمتاعب والمصاعب والمخاطر على المزارع المصري، فمحصول القصب يحتاج إلى عمالة كثيفة ترهق مالك الأرض في نظام الأجرة اليومية التي قفزت في ظل أزمة كورونا إلى 100 جنيه مصري (7 دولارات)، لافتاً إلى أن العمالة الكثيفة لا تقتصر على عملية الحصاد فحسب، بل طيلة الزراعة من الحرث والتسميد والري والتنظيف والتكسير والتوريد.

وأشار عيد الحساني، مزارع قصب بمركز أرمنت بمحافظة الأقصر، إلى أن مرحلة نقل محصول قصب السكر تعد أصعب مراحل زراعته، نظراً لارتفاع أسعار الوقود وتهالك خطوط قطار القصب المؤدية إلى مصانع السكر المعروفة بـ”خطوط الديكوفيل”، ليصبح بذلك تكلفة النقل والعمالة اليومية مدمرة لأرباح المحصول على المزارع البسيط، حيث يلجأ المزارعون إلى تأجير جرارات وشاحنات لنقله من الأراضي الزراعية إلى مصانع السكر التي قد تبعد نحو 40 كيلومتراً.

وانتقد بهاء الإدفاوي، مزارع من محافظة أسوان، غياب أي دور للإرشاد للجمعيات الزراعية، مما يجعل الفلاح يصارع الآفات الزراعية لمحصول القصب بشكل عشوائي، وكثيراً ما يستخدم بعضهم الأسمدة الخاطئة التي تدمر المحصول، مطالباً وزارة الزراعة بتكثيف جرعات الإرشاد للفلاحين في وقت كثرت فيه الآفات والأزمات.

وطالب بيتر جرجس، مزارع من محافظة المنيا، وزارة الزراعة بدعم الفلاح المصري في التحول إلى نظام الري بالتنقيط الذي سيكلف المزارعين تكلفة باهظة، الأمر الذي يحتاج إلى منحة دعم لكل مزارعي قصب السكر بخاصة أن الري بالتنقيط سيوفر للدولة المصرية كميات هائلة من المياه.

وزارة الزراعة المصرية

تواصلنا مع وزارة الزراعة المصرية للتعرف إلى خطة الوزارة في مواجهة تحديات وعوائق زراعة القصب، وأفادت، في تصريحات رسمية، “بأنها تتبنى حالياً خطة تطوير زراعة وتحسين إنتاج قصب السكر من خلال إدخال نظام الزراعة بالشتل مع تطوير نظم الري، إضافة إلى أنه جرى تقديم دعم لمزارعي قصب السكر من خلال تحمل الوزارة تكاليف المكافحة المتكاملة لآفات القصب الحشرية والمرضية مجاناً”.

وأضاف مصدر مسؤول بوزارة الزراعة أنه يجرى تقديم الدعم لكل مساحة القصب البالغة 320 ألف فدان، لتحسين تربة المساحة المنغرسة بدعم يصل من 50 إلى 70 في المئة، لافتاً إلى أنه يجري دعم مزارعي القصب بالاشتراك مع شركات السكر التوسع في زراعة الأصناف الجديدة “جيزة 3، وجيزة 4، س9 المحسن” بقيمة 5 آلاف جنيه (318.21 دولار) للفدان تشجيعاً للتوسع في زراعة الأصناف المحسنة.

المصدر : الاندبندنت

المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر ي\بالضرورة عن رأي الموقع